جديد المواضيع |
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
ثق بربك لا بنفسك (خرافة البرمجة العصبية)
انتشر في الآونة الأخيرة بين المسلمين دعاة إلى إطلاق الطاقة الكامنة في الإنسان وبرمجة العقل بل وحفظ القرآن في أقل من أسبوع وغيرها من الشعارات التي تخفي ضلالا كبيرا ويقوم هؤلاء بتنظيم دورات في " البرمجة العصبية " في دول عدّة ولا زال المسلمون في غفلة عن هذه الطائفة التي ساقت العديد من الشباب إلى دوراتها بحُجة اغتنام الوقت وتنمية الذات ، فاليكم هذا المقال :
(كنت أتأمل أوراق التعريف والدعاية لكثير من الدورات التدريبية التي تجد إقبالا متزايداً في واقع عامة الناس - لكونها تنتشر تحت مظلات نفسية، تربوية أو إدارية -، فوجدت أن القاسم المشترك بينها هو: الوعد بإيقاد شعلة الثقة بالنفس بما أسموه برمجة عصبية، أو تنويماً إيحائياً، أو طاقة بشرية أو كونية.. والهدف من ورائها هو تحرير النفس من العجز والكسل والسلبية لتنطلق إلى مضمار الحياة بفاعلية وإيجابية، وتصل إلى النجاح والتميّز والقدرات الإبداعية.. قطع علي تأملاتي صوت ابنتي تقرأ بفاتحة الكتاب: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }، عندها سألت نفسي هل ما أحتاجه للفاعلية والإيجابية والهمة الوقادة العلية هو أن أثق بنفسي، وأستعين بذاتي وقدراتي وإمكاناتي، تأملت.. وتأملت ثم كتبت أسطري هذه بعنوان " ثق بربك لا بنفسك " : الثقة بالنفس… كلمات جميلة براّقة.. كلمات يرسم لها الخيال في الذهن صورة جميلة، ظلالها بهيجة.. تعال معي أيها القارئ الكريم نتأمّل جمالها: إنها صورة ذلك الإنسان الذي يمشي بخطوات ثابتة وجنان مطمئن.. إنها صورة ذلك الصامد في وجه أعاصير الفتن.. إنها صورة ذلك المبتسم المتفائل برغم الصعاب.. إنها صورة ذلك الذي يجيد النهوض بعد أي كبوة .. إنها صورة ذلك الذي يمشي نحو هدفه لا يلتفت ولا يتردد.. ما أجملها من صورة! لذلك تجد الدعوة إلى الثقة بالنفس منطلق لتروييج كثير من التطبيقات والتدريبات.. فكل أحد يطمع في أن يمتلكها، وكل أحد يودّ لو يغيّر واقع حياته عليها.. ولكن.. قف معي لحظة، وتأمل هذه النصوص: { هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا } [الإنسان:1]. { يأَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَآءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ } [فاطر:15]. { وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا } [النساء:28]. { وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذلِكَ غَدًا . إِلاَّ أَن يَشَآءَ اللَّهُ } [الكهف: 23]. { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } [الفاتحة:5]. وتفكّر معي في معاني هذه الدعوات المشروعة: " اللهم إني عبدك وابن عبدك، وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك ... " " … أبوء بنعمتك عليّ وأبوء بذنبي فاغفر لي… " " اللهم إني استخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، فإنك تعلم ولا أعلم… " " اللهم لا حول ولا قوة لي إلا بِك… " " اللهم إني أبرأ من حولي وقوتي إلى حولك