جديد المواضيع |
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
إشكال في "فتوح الغيب" للطيبي ، و"مفاتيح الغيب" للرازي !!
قال "الإمام" فخر الدين الرازي في "تفسيره" (2/320) : " حُكِيَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ : كُلُّ شَيْءٍ في القرآن : ( يا أَيُّهَا النَّاسُ ) فإنه مكي، وما كان : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) فَبِالْمَدِينَةِ . قَالَ الْقَاضِي: هَذَا الَّذِي ذَكَرُوهُ : إِنْ كَانَ الرُّجُوعُ فِيهِ إِلَى النَّقْلِ = فَمُسَلَّمٌ . وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ فِيهِ حُصُولَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْمَدِينَةِ عَلَى الْكَثْرَةِ ، دُونَ مَكَّةَ = فَهَذَا ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُخَاطِبَ الْمُؤْمِنِينَ مَرَّةً بِصِفَتِهِمْ، وَمَرَّةً بِاسْمِ جِنْسِهِمْ، وَقَدْ يُؤْمَرُ مَنْ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ بِالْعِبَادَةِ، كَمَا يُؤْمَرُ الْمُؤْمِنُ بِالِاسْتِمْرَارِ عَلَى الْعِبَادَةِ وَالِازْدِيَادِ مِنْهَا، فَالْخِطَابُ فِي الْجَمِيعِ مُمْكِنٌ " اهـ . وقد التبس أمر هذا النقل على شرف الدين الطيبي ، في حاشيته الماتعة النافعة ، على كشاف الزمخشري ، فقال (1/286) : " روى الإمام عن القاضي ..." ، ثم نقل النص السابق . وبغض النظر عن أن يكون إطلاق "الإمام" في البحث الأصولي والكلامي عند المتأخرين : يراد به الرازي ، والقاضي ، يراد به : البيضاوي ، فإن الذي يعنينا هنا : أن هذا هو الإطلاق المطرد الذي لا يتخلف ، والعرف الخاص في استعمال الطيبي ، لو قدرنا أنه ليس ثمة عرف عام ، واصطلاح ثابت يؤيد ذلك . وهذا أمر واضح في عامة كتابه . ونحن بالفعل ، نجد البيضاوي يقول في تفسيره (1/16) : " وما روي عن علقمة والحسن : أن كل شيء نزل فيه : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ) ، فمكي ، ( وَيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) فمدني، إن صح رفعه : فلا يوجب تخصيصه بالكفار، ولا أمرهم بالعبادة، فإن المأمور به هو القدر المشترك بين بدء العبادة، والزيادة فيها، والمواظبة عليها . فالمطلوب من الكفار : هو الشروع فيها بعد الإتيان بما يجب تقديمه من المعرفة والإقرار بالصانع، فإن من لوازم وجوب الشيء وجوب ما لا يتم إلا به، وكما أن الحدث لا يمنع وجوب الصلاة، فالكفر لا يمنع وجوب العبادة، بل يجب رفعه والاشتغال بها عقيبه. ومن المؤمنين ازديادهم وثباتهم عليها" انتهى . وليس من شك في أن الفكرة التي يدور عليها الكلام في النقلين : واحدة . لكن : ليس من شك أيضا : في أن النصين مختلفان : في الأسلوب ، وفي جملة من التفاصيل التي تدرك بالنظر والمقابلة بينهما . على أنه إذا قدر أن النصين متطابقان تماما ، فالذي أمامنا في تفسيره أن نقول : إن القاضي البيضاوي ، هو الذي نقل عن الرازي ، أو نقل عن (القاضي) الأول ، الأصلي ، الذي نقل عنه الرازي ، والذي لا يمكن أن يكون هو البيضاوي ؛ فأنى للرازي (ت: 606هـ) أن ينقل عن البيضاوي (ت: 685هـ، أو بعدها ) ؟! والواقع أن القاضي في هذا النص الذي نقله الرازي ، بل في عامة المواضع التي يطلق فيها الرازي : (القاضي) في تفسيره : هو القاضي عبد الجبار المعتزلي (ت: 415هـ) . والمواطن التي صرح فيها الرازي ببيانه : القاضي ، ثم يردفه بـ : عبد الجبار، كثيرة جدا في تفسيره ، يمكن الوقوف عليها بأيسر كلفة . لكننا نريد أن نقول أيضا : إن أكثر من