جديد المواضيع |
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
الإمام ابن حزم رحمه الله في (سير أعلام النبلاء) للذهبي رحمه الله
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ابن حزم في سير أعلام النبلاء للذهبي اسمه ونسبه: هو: الإمامُ الأوحدُ، البحرُ، ذو الفنون والمعارف، الفقيهُ الحافظُ، المتكلِّمُ الأديبُ، الوزيرُ الظَّاهريُّ، صاحبُ التَّصانيف؛ أبو محمَّدٍ عليُّ بنُ أحمدَ بنِ سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن خلف بن معدان بن سفيان بن يزيد، الفارسيُّ الأصل، ثمَّ الأندلسيُّ القرطبيُّ اليزيديُّ؛ مولى الأمير يزيد بن أبي سفيان بن حرب الأموي ـ رضي الله عنه ـ المعروف بيزيد الخير[2]، نائب أمير المؤمنين أبي حفصٍ عمر بن الخطَّاب ـ رضي الله عنه ـ على دمشقَ. فكان جده يزيد؛ مولىً للأمير يزيد أخي معاوية، وكان جدُّه خلف بن معدان هو أول من دخل الأندلس في صحابة ملك الأندلس عبد الرحمن بن معاوية بن هشام المعروف بالدَّاخل[3]. مولـده: قال القاضي صاعد بن أحمد التَّغْلبيُّ (462هـ)[4]: كتبَ إليَّ ابنُ حزمٍ ـ بخطِّه ـ يقول: ولدتُ بقرطبةَ، في الجانب الشَّرقي، في رَبَضِ منية المغيرة، قبل طلوع الشَّمس، وبعد سلام الإمام من صلاة الصُّبح، ءاخر ليلة الأربعاء، ءاخر يومٍ من شهر رمضانَ المعظَّم ـ وهو اليوم السابع من نُوَنْيِر[5] ـ سنة أربع وثمانين وثلاث مئة، بطالع العقرب. شيوخه: وسمع في سنة أربع مئة وبعدها؛ من طائفةٍ، منهم: 1- يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود؛ عُرِفَ بابن وَجْه الجنَّة (304-402هـ)؛ صاحب قاسم بن أصبغ (340هـ)، فهو أعلى شيخٍ عنده. 2- ومن أبي عمر أحمد بن محمد بن أحمد الأمويِّ القرطبيِّ، ابن الجسور (401هـ). 3- ويونس بن عبد الله بن مغيث القاضي (338-429هـ). 4- وحُمَام بن أحمد القاضي (357-421هـ). 5- ومحمد بن سعيد بن محمَّد بن نبات الأُمويِّ القرطبيِّ (335-429هـ). 6- وعبد الله بن ربيع التَّميميِّ (330-415هـ). 7- وعبد الرحمن بن عبد الله بن خالد بن مسافر، أبي القاسم الهمدانيِّ الوهرانيِّ (338-411هـ)[6]. 8- وأبي عمر أحمد بن محمد الطَّلْمَنْكيِّ (429هـ). 9- وعبد الله بن يوسف بن نامي (348-435هـ). 10- وأحمد بن قاسم بن محمَّد بن قاسم بن أصبغ (430هـ). وينزل إلى أن يروي عن: 11- أبي عمر بن عبد البرِّ (368-463هـ). 12- وأحمد بن عمر بن أنس العُذْريِّ (393-478هـ). وأول سماعه من ابن الجَسور في حدود سنة أربع مئة[7]. وأجود ما عنده من الكتب ((سنن النَّسائيِّ)) يحمله عن ابن ربيع، عن ابن الأحمر؛ عنه. وأنزل ما عنده ((صحيحُ مسلمٍ)) بينه وبينه خمسة رجال، وأعلى ما رأيتُ له حديث بينه وبين وكيعٍ فيه ثلاثة أنفس. تلاميذه: حدَّث عنه: ابنُهُ أبو رافع الفَضْلُ (479هـ)[8]، وأبو عبد الله محمَّد بن فُتوح الحميديُّ (488هـ)؛ فأكثرَ، ووالد القاضي أبي بكرٍ ابن العربيِّ[9]، وطائفة. وءاخر من روى عنه بالإجازة: أبو الحسن شُريح بن محمَّد الرعينيُّ الإشبيليُّ (539هـ) نشأته: نشأ في تنعُّمٍ ورفاهيَّةٍ، ورُزِقَ ذكاءً مفرطاً، وذهناً سيَّالاً، وكتباً نفيسةً كثيرةً. وكان والده من كُبَراء أهل قرطبة؛َ عمل الوزارة في الدَّولة العامرية، وكذلك وَزَرَ أبو محمَّد في شَبِيبَتِهِ. وكان قد مهر أوَّلاً في الأدب والأخبار والشِّعر، وفي المنطق وأجزاء الفلسفة؛ فأثَّرت فيه تأثيراً لَيْتَهُ سَلِمَ من ذلك، ولقد وقفتُ له على تأليفٍ يحضُّ فيه على الاعتناء بالمنطق، ويقدِّمه على العلوم؛ فتألَّمْتُ له، فإنَّه رأسٌ في علوم الإسلام، متبحِّرٌ في النَّقل، عديم النَّظير، على يُبْسٍ فيه، وفَرْطِ ظاهِرِيَّةٍ؛ في الفروع لا الأصول. قيل إنَّه تفقَّه أوَّلاً للشَّافعيِّ، ثمَّ أدَّاه اجتهاده إلى القول بنَفْي القياس كلِّه؛ جَلِيِّه وخَفِيِّه، والأخذ بظاهر النَّصِّ، وعموم الكتاب والحديث، والقول بالبراءة الأصلِيَّة، واستصحاب الحال. وصنَّفَ في ذلك كتباً كثيرةً، وناظر عليه، وبسط لسانه وقلمه، ولم يتأدَّب مع الأئمة في الخطاب؛ بل فَجَّجَ العبارة، وسَبَّ وجَدَّع، فكان جزاؤه مِنْ جنس فعله، بحيث إنَّه أعرضَ عن تصانيفه جماعةٌ من الأئمَّة، وهجروها، ونفروا منها، وأُحرقتْ في وقتٍ، واعتنى بها ءاخرون من العلماء، وفتَّشوها انتقاداً واستفادةً، وأخذاً ومؤاخذةً، ورأوا فيها الدُّرَّ الثَّمين ممزوجاً ـ في الرَّصْف ـ بالخَرَزِ المَهين؛ فتارةً يطربون، ومرَّةً يعجبون، ومن تفرُّده يهزَؤُون. وفي الجملة؛ فالكمال عزيز، وكلُّ أحدٍ يُؤخذ من قوله ويترك؛ إلا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم. منزلتـه العلميــة: وكان ينهض بعلومٍ جمَّةٍ، ويُجيد النَّقل، ويُحْسِنُ النَّظْمَ والنَّثْرَ. وفيه دِينٌ وخَيْر، (وتورُّعٌ، وتزهُّدٌ، وتحرٍّ للصِّدق)[10]، ومقاصدُهُ جميلةٌ، ومصنَّفاته مفيدةٌ، وقد زهد في الرِّئاسة، ولزم منزله؛ مُكِبَّاً على العلم، فلا نغلو فيه، ولا نجفو عنه، وقد أثنى عليه قَبْلَنا الكبارُ: قال أبو حامد الغزَّالي (505هـ) ـ رحمه الله ـ[11]: قَدْ وَجَدْتُ في أسماء الله تعالى كتاباً ألَّفه أبو محمَّد بنُ حزمٍ الأندلسيُّ؛ يدلُّ على عِظَمِ حِفْظِهِ، وسيلان ذِهْنِهِ. وقال الإمام أبو القاسم صاعد بن أحمد: كان ابنُ حزم أجمعَ أهل الأندلس قاطبةً لعلوم الإسلام، وأوسعَهم معرفةً، مع توسعه في علم اللِّسان، ووُفور حظِّه من البلاغة والشِّعر، والمعرفةِ بالسِّيَر والأخبار. أخبرني ابْنُهُ الفَضْلُ أنَّه اجتمع عنده بخطِّ أبيه ـ أبي محمَّدٍ ـ من تواليفه؛ أربعُ مئةِ مجلَّدٍ، تشتمل على قريبٍ من ثمانينَ ألف ورقةٍ[12]. قال أبو عبد الله الحميديُّ[13]: كان ابنُ حزمٍ حافظاً، عالماً بعلوم الحديث وفقهه، مُسْتنبطاً للأحكام من الكتاب والسُّنَّة، متفنِّناً في علوم جمَّةٍ، عاملاً بعلمه، زاهداً في الدُّنيا بعد الرئاسة التي كانت له ولأبيه من قبله من الوزارة وتدبير الممالك، متواضعاً، ذا فضائل جمَّة، وتواليف كثيرة في كلِّ ما تحقَّق به في العلوم، وجمع من الكتب في علم الحديث، والمصنَّفات، والمُسندات؛ شيئاً كثيراً، وسمع سماعاً جمَّاً. وما