الصداقه في الاسلام

[امير عبد القادر]

بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى سيدِنَا محمدٍ وعلَى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ.
ثم أمَّا بعدُ
ان الدين الاسلامي دين يدعوا الي الوحدة والترابط وينبذ الشتات والفرقة ونجد ذلك في عدة ايات من القران الكريم ومثال لذلك قوله {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }التوبة11
ونجد شعائر الدين عامه تترجم هذا الترابط والوحده الصلاة في جماعه الحج الزكاة تراحم وصل وغير ذلك من الشعائر
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم من رواية أَبي الدَّرْدَاءِ ، «مَا مِنْ ثَلاَثَةٍ في قَرْيَةٍ وَلاَ بَدْوٍ لاَ تُقَامُ فِيهِمْ الصَّلاَةُ إِلاَّ قَدْ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانْ، فَعَلَيْكَ بالْجَمَاعَةِ، فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ» . ابي داود
إن الإنسان مدني بطبعه، يحب أن يخالط الناس، ويتخذ الأخلاء والأصدقاء ولذلك احب ان اتحدث عن علاقه تنشاء بين اثنين او اكثر وهي الصداقة فنجد ان الله قد ذكرها في كتابه ومن هنا نستخلص اهمية الصداقه فلذلك اتخذ النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- أصحابًا له يجالسهم، ويستشيرهم في مختلف الأمور، مشيرًا إلى أن الصداقة لا تتوقف عند شخص واحد، وإنما يمكن أن تتعدى صداقة الفرد لأكثر من شخص
وسوف ناخذها من منظر الدين واثرها في المجتمع
ان الصداق هي رابطه اجتماعيه تربط بين اثنين او اكثر تجمع بينهم وتكن افكارهم او معتقدهم واحده يتفقون علي راي واحد يسر احدهم ما سر اخيه ويحزن اذا حزن اخيه يريد كل واحد لاخيه الخير
والصديق يؤثر على صديقه سلباً أو إيجاباً، فإن كان الصديق فاسداً فانه من الطبيعي ان يدعوه الي الفساد فيلوث عرضه ويدنس شرفه ويقوده إلى مهاوي الردى ويكتسب منه السمعة السيئة يقول علي رضي الله عنه : لا تصحب الفاجر فإنه يزين لك فعله ويود لو أنك مثله. وإن كان الصديق صالحاً ذكّره إذا نسي وأعانه إذا ذكر
عن عَائِشَةَ ، رَضِيَ الله عَنْهَا قَالَتْ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إذَا أرَادَ الله بِالأَمِيرِ خَيْراً جَعَلَ لَهُ وَزِيراً صِدْقٍ، وَإنْ نَسِيَ ذَكَّرَهُ وَإنْ ذَكَرَ أعَانَهُ، وَإذَا أرَادَ الله بِهِ غَيْرَ ذَلِكَ جَعَلَ لَهُ وَزِيرَ سُوءٍ، إنْ نَسِيَ لَمْ يُذَكِّرْهُ وَإنْ ذَكَرَ لَمْ يُعِنْهُ» .البخاري
هذه الصداقه اذا قامت علي اسس دينيه سلميه تكن في رضي الله عز وجل واما اذا قامت علي خلاف ذلك تكون خذي وندامه يوم القيامه

