جديد المواضيع |
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
الفراسة وتعريفها وفوائدها (د0كمال مختار جامعة المدينة العالمية بماليزيا)
معنى الفِرَاسَة لغةً واصطلاحًا
معنى الفِرَاسَة لغةً: الفِراسة مصدرٌ، من قولك: تَفَرَّس، يتَفَرَّس فِرَاسَة، وهي بمعنى: التَّثبُّت والنَّظر، ومنه: تَفَرَّسْت فيه خَيْـرًا. أي: تَعَرَّفْته بالظَّنِّ الصَّائب. وهو يَتَفَرَّسُ، أي: يَتَثَبَّت ويَنْظر. تقول منه: رجل فارِس النَّظَر، وفارِسٌ بذلك الأمر، إذا كان عالـمًا به [2954] انظر: ((مختار الصِّحاح)) للرازي (ص 237)، و((لسان العرب)) لابن منظور (6/159)، و((المصباح المنير)) للفيومي (2/467)، و((التعريفات)) للجرجاني (ص 166)، و((تاج العروس)) للزبيدي (16/328). . معنى الفِرَاسَة اصطلاحًا: قيل: هو عِلْمٌ تُـتَعرَّف منه أخلاق الإنسان: من هيئته ومزاجه وتوابعه، وحاصله الاستدلال بالخَلْق الظَّاهر على الخُلق الباطن [2955] ((كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم)) للتهانوي (1/56). . وقيل: الفِرَاسَة هي الاستدلال بالأمور الظَّاهرة على الأمور الخفيَّة [2956] ((كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم)) للتهانوي (2/1265). . الفرق بين الفِرَاسَة وغيرها من الصِّفات - الفرق بين الفِرَاسَة وسوء الظَّنِّ: قال أبو طالب المكي: (الفرق بين الفِرَاسَة وسوء الظَّنِّ: أنَّ الفِرَاسَة ما توسَّمته من أخيك بدليل يظهر لك، أو شاهد يبدو منه، أو علامة تشهدها فيه، فتتفَرَّس من ذلك فيه، ولا تنطق به إن كان سوءًا، ولا تُظْهره، ولا تحكم عليه، ولا تقطع به فتأثم. وسوء الظَّنِّ: ما ظننته من سوء رأيك فيه، أو لأجل حقد في نفسك عليه، أو لسوء نيَّة تكون، أو خُبْث حال فيك، تعرفها من نفسك، فتحمل حال أخيك عليها، وتقيسه بك، فهذا هو سوء الظَّنِّ والإثم، وهو غيبة القلب) [2957] ((قوت القلوب)) لأبي طالب المكي (2/371). . - الفرق بين الفِرَاسَة والإلهام: قال الملا علي القاري: (الفرق بين الإلهام والفِرَاسَة: أنَّها كشف الأمور الغيبيَّة بواسطة تفَرُّس آثار الصُّور. والإلهام كشفها بلا واسطة) [2958] ((مرقاة المفاتيح)) (1/280). . - الفرق بين الفِرَاسَة والكَهَانَة: الفِرَاسَة: غالبًا لا يَدَّعي صاحبها الغيب، بخلاف الكاهن؛ فإنَّه يدَّعي الغيب، ويفتخر بادِّعائه، بل وربَّما كَثُر مريدوه بسبب هذا الادِّعاء، وهذا بخلاف المتفَرِّس، لا يدَّعي الغيب، فضلًا أن يفتخر به. الكَهَانَة: لها مقدِّمات غالبًا غير مشروعة، وأما الفِرَاسَة فإنَّها تعتمد على مقدِّمات مشروعة [2959] ((مغني المريد الجامع لشروح كتاب التوحيد)) لعبد المنعم إبراهيم (5/1866). . الفراسة في القرآن الكريم - قال الله تبارك وتعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ [الحجر: 75]. قال النَّسفي: (للمتفَرِّسين المتأمِّلين، كأنَّهم يعرفون باطن الشَّيء بِسمَةٍ ظاهرة) [2960] ((مدارك التنزيل)) للنسفي (2/196). . وقال ابن زيد في نفس الآية: (المتفكِّرون والمعتبرون، الذين يتوسَّمون الأشياء، ويتفكَّرون