#1
|
|||
|
|||
الميلاتـونين
تزايد الحديث في الآونة الأخيرة عن ما يُعرف بهرمون «الميلاتونين» وتأثيراته المذهلة على إعادة الشباب والنضارة، وإطالة العُمْر بين هؤلاء الذين تخطوا مراحل الشباب، ويقدمون على الشيخوخة، فما الحقيقة؟! ?الغدّة الصنوبرية pineal Gland: تقع فى وسط الدماغ، وحجمها لا يزيد على حجم حَبة الذرة البيضاء، وبرغم أنَّها أول الغُدد تشكُّلاً عند الجنين، إلاَّ أنَّها آخر الغدد التي تبوح بأسرارها في عالم الطب الحديث. كانت أول إشارة إلى تلك الغدة قد ظهرت في كتب الهندوس الدينية Vedas رسمت فيها الغدة الصنوبرية على أنَّها أحد مراكز الطاقة الحياتية السبعة، وكان يُظن أن هذه الغدة هي قمة هذه المراكز. والفيلسوف الرياضي «رينيه ديكارت» قد اعتقد أن هذه الغدة هي مركز الروح حيث قال: «إن هناك غدة في الدماغ تُسمى الغدة الصنوبرية تقوم فيها الروح بأعمال خاصة لا تقوم بها في أي عضو آخر في الجسم». ماهيته وطبيعة تكوينه الميلاتونين عبارة عن مُشتق من مشتقات أحد الأحماض الأمينية الأساسية، والتي تتكوَّن منها البروتينات في الجسم، تُفرزه غدة صمَّاء هي الغدة الصنوبرية. والميلاتونين عبارة عن مُركَّب كيميائى يتكوَّن من حلقة الأندول مرتبط بها سلسلة جانبية بها مجموعة الأسيتايل، ويمكن تمثيله في الكبد، ويتحوَّل إلى ملح الكبريتات حتى يتم التخلُّص منه خارج الجسم عن طريق البول. وتوجد الكمية العُظمى منه مخزونة داخل مكان التكوين والإنتاج «أنسجة الغدة الصنوبرية»، كذلك يوجد في: شبكية العين، والتصالب البصري بالمخ، وبعض الأطراف العصبية، والقناة الهضمية. هرمون الميلاتونين وساعة الجسم Body clock : يفرز الميلاتونين من شبكية العين بصورة إيقاعية، ويكون إفرازه أعلى ما يكون في الظلام، وهو يفرز في الكبار خلال الليل فقط، ويبلغ ذروة نشاطه بعد منتصف الليل، وكأنه ساعة تخبر الجسم بحلول فترة النوم، وتتحكَّم ساعة الجسم الداخلية في الدورات اليومية، والإيقاعات الموسمية، التي تتحقق بفضل نشاط بعض الإنزيمات في الغدة الصنوبرية. والجسم يحتاج للعمل وفق دقات تلك الساعة، ولكن ليس هناك شبكات من الأعصاب تصل إلى هذه الساعة القابعة في الدماغ ببقية الجسم، فكان لابد من رسول يحمل خلية من خلايا الجسم، فكان دور الغدة الصنوبرية لتفرز هرموناً يمكنه التجول في كل أنحاء الجسم ويصل إلى كل خلاياه وهذا الهرمون هو الميلاتونين. واكتشف العلماء لهذا الهرمون علاقة أساسية بالنوم بحيث يفرز في الليل ويختفي في النهار. يقول البروفيسور «رايتر» وقد أمضى أكثر من ثلاثين عاماً يبحث في هذا الهرمون: «ليس هناك شىء يدهشني، مثل بساطة ودقة هذا الجهاز المثير» مُشيراً إلى عمل ساعة الجسم والغدة الصنوبرية. معجزة الميلاتونين!! بدأ الاهتمام بتجريب الميلاتونين عملياً يلقى النجاح بفضل تجارب «ديلمان» Dilman عام 1979م بأن قام وزملاؤه بعزل مستخلص ثبتت فاعليته الحيوية من الغدة الصنوبرية أُطلق عليها اسم «إبيثالمين» Epithalmin وهذا المستخلص يُنشط إنتاج الميلاتونين عند حقن الفئران به، ولحق بهم «والتربيرباولى» وزملاؤه بأن قاموا بتجارب على خلايا سبعة أنواع من السرطانات في أنابيب الاختبار، وتوجوا عملهم بأن قام «باولي» الإيطالي بمشاركة «وليم ريجلسن» W.Regelsen الأمريكى بنشر كتاب عنوانه : «معجزات الميلاتونين». ونسب إلى أقراص الميلاتونين أنها تُطيل العُمْر، وتُجدِّد الشباب، وتُعيد الحيوية للمسنين، وتشفي من الأرق والربو والسرطان والإيدز، وواضح من عنوان الكتاب ميله إلى الدعاية الإعلامية، والترويج التجاري. ولمَّا سُئل «والتربيرباول»: لماذا لم تعترف منظمات الرقابة على الأدوية والأغذية بأمريكا بهذا الدواء أو تصرح بتسجيله؟ قال: إنّه يصعب الاعتقاد بوجود دواء سحري قادر على تحقيق كل هذه العجائب. ومن الطريف أنه اتهم حكومات بريطانيا وفرنسا وأمريكا بأنهم منعوا تداوله وتسجيله لأنهم يتجنبون إطالة عُمْر مواطنيهم ؛ لأن هذا يحملهم نفقات تقاعد ورعاية قوى غير منتجة!! أهم التأثيرات 1- التأثير على الغُدد الجنسيَّة: لم يثبت حتى الآن أي دور لهرمون الميلاتونين في إحداث الرَّغبة أو القدرة على التناسل والجنس في الإنسان، ولكن وجد أن حقن الفئران بهذا الهرمون سبَّب إيقاف نمو المبايض في الفئران النامية، كما أنَّه سبَّب إيقاف نمو ونقص في وزن الخصيتين لحيوان الهامستر عند حقنه بجرعة قدرها 25 ميكروجرام / مساء كل يوم. يُذكر أن مستوى هذا الهرمون يقل بصورة ملحوظة عند السيدات أثناء التبويض خلال الدورة الشهرية. 2- التأثير على الجهاز المناعي: الميلاتونين يفرز أثناء الليل، وفي الوقت نفسه يزداد عدد الخلايا المناعية فى الدم ممَّا يزيد قوة المناعة في الجسم. ويقول «مولر» Muller إن الميلاتونين يثبط الدهون منخفضة الكثافة، وبالتالي يقلل من تخليق الكولسترول. ولو تأكدت سلامته وأمن استخدامه لأمكن إدراجه مع مجموعة مضادات الأكسدة في علاج العديد من الأمراض على رأسها: الزهايمر، باركنسون «الشلل الرعاش»، التهاب المفاصل والسرطان، والصرع. غير أن هناك بدائل أكثر أمناً وأماناً وأوفر حظاً فى البحث والتمحيص كفيتامين «ج» الموجود في الحمضيات كالبرتقال والليمون، أو فيتامين «هـ» الموجود فى أوراق الخضروات، والبيتاكاروتين «مولد فيتامين أ» الموجود في الجزر. أما التكهنات التي أدرجت السرطان والإيدز في قائمة الاستعمال فقد نشأت من الاعتقاد بأن أغلب النشاط المناعي يحدث أثناء الليل، لذا فقد يتأثَّر الجهاز المناعي من النوم الذي يستحثه الميلاتونين، ويرون أن السرطان مرجعه تعرُّض الجسم للضوء الاصطناعي لفترات طويلة، ومن جرَّاء هذا التعرُّض يقل مُعدل الميلاتونين لبضع ساعات يومياً في وقت كان من المفروض أن يكون فيه ارتفاعاً. ولا تقوم لهذه الآراء قائمة لو فحصت على مائدة البحث,وفحصت بمنظار العلم. 3- التأثير على النوم: فى أواخر عام 1993م من القرن المنصرم نُشرت نتائج دراسة أُجريت في معهد «ماسوتشيتس» الأمريكي، وقد أشارت تلك الدراسة إلى أن إعطاء الميلاتونين بجرعات صغيرة لا تزيد على «0.1 ملج» قد ساعد على إحداث نوم طبيعى عند منْ أُجريت عليهم الدراسة. كما أنَّه يُخفف من أعراض السفر لمسافات طويلة بالطائرة، حيث يُصاب الكثيرون بالأرق وعدم انتظام النوم بسبب فارق التوقيت بين المنطقة المغادرة والمنطقة التى يصل إليها المسافر. وهاتان الخاصيتان للميلاتونين جعلت الكثير من الناس فى أمريكا يتناولون أقراص الميلاتونين. وقد كتب «نافي» Nave مؤكِّداً أن علاج صِغار البالغين بالميلاتونين يُسبِّب لهم نوماً عميقاً بالرغم من أن جميع التجارب والبحوث تنبه إلى خطورة تناول الميلاتونين قبل سن الأربعين بأي حالٍ من الأحوال لتداخل أثره مع هرمون النمو. وتوصي«لافيرت» Lavert بالعلاج الضوئي كعلاج بديل للميلاتونين أكثر أمناً وأقل خطورة فتقول: «إذا أردت البقاء مستيقظاً لبعض الوقت اقض وقتك على ضوء الشمس، أو ابق فى حجرة ذات إضاءة شديدة، وإذا حان وقت النوم ولم تكن متعباً اجلس في غرفة مظلمة، وامنح جسمك فرصة أن يشعر أنَّه وقت النوم، وتجنب المنبهات كالقهوة والشاي والمياه الغازية، ولا تسمح لنفسك بغفوة قبل النوم، فهذه تُفسد