جديد المواضيع |
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
الله الذي جعل لكم الأرض قرارا
الله الذي جعل لكم الأرض قرارا..*
هذا النص القرآني المعجز جاء في الربع الأخير من سورة غافر وهي سورة مكية, عدد آياتها85, وقد سميت بهذا الاسم الجليل غافر الذي هو صفة من صفات الله العلا لوروده في مطلع السورة, وفي ثناياها بصيغة الغفار وهو من أسماء الله الحسني. ويدور محور سورة غافر حول قضيتي الإيمان والكفر, وصراع أهليهما عبر التاريخ, ومحاولات أهل الباطل للعلو, في الأرض, والتجبر علي الخلق بغير الحق ــ تماما كما تفعل الولايات المتحدة الأمريكية وذنبها الأعوج المسمي إسرائيل, وحلفاؤهما اليوم ــ وترد آيات السورة الكريمة باستعراض لبأس الله الذي يأخذ المتجبرين في الأرض أخذ عزيز مقتدر, وتشير إلي عدد من مصارع الغابرين الذين طغوا وبغوا في الأرض بغير الحق, فكان جزاؤهم من الله الإفناء الكامل, وماذلك علي الله بعزيز...!! وتبدأ سورة غافر بالحرفين المقطعين حم وبهما تبدأ سبع سور من سور القرآن الكريم وتسمي بالحواميم أو بــ آل حم والحروف المقطعة التي تفتتح بها تسع وعشرون سورة من سور القرآن الكريم, والتي تضم أسماء نصف حروف الهجاء العربية الثمانية والعشرين تعتبر من أسرار القرآن التي لم يتم اكتشافها بعد, وإن بذلت محاولات عديدة من أجل ذلك. ويلي هذا الاستفتاح بيان من الله( تعالي) بأن القرآن الكريم هو تنزيل من الله العزيز العليم الذي وصف ذاته العلية بقوله: غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير* والغفر هو الستر والمحو والتكفير, و(الطول) هو الفضل والإنعام عن غني وسعة واقتدار. وتخاطب الآيات خاتم الانبياء والمرسلين سيدنا محمد بن عبد الله( صلي الله عليه وسلم) بالحقيقة الواقعة: أنه لا يجادل في آيات الله بغير علم إلا الذين كفروا, وأنه لا يجوز ان يحزنه تقلب الكافرين في البلاد بشئ من السلطان والبطش( كما ينقلب الأمريكان والإسرائيليون وأعوانهم اليوم) فإن ذلك استدراج لهم, حتي إذا ما بالغوا في جرائمهم أخذهم الله بذنوبهم أخذ من سبقوهم من الأمم الكافرة والمشركة من أمثال قوم نوح والأحزاب الذين أفسدوا في الأرض إفسادا كبيرا, فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر, وتؤكد السورة أن مصيرهم إلي جهنم وبئس المصير...!! وتحدثت السورة عن حملة العرش وعمن حولهم من الملائكة الذين يسبحون بحمد الله ويؤمنون به, ويستغفرون للمؤمنين من أهل الأرض, ويدعون للذين تابوا منهم بالنجاة من عذاب الجحيم, ويسألون الله( تعالي) لهم, ولمن صلح من آبائهم, وأزواجهم, وذرياتهم جنات عدن, وأن يقيهم السيئات, كما تعرض لشئ من أحوال الكافرين والمشركين يتذللون بين يدي الله يوم القيامة في انكسار واضح وهم يقولون: ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلي خروج من سبيل*. وتستشهد السورة بالعديد من آيات الله في الكون, وتوصي المؤمنين بالثبات علي التوحيد الخالص لله ولو كره الكافرون, وتصفه( سبحانه وتعالي) بأنه: رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره علي من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق* وهو يوم التقاء الخلق في المحشر, وهو يوم عصيب, يبرز فيه الخلق امام الله( تعالي) لا يخفي علي الله منهم شئ, وينادي فيهم المنادي: لمن الملك اليوم؟ ويأتي الجواب حاسما, جازما قاطعا: لله الواحد القهار و(الروح) هنا هي الوحي والنبوة لأن القلوب تحيا بهما كما تحيا الاجساد بأرواحها...!! ويأتي القرار الإلهي: اليوم تجزي كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب. وتحذر الآيات من أهوال يوم القيامة: إذ القلوب لدي الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع وتؤكد أن الله( تعالي) يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور* والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشئ إن الله هو السميع البصير*. وتعتب الآيات علي الذين لم يعتبروا بمصارع الأمم البائدة والذين... كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا فأخذهم الله بذنوبهم, وما كان لهم من الله من واق* وتعرض السورة لقصة سيدنا موسي( عليه السلام) مع كل من فرعون وهامان وقارون, ومحاولة فرعون القضاء علي الحق وجنده وأتباعه, قمعا للإيمان, ونشرا للشرك والكفر والطغيان( تماما كما يفعل الأمريكان وحلفاؤهم اليوم) وتشير إلي مؤمن آل فرعون الذي كان يخفي إيمانه, وحديثه إلي قومه, وتحذيره إياهم من مصائر الغابرين من أقوام نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم ومن أهوال يوم التناد, ومن إهمالهم دعوة يوسف( عليه السلام) من قبل, ومن أغترارهم بالدنيا ومتاعها الزائل بينما الآخرة هي دار القرار, وذلك كله بشئ من اللطف والحذر. وتتحدث الآيات عن كيف زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل فحاق بآل فرعون سوء العذاب في الدنيا( بغرقه في اليم هو وجنده وأعوانه ونجاة رسول الله موسي ومن آمن معه), وفي قبورهم, كما تؤكد الآيات, ويوم تقوم الساعة حيث يلقون أشد العذاب. وتعرض الآيات للحوار بين الذين اتبعوا والذين اتبعوا وهم في النار, ورجاؤهم في مذلة بادية إلي خزنة جهنم كي يدعوا الله تعالي أن يخفف عنهم يوما من العذاب....!! وتؤكد الآيات أن الله تعالي ينصر رسله والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد, وتعرض لشئ من أخبار سيدنا موسي( عليه السلام) مع بني إسرائيل, وتأمر المصطفي( صلي الله عليه وسلم) بالصبر والاستغفار والتسبيح بحمد الله بالعشي والإبكار, والاستعاذة بالله من الكبر الكاذب الذي يتخفي وراءه الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم. وكما لا يستوي الأعمي والبصير لا يستوي المسيئون والصالحون, وتجزم الآيات بأن الساعة أتية لا ريب فيها, وتطالب المؤمنين بالتوجه إلي الله تعالي بالدعاء, فيستجيب لهم, لأن الدعاء هو قمة الخضوع لله بالطاعة, وأن الذين يستكبرون عن الدعاء سوف يدخلون جهنم داخرين... وتصف الآيات شيئا من أحوال المكذبين بكتب الله ورسله من الكفار والمشركين, وتوصي رسول الله( صلي الله عليه وسلم) بالثبات علي التوحيد الخالص لله, والصبر علي ما يلقي من عناد الكافرين, وتؤكد أن وعد الله حق, وأن الله( تعالي) قد أرسل رسلا من قبل, قص شيئا من أخبار بعضهم عليه, ولم يقصص عن البعض الآخر, وأنه ما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله, فإذا جاءت الآية... وجحد بها المكذبون..! استحقوا حينئذ عقاب رب العالمين فخسروا خسرانا مبينا...!! وتختتم السورة بعتاب للمرة الثانية علي الذين لم يعتبروا بمصارع الأمم البائدة من قبلهم والذين كانوا أكثر منهم عددا, وأشد منهم قوة وأثارا في الأرض, فما أغني عنهم ما كانوا يكسبون, لأنهم كذبوا رسل الله إليهم, واستعلوا عليهم بما كان عندهم من العلم فحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون, فلما رأوا عقاب الله محيطا بهم قالوا: آمنا بالله وحده, وكفرنا بما كنا به مشركين, ولكن ما كان ينفعهم هذا الإيمان الاضطراري بعد أن رأوا العذاب واقعا بهم, وهي سنة الله التي قد خلت في عباده, وخسر هنالك الكافرون...!! ومن الآيات الكونية التي استشهدت بها السورة علي توحيد الألوهية, والربوبية, وتنزيه الاسماء والصفات لهذا الخالق العظيم, والاستدلال علي طلاقة قدرته في إبداعه لخلقه ما يلي: (1) إنزال الرزق من السماء. (2) تضاؤل خلق الناس ــ علي عظمته