قال تعالي
{وَيَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَآءُ بِٱلْغَمَامِ وَنُزلَ ٱلْمَلاَئِكَةُ تَنزِيلاً * ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ لِلرَّحْمَـٰنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى ٱلْكَافِرِينَ عَسِيراً * وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يٰلَيْتَنِي ٱتَّخَذْتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلاً * يٰوَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً * لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ ٱلذكْرِ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِي وَكَانَ ٱلشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً }
يخبرنا الله تعالى عن هول يوم القيامة وما يكون فيه من الأمور العظيمة، فمنها انشقاق السماء وتفطرها، وانفراجها بالغمام وهو ظلل النور العظيم الذي يبهر الأبصار، ونزول ملائكة السماوات يومئذ فيحيطون بالخلائق في مقام المحشر، ثم يجيء الرب تبارك وتعالى لفصل القضاء.
وقوله تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّـٰلِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يٰلَيْتَنِى ٱتَّخَذْتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلاً }[الفرقان:27]، يخبر تعالى عن ندم الظالم الذي فارق طريق الرسول صلى الله عليه وسلم، وما جاء به من عند الله من الحق المبين الذي لا مرية فيه، وسلك طريقاً أخرى غير سبيل الرسول، فإذا كان يوم القيامة ندم حيث لا ينفعه الندم، وعض على يديه حسرة وأسفاً، فإنها عامة في كل ظالم،فكل ظالم يندم يوم القيامة غاية الندم، ويعض على يديه قائلاً {يَقُولُ يٰلَيْتَنِى ٱتَّخَذْتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلاً * يٰوَيْلَتَا لَيْتَنِى لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً }[الفرقان: 28] يعني من صرفه عن الهدى وعدل به إلى طريق الضلالة من دعاة الضلالة،
وقـيل للصداقة خُـلَّة لأَن كل واحد منهما يَسُدُّ خَـلَل صاحبه فـي الـمودّة والـحاجة إِلـيه. قال الـجوهري: الـخَـلِـيل هو الصديق،
وردة كلمة خليلا في القران في ثلاثه مواضع النساء والاسراء والفرقان
فالصداقة هي: الصحبة عن محبة، وهي مأخوذة من الصدق لأن الصديق يصُدق صديقه وُيَصِّدُقه
فالصداقة هي سكون النفس والطمانينه لشخص معين ارتبط به ولذلك نجد اصدق قولا هو قول الشاعر

