#1
|
||||
|
||||
سورة يس.
" يس " حرفان من حروف الهجاء، وليسا اسما للنبى عليه الصلاة والسلام. والقسم التالى " والقرآن الحكيم * إنك لمن المرسلين " ، قسم بقوة البرهان على صدق الرسالة! فإن الدليل الصحيح ينطق بصحة الدعوى. وهذا القرآن معجزة شاهدة بأن محمدا حق، وأنه مرسل من لدن الله بكتاب مستقيم الهداية منزه عن الافتعال والانحراف " تنزيل العزيز الرحيم * لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون " . والمعجزات المادية لا ترتفع إلى مستوى الإنارة العقلية. والذين ورثوا العكوف علي الأصنام لا تفطمهم عن عبادتها عصا موسى ولا طب عيسى، وإنما يشفيهم من عماهم كتاب يحرك عقولهم، ويزيح عنها الأوهام على شرط أن يتحركوا ويعوا. وهناك ناس يعيشون فى عالم السدود والقيود سجناء وراء جدران لا يرون فيها شيئا " إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون " . والمقمح من استقر القيد تحت ذقنه، فاعوج رأسه إلى فوق فما يحسن الرؤية "وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون ". والتقليد الأعمى يخلق أجيالا من هذا النوع المتحجر لا يصلح بشىء!! ولا تجدى معه النذر " إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم " . وسورة يس - وتسمى قلب القرآن - يمكن أن نقول إنها مكونة من مقدمة وثلاثة - فصول. أما المقدمة، فهى - كما رأيت - حديث عن القرآن ومستمعيه، وراديه أو مؤيديه.!؟ وأما الفصول الثلاثة، فهى أدلة منوعة على صدق ما دعا إليه. أولها دليل تاريخى تضمن قصة موجزة عن قرية تشبه مكة، ناوأت المرسلين وضاقت بالوحى. وثانيها دليل عقلى فتح الأنظار على الكون علوه وسفله، واكتشف من نظامه وانسجامه، ما يدل على عظمة خالقه. ص _341 والدليل الثالث تربوى يأخذ من حقيقة البعث والجزاء ما يكبح الغرائز ويزيح الغفلة، ويسوق النفوس إلى الحق بمشاعر الرغبة والرهبة. من المقدمة والأدلة الثلاثة تتكون سورة يس وما دعت إليه من توحيد الله، والتأمل فى ملكوته والاستعداد للقائه للخلود فى جواره.. ويبدأ الدليل الأول بقوله تعالى :" واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون.. " . ولا يعنينا اسم القرية، وإنما يعنينا ما وقع فيها من أحداث. إن أعداء المرسلين يحسبونهم جاءوا لاستلاب سلطانهم وأخذ ما بأيديهم ولذلك سرعان ما تبرموا بهم وتهددوهم وتشاءموا من " إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم * قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون" . ومنذ نوح وأعداء الأنبياء يحسبونهم طلاب رياسة، ويظنون دعوتهم شركا المآرب خاصة. ولذلك قالوا لهم ما قيل لنوح " ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين " . لكن الله يخلق رجالا يعشقون الحقيقة، ويضحون من أجلها ويعانون فى سبيلها، كما قال شوقى: إن الذى خلق الحقيقة علقما لم يخل من أهل الحقيقة جيلا وفى هذه القرية أقبل رجل من بعيد ينصح الناس مؤكدا أمرين. 1ـ أن الرسل ناس متجردون لا ينشدون جاها ولا مالا. 2ـ وأن الله الذى يدعون إليه هو الحق المبين، وماعداه وهم لاوجود له، يضر ولا ينفع. " يا قوم اتبعوا المرسلين * اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون * وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون" . لكن هذا الناصح الأمين فشل فى إقناع الضالين. ولم تذكر القصة أقتل أم مات، لكنه بعدما انتقل إلى ربه، ورأى ما أعد له من كرامة، قال حزينا على حالهم "يا ليت قومي يعلمون * بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين " . ص _342 وأنى لقومه أن يثوبوا إلى رشدهم؟ فماذا حدث؟ هل عبأت السماء قواها لتعاقبهم على كفرهم؟ أمرهم من ذلك أهون: " وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين * إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون ". إن غرور الناس فاجع العقبى، وما يلقون به الرسل من إهانة وتكذيب فادح الثمن. وتشتد العقوبة مع كبر الجريمة، ولذلك قال جل شأنه: " يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون * ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون " . إن مستقبل الحضارة التى تظلنا مقلق، لأنها ترفض ذكر الله، وتنسى الإعداد للقائه، وهى تبحث عن حتفها بظلفها. فى الفصل الثانى من السورة المباركة سورة يس نجد بضعه أدلة على عظمة الله واستحقاقه كل كمال. أول هذه الأدلة قوله جل شأنه "وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون * وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون". إننا نعطى الأرض أسوأ ما لدينا وتعطينا أحسن ما عندها! ويقول الفلاحون إن أجود البطيخ ما كان سماده خرء الحمام! وفضلات البشر تساق إلى الحقول، فإذا هى تنتج كيزان الذرة وسنابل القمح، وعيدان القطن والكتان، وصنوفا لا حصر لها من الفواكه والثمار. من الذى أخرج من الحمأ المسنون هذه الخيرات السنية؟ " سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون " ! ونصعد من الأرض إلى السماء فى إطلالة خاطفة على نظامها الفلكى! إن الظلام يسود أرجاء الكون، وأشعة الشمس تتحول إلى ملاءة بيضاء عندما تستقبلها الأرض. فإذا جمع الله الأشعة عادت الظلمة الأولى. ولذلك جاء التعبير عن الليل والنهار بهذه الألفاظ " وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون ". وربما بدا للناس أن الشمس والقمر فى مدار واحد. وهذا خطأ، فلكليهما مداره، ولن يلتقيا، وإنى أتصور أحيانا هذه الكواكب، فأتساءل: ما يمسكها فى فضائها؟ ما يدفعها فى مجراها وبأى طاقة تسير؟ من أحكم، نظمها وهى ألوف الألوف، فضبط مكانها وزمانها وشروقها وغروبها ؟ ص _343 ونحن البشر فى زاوية من الكون الكبير نرقب آيات ربنا، ومنا المؤمن ومنا الكافر! نعود مرة أخرى إلى الأرض لنرمق البحار وما يسبح فيها من جوار كالأعلام، ونتلو قوله تعالى : " وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون * وخلقنا لهم من مثله ما يركبون " !! إن البحر أكبر من البر أربع مرات، وعالمه أوسع مساحة من عالمنا، وقد عرفنا أن للأجسام الطافية فيه قانونا مضبوطا، فهى تجرى أو تغوص بقدر، وعندما يتعرض الناس لأخطاره فلا مغيث لهم إلا الله، فهل يذكرون ذلك عندما يأمنون؟ هذه الأدلة الثلاثة السابقة تبعتها أدلة أخرى فى نهايات السورة مثل قوله تعالى "أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون * وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون " . إننى أنظر إلى الجزارين فى الأسواق قد علقوا فى دكاكينهم قطعانا من الغنم والبقر.. وأرى الألوف تلتهمها، وهى لا تدرى شيئا عمن سخرها!! ما هذه الغفلة عن الله..؟ والفصل الأخير من تفسير السورة يتضمن حديثا عن البعث والجزاء، وهما من عمد التربية الدينية، ولكن الحضارة الحديثة تغفلهما وتستهجن الحديث عنهما، وتخيل للناس أن مصيرهم لا يعدو مصاير الدواب النافقة، لا حش ولا حساب. ويبدو أنه كما تجىء المنية بغتة، تقوم الساعة بغتة دون ترقب من الناس أو محاذرة!! وهذا ما تشير إليه الآيات: " ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين * ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون * فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون " . أى أنها تقع وهم مشغولون فى أسواقهم ومجامعهم، كما ذكر الحديث " لتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبا بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه. ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه. ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها... " . ووقوع الساعة على هذا النحو لا يعطى فرصة لعمل شىء ولا التوصية بشىء، ثم ينشر العباد إلى ربهم للحساب بعد أن تهمد كل حركة على ظهر الأرض، ويواجه الناس ما قدموا... " فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون * قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون " . ص _344 وفى الآيات وصف رائق لأهل الجنة يشرح ما ينعمون به ويحبرون فيه. أما أهل النار فيسمعون التبكيت على ما أسلفوا " ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين * وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم * ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون.. " ؟ ومع أن أساس هذا الفصل هو البعث والجزاء، فقد حوى معانى أخرى من دلائل العظمة الإلهية، ومظاهر النعمة التى خص بها بنو آدم. ثم عاد الكلام مرة ثانية إلى أدلة البعث فى صورة حوار طريف " وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم * قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم " . إن الذى بدأ الخلق أولا لا يعييه أن يعيد الخلق كرة أخرى!! ثم لفت القرآن نظرنا إلى حقيقة علمية فى عناصر الكون. إننا نتنفس فنأخذ من الهواء "الأوكسيجين " ثم نرده " كربونا "، ويتنفس النبات فيأخذ الكربون ويرسل " الأوكسيجين ". ويتراكم غاز الكربون الذى يأخذه النبات ويتجمد فى كيانه جذوعا وأغصانا وأوراقا، لا تلبث أن تكون حطبا محترقا " الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون " . إن هذه الوظائف الطبيعية من آيات الله الذى يخرج الحى من الميت ويخرج الميت من الحى. وهذا السلوك ظاهر فى النبات الذى يخرج من التربة حيا وسط عناصرها مدة " فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون " . ص _345 |
#2
|
|||
|
|||
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
__________________
( فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ) الكهف 6 كل العلوم سوى القرآن مشغلة ..... إلا الحديث وعلم الفقه في الدين العلم ما كان فيه قال حدثنا ..... وما سوى ذاك وسواس الشياطين |
#3
|
||||
|
||||
[frame="1 98"]
[align=center] السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بسم الله الرحمن الرحيم بارك الله فيك أخي الكريم عمر أيوب على مرورك الكريم. [/align] [/frame] |
أدوات الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه للموضوع: سورة يس. | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | الأقسام الرئيسية | مشاركات | المشاركة الاخيرة |
إبدأ صفحة جديدة مع الله | معاوية فهمي | موضوعات عامة | 0 | 2019-12-31 11:27 AM |
هل سمعت بهذا من قبل | معاوية فهمي | موضوعات عامة | 0 | 2019-12-22 11:36 AM |
شرح سورة الجمعة | التوحيد | موضوعات عامة | 0 | 2019-11-23 11:06 PM |
الدروس المستفادة من سورة التوبة | معاوية فهمي | موضوعات عامة | 0 | 2019-11-03 12:16 PM |