#1
|
|||
|
|||
الطريق فارغ
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :- (( الطريق فارغ )) شادي منصور محمد لا شك أن للنبل رجاله وأصحابه النبلاء فعلًا، النبلاء حقًّا، ولكن قد تتصادف في محيط حياتك بأناس لا يعرفون معنى النبل مطلقًا، أو حتى لا نسيء الظن قد يكونون غير معتادين عليه في حياتهم، على كل حال، فالمروءة لا تُباع ولا تُشترى، وحتى لا تذهب سريعًا إلى محركات البحث لتبحث عن معنى النبل والمروءة، سأروي لك موقفًا حدث معي قبل فترة؛ لعله يوضح لك معاني النبل والمروءة التي نفتقدها في مجتمعاتنا كثيرًا. في يوم من الأيام ذهبت في حرارة وقت الظهيرة الشديدة إلى مشوار مدته ١٠ دقائق أو ١٥ دقيقة على الأكثر، أتذكر أنني شاهدت درجة حرارة هذا اليوم في قناة القرآن الكريم وكانت 46 درجة مئوية، ولأنني لا أملك وسيلة مواصلات "سيارة"؛ اضطررت إلى إيقاف سيارة "أجرة"، وكان سعر المشوار الأصلي رمزيًّا، ولكني أضفت عليه قليلًا؛ حتى أصل أمام المكان مباشرة، في أثناء الطريق لم أتحدث مع السائق مطلقًا، وفي الحقيقة تمنيتُ فيما بعد أن يظل السائق ساكتًا؛ لأن سكوته كان ليكون أفضل بكثير مما قاله عند الوصول، أو بمعنى أصح عند قرب الوصول. ولكن ليس كل طريق مسموحًا بالسير فيه؛ فهناك طرق وخطوط خطرة وغير مسموح للمشاة بالعبور منها؛ حفاظًا على سلامتهم، نعود لصاحبنا سائق الأجرة، وصلنا إلى المكان المتفق عليه مسبقًا، ولكن ليس أمامه بالضبط؛ كان يفصلنا عنه خط سريع كانت السيارات تمر من عليه وكأنها تُسابق الرياح، أوقف سائق الأجرة سيارته جانبًا وقال لي متهكمًا: "هيا، انزل هنا؛ لقد وصلت إلى حدي من السير"، فقلت له متعجبًا: "كيف يا سيدي، أما ترى أننا في خط سريع ولا ينبغي أن يعبر الناس من هناك؛ لما فيه من خطورة بالغة؟"، ردَّ عليَّ محاولًا إقناعي: "إن هذا الخط في وقت الظهيرة فارغ، لا تقلق، اعبر من الجزء المكسور بجانب عمود الإنارة ولا تقلق". لم يكن هناك وقت للجدال أو حتى المناقشة؛ اضطررت لأن أترجَّل من سيارته كما اضطررت إلى الركوب معه من البداية، وبدأت أفكر فيما قاله وأتساءل: هل كلامه صحيح؟ هل يمكن أن يكون الخط فارغًا ولو لدقائق؛ حتى أستطيع أن أعبر بسلام؟ وقفت متسمِّرًا في مكاني وتهب عواصف الحيرة في ذهني، كنت أتقدم خطوة على الطريق، وأتراجع عشرة عندما أرى مشهد السيارات وهي تمر بأقصى سرعة من أمامي، وهذا طبيعي في خط سريع، لم يكن الطريق فارغًا كما قال لي السائق، إذا كنت أنا فكرت في عبور هذا الطريق السريع، فماذا سيفعل طفل إذا اقتنع بكلام هذا السائق؟ رجعت عن الطريق وصعدت على الرصيف وعدت إلى الخلف؛ لأتخذ القرار، وقبل أن أفقد الأمل بلحظات، التفت شمالًا ووجدت جسر مشاة لم أكن منتبهًا له أبدًا، ولم يقترح عليَّ السائق أن أصعد عليه قبل أن يلقي عبارته: "اعبر من هنا؛ الطريق فارغ"، صعدت عليه لأصل إلى مكاني وانتهت حيرتي، فسبحان من هو أرحم من عبيده! بقي هذا الموقف في ذاكرتي، وجعلني كلما تذكرته أطرح عدة تساؤلات؛ كان أولها: لماذا غضب السائق فجأة وأصبحت أنا ضحية هذا الغضب المفاجئ؟ لماذا لم يخبرني بهذا الجسر أو حتى يلفت انتباهي له؟ لماذا لم يتفضل بإيصالي أمام المكان المتفق عليه ويحل هذه الحيرة؟ كان الأمر لن يأخذ منه إلا دقائق معدودة، ولكن كان سيكتسب الأجر ودعوة صادقة نابعة من القلب، وكان سيترك أثرًا طيبًا بنبله إن فعل ذلك. سردت هذا الموقف؛ لأوضح لك معنى النبل كما ذكرت في بداية حديثي، ولكي تقيس عليه أخي القارئ كل أفعالك وتصرفاتك، لا تفعل مثلما فعلتُ أنا وفكرتُ في كلام غير منطقي، وتذكر كم مرة دارت في عقلك كلمات من غريب أو قريب، لو نفذتها حتمًا ستكون عواقبها وخيمة! ولكن الله هداك لتهدأ قليلًا، وتنظر يمينًا ويسارًا، وأنقذك منها في آخر لحظة، أما أنا فقد سامحت هذا السائق ودعوت له بالهداية، فاللهم يسر طريق هذا السائق، ووسع رزقه واهدِه، واملأ طريقه يا ألله بالنبل والأخلاق الحسنة، ولطف التعامل مع الناس. §§§§§§§§§§§§§§ |
أدوات الموضوع | |
|
|