رأينا مِثْلَهُ ـ رحمه الله ـ فيما اجتمع له من الذَّكاء، وسُرْعَةِ الحفظ، وكرم النَّفْس، والتَّدَيُّن. وكان له في الأدب والشِّعر نَفَسٌ واسعٌ، وباعٌ طويلٌ، وما رأيتُ من يقول الشِّعر على البديهة أسرعَ منه، وشعره كثيرٌ؛ جَمعتُه على حروف المعجم. وقال أبو القاسم صاعد: كان أبوه أبو عُمَر من وزراء المنصور محمَّد بن أبي عامر؛ مدبِّر دولة المؤيَّد بالله بن المستنصر المروانيِّ، ثم وزر للمظفَّر بن المنصور، ووَزَرَ أبو محمَّد للمُسْتظهر بالله عبد الرَّحمن بن هشام، ثم نَبَذَ هذه الطريقة، وأقبل على العلوم الشَّرعية، وعُني بعلم المنطق، وبرع فيه، ثم أعرضَ عنه. قلتُ: ما أعرضَ عنه حتَّى زرع في باطنه أموراً، وانحرافاً عن السُّنَّة. قال: وأقبل على علوم الإسلام حتَّى نال من ذلك ما لم ينله أحدٌ بالأندلس قبله. وقد حَطَّ أبو بكر ابن العربيِّ على أبي محمَّدٍ؛ في كتاب: ((القواصم والعواصم))[14]، وعلى الظَّاهريَّة، ولم يُنْصِف القاضي أبو بكر ـ رحمه الله ـ شيخ أبيه في العلم، ولا تكلَّم فيه بالقِسْط، وبالغ في الاستخفاف به، وأبو بكر ـ فعلى عظمته في العلم ـ لا يبلغ رُتْبة أبي محمَّد؛ ولا يكادُ، فرحمهما الله، وغفر لهما. قال اليَسَعُ ابنُ حزمٍ الغافقيُّ (575هـ) ـ وذكر أبا محمَّدٍ ـ فقال: أمَّا محفوظه؛ فبحرٌ عجَّاج، وماءٌ ثجَّاجٌ، يخرج من بحره مَرجان الحِكَم، وينبت بثَجَّاجه ألفاف النِّعم في رياض الهِمم، لقد حفظ علوم المسلمين، وأربى على كلِّ أهلِ دِينٍ، وألَّف: ((الملل والنِّحَل)). وكان في صباه يلبس الحرير، ولا يرضى من المكانة إلا بالسَّرير، أنشدَ المعتمدَ؛ فأجاد، وقصد بَلَنْسِيَةَ وبها المظفَّر أحدُ الأطواد. وحدَّثني عنه عمرُ بنُ واجب؛ قال: بينما نحن عند أبي ببَلَنْسِيَةَ، وهو يدرِّس المذهب، إذا بأبي محمَّدٍ بن حزم يَسْمَعُنا؛ ويتعجَّبُ، ثم سألَ الحاضرينَ مسألةً مِن الفقه، جُووب فيها، فاعترضَ في ذلك، فقال له بعض الحُضَّار: هذا العلمُ ليس مِنْ مُنْتَحَلاتِكَ! فقامَ وقَعَدَ، ودخل منزله فعَكَفَ، ووَكَفَ منه وابلٌ فما كَفَّ، وما كان بعدَ أشهرٍ قريبةٍ حتى قَصَدْنا إلى ذلك الموضع، فناظر أحسنَ مناظرةٍ، وقال فيها: أنا أتَّبِعُ الحقَّ، وأجتهدُ، ولا أتقيَّدُ بمذهبٍ. أشهر مصنَّفاتـه: ولابن حزم مصنَّفات جليلةٌ: 1. أكبرها كتابُ: ((الإيصال إلى فهم كتاب الخِصَال الجامعة لجمل شرائع الإسلام في الواجب والحلال والحرام [وسائر الأحكام؛ على ما أوجبه القرءان] والسنة والإجماع))[15]، أورد فيه أقوال الصَّحابة فمن بعدهم في الفقه، والحجةَ لكلِّ قول، وهو كتاب كبير، [في] خمسة عشر ألف ورقة. 2. ((الخصال الحافظ لجمل شرائع الإسلام)) مجلدان. 3. ((المُجَلَّى))[16] في الفقه، (على مذهبه واجتهاده)[17]، مجلد. 4. ((المُحَلَّى في شرح المُجَلَّى بالحُجَج والآثار))[18] ثماني مجلدات، في غاية التقصِّي. قال الشَّيخ عزُّ الدِّين بنُ عبد السَّلام (660هـ) ـ وكان أحدَ المجتهدين ـ: ما رأيتُ في كُتُبِ الإسلام في العلم مِثْل: ((المحلَّى)) لابن حزم، وكتاب: ((المغني)) للشَّيخ موفق الدِّين[19]. قلتُ: لقد صدق الشَّيخ عز الدين، وثالثهما: ((السُّنن الكبير)) للبيهقيِّ (458هـ)، ورابعها: ((التَّمهيد)) لابن عبد البَرِّ. فمن حصَّل هذه الدَّواوين، وكان من أذكياء المُفْتين، وأدمن المطالعة فيها؛ فهو العالم حَقَّاً 5. ((حَجَّة الوداع))[20]. 