ــ بجوار خلق السماوات والأرض. (3) حتمية الآخرة. (4) تخصيص الليل لراحة وسكون العباد وجعل النهار مبصرا. (5) حقيقة الخلق ووحدانية الخالق. (6) أن الله( تعالي) قد جعل الأرض قرارا, والسماء بناء. (7) وأنه( تعالي) قد صور بني الإنسان فأحسن صورهم, ورزقهم من الطيبات. (8) أن الله( تعالي) خلق الناس من تراب, ثم من نطقة, ثم من علقة, ثم يخرجهم طفلا, تم يبلغوا أشدهم, ثم ليكونوا شيوخا, حتي يبلغوا أجلا مسمي, فيتوفاهم الله ومنهم من يتوفي من قبل. (9) أن الله( تعالي) هو الذي يحيي ويميت, فإذا قضي أمرا فإنما يقول له كن فيكون. (10) خلق الله( تعالي) الأنعام ليركب الناس منها, ومنها يأكلون. (11) مكن الله( تعالي) بقدرته مياه البحار أن تحمل الفلك بقوانين الطفو حتي تكون وسيلة لنقل الناس وحمل أمتعتهم. وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلي أكثر من مقال لاستيعابها, ولذلك فسوف أقصر الحديث هنا علي جعل الأرض قرارا وأبدأ بدلالة تلك اللفظة في اللغة العربية. مدلول اللفظة( قرارا) في اللغة العربية مركز ثقل الارض فى قلبها يقال في العربية( قر) في مكانه( يقر)( قرارا) إذا ثبت ثبوتا جامدا, وأصله من( القر) وهو البرد لأنه يقتضي السكون, والحر يقتضي الحركة, و(القرار) المستقر من الأرض, و(القرار) في المكان( الاستقرار) فيه تقول:( قررت) بالمكان بالكسر( أقر)( قرارا), و(قررت) أيضا بالفتح( قرارا) و(قرورا), و(استقر) فلان إذا تحري( القرار), و(الإقرار): إثبات الشئ. قال( تعالي): الله الذي جعل لكم الأرض قرارا... أي مستقرا تعيشون فيها, ويسأل( سبحانه وتعالي) سؤال التبكيت للكافرين بقوله: أمن جعل الأرض قرارا...( النمل:61) أي مستقرا, وقال( تعالي) في صفة الآخرة: وإن الآخرة هي دار القرار*( غافر:39). وقال في أصحاب الجنة: أصحاب الجنة يؤمئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا*( الفرقان:24) وقال سبحانه وتعالي: خالدين فيها حسنت مستقرار ومقاما*( الفرقان:76) وقال في وصف النار: إنها ساءت مستقرا ومقاما*( الفرقان:66) وقال( عز من قائل): جهنم يصلونها وبئس القرار*( إبراهيم:29) وقال( سبحانه وتعالي):... ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلي حين* (البقرة:36 والأعراف24) وقال( جل شأنه): وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع..*( الانعام:98). أقوال المفسرين في تفسير قوله( تعالي): الله الذي جعل لكم الأرض قرارا...( غافر:64) ذكر أبن كثير( يرحمه الله) ما نصه:.... أي جعلها لكم مستقرا, تعيشون عليها وتتصرفون فيها, وتمشون في مناكبها... وذكر صاحبا تفسير الجلالين( رحمهما الله رحمة واسعة) ما نصه: اي مكانا لاستقراركم وحياتكم. وجاء في الظلال:( رحم الله كاتبها رحمة واسعة) ما نصه:.... والأرض قرار صالح لحياة الإنسان بتلك الموافقات الكثيرة التي أشرنا إلي بعضها إجمالا.... وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن( علي كاتبه من الله الرضوان ما نصه:( الأرض قرارا) مستقرا تعيشون فيها.. وجاء في المنتخب في تفسير القرآن الكريم( جزي الله المشاركين في كتابته خير الجزاء) ما نصه: الله ــ وحده ــ الذي جعل لكم الأرض مستقرة صالحة لحياتكم عليها..... وجاء في صفوة التفاسير جزي الله كاتبها خير الجزاء ما نصه: أي جعلها مستقرا لكم في حياتكم وبعد مماتكم, قال ابن عباس: جعلها منزلا لكم في حال الحياة وبعد الموت.... الله الذي جعل لكم الأرض قرارا... في مفهوم العلوم المكتسبة. جاء ذكر هذه الحقيقة في كتاب الله مرتين: أولاهما في سورة النمل حيث يقول ربنا( تبارك وتعالي): أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أءلة مع الله بل أكثرهم لا يعلمون*( النمل61) وتكرر هذا السؤال: أءله مع الله؟ خمس مرات في خمس آيات متتاليات من سورة النمل استنكارا لشرك المشركين بالله...!! ويأتي الجواب قاطعا جازما حاسما في كل مرة: بل هم قوم يعدلون( النمل:60) بل أكثرهم لا يعلمون( النمل:61) قليلا ما تذكرون( النمل:62) تعالي الله عما يشركون( النمل:63) قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين (النمل:64). وتسبق هذه الآيات الخمس بالحقيقة القاطعة التي يقررها ربنا( تبارك وتعالي) لذاته العلية علي لسان هدهد سليمان بقوله الحق: الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم*( النمل:26). والمرة الثانية التي جاءت فيها الإشارة إلي جعل الأرض قرارا هي الأية التي نحن بصددها من سورة غافر والتي يقول فيها الحق( تبارك وتعالي): الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين*( غافر:64) وواضح من دلالة اللغة, ومن شروح المفسرين أن التعبير جعل الأرض قرارا تعني مستقرا في ذاتها, وقرار للحياة علي سطحها, وهما قضيتان مختلفتان ولكنهما متصلتان اتصالا وثيقا ببعضهما علي النحو التالي: أولا: جعل الأرض قرارا بمعني مستقرة بذاتها الأرض ثالثة الكواكب السيارة الداخلية جريا حول الشمس, ويسبقها من هذه الكواكب الداخلية قربا من الشمس كل من عطارد والزهرة علي التوالي, ويليها إلي الخارج أي بعدا عن الشمس بالترتيب: المريخ, المشتري, زحل يورانوس نبتيون, وبلوتو, وهناك مدار لمجموعة من الكويكبات بين كل من المريخ والمشتري يعتقد بأنها بقايا لكوكب عاشر انفجر منذ زمن بعيد, كما أن الحسابات الفلكية التي قام بها عدد من الفلكيين الروس تشير إلي أحتمال وجود كوكب حادي عشر لم يتم رصده بعد اطلقوا عليه اسم بروسوبينا أو بريينا. وبهذا يصبح عدد كواكب المجموعة الشمسية أحد عشر كوكبا, وهنا يبرز التساؤل عن إمكانية وجود علاقة ما بين هذه الحقيقة الفلكية ــ التي لم تكتمل معرفتها إلا في أواخر القرن العشرين ــ وبين رؤيا سيدنا يوسف( علي نبينا وعليه من الله السلام) التي يصفها الحق( تبارك وتعالي) في محكم كتابه بقوله: إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين*.( يوسف:4) وإن كان ظاهر الأمر في السورة الكريمة أن المقصود هو ما تحقق بالفعل بعد تلك الرؤيا بسنين عديدة من سجود إخوة يوسف الأحد عشر وأبويه له عند قدومهم إلي مصر من بادية الشام, وعلي الرغم من ذلك فإن هذه العلاقة لايمكن استبعادها, وهذا السبق القرآني بالإشارة إليها لايمكن تجاهله....!! والأرض عبارة عن كوكب صخري, شبه كروي له الأبعاد التالية: متوسط قطر الأرض=12,742 كيلو متر متوسط محيط الأرض=40,042 كيلو متر مساحة سطح الأرض=510,000,000 كيلو متر مربع منها: 149مليون كم2 يابسة 361 مليون كم2 ماء حجم الأرض=108,000,000 كيلو متر مكعب متوسط كثافة الأرض=5,52 جرام/للسنتيمتر المكعب كتلة الأرض=5520 مليون مليون مليون طن متوسط كثافة الصخور في قشرة الأرض=2,5 جرام/للسنتيمتر المكعب متوسط كثافة الصخور الجرانيتية المكونة لكتل القارات=2,7 جرام/للسنتيمتر المكعب متوسط كثافة الصخور البازلتية المكونة لقيعان المحيطات=2,9 جرام/للسنتيمتر المكعب أمن جعل الأرض قرارا وبمقارنة متوسط كثافة الصخور المكونة لقشرة الأرض والتي تتراوح بين2,9,2,5 جرام للسنتيمتر المكعب مع متوسط كثافة الأرض ككل والمقدرة بحوالي5,52 جرام للسنتيمتر المكعب ثبت أن كثافة المادة المكونة للأرض تزداد باستمرار من سطحها في اتجاه مركزها حيث تتراوح الكثافة من10 إلي13,5 جرام للسنتيمتر المكعب ويفسر ارتفاع متوسط الكثافة بالقرب من مركز الأرض بوجود نسبة عالية من الحديد, وغيره من العناصر الثقيلة في قلب الأرض, وتناقص نسبة هذه العناصر الثقيلة بالتدريج في اتجاه قشرة الأرض.
