جديد المواضيع |
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
المعز بن باديس .. ناصر السنة وقامع الشيعة
المعز بن باديس .. ناصر السنة وقامع الشيعة يشهد التاريخ أن المعز بن باديس أصبح علمًا من أعلام المسلمين ورمزًا من رموزهم, ودخل تاريخهم من أوسع أبوابه مسجلاً أعمالاً عظيمة, ولعل أشرفها وقوفه في وجه المد الشيعي الرافضي، وتبنيه لمذهب أهل السنة والجماعة، ومناصرته الخلافة العباسية على حساب الخلافة العبيدية الفاطمية.
نسب المعز بن باديس شرف الدولة أبو تميم المعز بن باديس بن المنصور بن يوسف بُلُكِّين بن زيري بن مناد الحميري الصنهاجي، صاحب إفريقية وما والاها من بلاد المغرب، كانت ولادته بالمنصورية، ويقال لها صبرة من أعمال إفريقية، يوم الخميس لخمس مضين من جمادى الأولى سنة 398ه. جده هو أبو الفتوح يوسف بلكين الزيري الصنهاجي (362 - 373هـ/ 972 - 983م)، مؤسس الدولة الصنهاجية وأول حاكم لبلاد المغرب وإفريقية من أصل بربري بعد الفتح الإسلامي، وذلك من قِبَل الدولة العبيدية الفاطمية. المغرب قبل المعز بن باديس كان الأمير أبو الفتوح يوسف بلكين متفانيًا في خدمة العبيديين وتوسيع أملاكهم, وأظهر نشاطًا واسعًا وعملاً دؤوبًا, وكان محافظًا على تبعيته للعبيديين وولائه لمذهب الإسماعيلية الباطنية، وظل الحال على ذلك في عهد خلفائه، وهم: أبو الفتح منصور بن بلكين (373هـ - 386هـ) وأبو مناد باديس بن منصور (386هـ - 406هـ). إلا أنهم لم يضيقوا على علماء أهل السنة كما كان من قبل، فانفسح المجال نسبيًا أمام علماء أهل السنة لنشر السنة، والتف أهل الشمال الإفريقي حول علمائهم, وواصلوا مقاطعة الدولة, غير أن هؤلاء الحكام لم يستطيعوا الإعلان بموافقة علماء أهل السنة خوفًا على سلطانهم, وأحس أهل القيروان بذلك فراح علماؤهم يعملون جاهدين على نشر السنة وآراء السلف, فعجت حلقات العلماء بطلاب العلم في القيروان من جديد, وكثرت المؤلفات في بيان دين الإسلام الصحيح. وكان التخلص النهائي من أتباع العبيديين, وانتصار أهل السنة على الروافض في الشمال الإفريقي على عهد الأمير السني والسيف القاطع والطود المنيف الأمير المعز بن باديس رحمه الله [1]. بيعة الأمير المعز بن باديس نودي بالمعز بن باديس أميرًا وبويع له بالمحمدية من أعمال إفريقية يوم السبت الثالث من ذي الحجة سنة 406هـ، بعد وفاة أبيه بثلاثة أيام، وهو ابن ثماني سنين، وكان الحاكم بأمر الله العبيدي قد لقبه شرف الدولة، وسير له تشريفاً وسجلاً يتضمن اللقب المذكور، وذلك في ذي الحجة سنة 407هـ. وكان المعز بن باديس ملكاً جليلاً عالي الهمة، محباً لأهل العلم كثير العطاء، وكان واسطة عقد بيته، ومدحه الشعراء وانتجعه الأدباء، وكانت حضرته محط بني الآمال. وصفه ابن الأثير بقوله: "وكان رقيق القلب, خاشعًا, متجنبًا لسفك الدماء إلا في حدٍّ، حليمًا يتجاوز عن الذنوب العظام, حسن الصحبة مع عبيده وأصحابه, مكرمًا لأهل العلم, كثير العطاء لهم .., وكان له شعر حسن". وقال ابن عذارى في وصفه: "أسمر، جميل الوجه، جهير الصوت، حسن الخلق، بعيد الغور في الأمور، قتل الشيعة وقط دعوتهم من أفريقية، ولعن أمراءهم بني عبيد على سائر منابر أفريقية، ووفَّى