6. ((الإجماع))[21]. 7. ((الإحكام لأصول الأحكام))[22]، في غاية التقصِّي [وإيراد الحجاج][23]. 8. ((إظهار تبديل اليهود والنَّصارى للتَّوراة والإنجيل، وبيان تناقض ما بأيديهم مما لا يحتمله التَّأويل))[24]؛ وهو كتاب لم يسبق إليه في الحسن. 9. ((الفَصْل في الملل والنحل))[25]، مجلدان كبيران. 10. ((التقريب لحد المنطق والمدخل إليه بالألفاظ العامية والأمثلة الفقهية))[26]، مجلد. 11. ((نقط العروس))[27]، مجيليد. وغير ذلك، ومما له في جزء أو كراس: 12. ((النبذ الكافية))[28]. 13. ((النكت الموجزة في نفي الرأي والقياس والتعليل والتقليد))[29]، مجلد صغير 14. ((السِّير والأخلاق))[30]. وأشياء سوى ذلك[31]. <HR align=left width="33%" SIZE=1>[1] هذه الترجمة من: ((سير أعلام النبلاء)) 18/184- 212، الترجمة: (99)، و((تاريخ الإسلام)) (الطبقة: 46/ الترجمة: 168)؛ كلاهما للإمام شمس الدين الذَّهبيِّ (748هـ)، وسياق الكلام فيها له ـ رحمه الله ـ مِنَ: ((السِّيَر))، غير أنِّي عمدت إلى النص؛ فاختصرته، وهذَّبته، ورتبته، وعلَّقت عليه. (عبد الحق التركماني) [2] أسلم يوم الفتح، وحسن إسلامه، وشهد حُنيناً، وهو أحد الأمراء الذين ندبهم أبو بكر لغزو الروم، ولمَّا فتحت دمشق؛ أمَّره عمر عليها. توفي في الطَّاعون سنة (18هـ). ترجمته ومصادرها في: ((سير أعلم النبلاء)) 1/(68). [3] لأنه حين انقرضت خلافة بني أمية من الدنيا، وقتل مروان الحمار، وقامت دولة بني العبَّاس؛ هرب هذا، فنجا، ودخل إلى الأندلس فتملكها، وتوفي سنة: (172هـ) ترجمته ومصادرها في: ((السِّير)) 8/(55). [4] في: ((طبقات الأمم)) 86، وعنه: الحافظ أبو القاسم ابن بشكوال في: ((الصِّلة)) 2/417. [5] وهو: نوفمبر ـ تشرين الثاني ـ سنة 994 من تأريخ النصارى. [6] ذكر الذهبيُّ ـ رحمه الله ـ بعد هذا: ((عبد الله بن محمَّد بن عثمان))؛ وهو: أبو محمَّد الأسدي الأندلسي؛ كان محدِّثاً، ضابطاً، ثقةً. ذكره الذَّهبي ـ نفسه ـ في وَفَيات سنة: (364) من: ((تاريخ الإسلام)) (الطبقة: 37/ص:324)، فذِكْرُه في شيوخ ابن حزم وهمٌ، وإنَّما يروي عنه بواسطة شيخه: عبد الله بن ربيع؛ كما في مواضع من: ((المُحلَّى)). [7] قاله الحميدي في: ((جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس، وأسماء رواة الحديث، وأهل الفقه والأدب، وذوي النباهة والشِّعر)) الترجمة: (707). [8] كان عنده أدب ونباهة وذكاء، وكتب بخطِّه علماً كثيراً. توفي ـ رحمه الله ـ بوقعة الزَّلاقة شهيداً. ((الصِّلة)) (997)، و((تاريخ الإسلام)) (الطبقة: 48/الترجمة: 296). ومن أبناء ابن حزم ـ أيضاً ـ: أبو أسامة يعقوب، قال ابن بشكوال في ((الصِّلة)): كان من أهل النباهة