فيها ويعتبرون) [2961] ((جامع البيان)) للطبري (14/97). . وقال أبو المظفَّر السَّمعاني: (أي: للنَّاظرين المعتبرين. وقيل: للمتفَرِّسين، وهم الذين يعلمون النَّاس بسِيمَاهم على ما يُرِيهم الله منها) [2962] (( تفسير السَّمعاني)) (3/146). . أقوال السَّلف والعلماء في الفِرَاسَة - قال أبو الدَّرداء: (اتَّقوا فِرَاسَة العلماء؛ فإنَّهم ينظرون بنور الله، إنَّه شيء يقذفه الله في قلوبهم، وعلى ألسنتهم) [2963] رواه العسكري، كما قال السخاوي في ((المقاصد الحسنة)) (ص59). وذكره ابن عبد البر في ((جامع بيان العلم وفضله)) (2/851). . - قال الشَّافعي: (خرجت إلى اليمن في طلب كتب الفِراسة، حتى كتبتها وجمعتها) [2964] ((آداب الشافعي ومناقبه)) لابن أبي حاتم الرازي (ص 27). . - وقال أحمد بن عاصم الأنطاكي: (إذا جالستم أهل الصِّدق، فجالسوهم بالصِّدق؛ فإنَّهم جواسيس القلوب، يدخلون في قلوبكم ويخرجون منها من حيث لا تُحسُّون) [2965] ((آداب الشافعي ومناقبه)) لابن أبي حاتم الرازي (2/389). . - وقال الهروي عن الفراسة: (هو استئناس حكم غيبٍ من غير اسْتِدْلَال بشَاهِد، ولا اختبار بتجربة) [2966] ((منازل السائرين)) للهروي (ص 80). . - وقال أبو حفص النَّيسابوري: (ليس لأحد أن يدَّعي الفِرَاسَة. ولكن يتَّقي الفِرَاسَة من الغير؛ لأنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اتَّقوا فِرَاسَة المؤمن فإنَّه ينظر بنور الله)). ولم يقل: تفَرَّسوا. وكيف يصحُّ دعوى الفِرَاسَة لمن هو في محلِّ اتقاء الفِراسة؟!). - وقال ابن القيِّم: (الفِراسة الإيمانيَّة... سببها نورٌ يقذفه الله في قلب عبده، يفرِّق به بين الحقِّ والباطل، والصَّادق والكاذب، وهذه الفِرَاسَة على حسب قوَّة الإيمان، وكان أبو بكر الصِّدِّيق أعظم الأمَّة فِرَاسَة) [2967] ((مدارج السَّالكين)) (2 /453). . أقسام الفِرَاسَة قسمها ابن القيِّم إلى ثلاثة أقسام: إيمانيَّة: وسببها: نورٌ يقذفه الله في قلب عبده، يفرِّق به بين الحقِّ والباطل، والحالي والعاطل، والصَّادق والكاذب. وحقيقتها: أنَّها خاطر يهجم على القلب، ينفي ما يضادُّه. يَثِب على القلب كوُثُوب الأسد على الفريسة... وهذه الفِرَاسَة على حسب قوَّة الإيمان. فمن كان أقوى إيمانًا، فهو أحدُّ فِرَاسَةً... وأصل هذا النَّوع من الفِرَاسَة: من الحياة والنُّور اللذين يهبهما الله تعالى لمن يشاء من عباده، فيحيا القلب بذلك ويستنير، فلا تكاد فراسته تخطئ. قال الله تعالى: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا [الأنعام: 122] كان ميِّتًا بالكفر والجهل، فأحياه الله بالإيمان والعلم. وجعل له -بالقرآن والإيمان- نورًا يستضيء به في النَّاس على قَصْد السَّبيل. ويمشي به في الظُّلَم. - فِرَاسَة الرِّياضة والجوع، والسَّهر والتَّخلِّي؛ فإنَّ النَّفس إذا تجرَّدت عن العوائق، صار لها من الفِرَاسَة والكشف بحسب تجرُّدها. وهذه فِرَاسَة مشتركة بين المؤمن والكافر. ولا تدلُّ على إيمان ولا على ولاية. وكثير من الجهَّال يغترُّ بها. وللرُّهبان فيها وقائع معلومة. وهي