وقوّتك… " " اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي… " " اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا أقل من ذلك فأهلك… " " اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك… " ألا ترى معي - أيها القارئ الكريم- أن النفس فيها تتربى على أن تعترف بعجزها وفقرها، وتقرّ بضعفها وذلّها، ولكنها لاتقف عند حدود هذا الاعتراف فتعجز وتُحبط وتكسل، وإنما تطلب قوّتها من ربها، وتسعى وتعمل وتتذلل لمن بـ كن يُقدرها على مايريد، ويُلين لها الحديد، ويعطيها فوق المزيد… هذه - يا أحبّة - هي طريقة الإسلام في التعامل مع النفس، والترقّي بها، وتتلخّص في: أولا: تعريفها بحقيقتها، فقد خلقها الله من عدم، وجبلها على ضعف، وفطرها على النقص والاحتياج والفقر. ثانيًا: دلالتها على المنهج الذي يرفعها من هذا الضعف والفقر الذي جُبلت عليه، لتكون برغم صفاتها هذه أكرم خلق الله أجمعين!! تكريمٌ تجاوز به مكانة من خلقهم ربهم من نور، وجبلهم على الطاعة ونقّاهم من كل خطيئة الملائكة الأبرار!!! ثالثًا: تذكيرها بأن هناك من يريد إضلالها عن هذا الطريق بتزيين غيره مما يشتبه به لها، وحذّرها من اتّباعه، وأكد لها عداوته، وأبان لها طرق مراغمته.. إنه المنهج الذي تعترف فيه النفس بفقرها وذلّها، وتتبرأ من حولها وقوّتها، وتطلب من مولاها عونه وقوّته وتوفيقه وتسديده..فيعطيها جلَّ جلاله، ويكرمها ويُعليها.. منهج تعترف فيه بضعفها واحتياجها، وتستعين فيه بخالقها ليغنيها ويعطيها، ويقيها شر ما خلقه فيها..فيقبلها ويهديها، ويسددها ويُرضيها.. منهج تتخذ فيه النفس أهبة الاستعداد لعدوّها المتربص بها ليغويها، فتستعيذ بربها منه، وتدفعه بما شرع لها فإذا كيده ضعيف، وإذا قدراته مدحورة عن عباد الله المخلصين.. فقد أعاذهم ربهم وكفاهم وحماهم هو مولاهم، فنِعم المولى ونِعم النصير.. إنه منهج يضاد منهج قارون : { إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي }. إنه منهج ينابذ منهج الأبرص والأقرع : إنما ملكته كابراً عن كابر. إنه منهج يتبرّأ صاحبه أن يكون خصيماً مبيناً لربه الذي خلقه وربّاه بنعمه، أو ينازعه عظمته وكبريائه. إنه منهج لايتوافق مع مذهب القوة الذي يقول زعيمه نيتشه: سنخرج الرجل السوبرمان الذي لا يحتاج لفكرة الإله؟! إنه منهج يصادم منهج الثيوصوفي وليام جيمس ومذهبه البراجماتي، وأتباعه باندلر وجرندر، ومن سار على نهجهم من بعدهم: أنا أستطيع.. أنا قادر.. أنا غني.. أنا أجذب قدري… تأمّل هذا - أيها القارئ الكريم - ولا يشتبه عليك قول الله عز وجل: { وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ }، فقد قال بعدها { إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ }؛ فمنه يُستمد العلوّ، وبدوام الإلحاح والطلب منه تتحقق الرفعة.. احذر - أخي - ولا يشتبه عليك قول الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم: « الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَىٰ اللّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ » فالمؤمن القوي ليس قوياً من عند نفسه، ولا بمقومات شخصيّته، تدريباته وبرمجته للاواعي! وإنما هو قوي لاستعانته بربّه، وثقته في موعوداته