وتقدر نسبة الحديد في الأرض بحوالي35,9% من مجموع كتلة الأرض المقدرة بحوالي5520 مليون مليون مليون طن, وعلي ذلك فإن كمية الحديد في الأرض تقدر بحوالي الألف وخمسمائة مليون مليون مليون طن, ويتركز هذا الحديد في قلب الأرض علي هيئة كرة ضخمة من الحديد(90%) والنيكل(9%) وبعض العناصر الخفيفة من مثل السيليكون, والكربون والفوسفور والكبريت والتي لاتشكل في مجموعها أكثر من1% مما يعرف باسم لب الأرض, والذي تشكل كتلته31% من كتلة الأرض, ويمثل طول قطره حوالي55% من طول قطر الأرض, أما باقي الحديد في الأرض(5,9% من كتلة الأرض) فيتوزع علي باقي كتلة الأرض( وشاح الأرض وغلافها الصخري) بسمك يقدر بحوالي ثلاثة آلاف كيلو متر(2895 كيلو مترا) في تناقص مستمر يصل بنسبة الحديد في الغلاف الصخري للأرض إلي5,6%. وتركيز هذه الكتلة الهائلة من الحديد وغيره من العناصر الثقيلة في قلب الأرض من وسائل جعله جرما مستقرا في ذاته. وهنا تأتي الإشارة القرآنية إلي تلك الحقيقة سبقا يشهد للقرآن الكريم بأنه كلام الله الخالق, ويشهد للنبي الخاتم والرسول الخاتم الذي تلقاه بالنبوة وبالرسالة لأن أحدا في زمانه ولا لقرون متطاولة من بعده لم يكن له علم بهذه الحقيقة التي لم يكتشفها الإنسان إلا في القرن العشرين, وفي ذلك يقول الحق( تبارك وتعالي): إذا زلزلت الأرض زلزالها* وأخرجت الأرض أثقالها*( الزلزلة:2,1) ولو أن الزلزال المقصود هنا هو زلزال الآخرة عند نفخة البعث, إلا أن الحقيقة المصاحبة للهزة الأرضية تبقي واحدة, ولو أن المفسرين السابقين قد رأوا في أثقال الأرض إشارة ضمنية إلي أجساد الموتي( بما تحمل من أوزار) والتي تلفظها الأرض من داخل بطنها بسبب هذا الزلزال الأخير, تلفظهم أحياء للحساب والجزاء, وإن كان رسول الله( صلي الله عليه وسلم) قد وصف لبعث الأموات صورة مغايرة لذلك. والأثقال جمع ثقل(بكسر فسكون) وهو الحمل الثقيل, أو جمع ثقل( بالتحريك) وهو كل نفيس مصون. وفي الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه يروي عن رسول الله( صلي الله عليه وسلم) قوله:تلقي الأرض أفلاذ كبدها أمثال الاسطوانة من الذهب والفضة, فيجيء القاتل فيقول في هذا قتلت, ويجيء القاطع فيقول في هذا قطعت رحمي, ويجيء السارق فيقول في هذا قطعت يدي, ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئا. وهذا الحديث الشريف يؤكد أن المقصود بأثقال الأرض في سورة الزلزلة هو الأحمال الثقيلة كما أثبتت الدراسات العلمية الحديثة, وليست أجساد الموتي فقط كما تخيل العديد من المفسرين السابقين, وهذا سبق علمي قرآني ونبوي معجز لأن أحدا من البشر لم يكن له علم بأن أثقال الأرض في جوفها حتي القرن العشرين. ويقدر متوسط المسافة بين الأرض والشمس بحوالي مائة وخمسين مليونا من الكيلومترات, وهذه المسافة قد حددتها بتقدير من الله الخالق( سبحانه وتعالي) كتلة الأرض تطبيقا لقوانين الجاذبية, والتي تنادي بأن قوة الجذب بين جسمين تتناسب تناسبا طرديا مع كتلة كل منهما, وتناسبا عكسيا مع مربع المسافة بينهما حسب المعادلة التالية: قوة الجاذبية بين كتلتين م1, م2= ثابت الجاذبية* م1*م2/مربع المسافة بينهما وهذا يعني أنه كلما زادت كتلة أي من الجسمين زادت قوة الجذب بينهما, وكلما زادت المسافة بينهما قلت