كل واحد من الصحابة حقه، وأقام السنة، وكانت متروكة منذ مائة وأربعين سنة". وكان مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه بأفريقية أظهر المذاهب، فحمل المعز جميع أهل المغرب على التمسك بمذهب الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه، وحسم مادة الخلاف في المذاهب [2]. التربية الدينية الصحيحة للمعز بن باديس كانت أفريقية كلها والقيروان على مذهب الشيعة الرافضة وعلى خلاف أهل السنة والجماعة، من وقت تملك عبيد الله المهدي (297 - 322هـ/ 910 - 934م)، وقد ستطاع بعض فقهاء المالكية أن يصلوا إلى ديوان الحكم في دولة صنهاجة، وأثروا في بعض الوزراء والأمراء الذين كان لهم الفضل بعد الله في تخفيف ضغط الدولة على علماء أهل السنة. وأخص بالذكر الوزير العلامة أبا الحسن بن أبي الرجال الذي تربى المعز بن باديس في حجره، وقد اجتهد على الأمير المعز بن باديس في تربيته على منهج أهل السنة والجماعة, وأعطت هذه التربية ثمارها بعد ما تولى المعز إفريقية, وكان عمل العلامة أبو الحسن في السر بدون أن يعلم به أحد من الشيعة الذين كانت الدولة دولتهم, وكان هذا العالم فاضلاً ورعا زاهدا ذا خلق ودين وعقيدة سليمة, ومبغضًا للمذهب الإسماعيلي الشيعي. واستطاع أن يزرع التعاليم الصحيحة في نفسية وعقلية وفكر المعز بن باديس الذي تم على يديه القضاء على مذهب الشيعة الإسماعيلية في الشمال الإفريقي. قطعه خطبة العبيديين وكان في المعز بن باديس إسلام ودين، فقطع خطبة المستنصر بالله العبيدي ىالرافضي وخلع طاعته وذلك سنة 440هـ، فلما فعل ذلك خطب للإمام القائم بأمر الله العباسي في بغداد، فكتب إليه المستنصر يتهدده ويقول له: "هلا اقتفيت آثار آبائك في الطاعة والولاء". فأجابه المعز: "إن آبائي وأجدادي كانوا ملوك الغرب قبل أن تملكه أسلافك، ولهم عليهم من الخدم أعظم من التقديم، ولو أخروهم لتقدموا بأسيافهم"؛ واستمر على قطع الخطبة، ولم يخطب بعد ذلك بإفريقية لأحد من العبيديين [3]. المعز بن باديس وعدائه للإسماعيلية ونصرته لأهل السنة[*] بينت لنا كتب التاريخ أن المعز بن باديس تدرج في عدائه للإسماعيلية ولحكام مصر, وظهر ذلك في عام 435هـ عندما وسع قاعدة أهل السنة في جيشه وديوانه ودولته, فبدأ في حملات التطهير للمعتقدات الكفرية، ولمن يتلذذ بسب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأوعز للعامة ولجنوده بقتل من يظهر الشتم والسب لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما فسارعت العامة في كل الشمال الإفريقي للتخلص من بقايا العبيديين ليصفي الشمال الإفريقي من المعتقدات الفاسدة الدخيلة عليه. روي أن المعز بن باديس خرج في بعض الأعياد إلى المصلى في زينته وحشوده، وهو غلام فكبا به فرسه، فاستغاث وقال عند ذلك: أبو بكر وعمر! فسمعته الشيعة التي كانت في عسكره، فبادروا إليه ليقتلوه، فجاء عبيده ورجاله ومن كان يكتم السنة من أهل القيروان، ووضع السيف في الشيعة، فقتل منهم ما ينيف على ثلاثة آلاف، فسمي ذلك الموضع بركة الدم إلى الآن، قال أبو الصلت: "وصاح بهم في ذلك الوقت صائح الموت، فقتلوا في سائر بلاد أفريقية". وأشاد العلماء والفقهاء بهذا العمل الجليل