جديد المواضيع |
|
|
أدوات الموضوع |
#11
|
|||
|
|||
[align=center]
اليقين ضد الشك (11) عبدالفتاح آدم المقدشي بسم الله، والحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله وصحبه، ومن تَبِعه بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: فاعلم - أرشدك الله - أنَّ مِن ثِمار التوحيد والاستقامة، واليقين والابتلاء: التمكينَ في الأرض، ولا يمكن أنْ يفوزَ أحدٌ بالتمكين في الأرض، إلا إذا اتَّصف بهذه الصفات، وقد قال - تعالى -: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [النور: 55]. وسئل الشافعي - رحمه الله -: هل يُمكَّن قبل أن يُبتلى؟ فقال: لا يُمكَّن حتى يُبتلى، ولكن - للأسف الشديد - بعضُ الناس يحبون أنْ يأتي التمكين وهو محمول على طبقٍ من ذهب مع هروبهم من السُّنَن الكونيَّة التي كتب الله على عباده، والتي لا يمكن أنْ تتحولَ أو تتبدَّلَ؛ كتمنِّيهم ألا يكون صراعٌ بين الحقِّ والباطل، وكاستعجال البعض النصرَ على الأعداء، مع قِلَّة التحمُّل للخسائر بالأنفس والأموال وهَلُمَّ جَرًّا، متناسين أو متجاهلين قول الله - تعالى -: ﴿ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ ﴾ [البقرة : 217]. إذ سرُّ التمكين لا يمكن أنْ يأتي إلا بعد تَفَهُّمِ هذه الآية والتي بعدها، مع العمل بما فيهما؛ إذ الأُولى تُخبر أنَّ الفتنة أشدُّ من القتل؛ كما قال - تعالى - في موضعٍ آخرَ في نفس السورة: ﴿ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ﴾ [البقرة : 217]، ولا فتنة أشدُّ وأكبرُ من أن يُفتن المسلمون عن دِينِهم، ولذلك عَلَّمنا الله بأن ندعو: ﴿ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الممتحنة : 5]، وقال – تعالى -: ﴿ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [يونس : 85 - 86]، وقال - تعالى -: ﴿ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة : 250]. ولما طلب جد بن قيس - صاحب الجمل الأحمر، وهو المنافق الوحيد الذي تخلَّف عن بيعة الرضوان تحت الشجرة واختفى وراء جملِه وأخزاه الله - الرخصة عن الجهاد؛ لئلا يُفتن بنساء بني الأصفر، أخبر الله أنَّ ما تركه من الجهاد والخير أعظم فتنة مما تخوَّفه، وهكذا أمرَنا الله أنْ نقاتلَ أعداءَ الله والدين الإسلامي؛ حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين كلُّه لله، أما إذا كان نصف الدين قائمًا ومطبَّقًا، ونصفه الآخر تركناه لأجل الكفر؛ إرضاءً لهم، كما هو الحال اليوم - فلا تمكين ولا قرار ولا استقرار، وقد توعَّد الله مَن آمن ببعض الدِّين، وكفر بالبعض الآخر بالخِزي في الحياة الدنيا، وعذاب أكبر في يوم القيامة، وهكذا أخبر الله - سبحانه وتعالى - في الآية التي بعدها أنَّ الذين يفعلون ذلك هم الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة؛ كما قال - تعالى -: ﴿ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ﴾ [البقرة : 85 - 86]، وفي الحديث: (يبيع دينَه بعَرَضٍ من الدنيا قليلٍ)، والسبب هو أنهم قالوا: آمنا، بأفواههم، ولم تؤمن قلوبُهم؛ أي: إنهم منافقون، فإذا كانوا مع المسلمين قالوا: آمنَّا، وإذا خَلوا إلى شياطينهم قالوا: إنا معكم إنَّما نحن