الحقة.. تأمّل كلمات القوة من موسى -عليه السلام - أمام البحر والعدو ورائه: { قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ }…ثقته ليست في نفسه، وقد أُعطي - عليه الصلاة والسلام - من المعجزات وخوارق العادات ما أعطي!!! وإنما ثقته بتوكّله على الذي يستطيع أن يجعله فوق القدرات البشرية، بل يجعل لعصاه الخشبية قدرات لايستطيعها أساطين الطقوس السحرية.. تأمّل - أخي الكريم - هذه الكلمات النبوية « اسْتَعِنْ بِاللّهِ. وَلاَ تَعْجِزْ ».. إنها كلمات الحبيب صلى الله عليه وسلم، يربّي أمّته على منهج الإيجابية والفاعلية، ليس على طريقة أهل البرمجة اللغوية العصبية.. لم يقل: تخيل قدرات نفسك.. لم يقل: أيقظ العملاق الذي في داخلك وأطلقه.. لم يقل: خاطب اللاواعي لديك برسائل ايجابية، وبرمجه برمجةً وهمية.. وإنما دعاك - عليه الصلاة والسلام - إلى الطريقة الربانية « اسْتَعِنْ بِاللّهِ. وَلاَ تَعْجِزْ ».. فاستعن به وتوكل عليه، ولا تعجزن بنظرك إلى قدراتك وإمكاناتك، فأنت بنفسك ضعيف ظلوم جهول، وأنت بالله عزيز.. أنت بالله قوي.. أنت بالله قادر.. أنت بالله غني.. ومن هذا الوجه، ومن منطلق فهم معاني العبودية، وفقه النصوص الشرعية، قال الشيخ الكريم والعلامة الجليل بكر أبو زيد - حفظه الله - في كتابه المناهي اللفظية : أن لفظة الثقة بالنفس لفظة غير شرعية وورائها مخالفة عقدية… فإن رجوت - في زمان تخلّف عام يعصف بالأمة - رفعة وعزة ونهضة وإيجابية… وإن أردت تواصلا -على الرغم من الصعاب - بفاعلية.. وإن رغبت في نفض الإحباط عنك، والتطلّع إلى الحياة بنظرة استشرافية تفاؤلية؛ فعليك بمنهج العبودية على الطريقة المحمدية، ودع عنك طريقة باندلر وجرندر الإلحادية؛ فوراءها ثقة وهمية ممزوجة بطقوس سحرية، وقدرات تواصل مادية، تشهد على فشلها فضائحهم الأخلاقية، ومرافعاتهم القضائية التي ملئت سيرتهم الذاتية. فحذار من هذه التبعية إلى جحر الضب الذي حذّرك منه نبيك في الأحاديث النبوية، وحذار من استبدال الطريقة الربانية بتقنيات البرمجة العصبية، فإنها من حيل إبليس الشيطانية وتزيينه للفلسفات الإلحادية؛ لتتكل على نفسك الضعيفة وقدراتك البشرية فيكلك لها رب البرية، ويمدّك في غيك بحصول نتائج وقتية، وشعور سعادة وهمية..حتى تنسى الافتقار الذي هو لبّ العبودية، فتُحرم من السعادة الحقيقية التي تغنّى بها مَن وجدها وبيّن أسباب حيازتها، فقال: ومما زادني شرفـاً وتيــهًا***وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك ياعبادي***وأن صيّرت أحمد لي نبيـاً) منقول |
#2
|
|||
|
|||
رد: ثق بربك لا بنفسك (خرافة البرمجة العصبية)
جزاك الله كل خير أخي العزيز
__________________
أحسب ان هذه الامة لو تعقلت وتوحدت وجمعت طاقاتها لمدة اسبوع واحد سينكسر صليب الغرب و نجمة الصهاينة و تحالف الرافضة لكن قوى الانبطاح و الغلو تعمل لصالح الاعداء غُرباء الأمر الذي يخفيه الأعلام والذي لا يعلمه الكثير.. تنظيم قاعدة الجهاد هو طليعة الأمة في مواجهة التوسع الإيراني
|
#3
|
||||
|
||||
رد: ثق بربك لا بنفسك (خرافة البرمجة العصبية)
بارك الله بك أخي الحبيب أبا عبد الرحمن ونفعنا بعلمك.
إن سمحت لي أن أنقل مقالاً في معنى التوكل، ليفهم أمر التوازن بين التوكل والأخذ بالأسباب. وأترككم مع المقال. حسن التوكل خالد بن سعود البليهد الحمد لله والصلاة والسلام على سيد المتوكلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, وبعد: فإن التوكل على الحي القيوم عمل جليل لا يستغني عنه العبد في سائر أحواله وقل من الخلق من يفقه هذا الباب ويعتني ويكلف به. والدين مبناه على التوكل. قال سعيد بن جبير: (التوكل على الله نصف الإيمان). والتوكل عمل قلبي ليس من أعمال الجوارح. قال الإمام أحمد: (التوكل عمل القلب). وقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم وعباده المؤمنين بالتوكل فقال:( وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ). وقال تعالى:( وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ). وقد ورد في السنة الأمر بالتوكل وعظم منزلته فقال صلى الله عليه وسلم: (لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا). رواه أحمد. والتوكل على الله معناه في الأصل أن يفوض العبد أمره لله ويسلم حاله له وأن يعتمد على ربه في قضاء حاجته ويثق به. قال ابن عباس: (التوكل هو الثقة بالله وصدق التوكل أن تثق في الله وفيما عند الله فإنه أعظم وأبقى مما لديك في دنياك). وقال الإمام أحمد: (وجملة التوكل تفويض الأمر إلى الله جل ثناؤه والثقة به). وقال ابن رجب: (هو صدق اعتماد القلب على الله عز وجل في استجلاب المصالح ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة كلها). ومن مقتضى التوكل وشرط صحته العمل بالأسباب النافعة المأذون بها شرعا لأن الشارع الحكيم ربط بين التوكل والعمل بالأسباب فلا يجزئ التوكل ولا ينفع العبد إلا بالأخذ بالأسباب ولا تنافي مطلقا بين التوكل والعمل بالأسباب. قال تعالى: (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور). وقال تعالى: (يا أيها الذين ءامنوا خذوا حذركم). فحقيقة التوكل في المفهوم الشرعي إذن اعتماد القلب على الله مع تعاطي الأسباب بالجوارح فهذان هما ركنا التوكل لا يصح التوكل إلا بهما. أما الاعتماد على الله والإعراض عن الأسباب فقدح في الشرع ونقص في العقل وأما الاقتصار فقط على العمل بالأسباب دون الاعتماد على الله فشرك في الأسباب. قال ابن القيم: (فإن تركها عجزا ينافى التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله في حصولِ ما ينفع العبد في دينه ودنياه ودفع ما يضره في دينه ودنياه ولا بد مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب وإلا كان معطلا للحكمة والشرع فلا يجعل العبد عجزه توكلا ولا توكله عجزا). والناس في باب التوكل على ثلاثة أصناف: 1- صنف اعتمد بقلبه على الله وأقبل عليه وترك العمل بالأسباب ولم يبذل جهدا في تحصيل المراد فهذا مسلك مذموم وهو التواكل ليس بالتوكل وهو طريقة الصوفية وقد ذمه السلف.وقد روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لقي ناسا من اليمن فقال: ما أنتم. فقالوا: متوكلون. فقال: (كذبتم أنتم متكلون إنما المتوكل رجل ألقى حبه في الأرض وتوكل على الله عز وجل). 2- صنف تعاطي الأسباب وبالغ فيها ولم يعتمد على الله وفوض أمره إليه فهذا مسلك مذموم مخالف للشرع لأنه جعل الأسباب الحقيقية مؤثرة ومستقلة من جلب الخير ودفع الشر وتناسى خالق الأسباب ومسببها وهذا مسلك أرباب الدنيا وأهل الغفلة والشهوات. 3- صنف جمع في هذا الباب الاعتماد على الله وتعاطي الأسباب التي أذن الله بها وجعلها نافعة وهذا هو مسلك أهل التوحيد والسنة وهو الموافق للشرع وصريح العقل ومقتضى الفطرة السليمة لأن المؤثر حقيقة والمستقل بالنفع والضر هو الله ومن سنة الله أن جعل لكل شيء سببا موصلا إليه فكان تمام الدين وكمال العقل العمل بهما جميعا. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفوض أمره لله ويجرد اعتماده لمولاه ومع ذلك يتعاطى الأسباب ولا يتحرج من ذلك فقد كان يأكل ويشرب ويتزوج ويتكسب ويلبس البيضة والدرع وغيره من آلات الحرب يتقي بها بأس الكفار مع أنه سيد المتوكلين. وهذا يدل على أن تعاطي الأسباب النافعة مع الاعتماد على الله من السنة. ومن ظن أن العمل بالأسباب مخالف للشرع ونقصان للتوكل فقد خالف هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكذلك كان الأنبياء صلوات الله عليهم يباشرون الأسباب ويتكسبون ولا يتكلون. ففي صحيح البخاري: (كان داود عليه السلام لا يأكل إلا من عمل يده). وفي صحيح مسلم: (كان زكريا عليه السلام نجاراً). وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم في جملة من الأحاديث باستعمال الأسباب وبذل الجهد في تحصيل الكسب والمنافع وعدم الركون إلى الكسل والعجز اعتمادا على رحمة الله ونفع الآخرين. فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم على ناقة له فقال يا رسول الله أدعها وأتوكل. فقال: (اعقلها وتوكل). رواه الترمذي. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز فإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان). رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: (لأن يأخذ أحدكم أحبله ثم يأتي الجبل فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجههُ خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه). رواه البخاري. إن حسن التوكل مرتبط ارتباطا وثيقا بحياة المسلم فلا جلب للنفع ولا دفع للضر ولا قضاء للحاجات إلا عن طريق حسن التوكل. وحسن التوكل له أثر عظيم في سعادة المرء وتحقق مطالبه وحصول الرضا والاطمئنان في قلبه ووقايته من الشرور والفتن. قال تعالى: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ). وفي سنن الترمذي عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا خرج الرجل من بيته فقال بسم الله وتوكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله قال يقال حينئذ هديت وكفيت ووقيت فتتنحى له الشياطين فيقول له شيطان آخر كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي). إن بعض المسلمين هداهم الله مقصر في حسن توكله بالله غافل قلبه عن هذا الأصل العظيم ذاهل عقله عن خطره وعظيم فائدته. فكثير من المسلمين اليوم تناسوا في سلوكهم العملي وحياتهم المعيشية التوكل على الله واعتمدوا على الوظائف الراتبة والأجور الثابتة. أما المؤمن الحق فعظيم التوكل على الرزاق لعظم يقينه بقدرة الله وعلمه ورحمته ولطفه وسعة رزقه. فالتوكل تابع لليقين كلما زاد اليقين في قلب المؤمن زاد توكله على الرحمن وإذا نقص اليقين نقص التوكل. فالانحراف اليوم في باب التوكل من جهة غلو الناس في الأسباب واعتمادهم عليها وانصراف قلوبهم بالكلية إليها والتفات القلب عن المسبب والخالق حتى صار الإنسان يعتقد الشفاء حتما بالطبيب الحاذق وحصول الرزق بالوظيفة وحصول الأمن بإجراءات السلامة وحماية الممتلكات بالتأمين وهذا من تأثير الإنصباغ بالحياة المادية ومظاهر المدنية والله المستعان. أما مسلك ترك الأسباب بالكلية والتواكل فقد اندثر بالجملة ولم يبق إلا نزر يسير في الأمة. إن التوكل مشروع في سائر الأحوال ولكنه يتأكد في أحوال: 1- في طلب الرزق. قال تعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدراً) 2- عند لقاء العدو. قال تعالى: (إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون). 