هذه المواضع ، بل هو الغالب الأعم : أن يقول القاضي فقط ، من غير بيان أنه : عبد الجبار ، ثم يكون مراده به : عبد الجبار ، لا القاضي الباقلاني ، كما هو إطلاق الأشاعرة ، ولا القاضي الماوردي ، كما هو إطلاق الشافعية ، بل إنه حينما ينقل عن هذين ، يقيد مراده ، فيقول : القاضي الماوردي ، أو القاضي أبو بكر !! ومن الأدلة على ما قررناه ، وهي أكثر من أن نذكرها هنا : قوله (2/323) : " قَالَ الْقَاضِي: الْآيَةُ ـ يعني : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ـ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ سَبَبَ وُجُودِ الْعِبَادَةِ مَا بَيَّنَهُ مِنْ خَلْقِهِ لَنَا وَالْإِنْعَامِ عَلَيْنَا." اهـ ، ونحوه في (2/334) . ونحن نجد نفس الفكرة عن القاضي عبد الجبار : " ونبه بذلك على ان العبادة انما تليق به لانه خالقنا والمنعم علينا " اهـ من "تنزيه القرآن عن المطاعن" (13) ، والاختلاف بين العبارتين ، ليس لأنه الرازي تصرف في عبارته ، على الأظهر ، وإن كان ذلك واردا ؛ بل لأنه ينقل عن "تفسيره" ، المفقود . ويقول أيضا في نص واضح الدلالة (3/619): "أَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ : فَقَدِ اتَّفَقَتْ كَلِمَتُهُمْ عَلَى أَنَّ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَقْدِرُ عَلَى خَلْقِ الْجِسْمِ وَالْحَيَاةِ وَاللَّوْنِ وَالطَّعْمِ، وَاحْتَجُّوا بِوُجُوهٍ ذَكَرَهَا الْقَاضِي وَلَخَّصَهَا فِي تَفْسِيرِهِ وَفِي سَائِرِ كُتُبِهِ" . بل إن يصرح بالخلاف المذهبي ، مع هذا القاضي (12/530) : " مَذْهَبُ الْقَاضِي وَأَكْثَرِ مُعْتَزِلَةِ الْبَصْرَةِ أَنَّ الْعِوَضَ مُنْقَطِعٌ. قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ، لِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّهُ تَعَالَى بَعْدَ تَوْفِيرِ الْعِوَضِ عَلَيْهَا يَجْعَلُهَا تُرَابًا، وَعِنْدَ هَذَا يَقُولُ الْكَافِرُ: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا. قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَلْخِيُّ: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ دَائِمًا وَاحْتَجَّ الْقَاضِي عَلَى قَوْلِهِ بِأَنَّهُ يَحْسُنُ مِنَ الْوَاحِدِ مِنَّا أَنْ يَلْتَزِمَ عَمَلًا شَاقًّا وَالْأُجْرَةُ مُنْقَطِعَةٌ، فَعَلِمْنَا أَنَّ إِيصَالَ الْأَلَمِ إِلَى الْغَيْرِ غَيْرُ مَشْرُوطٍ بِدَوَامِ الْأُجْرَةِ. وَاحْتَجَّ الْبَلْخِيُّ عَلَى قَوْلِهِ، بِأَنْ قَالَ: إِنَّهُ لَا يُمْكِنُ قَطْعُ ذَلِكَ الْعِوَضِ إِلَّا بِإِمَاتَةِ تِلْكَ الْبَهِيمَةِ، وَإِمَاتَتُهَا تُوجِبُ الْأَلَمَ وَذَلِكَ الْأَلَمُ يُوجِبُ عِوَضًا آخَرَ، وَهَكَذَا إِلَى مَا لَا آخِرَ لَهُ. وَالْجَوَابُ عَنْهُ: أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ بِالدَّلِيلِ أَنَّ الْإِمَاتَةَ لَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُهَا إِلَّا مَعَ الْإِيلَامِ. واللَّه أَعْلَمُ" اهـ قال (13/143) : " رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ أَنَّهُ قَالَ تَذَاكَرْنَا فِي أَمْرِ الْقَدَرِيَّةِ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ لُعِنَتِ الْقَدَرِيَّةُ عَلَى لِسَانِ سَبْعِينَ نبيا منهم نبينا صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ وَقَدْ جُمِعَ النَّاسُ بِحَيْثُ يَسْمَعُ الْكُلُّ أَيْنَ خُصَمَاءُ اللَّهِ فَتَقُومُ الْقَدَرِيَّةُ وَقَدْ أَوْرَدَ الْقَاضِي