قوة الجاذبية. والاتزان بين قوة جذب الشمس للأرض, والقوة النابذة المركزية التي دفعت بالأرض الأولية من الشمس هو الذي حدد( بمشيئة الله الخالق) بعد الأرض عن الشمس. والارتباط الوثيق بين كل من كتلتي الأرض والشمس بطريقة منتظمة بمعني أنه كلما تغيرت كتلة أحدهما تغيرت كتلة الآخر بنفس المعدل, هو من الأمور التي تعمل علي تثبيت بعد الأرض عن الشمس, وجعلها مستقرة في دورانها حول محورها, وفي جريها حول الشمس في مدار محدد مما يؤدي إلي تثبيت كمية الطاقة الشمسية التي تصل إلي الأرض وهي من عوامل تهيئتها لاستقبال الحياة واستقرارها, وذلك لأن كمية الطاقة التي تصل من الشمس إلي كل كوكب من كواكبها تتناسب تناسبا عكسيا مع بعد الكوكب عن الشمس, وكذلك تتناسب سرعة جري الكوكب في مداره حول الشمس. والأرض كوكب فريد في صفاته الفيزيائية والكيميائية والفلكية مما أهله بجدارة إلي أن يكون مهدا للحياة الأرضية بكل مواصفاتها النباتية, والحيوانية, والإنسية. فقد أثبتت دراسات الفيزياء الأرضية أن الأرض مبنية من عدد من النطق المتمركزة حول كرة مصمطة من الحديد والنيكل تعرف باسم لب الأرض الصلب أو اللب الداخلي للأرض, وتقسم هذه النطق الأرضية علي أساس من تركيبها الكيميائي أو علي أساس من صفاتها الميكانيكية علي النحو التالي: (1) قشرة الأرض: وتتكون من صخور نارية ومتحولة صلبة تتغطي بسمك قليل من الصخور الرسوبية أو الرسوبيات( التربة) في كثير من الأحيان, وتغلب الصخور الحامضية وفوق الحامضية علي كتل القارات وذلك من مثل الجرانيت والصخور الجرانيتية( بمتوسط كثافة2,7 جرام/للسنتيمتر المكعب) ويغلب علي قيعان البحار والمحيطات الصخور القاعدية وفوق القاعدية من مثل البازلت والجابرو(بمتوسط كثافة2,9 جرام/ للسنتيمتر المكعب). ويتراوح متوسط سمك القشرة الأرضية في كتل القارات من35 إلي40 كيلو مترا, وإن تجاوز ذلك تحت المرتفعات الأرضية من مثل الجبال. ويتراوح متوسط سمك القشرة الأرضية المكونة لقيعان البحار والمحيطات من5 إلي8 من الكيلو مترات. (2) الجزء السفلي من الغلاف الصخري للأرض: ويتكون من صخور صلبة تغلب عليها الصخور الحامضية وفوق الحامضية في كتل القارات بسمك يصل إلي85 كيلو مترا, بينما تغلب عليها الصخور القاعدية وفوق القاعدية تحت البحار والمحيطات بسمك في حدود60 كيلو مترا. ويفصل هذا النطاق عن قشرة الأرض سطح انقطاع للموجات الاهتزازية يعرف باسم الموهو(TheMohoDiscontinuity). (3) الجزء العلوي من وشاح الأرض( نطاق الضعف الأرضي): وتوجد فيه الصخور في حالة لدنة, شبه منصهرة( أو منصهرة انصهارا جزئيا في حدود1%), ويتراوح سمك هذا النطاق بين280 كيلو مترا,335 كيلو مترا, وهو مصدر للعديد من نشاطات الأرض من مثل الزلازل, والبراكين, وتحرك ألواح الغلاف الصخري للأرض, وتكون الجبال والسلاسل الجبلية. (4) الجزء الأوسط من وشاح الأرض: ويتكون من مواد صلبة, كثيفة, ويقدر سمكه بحوالي270 كيلو مترا, ويحده من أسفل ومن أعلي مستويات من مستويات انقطاع الموجات الاهتزازية الناتجة عن الزلازل يقع أحدهما علي عمق400 كيلومتر من سطح الأرض, ويقع الآخر علي عمق670 كيلو مترا من سطح الأرض. (5) الجزء السفلي من وشاح الأرض: ويتكون من مواد صلبة تعلو لب الأرض السائل, ويحده من أعلي أحد مستويات انقطاع