جديد المواضيع |
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
عندما كنا نضع الرجل المناسب في المكان المناسب/محمد فاروق الإمام
عندما كنا نضع الرجل المناسب في المكان المناسب!! محمد فاروق الإمام في تقرير الشفافية الدولية حول الفساد الذي ينتاب الدول، وخاصة دول العالم الثالث ومن بينها دولنا العربية التي جاءت في المراتب الأخيرة في هذا التقرير الخطير الذي يبين مدى الفساد وخطورته الذي أوصل بلداننا إلى ما هي عليه (40%) من العرب تحت خط الفقر، وأعاد التقرير ذلك إلى أمور – من جملة بعض الأسباب - فكان أهمها عدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، واعتماد معظم الأنظمة على تقريب حاشية الحاكم وأهل بيته، و تسليم المطبلين والمزمرين والهتافيين والمتملقين والمنافقين وأنصاف المتعلمين المناصب الحساسة والمؤثرة في الدولة، دون أصحاب الكفاءة والخبرة والنزاهة ونصاعة اليد والخوف من الله.. وقد روى بعض من أصحاب الكفاءات أنه عندما أراد العودة إلى وطنه ليقدم خبرته في خدمة بلده فوجئ بمسؤول الأمن الذي أول ما صادف في المطار يقول له: (نحن لا نريد كفاءات بل نريد ولاءات) فما كان منه إلا أن عاد من حيث أتى. أمام هذه الحالة السوداء القاتمة، استذكرت كيف كان يتم تعيين ولاة الأمور أيام الدولة الإسلامية التي بهم فتحت الشرق والغرب ودانت لها ممالك الأرض وشعوبها التي كانت تستقبلهم بالورود والرياحين للخلاص من جور حكامهم وظلمهم، فوجدت من بين هذه الروايات تكليف سعيد بن عامر الجمحي بولاية حمص.. وكانت البداية: دخل سعيد بن عامر الجمحي على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في أول خلافته فقال : يا عمر، أوصيك أن تخشى الله في الناس، ولا تخشى الناس في الله، وألا يخالف قولك فعلك، فإن خير القول ما صدقه الفعل ... يا عمر: أقم وجهك لمن ولاك الله أمره من بعيد المسلمين وقريبهم، وأحب لهم ما تحب لنفسك وأهل بيتك، واكره لهم ما تكره لنفسك وأهل بيتك، وخض الغمرات إلى الحق ولا تخف في الله لومة لائم. فقال عمر: ومن يستطيع ذلك يا سعيد؟! فقال: يستطيعه رجل مثلك ممن ولاهم الله أمر أمة محمد، وليس بينه وبين الله أحد. عند ذلك دعا عمر بن الخطاب سعيدا إلى مؤازرته وقال : يا سعيد إنا مولّوك على أهل (حمص). فقال: يا عمر نشدتك الله ألا تفتنني!! فغضب عمر وقال: ويحكم وضعتم هذا الأمر في عنقي ثم تخليتم عني!! والله لا أدعك، ثم ولاه على (حمص) وقال: ألا نفرض لك رزقا؟ قال: وما أفعل به يا أمير المؤمنين؟ فإن عطائي من بيت المال يزيد عن حاجتي، ثم مضى إلى (حمص).. وما هو إلا قليل حتى وفد على أمير المؤمنين بعض من يثق بهم من أهل (حمص)، فقال لهم: اكتبوا لي أسماء فقرائكم حتى أسد حاجتهم. فرفعوا كتاباً فإذا فيه: فلان وفلان وسعيد بن عامر، فقال: ومن سعيد بن عامر؟! فقالوا: أميرنا. قال: أميركم فقير؟! قالوا: نعم، ووالله إنه ليمر عليه الأيام الطوال ولا يوقد في بيته نار. فبكى عمر حتى بللت دموعه لحيته، ثم عمد إلى ألف دينار فجعلها في صرة وقال : اقرؤوا عليه السلام مني، وقولوا له: بعث إليك أمير المؤمنين بهذا المال لتستعين به