#1
|
|||
|
|||
العُجب وآثاره
بسم الله الرحمن الرحيم
(( العُجب وآثاره )) الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد: فإن المعجب شرِهُ النفس، طامح العين، لا يلبث أن يقع، أخو علانية عدوُّ سريرة، متهمُّ النية غاشُّ الطوية، مضطرب الرأي محلول العزم، ولما كان للعُجب من الآثار الكثير والكثير، فقد حرصنا أن نأتيَ على كل ما وقفنا عليه، وبلغنا إليه من الأدلة الشرعية، وأقوال أهل المنزلة العلية والآراء السنية؛ تنبيهًا وتحذيرًا؛ لأنها والله تنكأ القلوب وتُوجِمها، وتُخلُّ بالآمال والأماني وتبددها، وتحزن الصدور وتقضُّ المضجع، وتمطر الجفون، وتنهال منها الفواجع، وتتقطع بسببها الأكباد. فالحذرَ الحذر يا عباد الله من العجب وأهله؛ فإنه يعسُر ويشق التئامُ صدعه وجبر كسره، واندمال جرحه وانسداد ثَلْمِه. ومتى تمكن من صاحبه، فلا أسوأ من كَلْمِه، ولا رقعَ لخرقه، ولا رَتْقَ لفَتْقِه، ولا رأب لصدعه، ولا حسم لدائه، ولا ضمَّ لنشره. والله عز وجل المسؤول بأخلص نية، ونبتهل إليه عز وجل بأمحضِ طويَّة، أن يُحرزنا منه ويجنبنا إياه وأهله، وأن يسديَ التوفيق، وأن يخوِّل التسديد في القول والعمل، وأن يهديَنا للرشاد، ويوفقنا للسداد، ولا حول ولا قوة إلا به عز وجل، وهو حسبنا ونعم الوكيل. من آثار العجب: ♦ العجب طريق إلى الهلاك: قال الله عز وجل: ﴿ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ * فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [القصص: 78، 79]. قال المناوي في فيض القدير (٣/ ٣٠٧): "قال تعالى في قصة قارون: ﴿ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ﴾ [القصص: 78]، قال الله تعالى: ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ ﴾ [القصص: 81]؛ فثمرة العجب الهلاك". وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((إذا قال الرجل: هلك الناس فهو أهلكهم))؛ [أخرجه مسلم رقم: (٢٦٢٣)]. ((أهلكهم)): على وجهين مشهورين: رفع الكاف، وفتحها، قال النووي رحمه الله: "والرفع أشهر"؛ [شرح مسلم (١٦/ ١٧٥)]. قال العلامة ابن عبدالبر رحمه الله في الاستذكار (٨/ ٥٤٩): "هذا الحديث معناه لا أعلم خلافًا فيه بين أهل العلم: أن الرجل يقول ذلك القول احتقارًا للناس وازدراءً بهم وإعجابًا بنفسه". ♦ العجب طريق يوصل إلى غضب الله عز وجل وعقابه: قال الله عز وجل: ﴿ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ [الحشر: 2]. قال العلامة السعدي رحمه الله في تفسيره (ص: ٨٤٨): "فأعجبوا بها وغرتهم، وحسبوا أنهم لا ينالون بها، ولا يقدر عليها أحد، وقَدَرُ الله تعالى وراء ذلك كله، لا تغني عنه الحصون والقلاع، ولا تجدي فيهم القوة والدفاع". ♦ العجب صارف ومانع من العلم النافع والعمل الصالح: عن أنس رضي الله عنه قال: ذُكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ولم أسمعه منه: ((إن فيكم قومًا يعبدون ويدأبون، حتى يُعجبَ بهم الناس، وتُعجِبهم نفوسهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية))؛ [أخرجه أحمد رقم: (١٢٨٨٦)، وأخرجه أبو يعلى (٣/ ١٠٠٧)، وهو في السلسلة الصحيحة رقم: (١٨٩٥)، وفي الجامع الصحيح (١/ ١٣٨)، (٥/ ١١٢) لشيخنا مقبل الوادعي]. ♦ العجب من أسباب الغلو الذي لا يسلم صاحبه لخير ولا ينتهي به إلى خير: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجل يعجبنا تعبده واجتهاده، فذكرناه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باسمه فلم يعرفه، ووصفناه بصفته فلم يعرفه، فبينا نحن نذكره إذ طلع الرجل، قلنا: ها هو ذا، قال: إنكم لتخبروني عن رجل، إن على وجهه سَفْعة من الشيطان، فأقبل حتى وقف عليهم ولم يسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: نشدتك بالله، هل قلت حين وقفت على المجلس: ما في القوم أحد أفضل مني؟ قال: اللهم نعم، ثم دخل يصلي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: مَن يقتل الرجل؟ فقال أبو بكر: أنا، فدخل عليه فوجده قائمًا يصلي، فقال: سبحان الله أقتل رجلًا يصلي، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن قتل المصلين؟ فخرج، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما فعلتَ؟ قال: كرهتُ أن أقتله وهو يصلي، وقد نهيتَ عن قتل المصلين، قال عمر: أنا، فدخل فوجده واضعًا وجهه، فقال عمر: أبو بكر أفضل مني، فخرج فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: مه؟ قال: وجدته واضعًا وجهه، فكرهت أن أقتله، فقال: مَن يقتل الرجل؟ فقال عليٌّ: أنا، قال: أنت إن أدركته، قال: فدخل عليٌّ فوجده قد خرج، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: مه؟ قال: وجدته قد خرج، قال: لو قُتل ما اختلف في أمتي رجلان، كان أولهم وآخرهم))؛ [أخرجه أبو يعلى (١/ ٩٠)، وله شواهد كما في السلسلة الصحيحة رقم: (٢٤٩٥)]. ♦ العجب محبط للأعمال الصالحة: قال أبو هريرة رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((كان رجلان في بني إسرائيل متواخيين، فكان أحدهما يذنب والآخر مجتهد في العبادة، فكان لا يزال المجتهد يرى الآخر على الذنب فيقول: أقصِرْ، فوجده يومًا على ذنب فقال له: أقصر، فقال: خلِّني وربي، أبُعثتَ عليَّ رقيبًا؟ فقال: والله لا يغفر الله لك أو لا يُدخِلك الله الجنة، فقبض أرواحهما فاجتمعا عند رب العالمين، فقال لهذا المجتهد: أكنتَ بي عالمًا أو كنت على ما في يدي قادرًا؟ وقال للمذنب: اذهب، فادخل الجنة برحمتي، وقال للآخر: اذهبوا به إلى النار، قال أبو هريرة رضي الله عنه: والذي نفسي بيده لَتَكَلَّمَ بكلمة أوبقت دنياه وآخرته))؛ [أخرجه أبو داود في صحيحه، رقم: (٤٩٠١)]. ♦ العجب من أسباب دخول النار: عن أبيٍّ بن كعب رضي الله عنه قال: ((انتسب رجلان على عهد موسى عليه السلام، فقال أحدهما: أنا فلان بن فلان حتى عدَّ تسعة، فمن أنت لا أم لك؟ قال: أنا فلان بن فلان ابن الإسلام، قال: فأوحى الله إلى موسى عليه السلام أن قل لهذين المنتسبين: أما أنت أيها المنتمي أو المنتسب إلى تسعة في النار، فأنت عاشرهم، وأما أنت يا هذا المنتسب إلى اثنين في الجنة، فأنت ثالثهما في الجنة))؛ [أخرجه أحمد (٥/ ١٢٨) وغيره، وهو في السلسلة الصحيحة رقم: (١٢٧٠)]. ♦ العجب من أسباب العذاب: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو قال أبو القاسم صلى الله عليه وآله وسلم: ((بينما رجل يمشي في حُلَّةٍ، تعجبه نفسه، مُرجِّلٌ جُمَّته، إذ خسف الله به، فهو يتجلجل إلى يوم القيامة))؛ [أخرجه البخاري رقم: (٥٧٨٩)]، وفي مسلم رقم: (٢٠٨٨): ((بينما رجل يمشي قد أعجبته جمته وبُرداه، إذ خُسف به الأرض، فهو يتجلجل في الأرض حتى تقوم الساعة)). وفي لفظ: ((بينما رجل يتبختر، يمشي في بُردَيْه قد أعجبته نفسه، فخسف الله به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة)). وأخرج البزار في مسنده (ص: ١٧٠ زوائده) عن رشدين بن كريب عن أبيه قال: كنت أقود ابن عباس في زقاق أبي لهب، وذلك بعدما ذهب بصره، فقال: سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((بينما رجل يمشي في حلة له، وهو ينظر في عِطْفَيْه إذ خسف الله به، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة))؛ [السلسلة الصحيحة رقم: (١٥٠٧)]. ♦ العجب من أعظم الذنوب التي يجب أن يُخشى منها: عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لو لم تكونوا تذنبون خشيتُ عليكم أكثر من ذلك: العجب))؛ [السلسلة الصحيحة رقم: (٦٥٨)]. ♦ العجب من أسباب الهزيمة والخسارة وتخلُّف النصر: قال الله عز وجل: ﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ﴾ [التوبة: 25]. قال العلامة ابن القيم رحمه الله في (شفاء العليل، ص: ١٦٧): "فأخبر أن الهزيمة بذنوبهم وإعجابهم، وأن النصر بما أنزله على رسوله وأيده به، إذ لم يكن منه من سبب الهزيمة ما كان منه". ♦ العجب من المهلكات: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوًى متبع، وإعجاب المرء بنفسه...))