الذي أشرف على تنفيذه المعز بن باديس رحمه الله، وذكر الشعراء قوافي وأشعارًا في مدح المعز بن باديس ودونوا تلك البداية, فقال القاسم بن مروان في تلك الحوادث: وسوف يقتلون بكل أرض *** كما قتلوا بأرض القيروان وقال آخر: ي ــــا معز الدين عــــش في رفعة *** وســرور واغتبــاط وجــــــذل أنت أرضيــت النبـي المصطفـــى *** وعتيقًــا فــي الملاعين السفـل وجعلــــت القتــل فيهــــم سنــــة *** بأقاصــي الأرض فـي كل الدول وقال آخر: وكانت لهم بالشرق نار فأطفئت *** فما ملكوا بالكفر شرقا ولا غربا واستمر المعز بن باديس في التقرب إلى العامة وعلمائهم وفقهائهم من أهل السنة، وواصل السير في تخطيطه للانفصال الكلي عن العبيديين في مصر, فجعل المذهب المالكي هو المذهب الرسمي لدولته, وأعلن انضمامه للخلافة العباسية, وغيَّر الأعلام إلى العباسيين وشعاراتهم, وأحرق أعلام العبيديين وشعاراتهم. وأمر المعز بن باديس بسبك الدراهم والدنانير التي كانت عليها أسماء العبيديين والتي استمر الناس يتعاملون بها 145سنة، وأمر بضرب سكة أخرى كتب على أحد وجهيها: "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، وكتب على الآخر: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85]. وقضى المعز بن باديس على كل المذاهب المخالفة لأهل السنة من الصفرية والنكارية والمعتزلة والإباضية، وفي سنة 443هـ انضمت برقة كلها إلى المعز بن باديس بعد أن أعلن أميرها جبارة بن مختار الطاعة له، وكان أول من قاد حملة التطهير على الإسماعيلية في طرابلس وحارب تقاليدهم الباطلة ودعوتهم المضلة هو العلامة علي بن محمد المنتصر وكنيته أبو الحسن المتوفي عام 432هـ. المواجهة بين المعز بن باديس والعبيديين واشتاط الحقد الباطني وتفجرت براكين الغضب في نفوسهم وقرروا الانتقام من قائد أهل السنة في الشمال الإفريقي ومن أهله الذين فرحوا بعودة بلادهم لحظيرة أهل السنة, فانعقد في القاهرة مجلس رافضي باطني إسماعيلي بقيادة الخليفة العبيدي، وخرجوا برأي شيطاني مفاده رمي السنية الصنهاجية الزيرية البربرية بقبائل بني سليم وبني هلال العربية. فإن انتصرت الدولة الصنهاجية تكون الدولة العبيدية قد تخلصت من هذه القبائل المتعبة, وإن انتصر بنو سليم وبنو هلال يكونوا بذلك انتقموا من عدوهم اللدود المعز بن باديس, وكان الذي تبنى هذه الفكرة الوزير العبيدي أبو محمد بن علي اليازوري الذي شرع في إغراء القبائل المقيمة على ضفاف النيل وأمدهم بالمال والسلاح والكراع, وأباح لهم برقة والقيروان, وكل ما يكون تحت أيديهم. واتصل العبيديون بالمعارضين للمعز وأمدوهم بما يملكون من مال وسلاح وعتاد، واجتمع الخليفة العبيدي المستنصر بالله مع زعماء القبائل العربية ومنَّاهم بالمساعدة المالية والمعنوية, وقال لهم: "لقد أعطيناكم إفريقية وملك ابن باديس فلا تفتقرن بعدها". وبدأت حلقة الصراع العنيف بين المعز بن باديس والقبائل العربية المدعومة من الروافض العبيديين، وواصلت القبائل العربية زحفها إلى طرابلس وضواحي تونس, وكان تعداد هذه القبائل المهاجمة على الشمال الإفريقي أربعمائة ألف, ولحقتها أفواج تترى. واستمرت الحروب الدموية بين المعز بن باديس والعرب