فِرَاسَة لا تكشف عن حقٍّ نافع. ولا عن طريق مستقيم. بل كشفها جزئي من جنس فِرَاسَة الولاة، وأصحاب عبارة الرؤيا والأطباء ونحوهم. وللأطباء فِرَاسَة معروفة من حِذْقهم في صناعتهم. ومن أحبَّ الوقوف عليها فليطالع تاريخهم وأخبارهم. وقريب من نصف الطِّبِّ فِرَاسَةٌ صادقةٌ، يقترن بها تجربة. والله سبحانه أعلم. - الفِرَاسَة الخَلْقية: وهي التي صنَّف فيها الأطبَّاء وغيرهم. واستدلُّوا بالخَلْق على الخُلُق؛ لما بينهما من الارتباط الذي اقتضته حكمة الله. كالاستدلال بصِغر الرَّأس -الخارج عن العادة- على صِغَر العقل. وبكبره، وبسعة الصَّدر، وبُعْد ما بين جانبيه: على سعة خُلُق صاحبه، واحتماله وبسْطته. وبضيقه على ضيقه. وبخمود العين وكَلَال نظرها على بَلَادة صاحبها، وضعف حرارة قلبه. وبشدَّة بياضها مع إِشْرَابه بحُمْرة -وهو الشَّكل- على شجاعته وإقدامه وفِطْنته. وبتدويرها مع حُمْرتها وكثرة تقلُّبها، على خيانته ومكره وخداعه. ومعظم تعلُّق الفِرَاسَة بالعين. فإنَّها مرآة القلب، وعنوان ما فيه. ثمَّ باللِّسان. فإنَّه رسوله وترجمانه... وأصل هذه الفِرَاسَة: أنَّ اعتدال الخِلْقة والصُّورة، هو من اعتدال الِمَزاج والرُّوح. وعن اعتدالها يكون اعتدال الأَخْلَاق والأفعال، وبحسب انحراف الخِلْقة والصُّورة عن الاعتدال، يقع الانحراف في الأخلاق والأعمال) [2968] انظر: ((مدارج السَّالكين)) لابن القيِّم (2/453 - 457)، بتصرُّف يسير. . 1- فِرَاسَة تحسين الألفاظ: وهو جزء من الفِرَاسَة اعتنى به العلماء وغيرهم، ومن أمثلته: أنَّ الرَّشيد رأى في داره حزمة خَيْزُران، فقال لوزيره الفضل بن الرَّبيع: ما هذه؟ قال: عروق الرماح يا أمير المؤمنين، ولم يقل الخَيْزُران لموافقته لاسم أمِّه. ونظير هذا أنَّ بعض الخلفاء سأل ولده -وفي يده مِسْوَاك- ما جَمْع هذا؟ قال: ضدُّ محاسنك، يا أمير المؤمنين. خشية أن يقول مساويك. وخرج عمر رضي الله عنه يَعُسُّ المدينة باللَّيل، فرأى نارًا موقدةً في خِبَاء، فوقف، وقال: يا أهل الضَّوء. وكَرِه أن يقول يا أهل النَّار [2969] ذكره الخطابي في ((غريب الحديث)) (2/52). . قيل للعبَّاس بن عبد المطَّلب: أيُّما أكبر، أنت أم النَّبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: هو أكبر منِّي، وأنا وُلدت قبله [2970] رواه الطبراني، كما قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (9/273)، والحاكم (3/362)، قال الهيثمي: رجاله رجال الصَّحيح. . 2- التَّأمُّل والنَّظر في عواقب الأمور ومآلاتها، سواءً في الفعل أو التَّرك، وهو أعظم مقصود في هذا الباب. 3- ومنها توسُّم المعلِّم في طلَّابه لمعرفة قدراتهم الذِّهنيَّة والعلميَّة، ليعطي كلَّ شخص من الاهتمام بحسبه، قال الماوردي: (ينبغي أن يكون للعالم فِرَاسَة يتوسَّم بها المتعلِّم، ليعرف مَبْلغ طاقته، وقَدْر استحقاقه، ليعطيه ما يتحمَّله بذكائه، أو يَضْعُف عنه ببلادته، فإنَّه أروح للعالم، وأنجح للمتعلِّم) [2971] ((أدب الدُّنْيا والدِّين)) للماوردي (ص 81). . 