مستهزئون، كما في آية سورة البقرة. فمثل هؤلاء هم الذين أراد الله لهم الفتنة، ومَن أراد الله لهم فتنة، فلن تملِك لهم مِن الله شيئًا؛ لأن الله لم يُردْ أن يطهِّرَ قلوبَهم؛ كما قال - تعالى -: ﴿ وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ﴾ [المائدة : 41]. ولمَّا ابتلانا الله باستمرارية تسلُّط الكفار بالمسلمين إلى يوم القيامة؛ حتى يردّوهم عن دينهم، ولن يستطيعوا ذلك إلا نسبياً، أخبرنا اللهُ في الآية التي بعدها: أن نتمسَّك بثلاثة أمور؛ لنفوز برحمة الله، ونفلح في الدنيا والآخرة: الأولى: الإيمان المصاحِب للإخلاص واليقين، والمحبة والعلم، والقبول والانقياد، والصدق والاستقامة على الحقِّ، مع نَبْذِ ما سواه من الأباطيل. الثاني: الهجرة مِن دار الكفر إلى دار الإسلام، ومِن دار الفِسْق والعهر، إلى دار العِفَّة والطُّهر، وإلى أرض العِزَّة والكرامة والحريَّة. الثالث: الجهاد في سبيل الله الذي هو ذروة سنام الإسلام؛ لذا فلا يمكن أنْ يقومَ الإسلام إلا بالجهاد؛ فهو لازمٌ من لوازم الإسلام والإيمان، فأينما وُجِد الجهاد فالإسلام والإيمان في قوة، وأينما فُقِد الجهاد فالإسلام والإيمان في ضَعف. فالمسلمون خيرُ أُمة أُخْرِجت للناس؛ فهم خيرُ الناس للناس على الإطلاق؛ لما أنعم الله عليهم مِن صفات العدل والإحسان إلى الخَلْق، فهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وخير ما يُؤْمَر به بالمعروف، ويُنْهَى به عن المنكر هو الجهاد في سبيل الله، كما قاله شيخ الإسلام ابن تيميَّة في كتابه "الاستقامة". قال أبو هريرة: "تأتونهم تقودونهم بالسلاسل، ثم تدخلونهم الجنة". وما أكثر من أُتِي به بالسلاسل، وهو لا يعرف عن سماحة الإسلام وحُسنه شيئًا، فعَلِمَ بذلك بحُكْم وجوده في أهل الإسلام، فأسلم فحَسُنَ إسلامه، كما حصل مثل ذلك لثمامة بن أثال، وغيرهم من المأسورين في عهد النبوة. بل لقد أمرنا الله أنْ نطعمَ الأسير الطعام الذي نحبُّه؛ إكرامًا لهم، وجَلْبًا وتأليفًا لهم إلى الإسلام؛ كما قال - تعالى -: ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴾ [الإنسان: 8]. فسماحة الإسلام وعدالته وإحسانه هو ما شَهِد به الأعداءُ فلا نطيل بتقرير مثل هذا الأمر. وأخيرًا: أُوصي إخواني المسلمين بما يلي: 1- ألا يكون المسلمون حالهم كحال الكفَّار الذين جعل الله أعمالهَم: ﴿ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [النور: 39]. 2- ألا يتخذوا مِن عند أنفسهم منهجًا معوجًّا غير منهج النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته، والسلف الصالح، فإذا فعلوا ذلك أخطؤوا طريقَ التمكين الصحيح، وستكثُر فيهم الاختلافات والانشقاقات، والفتن والاقتتال، والمِحن كما هو مشاهَد ومعلوم؛ ففي الحديث: ((افترقت اليهود إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى اثنتين وسبعين فرقة، وستفترِق هذه الأمة ثلاثًا وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، قالوا: مَن يا رسول الله؟ قال: هي التي كانت ما أنا عليه وأصحابي))، وفي رواية: ((الجماعة))، وفسَّر ابن مسعود - رضي الله عنه – الجماعة: ما وافقَ الحقَّ ولو كنتَ وحدَك، ولا عِبْرة في كثرة العدد والأغلبية. فَكُلُّ خَيْرٍ فِي اتِّبَاعِ مَنْ سَلَفْ وَكُلُّ شَرٍّ فِي ابْتِدَاعِ مَنْ خَلَفْ 3- أن يتمسكَ المسلمون بما أوصانا الله به؛ من الإيمان، والهجرة، والجهاد في كثير من السور كسورة البقرة وآل عمران والنساء والأنفال و الحج والحشر. 4- أن نكونَ أنصارًا ومهاجرين إلى الله، ثم اعلم أنه لا يجوز أبدًا التعصُّب بهذين الاسمين الشريفين المذكورين في القرآن، فكيف بما هو دونهما؟! بل عندما قال أحد الشابين الَّذَيْن اقتتلا: يا للمهاجرين، وقال الآخر: يا للأنصار، اعتبرَ النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك دعوى جاهليَّة، وقال: ((أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟!)). والحمد لله الذي بنعمتِه تتمُّ الصالحاتُ. [/align] |
#12
|
|||
|
|||
اليقين ضد الشك (12)
عبدالفتاح آدم المقدشي بسم الله، والحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أشْرف المرْسلين وآلِه وصحْبه ومَن تبِعه بإحسان إلى يوم الدين. أمَّا بعد: فاعلم - أيّها الأخ الكريم، أرْشدني الله وإيَّاك - أنَّ الأنبياء ضربوا أرْوع الأمثِلة في الابتِلاء، فمنهُم مَن ابتلي بمرضٍ مزمنٍ لازَمَه سبع سنوات فصبر، كأيّوب - عليه السَّلام - ومنهم مَن ابتلي بفقْد أوْلاده حتَّى عمِي من شدَّة الحزْن، كيعقوب، ومنهم مَن ابتُلي بموْتِ أوْلاده وبناتِه في حياتِه، كنبيِّنا - عليه الصَّلاة والسَّلام - إلاَّ فاطمة - رضِي الله عنْها - الَّتي ماتتْ بعدَه بستَّة أشهُر، ومنهم مَن ابتُلي بالأمر بذبْح ابنِه بعدما رزقه الله به وهو كبير في السّنّ، خصوصًا بعدما بلغ معه السَّعي والخِدمة؛ كما قال تعالى: ﴿ الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ ﴾ [إبراهيم: 39]. ومنهُم مَن ابتلي بالفقْر كنبيِّنا، ولقد خُيّر بين أن يَكون ملكًا نبيًّا أو عبدًا نبيًّا، فاختار أن يكون عبدًا نبيًّا، ومنهم مَن ابتُلي بالقتْل والذَّبح كيحيى وزكريَّا، ومنهم منم ابتُلي بابتِلاع الحوت له وبالمرض، كيونس - عليه السلام. ومنهُم مَن ابتلي بعقوق ابنِه، كنوح - عليه السَّلام - ومنهم مَن ابتُلي بعصْيان وخيانة أهلِه، كنوحٍ ولوطٍ - عليهِما السَّلام - ومنهُم مَن ابتُلي بموت أخيه النَّبي، كموسى لمَّا مات هارون في حياتِه. وكذلك تعرَّضت الأنبياء كلّهم من قِبَل الكفَّار لتهديدات بالغة في النّكاية بهم، كالقتْل والرَّجم والنَّفي والطرْد... إلخ. ومنهُم مَن ابتلي بالمُلْك والنِّعَم فشكر الله، كداود وسليمان - عليهما السَّلام. ومنهم مَن ابتلاه الله بطول العناد والمكابرة في دعوتِه، في ألفِ سنة إلاَّ خَمسين عامًا، كنوح - عليه السَّلام. ومنهم مَن ابتلاه الله بامرأةٍ جميلة وهو غَريب مأْسور عندها، فصبر لله وتغلب على نزغات الشَّيطان والنَّفس الأمَّارة بالسّوء، وهو يوسف - عليه السَّلام - كما ابتلاه الله بالسجْن وطول المكث به، وابتلاه الله بالعبوديَّة وخدمة النَّاس. ومنهم مَن ابتلاه الله بالجهاد كنبيِّنا - صلَّى الله عليه وسلَّم - وموسى وداود - عليهما الصلاة والسَّلام - بل قد أصابت نبيَّنا - عليه الصَّلاة والسَّلام - الجراحة المعروفة في سبيل الله في معركة أُحُد، واعلم أنَّه لَم يحدث أن آتى اللهُ الملك