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه.
فكل قرين بالمقارن يقتدي
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّجُلُ عَلَى دين خَلِيله فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ) حديث غريب
وقال مالك بن دينار: إنك إن تنقل الأحجار مع الأبرار، خير لك من أن تأكل الخبيص مع الفجار. وأنشد:
وصاحب خيار الناس تنج مسلمــا
وصاحب شرار الناس يوما فتندما
فالصديق هو مراة صديقه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مرآة المؤمن والمؤمن أخو المؤمن، يكفُّ عليه ضيعته ويحوطه من ورائه" رواه أبو داود.
ومن هذا نستخلص صفات الصديق وهو الرجل الصالح والمخلص والامين وقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم يكفُّ عليه ضيعته ويحوطه من ورائه أي يحفظه في اهله وماله ويعينه علي تجارته ودينه
ولذلك قال رسول الله عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَىٰ ،، عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: «إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ. فَحَامِلُ الْمِسْكِ، إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحاً طَيِّبَةً. وَنَافِخُ الْكِيرِ، إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحاً خَبِيثَةً».مسلم
فالجليس هو اما صاحب طيب او خبيث
وهذا الحديث هو الذي يمثل اثر الصحبة علي الفرد اما طيب ينفعك بعلمه ويساعدك برايه ويحفظك ان غبت وتجد ريح طيبه يذكرك الناس بذكره
وقدْ قَالَ لُقْمَانُ الحكيمُ لاِبْنِهِ: مَنْ يَصْحَبْ صَاحِبَ السُّوءِ لاَ يَسْلَمْ وَمَنْ يَصْحَبِ الصَّاحِبَ الصَّالِحَ يَغْنَمْ.
او عكس ذلك تماما فإن أصدقاء سوء يتأثر بهم و بأخلاقهم السيئة وإن لم يشاركهم أعمالهم السيئة فأنه وافقهم عليها وهذا أثم كبير يقع عليه وان ذكروا ذكر هو معهم
ومن ثم فإن عملية اختيار الصديق يجب أن تتم بعناية فائقة وَفق أسس وقواعد، قد يؤدي الإخلال بها إلى إصابة الإنسان بكثير من الضرر سواء كان في الدنيا أو في الآخرة
اما اثر تلك الصداقه الفاسده يمتد الي المجتمع ونجد ان الصداقة تمتد جذورها حتي تدخل الي كل بيت سواء كانت صداقه صالحه او فاسده
ونجد المثل الذي ضربه لنا رسول الله صلي الله عليه وسلم في البخاري من رواية عامرٍ انه قال: «سمعتُ النعمانَ بن بشيرٍ يقول: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: تَرى المؤمنينَ في تراحُمِهم وتوادّهم وتَعاطفِهم كمثَل الجسَدِ إذا اشتكىٰ عُضواً تَداعىٰ له سائرُ جسَدِه بالسّهَرِ والحُمّىٰ».
ولقد ترجمت تلك الصداقة في ارض الواقع وكان اثرها في المجتمع ظاهر وهي في زمن الصحابه حتي صار الفرد يمثل الكل والكل كالفرد الواحد وهكذا كانت وضع لهم نموذج التعاون والحب فاخاء بين المهاجرين والانصار فاستجابوا له، وظهر مجتمع مثالى
وهذه الصداقة تحولت الي محبه وكان الفرد يحب لاخيه ما يحبه لنفسه {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }الحشر9
ومِنْ كمالِ الصحبةِ الصالحةِ وأثرِهَا الطيبِ علَى الفردِ والمجتمعِ أنَّهَا عونٌ للأصحابِ علَى فعلِ الخيراتِ، فالصاحبُ الصالِحُ يحرصُ علَى إفادةِ صاحبِهِ وعدمِ ضررِهِ، قَالَ صلى الله عليه وسلم : « خَيْرُ الأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ( او كما ورد
ومن الواجب ان نراعي أولادنا في الصحبة وان نعلمه اختيار الاصدقاء لان رسول الله صلي الله وسلم انه قال راعي وكلكم مسؤل عن رعيته
واما الصداقة السيئه فانها تدمر الفرد والمجتمع معا لانها لا تثمر طيب بل انها تثمر الخبث والكراهية والانانيه والحقد والافعال الفاضحه وخير مثال الامم التي هلكة من قبل




بل إن العزلة على خطورتها أهون من مصاحبة الأشرار، يقول أبو ذر رضي الله عنه : الوحدة خير من جليس السوء، والجليس الصالح خير من الوحدة
فنجد ان الصديق الصالح اذا فارق صاحبه اشتاق اليه فان الدنيا تضيق عليه حتي يعود اليه فان سعي اليه نجد ان الله يغفر له ويحبه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خرج رجلاً يزور أخاً له في قرية أخرى، فأرصد الله عزَّ وجلَّ على مدرجته ملكاً، فلما مر به قال: أين تريد؟ قال: أريد فلاناً، قال: للقرابة، قال: لا، قال: فلنعمة له عندك تربها؟ قال: لا قال: فلم تأتيه؟ قال: إني أحبه في الله عزَّ وجلَّ، قال: فإني رسول الله إليك، إن الله عزَّ وجلَّ يحبك بحبك إياه فيه».
فلنظر الي هذا ان الصداقه الصالحه اثمرة الجنه وان الصداقه الفاسده اثمرت الخذي والندامه
واما اذا فارق هذا الصديق الدنيا فلا جزاء لك الي الجنة عن أبي هريرةَ أن رسولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قال: «يقولُ اللّهُ تعالى: ما لعبدي المؤمِن عندي جَزاءٌ إذا قَبَضتُ صفيَّه مِن أهلِ الدنيا ثمَّ احتَسَبه إلا الجنّة».
وختامة اسال الله ان يجمعنا معنا في الفردوس الاعلي اللهم امين
وصلي الله علي نبيك وخليلك وحبيبك ورسولك الكريم وان الحمدلله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
القران الكريم
تفسير الطبري
كتب الاحاديث
بعض المنتديات ومن ضمنها صيد الفؤايد