#1
|
|||
|
|||
كلمة سواء
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونسأله تعالى التوفيق لما يحب ويرضى وعلى الآل والصحب الغر الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
وبعد: لا زال الناس يعيشون حالة من الترقب لما يحمله الغيب من الأقدار ولما سيقضى الله أمرًا كان مفعولا [لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ٍ] [ الأنفال :42]. إن اضطراب الأمواج على سطح البحار، وفى أعماقها يعكس حالة من عدم استقرار أحوالها ، وهذا هو الواقع الذى تعيشه مصر، وكثير من البلاد العربية التى تمرج فيها العهود، وتختلف فيها الأمور؛ حتى يصير الحق باطلًا والباطل حقًّا؛ وحتى تتشابك الأمور بين الناس. ولم يكن الإسلام يومًا داعيًا إلى العنف أو التطرف ، وإنما كان ديدنه العدل والرحمة والتسامح ، ويعطى الإسلام لولى الأمر الحق فى تنفيذ الأحكام الشرعية، ولا يحق للأفراد مهما كانت مسئوليتهم وكثرتهم أن يبطشوا بالناس ويطبقوا الأحكام الشرعية من تلقاء أنفسهم ، فهذه مخالفة شرعية جسيمة، وهذا الكلام يأتي ذكره لقيام بعض الجماعات بتطبيق بعض حدود الشريعة بصورة فردية أو بإثارة الرأى العام لهدم الأضرحة وإشعال الفتن. والإسلام لا يعرف هذا النمط من التقوى بالكثرة والاستعلاء بالدين، وفرض نمط تكفيرى محدد على الناس، وقد عانت الأمة كثيرًا من هذا الانغلاق الفكرى الذى يعكس حالة من سوء فهم لصحيح الدين، وقلة البصيرة بالعلوم الشرعية لدى من يفعلون هذا. والشريعة دقيقة فى أحكامها، وفى ضوابط تنفيذ هذه الأحكام، ولا تجيز للأفراد الاجتراء على صلاحية الآخرين خاصة فى الأمور المتصلة بالنظام العام للدولة فى الإسلام، والتى يؤدى المساس بها إلى رد الفعل المعاكس الذى لا يحمد عقباه [وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً] [ الأنفال :25 ] ، والأخطر من هذا أن يتجه الناس إلى العنف كسلوك جماعى لكل من يختلفون معه فى الرأى إلى حد ترويعهم وتخويفهم والمساس بحرماتهم، وإذا تحول العنف إلى سلوك عام فإن الناس لا تطيقه ولا تحتمله وتصل إلى حد التنفير ويكون الخارجون من الإسلام أكثر من الداخلين فيه، وكنت أصلي فى أحد المساجد ، إذ دق محمول أحد المصلين فلم يتدارك إغلاقه ، وعندما انتهى الناس من الصلاة ما وعظه أحد بالحسنى ولم توجه إليه نصيحة صادقة، وإنما انفعل الناس أجمعون عليه؛ مما أدى إلى ارتفاع الأصوات فى المسجد، وحدوث الفوضى التى شغلت باقى المصلين، وظل الناس فى شقاق لعدة دقائق كانت الشياطين قد فعلت فعلتها بهم وأيقظت جذوة نارها، وأضاعت هيبة المسجد وروحانيته وسط رد الفعل الجماعى الذى يخالف الكتاب والسنة ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم. أيها القراء الكرام نحن في حاجة إلى كلمة سواء تجتمع فيها القلوب والمشاعر والاتجاهات ، والتيارات على هدف إصلاحي واحد كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم – لقريش يوم الحديبية : ((والله لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألوني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها)) ( مسند أحمد : 18125) إننا في هذه المرحلة من عمر الأمة نحتاج إلى التقارب والتواصل ، والتراحم والتفاهم ، نحتاج أن نكون بنيانًا واحدًا يواجه هذه الرياح التي تهب على الأمة ، وسط فرحة أعدائها ، وترقبهم لفرصة يلعبون فيها دورًا في إضعاف الأمة من جديد . فهل نحن مستمعون إلى صوت مصلحة الأمة، وهل نحن سالكون طريقًا يوصل أمتنا إلى أرض ثابتة، وهل نحن منتهون عن كل ما يثير التدابر والتفرق في بلادنا، ويضعف من شوكتنا؟ . [وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ] [ آل عمران : 103]. والحمد لله أولا وآخرًا، الذى بنعمته تتم الصالحات، وتستجاب النعم، ويأتى الفرج من الله عز وجل، وأسأله تعالى أن يرزقنا وإياكم من حيث لا نحتسب. [دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ] [ يونس : 10] . |
أدوات الموضوع | |
|
|