عليك نومك» 4- التأثير على تجديد الشباب والحيوية: ركزت الأبحاث الخاصة بالشيخوخة على محطات الطاقة التي تزود الخلية بالوقود اللازم للقيام بأعمالها، ويُطلق على هذه المحطات اسم «الميتوكوندريا» Mitochondria وحجمها يقل عن خمسة آلاف من المليمتر، غير أنها تلعب دوراً حاسماً في المحافظة على الخلية، وتتدهور الخلية مع تدهور الميتوكوندريا، ويرجع هذا التدهور إلى تراكم جزيئات بالغة الصِغر داخل الخلايا تسمى «الشوادر أو الجذور الحرَّة» Free Redicals وتضم الشوادر أو الجذور الحرة في تكوينها الأوكسجين ويقارن أثره بصدأ الحديد ويصاحب أغلب أمراض الشيخوخة تراكم هذه الجذور التي تنطلق داخل الخلية، وتعطل محطات الطاقة الحيوية في الجسم. والميلاتونين يعتبر «كناس» الجذور داخل المنشأ، فهو يتفاعل مع الهيدروكسيل Hydroxyl ويمنع تأكسد الجزيئات الحيوية. كما يُسرِّع تحرير الأحماض الأمينية الحاثة من تكوين جذور الهيدروكسيل داخل المنشأ الذي يثبط تخليق الميلاتونين. وقد أثارت الدراسة التي نشرها البروفيسور «بيرباولي» في إيطاليا عام 1994م من القرن المنصرم اهتمام الناس. الدراسة تؤكِّد أن إعطاء الميلاتونين للفئران المُسنة، وزرع الغدة الصنوبرية المأخوذة من فئران شابة، قد جعلت تلك الفئران المُسنة أكثر حيوية ونشاطاً وعاد جلدها قوياً وبراقاً!! 5- التأثير على عُمْر الإنسان: يقول «تشارلز ماكاى» charles Mackay في كتابه المعنون: «خداع الأوهام الشعبية»: «إن البشر ما داموا لم يتمكنوا من قهر الموت فإنهم اكتفوا بالبحث عن أساليب إطالة العُمْر. وقنعوا بإكسير الحياة ليؤخروا أجلهم، ولذا كرًّس الآلاف جهودهم في البحث عنه، وليس هناك بوادر تشير إليه، أو إمكانات توفر احتمال وجوده». إن الوهم الذى يروجه الميلاتونين في إطالة العُمْر قديم قِدم البشرية، ورواج عقار الميلاتونين الجديد/القديم اعتمد أساساً على الترويج لهذه الأكذوبة التي لمست مردودات حساسة فى المستقبلين من الجماهير. هنا ومن المعروف أن إنتاج الجسم من الميلاتونين يتناقص مع تقدُّم العُمْر، وبرغم أن الدراسات التي أُجريت على الفئران أشارت إلى أن استعمال الميلاتونين يمكن أن يُطيل عُمْرها ويعيد لها شيئاً من مظاهر الشباب، فإنه لا يعرف في الوقت الحاضر فيما إذا كان ذلك ينطبق على الإنسان أم لا. ختـامــا الدكتور مصطفى محمود حلمى أستاذ مساعد بقسم العلوم بكلية التربية الأساسية بدولة الكويت، يضع قائمة طويلة تحذر من استخدام الميلاتونين دون استشارة الأطباء الاختصاصيين لما له من آثار جانبية خطيرة. ويقول الدكتور «حسان شمسى باشا» مستشار أمراض القلب بمستشفى الملك فهد بالمملكة العربية السعودية: «هناك الكثير الذى ينبغي أن نعلمه حول الميلاتونين، نعلم عن فوائده ومحاذيره، وعن أعراضه الجانبية وموانع استعماله، فليس هناك في الوقت الحاضر دراسات طويلة ورصينة على الإنسان تضمن سلامة استعماله على المدى الطويل». ويقول كذلك الدكتور «أحمد عصام فكري» أستاذ علم وظائف الأعضاء بمركز البحوث والطاقة الذرية بالقاهرة: «تبقى قضية كيفية الاستخدام للميلاتونين موكولة إلى علماء الطب والأطباء، وفي هذه الحالة يجب استشارة طبيب ماهر لتحديد مدى حاجة كل فرد إلى استخدام هذا الهرمون والجرعة الملائمة لذلك، إذا دعت الحاجة». ونختتم الدراسة بمقولة البروفيسور «سينجر» Singer من جامعة أوريفون الأمريكية: «إن أبحاث الميلاتونين مازالت بطيئة وإن معرفتنا به تزداد تدريجياً ولا نعرف الآن بالضبط كيف يستخدم ؟ وما الجرعات المُثلى التى ينبغى تناولها؟». |
أدوات الموضوع | |
|
|