#1
|
|||
|
|||
البر لا يبلى
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :- (( البر لا يبلى )) الشيخ عبد القادر شيبة الحمد روى عبد الرازق في "جامعه" عن أبي قلابة - رحمه الله - بسند حسن أنَّ رسول الله ( صلَّ الله عليهِ و سلَّم ) قال: «البرُّ لا يبلَى، والذنب لا يُنسَى، والديَّان لا يموت، اعمل ما شئتَ، كما تدين تدان». وقد ذكر الله تعالى أصول البر وخصاله العظمى والعنوان الحقيقي لأهل البر في قوله تعالى: ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 177]. فأعظم خصال البر: الإيمان بالله؛ وهو اطمئنان القلب وسكونه ويقينه بالله فاطر السموات والأراض، عالم الغيب والشهادة، القائم على كل نفس بما كسبت، المستحق وحده لا شريك له لأقصى غاية الحب مع أقصى غاية الذل، وهو الذي بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه، وله المثل الأعلى في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم ﴿ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [البقرة: 255]. ومن أصول البر وأعظم خصاله أن يؤمن الإنسان باليوم الآخر والبعث بعد الموت؛ ليُجزَي المحسن على إحسانه والمسيء بإساءته، وعقيدة البعث تسارع إلى الإيمان بها النفوس الكاملة والعقول المستنيرة، فإنَّه لو لم يكن هناك بعث ولا نشور لكان خلق السموات والأرض وما بينهما باطلًا وحينئذٍ يستوي من يفسد في الأرض ومن يصلح فيها، ومن يحسن إلى الإنسانية ومن يسيء إليها. وكما قال تعالى: ﴿ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّار أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ﴾ [ص: 28] وهذا لا يكون أبدًا ولابد من البعث ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى، ومِن أصول البر التصديق بملائكة الله وهم خلق الله تعالى جعلهم الله رسلًا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع، شأنهم الطاعة، ومسكنهم السموات، لا يعصون الله طرفة عين ويفعلون ما يؤمرون، ومنهم معقّبات للإنسان من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله، وفيهم الكرام الكاتبون، ومنهم خزنة النار، ومنهم الذين يدخلون على المؤمنين في الجنة من كل باب ﴿ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾. ومن أصول البر أن يؤمن الإنسان بأنَّ الله عزَّ وجلَّ أنزل كتبًا من السماء لتكون نبراسًا لأهل الأرض، ودستورًا لهم يقتدون بها إلى الصراط المستقيم والمنهج القويم ومنها التوراة والإنجيل والقرآن العظيم. ومن أصول البر الإيمانُ بأنبياء الله ورُسلِه الذين هم أكمل بني الإنسان، وأعرف خلق الله بالله، وأدلهم على الله، وأهداهم طريقًا، وأحسنهم سلوكًا، أرسلهم الله مبشرين ومنذرين لئلَّا يكون للناس على الله حُجَّة بعد الرسلِ، وقد فضّل الله بعضهم على بعضٍ، وأعظمهم أولو العزم الخمسة: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام، وأعظم أولي العزم الخليلان محمد وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام، وأعظم الخليلين محمد ( صلَّ الله عليهِ و سلَّم ). ومن أصول البر بذلُ المال المحبوب للمحتاجين إليه وذوي القربى واليتامى والمساكين وابن سبيل والسائلين، وبذله كذلك في تحرير الرقيق، وقد وصف الله عزَّ وجلَّ بذل المال في هذه الوجوه بأنَّه اقتحام العقبة، إذ يقول: ﴿ فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ﴾ [البلد: 11 - 16]. ومن أصول البر وأعظم خصال الخير الصلاة فإنها عمود الدين وهي تُذهب السيئات وتكفّر الخطيات، وهي كنهر باب الإنسان يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، وقد قال رسول الله ( صلَّ الله عليهِ و سلَّم ): «العهدُ الذي بيننا وبينهم الصلاةُ فمَن ترك الصلاة فقد كفر». ومن أعظم أبواب الخير إخراج الزكاة للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن سبيل، على أن مال الإنسان الحقيقي هو الذي يبذله في وجوه البر، وفي ذلك يقول رسول الله ( صلَّ الله عليهِ و سلَّم ): «يا ابن آدم تقول مالي، وليس لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأبقيت»، ﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ﴾ [التوبة: 34، 35]. ومن أعظم أصول الخير وخصال البر الوفاء بالعهد، وقد أنذر الله عزَّ وجلَّ الذين ينقضون العهد بأنهم لهم اللعنة ولهم سوءُ الدار، وقد جعلتِ الشريعة الإسلامية خُلفَ الوعدِ من أمارات النفاق فقد قال رسول ( صلَّ الله عليهِ و سلَّم ): «آيةُ المنافقِ ثلاثٌ: إذا حدَّث كذَب، وإذا وعَد أخلف، وإذا اؤتمن خان». ومن أصول البر الصبر، وهو حبس النفس عن الجزع عند حلول البلوى، وقد أمر الله عزَّ وجلَّ رسوله صلى الله عليه وسلم ببشارة الصابرين فقال: ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155 – 157]. وهذه هي أصول البر العظيمة التي ما تَقرّب العبد إلى الله تعالى بأحب إليه منها، وفيها من التكافل الاجتماعي ما يجعل المجتمع المستمسك بها أسعد المجتمعات. وهناك أعمال إنسانية أخرى وصَفَتها الشريعة الإسلامية بأنها من البر وإن كانت دون ما ذكرناه، فإنها وعدت من يقوم به بجميل المثوبة، وعظيم الأجر. فمن ذلك: إماطة الأذى عن الطريق، فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله ( صلَّ الله عليهِ و سلَّم ) قال: «بينما رجلٌ يمشي بطريقٍ وجَدَ غُصنَ شوكٍ على الطريق، فأخَّرهُ، فشكر الله له فغفر له». وفي رواية أخرى لمسلم قال: سمعت رسول الله ( صلَّ الله عليهِ و سلَّم ) يقول: «لقد رأيتُ رجلًا في الجنَّة في شجرةٍ قطعها من طريق المسلمين»، وفي لفظ أخر له قال: قال رسول الله ( صلَّ الله عليهِ و سلَّم ): «مرَّ رجلٌ بغصن شجرةٍ على ظهر الطريقِ، فقال: والله لأُنحيَنّ هذا عن المسلمين لا يؤذيهم، فدخل الجنَّة». وروى أبو داود - رحمه الله- أنَّ رسول الله ( صلَّ الله عليهِ و سلَّم ) قال: «نزع رجلٌ لم يعملْ خيرًا قطُّ غصنَ شوكٍ عن الطريق - قال: إمَّا كان في شجرةٍ فقطعها، وإمَّا كان موضوعًا فأماطه عن الطريق - فشكر اللهُ ذلك فأدخلَه الجنَّة». وروى مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال النبي ( صلَّ الله عليهِ و سلَّم ): «عُرضتْ عليَّ أعمال أمَّتي حسنَها وسيئها، فوجدت في محاسن أعمالها: الأذى يُماط عن الطريق، ووجدت في مساوىء أعمالها النُّخامةَ تكون في المسجد لا تدفن». ومن أعمال البر معونة ذي الحاجة الملهوف وقد روى البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن صلى الله عليه وسلم قال: «على كل مسلم صدقة، قيل: أرأيت إن لم يجد؟ قال: «يعتملُ بيديه فينفع نفسَه ويتصدق»، قال: أرأيت إن لم يستطيع؟ قال: «يأمر بالمعروف أو الخير»، قيل: أرأيت إن لم يفعل؟ قال: «يمسك عن الشر فإنَّها صدقةٌ». وكذلك روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ( صلَّ الله عليهِ و سلَّم ): «على كلِّ سُلامي من الناس صدقةٌ - أي على كلِّ مفْصلٍ من مفاصل الإنسان صدقة - كل يوم تطلع فيه الشمس، قال: تعدلُ بين الاثنين صدقة، وتعين الرجل في دابَّته صدقةٌ، والكلمة الطيبة صدقة، وبكلِّ خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقةٌ، وتميط الأذى عن الطريق صدقةٌ». وقد ضرب رسول اللهِ ( صلَّ الله عليهِ و سلَّم )م مثلًا لأدنى خصال البرِّ، وتعهَّد رسول الله( صلَّ الله عليهِ و سلَّم ) لمن عملها بالجنَّةِ، فقد روى البخاري عن كبشة السلولي - رحمه الله - أنَّ عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أربعون خصلةً أعلاها منيحة العنز، ما من عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها وتصديق موعودِها إلَّا أدخله اللهُ بها الجنَّة». هذا وقد وصفَ الله تعالى عاقبةَ الأبرار الحسنى فقال جلَّ مِن قائلٍ: ﴿ إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ خِتَامُهُ * مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ [المطففين: 22 - 26]. §§§§§§§§§§§§§§ |
أدوات الموضوع | |
|
|