من بلد المليون شهيد إلى بلد المليون حافظ

[رحيل عابرة سبيل]

من بلد المليون شهيد إلى بلد المليون حافظ

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، وبعد:

أحيّيكَ هذا مقام التحيّه ْ*** أحيّيكَ بالنفحات الزّكيّه


تؤلفنا الملة المرتضـا *** ه وتجمعنا الرحم اليعربيّه (1)

شعب ليبيا الأبيّ: باسمي وباسم كلّ جزائري حرّ، عرف قيمة الأمن، قيمة الحرية، بل وقيمة العيش تحت كنف بني وطنه بعيدًا عن فرنسا، أحيّيكَ تحية إكبار وإجلال لصمودك الذي بلغ عنان السماء طولا وشقّ البحار ليبلغ أقصى أعماقها، بل وجاوزها إلى أعمق من ذلك ....؛ وبعد:

إنّ هذه الأزمة التي تمرون بها ما هي إلاّ هبة من الباري، أراد فيها بعدله وحكمته أن يختار منكم الشهداء –نحسبهم كذلك ونسأل الله القبول- ليزيدكم شرفا على شرفكم وطهرًا على طهركم، وأيضا فقد ظهرت لنا شجاعة إخواننا الليبيين كبيرهم وصغيرهم، رجالهم ونسائهم، فلَكَم أهالتنا وآلمتنا صور الدمار والقصف وما خلّفته، ونحن بمنأى عنها ما كان ردّنا إلاّ الدموع والدعاء، إذ بأطفال ليبيا يخرجون بعد القصف، بعد تدمير بيوتهم مباشرة وربما، بل أكيدًا قد أخذ هذا القصف أعز ما لديهم، إذ بهم يخرجون في الظلام الدامس بعد الغدر الصليبي الحاقد يهتفون:"وَيْ ويْ وَيْ قصفوا وما داروا شَيْ"

فوالله إن البسمة لترتسم على شفاهنا رغما عنّا عجباًَ لشجاعتهم من جهة، وفرحاً وبِشْراً بصمودهم وعدم خضوعهم للصليبيين الأنجاس من جهة أخرى.


إخواننا الأبطال: إن هذه المحنة هي ربما منحة إلهية، أراد الله منها أن يطهر ليبيا شبر شبر، بيت بيت، زنقة زنقة، دار دار؛ وذلك بإظهار كل من كان في قلبه ذرة خيانة ونفاق لبلده، كلّ من كان في قلبه شعرة وصال بالغرب النجس (بأمريكا، بفرنسا، ببريطانيا، بإيطاليا، بإسرائيل،و،و،و...)

وكم ظهر لنا خبث وخيانة بني جلدتنا الناطقين بلغة الضاد مثلنا، المنتسبين إلى ديننا، أمثال قطر والإمارات [وليعذرنا إخواننا القطريون والإماراتيون فإننا نعزيهم لانتمائهم لبلدانهم التي حوّلها زعماؤهم إلى وصمة خزي وعار].

لكن:

يمكن الايام تتبرم *** تهوي الابراج وتتعرّم

بل وبيّنت هذه الشّدة الزّائلة بإذن الله تعالى لكلّ عربي أصيل وكلّ مسلم ملتزم معنى الولاء والبراء. وأخاطب هنا بوجه خاصّ كلّ بني غازي والبيضاء وكلّ فرد ليببي حذا حذوهم قولوا لي: بربكم هل أنتم ليبيون حقا؟ قبل ذلك، هل أنتم مسلمون حقا؟ ألا تسمعون قول الله تعالى: ولَن ترضى عَنْكَ اليَهودُ ولا النَّصارى حتى تَتَّبعَ مِلتَهم قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصيرٍ (البقرة 120)

وقوله: لتجدنّ أشدّ الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا.. (المائدة 82)

وقوله: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولّهم منكم فإنّه منهم إنّ الله لا يهدي القوم الظالمين (المائدة 53)

ألا تسمعونها؟؟؟ ستقولون: بلى، ونتلوها أيضا، بل ونحفظها فإننا المعروفون بحِفظ كتاب الله تعالى؛

فلِمَ إذن استنجدتم (بزعمكم) بالناتو على بني بلدكم، على إخوانكم الذين تقاسمتم معهم الأفراح والأحزان، والحلو والمرّ؟ لِمَ رضيتم أن يدنّس أرضكم اليهودي الخبيث (بيرنارد هينري ليفي)؟ أهذا كله باسم: نطالب بالحرية والكرامة؟ أتظنون الآن أنكم أحرار كرماء؟ هه، هيهات، هيهات.

أم أنه أغرتكم فتاوى شيوخ الفتن الخوارج، شيوخ السياسة وطلب المناصب...؟ لنفرض ذلك؛ لكن، ألم يظهر لكم الحق بعد؟ ألا يؤلمكم موت شعبكم وسحقه؟ أيرضيكم قصف أطفالكم ونسائكم وآبائكم وهم نيام، من قِبَل الغرب الصليبي؟ ألا يؤلمكم ما فعله الناتو ليلة أمس (9/8/2011) بزليتن الذي خلف ما يقارب مائة قتيل والجرحى لا يعدون؟

أفيقوا، أفيقوا، أفيقوا فإنّ إخوانكم في غرب البلاد يلهجون حائرين:

من يجرا يقول...هذا مش معقول

يطعني خويا شقيقي بخنجر مسموم.

ويقصفني الناتو قدامه ويجيه النوم.

أيها المنفلتون وراء دعاوى الحرية والكرامة وحماية المدنيين: ها قد انبلج الصبح وبان الحق أما آن لكم أن تؤوبوا وتعتذروا لإخوانكم ثم تنضموا إليهم كتلة واحدة في وجه الصليبيين واليهود الأنجاس؟ فوالله ما غاظهم إلاّ أنّ بلدكم بلد عروبة أصيلة وقرآن.

حُثّوا العزائم واصدُقوا الآمالا *** إنّ الزمان يسجل الأعمالا


يحصي ويكتب في صحائف سِفْره *** أعمالنا ويذيعها أقوالا


وشهادة التاريخ أوثق حجة *** تجلو الأمور وتكشف الأحوالا (2)

بالأمس تغنى الشاعر محمد العيد آل خليفة –رحمه الله- باستقلال ليبيا قائلا:

اليوم أمّة ليبيا قد حطمت *** ما أحكم الطليان من أغلال


شملت أقاليم البلاد بوحدة *** ليبية كالعقد نظم لآلي


ليست (طرابُلسُ) وفزّانٌ سوى *** جزء (لِبُرقة) دارة الأبطال (3)

أَفَتَرْضون اليوم أن يسجل عليكم التاريخ إرجاع الاستعمار وربما تقسيم ليبيا لا قدّر الله؟ (لا، لا يوجد حر يرضى بهذا)

أتخضع للضيْن يا ابن الأباه *** وتطرق مستسلما للأذيّهْ


أما في عروقك أزكى الدما؟ *** أما في فؤادك أزكى الحمِيّهْ؟ (4)

( لا، لا يوجد أصيل يخضع للذل)
إذن: شدوا بأيدي إخوانكم في غرب ليبيا عملا بقولنا نحن الجزائريون: أنا وخويا على ولد عمي وأنا وولد عمي عل البراني (الغريب)

أناديك للخير خير الندا *** وأوصيك بالحق حق الوصيّهْ


إذا زلزلت بالخطوب البلاد *** فلا خير في حذر أو تقيّهْ(5)

الآن أخاطب كل من حاد عن الحق وانحاز عنه من العرب: حكّاما وشعوبا ومشايخا:

ما أجدر الحق أن تُحنى الرؤوس له *** وأن يشال على الأعناق كالعلم


الحق ثوب تعالى الله ناسجه *** تبّت يدا كلِّ عاثٍ فيه بالجَلَم


فمِلْ إلى الحق في الدنيا تُصِبْ أملا *** يُنسيك ما قد يشوب الحق من ألم


وكن على البغي حربا لا تكن سَلَما *** فالنصر للحرب ليس النصر للسَّلَم


لا تخش سيفا من الباغي ولا قلما *** فغارة الله فوق السيف والقلم


الظُّلم في الأرض سارٍ كالظلام بها *** وكاشفُ الظُّلْم فيها كاشفُ الظُّلَم (6)

إذن، فهلا خجلت اصنام العار والنفاق من أنفسها ؟

إخواننا الليبيون الأحرار المتمسكون بالحق، يا من علمتمونا معنى العروبة، معنى الوطنية، معنى المجد والوفاء، معنى التضحية حتى آخر قطرة دم: اعلموا أننا نحن إخوانكم الجزائريون معكم قلبا وقالبا، وإن تطاولت ألسنة شرذمة قليلة من الأراذل من بني بلدنا، أو من الذين غُيِّبت عنهم الحقيقة، فإننا نعاني منهم كما عانيتم وتعانون أنتم من خونتكم (أمثال: شلقم ومرتشى العبد الذليل.....وغيرهم) وإن ما قاله البرلماني الجزائري "الصادق بوقطاية" في مؤتمر القبائل الليبية يمثل موقف الشعب الجزائري برمّته وليته كان معه الوقت الكافي ليثلج صدورنا أكثر.


وما هذا والله إلاّ رد لجزء ضئيل من جميلكم بالأمس ووقوفكم معنا في ثورتنا؛ فما بخلتم لا بالقلم ولا بالمال ولا بالمأوى ولا حتى بالدماء.

فعذرا، عذرا وألف عذر لعدم رد كل الجميل وعدم اختلاط دمانا بدماكم الزكية الطاهرة في مثل هذه الآونة العصيبة، فإنه والله ليتوقف القلم عن الكتابة خجلا منكم. لكن، ومع ذلك كله فإننا نعلم يقينا أنكم كرماء، إذن، فهلاّ قبلتم قلوبنا؟

إنّ الوشائج بيننا لا تقتضي *** كالجسم غير تعاون الأوصال (7)

وهذا عملا بقوله : مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى رواه البخاري ومسلم

وفي الأخير: باسمي وباسم كل أبناء بلدي أتقدم لكم بخالص التعازي القلبية في موتاكم ونسأل الله أن يتقبلهم مع الشهداء الأبرار وأن يرزقكم جميل الصبر والسلوان ونحن دائما معكم بالدعاء في هذا الشهر الفضيل عسى أن يستجيب الله لدعائنا.

قال الله تعالى: وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فرحين بما آتاهم الله من فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ(171) آل عمران

فـ:

زغردي أم الشهيد *** وانشدي أحلى نشيد

قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون(200)" آل عمران

والله أكبر فوق كيد المعتدي *** والله للمظلوم خير مؤيدي

وإلى الأمام والنصر آت والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


وكتبته: أختكم في الله أم أمامة الجزائرية


يوم : الأربعاء 10أوت 2011 م


الموافق لـ: 10 رمضان 1432 هـ
منتدى أنصار الدعوة السلفية

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ


(1)ديوان محمد العيد آل خليفة /قصيدة صرخة ثورية/ ص417


(2) ديوان محمد العيد آل خليفة /قصيدة يا قوم هبوا/ ص339


(3) ديوان محمد العيد آل خليفة /قصيدة استقلال ليبيا/ ص349


(4)، (5) ديوان محمد العيد آل خليفة /قصيدة صرخة ثورية/ ص 418


(6) ديوان محمد العيد آل خليفة /قصيدة الحق / ص 375


(7) ديوان محمد العيد آل خليفة /قصيدة استقلال ليبيا/ ص349