4- من الفِرَاسَة: معرفة حِيَل المجرمين، وطرائقهم، ودسائسهم في تدمير عقائد النَّاس وأخلاقهم. 5- ومن صُوَرها: فِرَاسَة القاضي في الخُصُوم، قال ابن فَرْحُون: (يُسْتَحبُّ للقاضي أن يستعمل الفِرَاسَة، ويراقب أحوال الخِصْمَين عند الإدلاء بالحجج ودعوى الحقوق، فإنْ توسَّم في أحد الخِصْمَين أنَّه أبْطَن شُبْهة، فليتلطَّف في الكشف والفحص عن حقيقة ما توهَّم فيه) [2972] ((تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام)) لابن فَــرْحُون (2/216). . فِرَاسَة عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه: رُوِي عن عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه: أنَّه دخل عليه قوم من مَذْحِج فيهم الأشتر، فصعَّد عمر فيه النَّظر وصوَّبه، وقال: أيُّهم هذا؟ فقالوا: مالك ابن الحارث، فقال: ما له -قاتله الله- إنِّي لأرى للمسلمين منه يومًا عصيبًا. فكان منه في الفتنة ما كان [2973] ذكره القرطبي في ((تفسيره)) (10/44). . فِرَاسَة عثمان بن عفَّان رضي الله عنه: وهذا عثمان بن عفَّان، دخل عليه رجل من الصَّحابة، وقد رأى امرأة في الطَّريق، فتأمَّل محاسنها، فقال له عثمان: يدخل عليَّ أحدكم، وأثر الزِّنا ظاهر على عينيه. فقلت: أوحيٌّ بعد رسول الله؟! فقال: لا، ولكن تَبْصِرة وبرهان، وفِرَاسَة صادقة [2974] انظر: ((الروح)) لابن القيِّم (ص 240)، وذكره القشيري في ((الرسالة القشيرية)) (2/393). . فِرَاسَة علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أكْثَرَ رجلٌ الثَّناء على عليٍّ رضي الله عنه بلسان لا يوافقه القلب، فقال له: (أنا دون ما تقول، وفوق ما في نفسك) [2975] رواه ابن أبى الدُّنْيا في ((الصَّمت)) (ص275)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (42/518). . فِرَاسَة السَّائب بن الأقرع: أنَّ أبا موسى الأشعري وجَّه السَّائب بن الأقرع في خلافة عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه إلى مهرجا، بعد أن فتحها ودخل دار الهرمزان، بعد أن جمع السَّبي والغنائم، ورأى في بعض مجالس الدَّار تصاوير فيها مثال ظبي، وهو مُشِير بإحدى يديه إلى الأرض، فقال السَّائب: لأمرٍ ما صُوِّر هذا الظَّبي هكذا، إنَّ له لشأنًا، فأمر بحفر الموضع الذي الإشارة إليه، فأفضى إلى موضع فيه حوض من رخام، فيه سفط [2976] السفط: الذي يعبى فيه الطيب وما أشبهه من أدوات النساء. ((لسان العرب)) لابن منظور (7/ 315). جوهر، فأخذه السَّائب، وخرج به إلى عمر رضي الله عنه [2977] ((نهاية الأرب في فنون الأدب)) للنويري (3/149). . نماذج من السَّلف والعلماء المتقدِّمين فِرَاسَة الشَّافعي: - قال محمَّد بن إدريس الشَّافعي: (خرجت إلى اليمن في طلب كتب الفِرَاسَة، حتى كتبتها وجمعتها، ثمَّ لما حان انصرافي، مررت على رجل في طريقي وهو مُحْتَبٍ [2978] احتبى الشَّخصُ: جلس على أَلْيَتَيه وضمَّ فَخِذَيه وساقَيه إلى بطنه بذراعيه ليستند. ((معجم اللغة العربية المعاصرة)) (1/440). بفناء داره، أزرق العينين، ناتئ الجبهة [2979] ناتئ الجبهة: أي مرتفعها. ((مرقاة المفاتيح)) لملا علي القاري (9/3798). ، سِنَاط، فقلت له: هل من منزل؟ فقال: نعم. قال الشَّافعي: وهذا النَّعت أخبث ما يكون في الفِرَاسَة. فأنزلني، فرأيت أَكْرَم رجل، بَعَث إليَّ بعشاء وطِيب، وعلفٍ لدابَّتي، وفِرَاش ولِحَاف، فجعلت أتقلَّب اللَّيل، أجمع ما أصنع بهذه الكتب؟ إذ رأيت هذا النَّعت في هذا الرَّجل، فرأيت أكرم رجل، فقلت: أرمي بهذه الكتب. فلمَّا أصبحت، قلت للغلام: أَسْرِج [2980] أَسْرج: السراج أوقده، وَالشَّيْء حسنه وزينه، وَالْفرس شدَّ عَلَيْهِ السرج. ((المعجم الوسيط)) (1/425). ، فأَسْرَج، فركبت ومررت عليه، وقلت له: إذا قدمت مكة، ومررت بذي طوى، فسل عن منزل محمَّد بن إدريس الشَّافعي. فقال لي الرَّجل: أمولى لأبيك أنا؟! قلت: لا. قال: فهل كانت لك عندي نعمة؟! فقلت: لا. فقال: أين ما تكلَّفت لك البارحة؟ قلت: وما هو؟ قال: اشتريت لك طعامًا بدرهمين، وإدامًا بكذا، وعِطْرًا بثلاثة دراهم، وعَلَفًا لدابَّتك بدرهمين، وكِرَاء الفِراش، واللِّحاف درهمان. قال: قلت: يا غلام أعطه، فهل بقي من شيء؟ قال: كِرَاء المنزل؛ فإنِّي وسَّعت عليك، وضيَّقت على نفسي. قال الشَّافعي: فغَبِطت نفسي بتلك الكتب، فقلت له بعد ذلك: هل بقي من شيء؟ قال: امض، أخزاك الله، فما رأيت قطُّ شرًّا منك) [2981] ((آداب الشافعي ومناقبه)) لأبي حاتم الرَّازي (96 – 97). . - و(كان الشَّافعي ومحمد بن الحسن -رحمهما الله تعالى- في المسجد الحرام، فدخل رجل، فقال محمَّد بن الحسن: أتفَرَّس أنَّه نجَّار، وقال الشَّافعي: أتفَرَّس أنه حدَّاد. فسألاه، فقال: كنت قبل هذا حدَّادًا، والساعة أُنَجِّر) [2982] ((الرسالة القشيرية)) للقشيري (2/387). . فِرَاسَة إبراهيم الخواص: - قال إبراهِيم الخَوَّاص: (كنت في الجَامِع، فأقبل شابٌّ طيِّب الرَّائحة، حَسن الوَجْه، حَسن الحُرْمَة، فقلت لأصحابنا: يقع لي أنَّه يَهُوديٌّ. فكلُّهم كِرَه ذلك، فخرجت، وخرج الشَّاب، ثمَّ رجع إليهم، فقال: إيش قال الشَّيخ؟ فاحتشموه، فألحَّ عليهم، فقالوا: قال: إنَّك يَهُودِيٌّ. فجاء فأكبَّ على يدي، فأَسْلَم، فقلت: ما السَّبَب؟ فقال: نَجِد في كتَابنَا أنَّ الصِّدِّيق لا تخطئ فِرَاسَته. فقلت: أمتحن المسلمين، فتأمَّلتهم، فقلت: إنْ كان فيهم صدِّيق، ففي هذه الطَّائفة، فلَبِست عليكم، فلمَّا اطَّلع هذا الشَّيخ عليَّ، وتفَرَّسني، علمت أنَّه صدِّيق [2983] ((الروح)) لابن القيِّم (239-240). . نماذج من العلماء المعاصرين: فِرَاسَة الشَّيخ عبد العزيز بن باز: - كان الشَّيخ عبد العزيز صاحب بصيرة نافذة، وفِرَاسَة حادَّة، يعرف ذلك جيِّدًا من عاشره وخالطه، وأخذ العلم على يديه. وممَّا يؤكِّد على فِرَاسَته، أنَّه يعرف الرِّجال وينزلهم منازلهم، فيعرف الجادَّ منهم في هدفه ومقصده من الدُّعاة وطلبة العلم، فيكرمهم أشدَّ الإكرام، ويقدِّمهم على من سواهم، ويخصُّهم بمزيد من التَّقدير، ويسأل عنهم وعن أحوالهم دائمًا، وله فِرَاسَة في معرفة رؤساء القبائل، والتَّفريق بين صالحهم وطالحهم، وله فِرَاسَة -أيضًا- في ما يعرض عليه من المسائل العويصة، والمشكلات العلميَّة؛ فتجده فيها متأمِّلًا