الموالين للعبيديين الرافضة من سنة 442هـ وحتى سنة 449هـ، وكانت سجال بينهما وأغلبها كانت لصالح العرب، مما اضطر المعز أن ينقل عاصمته من القيروان إلى المهدية لعجزه عن حماية عاصمته وأهلها من العرب. وبعد أن رتب أمور العاصمة الزيرية الجديدة ونقل لها كل وظائف الدولة، انتقل المعز إلى المهدية سنة 449هـ، فتلقاه ابنه تميم ومشى بين يديه، واستولى العرب على القيروان وهدموا حصونها وقصورها وقطعوا الثمار, وخربوا الأنهار. وكانت الوقائع والمعارك والحروب التي خاضها المعز مع العرب درسًا قاسيًا له, أقنعته بألا طاقة له بالعرب، وأيقن أن العبيديين مكروا به مكرًا عظيمًا, وكان من أسباب الهزائم المتلاحقة التي لحقت بالمعز قوة العرب وشجاعتهم, وخذلان جنوده من البرابرة الذين لا زالوا يعظمون الخلافة العبيدية حيث خذلوه في أكثر من موقع, وتقريب المعز لعبيده مما أوغر نفوس صنهاجة وزناتة عليه. وفاة المعز بن باديس وعندما استقر المعز بن باديس في المهدية فوض أمر الدولة وشئون الحكم لابنه تميم بن المعز بن باديس، الذي آنس فيه والده حسن التصرف وأصالة الرأي، وبقى هذا المجاهد العظيم في ضيافة ابنه إلى أن توفاه الله بالمهدية في الرابع من شعبان سنة 453هـ، من مرض أصابه, وهو ضعف الكبد وقيل البرص, وكانت مدة ملكه سبعًا وأربعين سنة. ولما مات رثاه الشعراء، ومنهم شاعره أبو الحسن بن رشيق القيرواني، فقال: لكل حي وإن طال المدى هلك *** لا عز مملكة يبقى، ولا ملك ولى المعز على أعقابه فرمى *** أو كاد ينهد من أركانه الفلك مضى فقيدا، وأبقى في خزائنه *** هام الملوك، وما أدراك ما ملكوا ما كان إلا حساما سله قدر *** على الذين بغوا في الأرض وانهمكوا كأنه لم يخض للموت بحر وغى *** خضر البحار، إذا قيست به، برك ولم يجد بقناطير مقنطرة *** قد أرخت باسمه إبريزها السكك روح المعز وروح الشمس قد قبضا *** فانظر بأي ضياء يصعد الفلك [4] ويشهد التاريخ الإسلامي البربري أن للمعز بن باديس الفضل بعد الله في القضاء على عقائد الباطنية الإسماعيلية في بلاد المغرب العربي والشمال الإفريقي, وكان درعًا حصينًا لمنهج أهل السنة وقدمهم في دولته، وكلفه ذلك ثمنًا باهظًا من قبل أعدائه. عن موقع قصة الإسلام الهوامش: [1] ابن خلكان: وفيات الأعيان، 1/ 265، 5/ 234. الذهبي: سير أعلام النبلاء، 18/ 140. الزركلي: الأعلام، 2/ 74، 7/ 298. [2] ابن الأثير: الكامل في التاريخ، 8/ 172- 173. ابن عذارى: البيان المغرب، 1/ 267 – 268، 296. ابن خلكان: وفيات الأعيان، 5/ 233- 235. والمحمدية هي مدينة المسيلة بالمغرب؛ لأنه اختطها أبو القاسم محمد بن المهدي سنة 315هـ. انظر: ياقوت الحموي: معجم البلدان، 5 / 64 ،130. [3] ابن خلكان: وفيات الأعيان، 5/ 234. الذهبي: سير أعلام النبلاء، 18/ 140.[*]ابن عذارى: البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب، 1/ 273- 280. علي الصلابي: الدولة العبيدية الفاطمية، الناشر: مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع والترجمة، القاهرة، الطبعة: الأولى، 1427هـ - 2006م. [4] ابن الأثير: الكامل في التاريخ، 8/ 173. الذهبي: سير أعلام النبلاء، 18/ 141. |
أدوات الموضوع | |
|
|