؛ [رُوي عن أنس بن مالك، وعبدالله بن عباس، وأبي هريرة، وعبدالله بن أبي أوفى، وعبدالله بن عمر؛ كما قال الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة رقم: (١٨٠٢)]. وقال ابن مسعود رضي الله عنه كما في التيسير (٢/ ٣١٢) للمناوي: "الهلاك في اثنتين: القنوط والعجب". ♦ العجب من أسباب سلب النعم ووقوع العقوبة: قال الله عز وجل: ﴿ كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا * وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا * وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا ﴾ [الكهف: 33 - 35]. قال العلامة القاسمي رحمه الله في تفسيره (٧/ ٣٣): ﴿ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ ﴾؛ أي: بما يوجب سلب النعمة، وهو الكفر والعجب". فتأمل كيف أن عجبه انتهى به إلى ذلك كله، فجمع له بين عمل السوء وتمني الباطل، وسلبه ما هو فيه من النعم، واستحق به العقوبة في الأولى والأخرى، فنسأل الله السلامة والعافية. ♦ العجب من الأسباب المحبطة للأعمال: قال الله عز وجل: ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾ [الكهف: 103، 104]. قال العلامة الألوسي رحمه الله في تفسيره (٨/ ٣٦٨): "يعتقدون أنهم يعملون ذلك على الوجه اللائق؛ لإعجابهم بأعمالهم التي سعَوا في إقامتها، وكابدوا في تحصيلها...". وقال العلامة النحرير ابن كثير رحمه الله في تفسيره (٥/ ٢٠٢): "... هي عامة في كل من عَبَدَ الله على غير طريقة مرضية يحسب أنه مصيب فيها، وأن عمله مقبول، وهو مخطئ وعمله مردود". ♦ العجب باب من أبواب الشرك: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وكثيرًا ما يقرِن الناس بين الرياء والعجب؛ فالرياء من باب الإشراك بالخلق، والعجب من باب الإشراك بالنفس وهذا حال المستكبر، فالمرائي لا يحقق قوله: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ [الفاتحة: 5]، والمعجب لا يحقق قوله: ﴿ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]، فمن حقق قوله: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ خرج عن الرياء، ومن حقق قوله: ﴿ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ خرج عن الإعجاب"؛ [الفتاوى الكبرى (٥/ ٢٤٧٢٤٨)، ومجموع الفتاوى (١٠/ ٢٧٧)]. ♦ العجب من أسباب فساد الأعمال: قال ابن القيم رحمه الله: "فلا شيء أفسد للأعمال من العجب ورؤية النفس"؛ [الفوائد، ص: ١٥٢]. ♦ العجب يدعو إلى الكبر: قال الإمام الحافظ ابن الجوزي رحمه الله: "اعلم أن من أسباب الكبر العجب؛ فإن من أُعجب بشيء تكبر به"؛ [نقلًا عن غذاء الألباب للسفاريني (٢/ ٢٢٣)]. ♦ بلاء العجب: قال المبرد رحمه الله: "النعمة التي لا يُحسد عليها صاحبها التواضع، والبلاء الذي لا يُرحم صاحبه عليه العجب"؛ [آداب الصحبة رقم: (٥٨) للسلمي]. وأخيرًا، فنسأل الله عز وجل أن يصرفَه عنا وعنكم، وأن يرزُقنا وإياكم الإخلاص في القول والعمل، إنه بكل جميل كفيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل، هذا وصلوا وسلموا على النبي المختار صلى الله عليه وآله وسلم. alukah §§§§§§§§§§§§§§§§§§§ |
أدوات الموضوع | |
|
|