متمعِّنًا لها، تُـقْرأ عليه عدَّة مرَّات، حتى يفكَّ عقدتها، ويحلَّ مشكِلَها، وله فِرَاسَة -أيضًا- في ما يتعلق بالإجابة عن أسئلة المستفتين، فهو دائمًا يرى الإيجاز ووضوح العبارة، ووصول المقصد، إن كان المستفتي عامِّيًّا من أهل البادية، وإن كان المستفتي طالب علم حريص على التَّرْجيح في المسألة، أطال النَّفَس في جوابه مع التَّعليلات وذِكْر أقوال أهل العلم، وتقديم الأرجح منها، وبيان الصَّواب بعبارات جامعة مانعة [2984] موقع الشَّيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرَّسمي. . - من لم ينْتَفع بظنِّه،لم ينْتَفع بيقينه. يُضْرب في حَمْد الفِرَاسَة [2985] ((المستقصى في أمثال العرب)) للزَّمخشري (2/360). . - وقال محمَّد بن حرب: (صواب الظَّنِّ، الباب الأكبر من الفِرَاسَة) [2986] ((البرصان والعرجان والعميان والحولان)) للجاحظ (ص 32). . - وقالوا: ولا بدَّ في باب البصر بجواهر الرِّجال من صِدْق الحسِّ، ومن صحَّة الفِرَاسَة، ومن الاستدلال في البعض على الكلِّ، كما استدلَّت بنت شُعيب- صلوات الله عليه- حين قضت لموسى -عليه السَّلام- بالأمانة والقوَّة، وهما الركنان اللَّذان تُبنى عليهما الوكالة [2987] ((الرسائل الأدبية)) للجاحظ (ص 232). . - و(كان ابن الزُّبير يقول: لا عاش بخير من لم ير برأيه ما لم ير بعينه. - ويقال: من لم تعرفك غائبًا أذناه، لم تعرفك شاهدًا عيناه. - وقيل: كما أنَّ الأبصار تنطبع فيها المشاهدات إذا سَلِمَت من صدأ الآفات، فكذلك العقول مَرَايَا تنطبع فيها الغائبات، إذا سَلِمت من صدأ الشَّهوات) [2988] ((روض الأخيار المنتخب من ربيع الأبرار)) للأماسي (ص 98). . - (وأشار ابن عبَّاس على عليٍّ -رضي الله عنهم- بشيء، فلم يعمل به، ثمَّ ندم، فقال: ويح ابن عبَّاس، كأنَّما ينظر إلى الغيب من وراء ستر رقيق. - يقال: ألْمَعِيَّته ألْمَعِيَّة [2989] ألمعية: مصدر صناعي من أَلْمَعُ: ذكاء مُفرط ونجابة. ((معجم اللغة العربية المعاصرة)) (3/2037). ابن عبَّاس، وفراسته فِرَاسَة إياس) [2990] ((روض الأخيار المنتخب من ربيع الأبرار)) للأماسي (ص 99). . - ويقال: فلان جاسوس القلوب. إذا كان حاذق [2991] الحاذق: هو الماهر، والحذاقة: المهارة في كل عمل. انظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (10/40). الفِرَاسَة، وإنَّ له نظرة تهتك حجب الضَّمير، وتصيب مقاتل الغيب، وتنكشف لها مغيَّبات الصُّدور، ويقال: هذه فِرَاسَة ذات بصيرة. أي: صادقة [2992] ((نجعة الرائد وشرعة الوارد في المترادف والمتوارد)) (2/207) . . |
#2
|
|||
|
|||
موضوع مشوق فعﻻ
هﻻ اتيت لنا بامثلة اكثر!!! |
#3
|
|||
|
|||
شيخنا الحبيب
__________________
( فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ) الكهف 6 كل العلوم سوى القرآن مشغلة ..... إلا الحديث وعلم الفقه في الدين العلم ما كان فيه قال حدثنا ..... وما سوى ذاك وسواس الشياطين |
#4
|
||||
|
||||
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
__________________
قـلــت :
|
أدوات الموضوع | |
|
|