الموجات الاهتزازية الناتجة عن الزلازل علي عمق670 كيلو مترا من سطح الأرض, ويحده من أسفل نطاق انتقالي شبه منصهر يفصله عن لب الأرض السائل علي عمق2885 كيلو مترا من سطح الأرض, ولذا يقدر سمك هذا النطاق بحوالي2215 كيلو مترا. (6) لب الأرض السائل( الجزء الخارجي من لب الأرض): وهو نطاق سائل يحيط بلب الأرض الصلب, وله نفس تركيبه الكيميائي تقريبا, ويقدر سمكه بحوالي2275 كيلو مترا( من عمق2885 كيلو مترا إلي عمق5160 كيلو مترا تحت سطح الأرض), وتفصله عن النطاقين الأعلي والأسفل منطقتان انتقاليتان شبه منصهرتين, أضخمهما المنطقة السفلي والتي يقدر سمكها بحوالي450 كيلو مترا. (7) لب الأرض الصلب( اللب الداخلي للأرض): وهو عبارة عن كرة ضخمة من الحديد(90%) والنيكل(9%) مع القليل من العناصر الخفيفة من مثل السيليكون, الكربون, الكبريت, الفوسفور والتي لاتكاد نسبتها أن تتعدي1%. وهذا هو نفس تركيب النيازك الحديدية تقريبا, والتي تصل الأرض بملايين الأطنان سنويا, ويعتقد بأنها ناتجة عن انفجار بعض الأجرام السماوية. وهذه البنية الداخلية للأرض تدعمها دراسة النيازك التي تهبط علي الأرض, كما تؤيدها قياسات الجاذبية الأرضية والاهتزازات الناتجة عن الزلازل. ولولاهذه البنية الداخلية للأرض, ماتكون لها مجالها المغناطيسي, ولا قوتها الجاذبية, ولولا جاذبية الأرض لهرب منها غلافها الغازي والمائي, ولاستحالت الحياة, ولولا المجال المغناطيسي للأرض لدمرتها الأشعة الكونية المتسارعة من الشمس ومن بقية نجوم السماء. والأرض تجري حول الشمس في فلك بيضاني قليل الاستطالة, بسرعة تقدر بحوالي30 كيلو مترا في الثانية, لتتم دورتها في سنة شمسية مقدارها365.25 يوم تقريبا وتدور حول محورها بسرعة تقدر اليوم بحوالي30 كيلو مترا في الدقيقة عند خط الاستواء فتتم دورتها هذه في يوم مقداره24 ساعة تقريبا, يتقاسمه ليل ونهار, بتفاوت يزيد وينقص حسب الفصول السنوية, والتي تنتج بسبب ميل محور دوران الأرض علي دائرة البروج بزاوية مقدارها66,5 درجة تقريبا. كذلك فإن حركات الأرض العديدة ومنها حركتها المحورية, والمدارية, وترنحها في دورانها حول محورها, وتذبذبها(نودانها أو ميسانها), وقربها وبعدها من الشمس في حركتها المدارية, والتغير التدريجي في توازن حركاتها مع حركات القمر حولها, ومع باقي كواكب المجموعة الشمسية ومع الشمس حول مركز المجرة, وباتجاه كوكبة الجاتي, ومع المجرة, حول مركز التجمع المجري, وكلها حركات تحتاج إلي ضبط وإحكام حتي تصبح الأرض مستقرة بذاتها, وقرارا للحياة علي سطحها. وتكفي في ذلك الإشارة إلي دور الجبال في تثبيت الأرض والتقليل من ترنحها في دورتها حول محورها تماما كما تقوم قطع الرصاص التي توضع حول إطارات السيارات في التقليل من معدلات ترنحها أثناء جري السيارة. ثانيا: جعل الأرض قرارا بمعني قرارا لسكانها ومن معاني جعل الأرض قرارا لسكانها هو جعل الظروف العامة للأرض مناسبة للحياة علي سطحها, ومن أولها مقدار جاذبية الأرض الذي يمسك بكل من غلافها المائي والغازي وبالأحياء علي سطحها, والماء هو سر الحياة علي الأرض, ولذا جعل ربنا( تبارك وتعالي) كوكب الأرض أغني الكواكب التي نعرفها في المياه حتي ليسميه العلماء بالكوكب الأزرق أو الكوكب المائي, وتقدر كمية المياه