والحكمة والعلم والنبوَّة لداود - عليْه السَّلام - إلاَّ بعد ما قتل جالوت قائدَ الكفَّار في المعركة. ومنهم مَن ابتلاه الله بالخروج من الجنَّة والهبوط إلى الدّنيا دار الشَّقاء والابتلاء، كآدَم - عليه السَّلام. ومنهُم مَن ابتلاه الله بالسِّحْر والسُّمّ، كنبيِّنا - عليه الصَّلاة والسَّلام. ومنهم مَن ابتلاه الله بالطُّغاة ومناظرتِهم، فأنجاه الله من شرِّهم، كموسى وإبراهيم. ومنهُم مَن ابتلاه الله بإلْقائه بالحريق العظيم، فلَم يسأل أحدًا إلاَّ الله، وقال: "حسبُنا الله ونعم الوكيل"، فجعل كيد الكافرين هو الأسْفل والخاسر، وهكذا يحفظ الله عبادَه الموحّدين ويدافع عنهم. ومنهم مَن ابتَلاه الله بفقْد الذّرّيَّة فسأل الله أن لا يدعَه فردًا، كزكريَّا - عليْه السَّلام. ومنهم مَن ابتلاه الله برمْي الححارة عليْه حتَّى دمِيَت قدماه لمَّا سلَّطوا سفهاءهم وعبيدهم عليه، فجعل يقولُ: ((اللَّهمَّ اهدِ قومي فإنَّهم لا يعلمون))، وهو نبيّنا - صلَّى الله عليه وسلَّم. ومنهم مَن ابتلاه الله بإلْقاء السَّلا على رأسِه الشَّريف وهو ساجد لله - عزَّ وجلَّ - فأخذ قومُه يتضاحكون عليه حتَّى مال بعضهم لبعض، وهو نبيُّنا - صلَّى الله عليه وسلَّم - والحديث في صحيح البخاري. ومنهُم مَن ابتُلي بخنقه بالثَّوب في عنُقه حتَّى أنقذَه الله بأبِي بكْر، وهو نبيُّنا - صلَّى الله عليْه وسلَّم. ومنهم مَن ابتلاه الله بمواقف مُحْرجة جدًّا من قومه، كلوط - عليه السَّلام - كمثل مجيئِهم إلى ضيوفه الملائكة ليفْعلوا بهم فاحشة اللّواط. ومنهم مَن تعرَّض للاستِهزاء والسّخرية، بل لقد تعرَّضت الأنبياء كلّهم لهذه الظَّاهرة المزْرية، وسُبَّ الأنبياء ووُصفوا بأوْصافٍ بأغلظ الأوْصاف التي لا تليق بهم، بل وربَّما مدحوه بقصْد الاستِهزاء، كما قالوا لشعيب: ﴿ قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأَنْتَ الحَلِيمُ الرَّشِيدُ ﴾ [هود: 87]. ومنهم... إلخ. وإذا كان الله ابتَلَى أكرم عبادِه بهذه الأمور الَّتي وصفتُها لك وغيرها، فما على العباد إلاَّ أن يقْتدوا بكلّ حالةٍ من هذه الحالات المتنوّعة، ويصبروا كما صبروا، ويرْجوا كما رجَوا؛ حتَّى ينجحوا بالابتِلاء في هذه الدَّار ويفوزوا في الدّنيا والآخرة، وقد قال تعالى: ﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ﴾ [الأنعام: 90]، وقال تعالى: ﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ... ﴾[الممتحنة: 4] الآية، وقال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ﴾ [الأحزاب: 21]. وانظُر واعتبِر - يا أخي الكريم - على سبيل المثال، لمَّا ابتلى الله يعقوبَ - عليْه السَّلام - بفقْد بنيه كيف صبر حتَّى استحقَّ صبرُه أن يوصف بالصَّبر الجميل، وهو ما اشتمل بالخِصال الآتية: أوَّلاً: الاستِعانة بالله، فقد قال: ﴿ وَاللَّهُ المُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ﴾ [يوسف: 18]، مع قوَّة الثّقة واليقين أنَّ الله ينصره ويُعينه فيما أراده. ثانيًا: الرَّجاء وعدم القنوط من رحمة الله؛ قال تعالى: ﴿ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً ﴾ [يوسف: 83]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ القَوْمُ الكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87]. ثالثًا: عدم الشّكاية لغير الله؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ ﴾ [يوسف: 86]. رابعًا: ترْك الفزَع والتسخُّط على المصيبة، والاكتِفاء في كلّ مرَّة بقوله: ﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ﴾ [يوسف: 18، 83]. وكذلك انظر واعتبِر، لمَّا ابتلى الله حبيبَه محمَّدًا - صلَّى الله عليه وسلَّم - بِموت إبراهيم قال: ((إنَّ العين لتدْمع، وإنَّ القلب ليحْزنُ، وإنَّا لفراقِك - يا إبراهيم - لَمحزونون)). نعم، ما جاوز النَّبيّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن يعبّر عن حُزنِه الجبلِّيّ وحنوِّه لابنِه ورحمته له إلاَّ بالتلفُّظ بهذه الكلمات، وهكذا كان حاله لمَّا أُتِي بابنٍ لبنتِه يحتضَر ونفسُه تقعْقَع، دمعت عيْناه رحمة لابنِ بنته المحتضر، فقال له سعد بن معاذ: ما هذا يا رسول الله؟ فقال: ((إنَّما يرحم الله من عباده الرّحماء))؛ رواه البخاري. وتاللهِ، هذا هو الصَّبر الجميل الَّذي علَّمنا الله على لسان نبيِّه، وهو تطْبيق عمليّ، فلا صياحَ ولا ضرْبَ للخدود ولا شقَّ للجيوب، ولا شكايةَ ولا إظهارَ للتأسّف أو الاعتراض على أمر الله كما ترى، وهلمَّ جرًّا. وانظُر واعتبِر - أخي الكريم - لمَّا ابتلى الله إبراهيمَ - عليْه السَّلام - بذبْح ابنِه، كيف فعل؟ أوَّلاً: بادرَ في تنفيذ الأمْر ولَم يقُل: واللهِ إنَّها مجرَّد رؤيا؛ لأنَّ رؤيا الأنبياء كانت وحْيًا، بِخلاف سائر النَّاس. ثانيًا: قدَّم محبَّة الله على محبَّته لابنه، وهو ما أراد الله أن يُظهره لما ابتلاه؛ لذلك لمَّا شرع في التَّنفيذ فداه الله بكبشٍ ما دام قد انقادا واستسْلما لأمر الله؛ ولذلك قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ﴾ [الصافات: 103]. ثالثًا: يُستفاد من القصَّة كثيرٌ من صفات الخير لإبراهيم - عليْه السَّلام - منها: الصَّبر الجميل، تعْظيم أوامر الله وتقْديمها على كلّ شيء، الشَّجاعة وقوَّة العزيمة في تنفيذ الأوامر الخطيرة كما في هذه القصَّة. وهكذا كان للصَّحابة الكرام - رضوان الله عليْهم - اتِّخاذ القرارات الخطيرة، مثل ما في هذه القصَّة، ككون تقديمهم أوامرَ الله من كلّ شيء إذا اعترضها أحدٌ، حتَّى ولو كان أقرب أقربائِهم، وهذا سعدٌ يقول لأمّه وقد كان يحبُّها جدًّا: "لو كانتْ لك مائةُ نفسٍ فخرجتْ واحدة واحدةً ما أشركْت بالله"، وذلك لمَّا تركت الأكْل ليكفر بالله، وهذا أبو عبيدة بن الجرَّاح يَقتل أباه لمَّا اعترض أوامرَ الله وحارب الله ورسولَه، وإنَّما قتل الشّرك الذي كان في نفْس أبيه، كما فسَّره بذلك بعضُ السَّلف، وهذا أبو بكْر - رضِي الله عنْه - طلب ابنَه عبدالرحمن في القتال ليقتلَه، ولكنَّه لَم يجدْه، وهلمَّ جرًّا. والله وليّ التَّوفيق. |
#13
|
|||
|
|||
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
__________________
( فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ) الكهف 6 كل العلوم سوى القرآن مشغلة ..... إلا الحديث وعلم الفقه في الدين العلم ما كان فيه قال حدثنا ..... وما سوى ذاك وسواس الشياطين |
#14
|
|||
|
|||
|
أدوات الموضوع | |
|
|