3- عند كيد الكفار. قال تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ). 4- عند نزول البلاء. قال تعالى: (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ). 5- عند المرض. قال تعالى: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ). 6- عند طلب الزواج. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة حق على الله عونهم المكاتب يريد الأداء والمتزوج يريد العفاف والمجاهد في سبيل الله). رواه أهل السنن إلا النسائي. 7- عند الدعوة إلى الله. قال تعالى: (فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم). وثمة أمور تعين على التوكل وتقوية في قلب العبد: 1- العلم والتعرف على أسماء الله وصفاته وربوبيته وأفعاله. 2- التفكر والتأمل في كمال علم الله وكمال قدرته وإحاطته بكل شيء. 3- أن يوقن العبد ويتفكر في أن الله وحده هو المتفرد بتدبير شؤون الخلق وتصريف أحوالهم. 4- أن يتأمل في فضل التوكل وعظيم أثره في تحقق المطالب. 5- أن يعتقد أن الأسباب مهما عظمت وكانت نافعة فاءنها لا تنفع ولا تضر استقلالا لأنها مخلوقة ليس بيدها شيء. 6- أن يحسن الظن بربه ويعظم الرجاء به. وثمة أمور تنافي التوكل أو تضعفه في قلب المؤمن: 1- الجهل بأسماء الله وصفاته وقدرته وعلمه. 2- الاغترار بما أوتي العبد من مال ومنصب وجاه وعلم فيتكل قلبه على هذه الأمور ويحرم التوكل. 3- الفتنه بالدنيا والجري وراء الأسباب المادية والمبالغة فيها واعتقاد أنها تحقق المطلوب مطلقا. 4- الركون إلى الخلق والاعتماد عليهم في قضاء الحاجات. 5- ضعف وازع الإيمان والإعراض عن طاعة الرحمن. 6- الإسراف على النفس بالذنوب والإغراق بالشهوات المحرمة. وإذا اعتمد العبد بكليته على الله وأحسن التوكل عليه وبذل وسعه في تعاطي السبب تحقق مطلبه بإذن الله ولو كان مقصرا في العمل أو متعاطيا سببا ضعيفا لا يؤثر أثرا كبيرا في العادة. وكثيرا من فتوحات أهل الإيمان وأحوال الأولياء وقصصهم العجيبة تشهد لهذا الأصل. ومن ذلك أيضا ما ورد في الصحيح في قصة المقترض من بني إسرائيل الذي جعل الله شهيدا في قرضه فلما حضر الأجل لم يجد مركبا فوضع المال في خشبة وألقاه في البحر وقال: اللهم إنك تعلم أني كنت تسلفت من فلان ألف دينار فسألني كفيلا فقلت كفى بالله كفيلا فرضي بك وسألني شهيدا فقلت كفى بالله شهيدا فرضي بذلك وإني جهدت أن أجد مركبا أبعث إليه الذي له فلم أقدر وإني استودعكها فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه ثم وصلت الخشبة إلى المقرض بإذن الله لعظم ثقته بالله وحسن توكله. والمتأمل اليوم في حياتنا الاقتصادية وإعلامنا ومؤسساتنا يجد غياب مفهوم التوكل أو ضعفه في بعض الأحوال عند خطابنا وتوجيهاتنا في حياتنا المعيشية وهذا يؤذن بشر ويفوت علينا خيرا كثيرا. بينما كان التوكل شاهدا وحاضرا في حياة الصحابة رضوان الله عليهم. وفي المسند لأحمد: (أن أبا بكر الصديق كان يسقط السوط من يده فلا يقول لأحد: ناولني إياه، ويقول: إن خليلي أمرني ألا أسأل الناس شيئا). إن حسن توكل العبد على المولى يورثه كمال الإيمان ويجعله غنيا بالله متعففا عن كسب الحرام وسؤال الخلق لا ينظر إلا ما في أيدي الناس ولا تتطلع نفسه إلى المكاسب الدنيئة والشبهات كما جاء في الخبر: (ومن يستغن يغنه الله ومن يستعفف يعفه الله). متفق عليه. ولما تصدق أبو بكر رضي الله عنه بكل ماله قال له الرسول