علي سطح الأرض بحوالي1360 مليون كيلو متر مكعب, ويغطي الماء حوالي71% من مساحة الأرض بينما لاتتعدي مساحة اليابسة اليوم29% من مساحة الأرض. كذلك فإن غاز الأوكسجين يشكل سرا من أسرار الحياة الراقية علي الأرض فجعل الله( تعالي) لها غلافا غازيا تقدر كتلته بحوالي خمسة آلاف مليون مليون طن, ويقدر سمكه بعدة آلاف من الكيلو مترات فوق مستوي سطح البحر حيث يصل ضغطه إلي حوالي الكيلو جرام علي السنتيمتر المربع, ويتناقص مع الارتفاع إلي واحد من مليون من ذلك الضغط في أجزائه العليا. ويضم الجزء السفلي من هذا الغلاف الغازي( من6 إلي20 كيلومترا فوق مستوي سطح البحر) حوالي66% من كتلته, ويتكون من غازات النيتروجين( بنسبة78,1% بالحجم) والأوكسجين( بنسبة21% بالحجم) والأرجون( بنسبة0,93% بالحجم), وثاني أكسيد الكربون( بنسبة0,03% بالحجم) بالإضافة إلي نسب ضئيلة من بخار الماء وغازات أخري. ولولا هذا التركيب للغلاف الغازي ما استقامت الحياة علي الأرض. كذلك فإن كتلة وأبعاد الأرض, ومسافتها من الشمس قدرت كلها بدقة بالغة, فلو كانت الأرض أصغر قليلا لاندفعت بعيدا عن الشمس ولفقدت الكثير من طاقتها, ولما كان بمقدورها الاحتفاظ بغلافها المائي والغازي, وبالتالي لاستحالت الحياة, ولو كانت أكبر قليلا لاندفعت الي مسافة أقرب من الشمس ولأحرقتها حرارتها, ولزادت قدرتها علي جذب الأشياء زيادة ملحوظة مما يعوق الحركة, ويحول دون النمو الكامل للأحياء, ويخل بالميزان الحراري علي سطحها. وكذلك يعتمد طول السنة الأرضية علي بعد الأرض من الشمس, ويعتمد طول يوم الأرض علي سرعة دورانها حول محورها, وكل ذلك مرتبط بأبعاد الأرض, وكذلك يعتمد تبادل الفصول المناخية علي ميل محور دوران الأرض علي دائرة البروج فلو لم يكن مائلا ماتبادلت الفصول, ولاختل نظام الحياة علي الأرض. ولولا تصدع الغلاف الصخري للأرض, وتحرك ألواحه متباعدة عن بعضها البعض ومصطدمة ببعضها البعض لما تكونت الجبال, ولا ثارت البراكين, ولاحدثت الهزات الأرضية, وكلها من صور ديناميكية الأرض, ووسائل تجديد وتثبيت غلافها الصخري, وإثرائها بالمعادن, وتكوين التربة وتحرك دورة الماء حول الأرض ودورة الصخور, وبناء القارات وهدمها, وتكون المحيطات واتساعها ثم اغلاقها وزوالها, وهذه الحركات الأرضية( وغيرها كثير) لعبت وـ لاتزال تلعب ـ أدوارا أساسية في جعل الأرض كوكبا مهيئا لاستقبال الحياة الأرضية وصالحا للعمران. هذه بعض آيات الله في جعل الأرض كوكبا مستقرا في ذاته علي الرغم من حركاته العديدة, وجريه في فسحة الكون, وفي تهيئته ليكون مستقرا للحياة التي أراد الله أن تزدهر علي سطحه, علي الرغم من المخاطر العديدة المحيطة به, حتي يؤمن الناس بقدر الرعاية الإلهية التي يحيطنا الله بها في هذا الكون, ويستشعرون حاجتهم إلي هذا الخالق العظيم وإلي رحمته وعنايته في كل وقت وفي كل حين لأننا لوتركنا لأنفسنا طرفة عين أو أقل من ذلك لهلكنا... وسبحان الذي أنزل من قبل ألف وأربعمائة سنة قوله الحق: الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين( غافر:64) وعاتب الكافرين والمشركين والمتشككين بقوله الحق: أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أءله مع الله بل أكثرهم لايعلمون( النمل:61) |
أدوات الموضوع | |
|
|