على قضاء حاجاتك. جاء الوفد لسعيد بالصرة فنظر إليها فإذا هي دنانير، فجعل يبعدها عنه وهو يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون ـ كأنما نزلت به نازلة أو حل بساحته خطب ـ فهبت زوجته مذعورة وقالت: ما شأنك يا سعيد؟! أمات أمير المؤمنين؟! قال: بل أعظم من ذلك، قالت: أأصيب المسلمون في وقعة؟! قال: دخلت علي الدنيا لتفسد آخرتي، وحلت الفتنة في بيتي. قالت: تخلص منها ـ وهي لا تدري من أمر الدنانير شيئا ـ قال: أو تعينيني على ذلك؟ قالت: نعم. فأخذ الدنانير فجعلها في صرر ثم وزعها على فقراء المسلمين. لم يمض على ذلك طويل وقت حتى أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ديار الشام يتفقد أحوالها فلما نزل بحمص ـ وكانت تدعى (الكويفة) وهو تصغير للكوفة وتشبيه لحمص بها لكثرة شكوى أهلها من عمالهم وولاتهم كما كان يفعل أهل الكوفة ـ فلما نزل بها لقيه أهلها للسلام عليه فقال: كيف وجدتم أميركم؟ فشكوه إليه وذكروا أربعاً من أفعاله، كل واحد منها أعظم من الآخر. قال عمر فجمعت بينه وبينهم، ودعوت الله ألا يخيب ظني فيه؛ فقد كنت عظيم الثقة به. فلما أصبحوا عندي هم وأميرهم، قلت: ما تشكون من أميركم؟ قالوا: لا يخرج إلينا حتى يتعالى النهار. فقلت: وما تقول في ذلك يا سعيد؟ فسكت قليلا، ثم قال: والله إني كنت أكره أن أقول ذلك أما وإنه لابد منه، فإنه ليس لأهلي خادم، فأقوم في كل صباح فأعجن لهم عجينهم، ثم أتريث قليلاً حتى يختمر، ثم أخبزه لهم، ثم أتوضأ وأخرج للناس. قال عمر: فقلت لهم: وما تشكون منه أيضا؟ قالوا: إنه لا يجيب أحد بليل. قلت: وما تقول في ذلك يا سعيد؟ قال: إني والله كنت أكره أن أعلن هذا أيضاً فأنا جعلت النهار لهم والليل لله عز وجل. قلت: وما تشكون منه أيضا. قالوا: إنه لا يخرج إلينا يوما في الشهر. قلت: وما هذا يا سعيد؟ قال : ليس لي خادم يا أمير المؤمنين، وليس عندي ثياب غير التي علي، فأنا أغسلها في الشهر مرة وأنتظرها حتى تجف، ثم أخرج إليهم في آخر النهار. ثم قلت: وما تشكون منه أيضا. قالوا: تصيبه من حين إلى آخر غشية فيغيب عمن في مجلسه. فقلت: وما هذا يا سعيد؟! فقال: شهدت مصرع خبيب بن عدي وأنا مشرك، ورأيت قريشاً تقطع جسده وهي تقول: أتحب أن يكون محمد مكانك؟ فيقول: والله ما أحب أن أكون آمنا في أهلي وولدي، وأن محمد تشوكه شوكة... وإني والله ما ذكرت ذلك اليوم وكيف أني تركت نصرته إلا ظننت أن الله لا يغفر لي ... وأصابتني تلك الغشية. عند ذلك قال عمر: الحمد لله الذي لم يخيب ظني به. ثم بعث له بألف دينار ليستعين بها على حاجته. فلما رأتها زوجته قالت له: الحمد لله الذي أغنانا عن خدمتك، اشتر لنا مؤنة واستأجر لنا خادماً.. فقال لها: وهل لك فيما هو خير من ذلك؟ قالت : وما ذاك؟! قال: ندفعها إلى من يأتينا بها، ونحن أحوج ما نكون إليها. قالت: وما ذاك؟! قال: نقرضها الله قرضاً حسنا. قالت: نعم، وجزيت خيرا. فما غادر مجلسه الذي هو فيه حتى جعل الدنانير في صرر، وقال لواحد من أهله: انطلق بها إلى أرملة فلان، وإلى أيتام فلان وإلى مساكين آل فلان وإلى معوزي آل فلان. عن رابطة أدباء الشام |
أدوات الموضوع | |
|
|