صلى الله عليه وسلم ماذا تركت لهم قال: تركت لهم الله ورسوله. إن المتوكل على الله حق التوكل مطمأن البال ومنشرح الصدر واثقا بالله لا يحزن من واقع حاله ولا يخشى من المستقبل مفوضا أمره لله إن دعي لطاعة أجاب يتصدق من ماله ولو باليسير ويشارك بالخير ويوقن بأن الله سيخلف عليه خيرا ويحسن له العاقبة خلافا لأهل الدنيا الذين جمعوا الأموال تتناوشهم المخاوف ويخوفهم الشيطان الفقر ويقذف في قلوبهم الوهن والخوف من المستقبل فيبخلون بمال الله ويحرمون أنفسهم من الخير. (وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ). والمتوكل على الله شجاع قوي بالله إن سئل عن علم صدع بالحق ولم يخش إلا الله وفوض أمره لله وأوقن أنه لن يصيبه ضر إلا بأمر كتبه الله عليه فلا يخاف الشيطان وأوليائه متأسيا بتوكل رسول الله حين كاده الكفار. فعن ابن عباس قال: (حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم حين ألقي في النار وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا: (إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل). رواه البخاري. والمتوكلون حقا في الدنيا هم من السبعين ألفا في الآخرة الذين يدخلون الجنة بغير حساب وعذاب كما ورد في الصحيحين قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون). فينبغي على المؤمن أن يحسن التوكل بالله في حله وترحاله في خوفه وأمنه في فقره وغناه في صحته وسقمه في خلوته وجلوته في طاعته وعبادته ونسكه وجهاده وأن يكون حسن الظن بالله مستوثقا بالله يائسا بما في أيدي الخلق بل ثقته بالله أعظم بما في يده من الأسباب موقنا تمام اليقين أن ما كتب له من أجل ورزق وسعادة وشقاوة وسرور وغم ويسر وضر واقع عليه لا محالة. خالد بن سعود البليهد عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة binbulihed@gmail.com 13/7/1432
__________________
قال أبو قلابة: إذا حدثت الرجل بالسنة فقال دعنا من هذا وهات كتاب الله، فاعلم أنه ضال. رواه ابن سعد في الطبقات.
|
#4
|
|||
|
|||
رد: ثق بربك لا بنفسك (خرافة البرمجة العصبية)
جزاك الله خيرا اخي غريب مسلم
|
#5
|
|||
|
|||
رد: ثق بربك لا بنفسك (خرافة البرمجة العصبية)
الشيخ: صالح الفوزان -حفظهالله-: السؤال: ما رأيكم -يا فضيلة الشيخ!- فيما يُطرح في الآونةالأخيرة مما يُسمَّى بالبرمجة العصبية؛ حيث أنَّهم يأتون بخوارقٍ؛ مثل: المشي علىالجمر، وغيرها، مع العلم أنَّ من يقوم بذلك أناس ثقات لم يُعرف عنهم الاستعانةبالشياطين؟ الجواب: يا أخي! الثِّقات قد ينحرفون، من هو الثقة، المأمون،المعصوم، اللي ما ينحرف؟! مانقول ثقات، وما نقول علماء؛ نقول: ﴿رَبَّنَا لاَ تُزِغْقُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَأَنتَ الْوَهَّابُ﴾ [آل عمران: 8] نحن لا نشك في عقديتنا، ولا في ديننا، ولا نسمح بدخولالخرافات، ودخول الضلالات بأيِّ اسمٍ سُمِّيت: رياضة، أو برمجة عصبية، أو قراءةالكف، أو قراءة الكتابة والحروف، ومعرفة حال الشخص من كتابته، أو ما أشبهذلك. كل هذا من الخرافاتوالضلالات ولا يلبِّس علينا أبدًا. نحن على بصيرة من ديننا -ولله الحمد- ومن عقيدتنا. نعم. |
#6
|
|||
|
|||
رد: ثق بربك لا بنفسك (خرافة البرمجة العصبية)
[SIZE="6"]وهل احتاج البخاري في حفظه إلى البرمجة العصبية وقد قال أحفظ عشر ألف ألف
وهل احتاج إليها الشافعي حينما كان يدخل السوق فيغلق أذنيه حتى لا يحفظ كلام الباعة ؟ بارك الله في أخي أبا عبد الرحمن موضوع مفيد جدا وزاده إفادة أخونا غريب مسلم[/SIZE] |
أدوات الموضوع | |
|
|