هَذَا الْحَدِيثَ فِي تَفْسِيرِهِ. وَقَالَ هَذَا : الْحَدِيثُ مِنْ أَقْوَى مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَدَرِيَّةَ هُمُ الَّذِينَ يَنْسِبُونَ أَفْعَالَ الْعِبَادِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى قَضَاءً وَقَدَرًا وَخَلْقًا لِأَنَّ الَّذِينَ يَقُولُونَ هَذَا الْقَوْلَ هُمْ خُصَمَاءُ اللَّهِ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ لِلَّهِ أَيُّ ذَنْبٍ لَنَا حَتَّى تُعَاقِبَنَا وَأَنْتَ الَّذِي خَلَقْتَهُ فِينَا وَأَرَدْتَهُ مِنَّا وَقَضَيْتَهُ عَلَيْنَا وَلَمْ تَخْلُقْنَا إِلَّا لَهُ وَمَا يَسَّرْتَ لَنَا غَيْرَهُ فَهَؤُلَاءِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونُوا خُصَمَاءَ اللَّهِ بِسَبَبِ هَذِهِ الْحُجَّةِ أَمَّا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ مَكَّنَ وَأَزَاحَ الْعِلَّةَ وَإِنَّمَا أَتَى الْعَبْدُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ فَكَلَامُهُ مُوَافِقٌ لِمَا يُعَامَلُ بِهِ مِنْ إِنْزَالِ الْعُقُوبَةِ فَلَا يَكُونُونَ خُصَمَاءَ اللَّهِ بَلْ يَكُونُونَ مُنْقَادِينَ لِلَّهِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَهُوَ عَجِيبٌ جِدًّا وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يُقَالُ لَهُ يَبْعُدُ مِنْكَ أَنَّكَ مَا عَرَفْتَ مِنْ مَذَاهِبِ خُصُومِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْعَبْدِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ وَلَا اسْتِحْقَاقٌ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ وَأَنَّ كُلَّ مَا يَفْعَلُهُ الرَّبُّ فِي الْعَبْدِ فَهُوَ حِكْمَةٌ وَصَوَابٌ وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ عَلَى الرَّبِّ اعْتِرَاضٌ وَلَا مُنَاظَرَةٌ فَكَيْفَ يَصِيرُ الْإِنْسَانُ الَّذِي هَذَا دِينُهُ وَاعْتِقَادُهُ خَصْمًا لِلَّهِ تَعَالَى. أَمَّا الَّذِينَ يَكُونُونَ خُصَمَاءَ لِلَّهِ فَهُمُ الْمُعْتَزِلَةُ وَتَقْرِيرُهُ مِنْ وُجُوهٍ ..". اهـ وينظر أيضا : (20/285) . في تفسيره لقول الله تعالى : ( أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ ) سورة مريم ، ينقل عن القاضي نصا مطولا في تأويل هذا الإرسال ، ويناقشه فيه ، وهذا التأويل المذكور هنا ، بألفاظ قريبة ، وبنفس الأمثلة ، نجده في كتاب "متشابه القرآن" ، للقاضي عبد الجبار (486-487) . والواقع : أن الأمثلة والشواهد على ما ذكرناه : أكثر من أن تذكر هنا ، ونرجو أن يكون فيما ذكرناه كفاية وغنية ، إن شاء الله . لقد كان "تفسير القاضي عبد الجبار" أحد أهم المصادر التي اعتمد عليها الرازي في تفسيره، كما هو ظاهر من التأمل في كتابه ، وهو ما سبق أن ذكره الإمام الشاطبي رحمه الله ، قال : " حدثني الأستاذ أبو علي الزواوي ، عن شيخه الأستاذ الشهير أبي عبد الله المسفر ، أنه قال : إن تفسير ابن الخطيب احتوى على أربعة : علوم نقلها من أربعة كتب، مؤلفوها كلهم معتزلة : فأصول الدين : نقلها من كتاب الدلائل لأبي الحسين. وأصول الفقه : نقلها من كتاب المعتمد لأبي الحسين أيضاً، وهو أحد نظار المعتزلة؛ وهو الذي كان يقول فيه بعض الشيوخ إذا خالف أبو الحسين البصري في مسألة صعب الرد عليه فيها. قال : والتفسير من كتاب القاضي عبد الجبار. والعربية والبيان : من الكشاف للزمخشري. " انتهى من "الإفادات والإنشادات" (100-101) . والله الموفق ، والله أعلم . |
أدوات الموضوع | |
|
|