والإستقامة، من بيتة علم وجلالة. توفي سنة: (503هـ). ومنهم: أبو سليمان مصعب، ذكره ابن خير الإشبيلي في: ((فهرسته)) 2/456، ووصفه بالفقيه. [9] هو العلامة الأديب، ذو الفنون أبو محمد عبد الله بن محمد ابن العربي الإشبيلي، صحب ابن حزم، وأكثر عنه، ثمَّ ارتحل بولده أبي بكر، ومات بمصر في أول سنة: (493)، ورجع ابنه أبو بكر إلى الأندلس، وتوفي سنة: (543). قال الذهبي: وكان أبو محمَّد من كبار أصحاب أبي محمد بن حزم الظاهري، بخلاف ابنه القاضي أبي بكر؛ فإنَّه مُنَافِرٌ لابن حزم، مُحِطٌّ عليه بنفسٍ ثائرة. ترجُمتهما في: ((سير أعلام النبلاء)) 19/(68)، و20/(128). [10] زيادة من ترجمة ابن حزم في: ((تذكرة الحفَّاظ)) 3/الترجمة: (1016)؛ للإمام الذَّهبيِّ ـ أيضاً ـ. [11] في: ((شرح الأسماء الحسنى)) كما ذكر ابن حجر في: ((لسان الميزان)) 4/201. [12] ((طبقات الأمم)) ص 76؛ ثمَّ قال صاعد الأندلسي ـ تعليقاً على هذا العدد ـ: وهذا شيء ما علمناه من أحدٍ كان في دولة الإسلام قبله؛ إلا لأبي جعفر بن جرير الطبريِّ؛ فإنَّه أكثر أهل الإسلام تأليفاً. [13] في: ((جذوة المقتبس)). [14] وقد أورد الذَّهبي كلامه بطوله، وهو في: ((العواصم من القواصم)) 2/336-337، تحقيق: عمَّار الطالبي. [15] ذكره الحميدي في: ((الجذوة))؛ وتكملة العنوان منه، وقال: ((أورد فيه أقوال الصَّحابة والتَّابعين ومن بعدهم من أئمة المسلمين في مسائل الفقه، والحجة لكل طائفة وعليها، والأحاديث الواردة في ذلك من الصَّحيح والسقيم بالأسانيد، وبيان ذلك كلِّه، وتحقيق القول فيه)). وهذا الكتاب مفقود، لم يعثر منه إلا على صفحات ضمن مجموع رقم: (4856) في مكتبة تشتيريتي، وذكر ءاربرِّي ـ في فهرس المكتبة المذكورة ـ أنَّها النُّسخة الوحيدة في العالم. Arberry, Arthur John: The Chester Beatty library : a handlist of the Arabic manuscripts, Dublin, 1959. vol 5, p 119. وقد اختصر بعض هذا الكتاب ابنه أبو رافع ليكمِّل بـه: ((المحلَّى)) ابتداءً من المسألة: (2029)، وحتى نهاية الكتاب، إذ توفي ابن حزم ـ رحمه الله ـ قبل إتمامه. [16] ((المُجَلَّى بالاختصار))، وهو المتن الذي عمل عليه شرحاً سمَّاه بـ((المُحَلَّى)) وهو التالي. والمتن لا يوجد بمفرده، وأنا في صدد تجريده من: ((المحلَّى))؛ يسَّر الله تعالى إتمامه. [17] زيادة من: ((تذكرة الحفَّاظ)). [18] والأصحُّ في عنوانه: ((المحلَّى بالآثار في شرح المُجلَّى بالاختصار، على ما أوجبه القرءان والسُّنن الثَّابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم)). طبع في مصر بالمطبعة المنيرية 1347 -1350هـ (1928-1931م)، حقَّق العلامة أحمد محمد شاكر ـ رحمه الله ـ الأجزاء الستة الأولى، وحقَّق الجزء السابع: الشيخ عبد الرحمن الجزيري ـ رحمه الله ـ، وأتمَّ تحقيقه الشيخ محمد منير أغا الدمشقي ـ رحمه الله ـ. وطبع بمصر ـ أيضاً ـ سنة 1972م بتصحيح حسن زيدان طلبة، ولم تشتهر هذه الطبعة، بل بقيت الطبعة المنيرية هي المتداولة المعتمدة، وجدَّدت بعض دور النشر في بيروت طبعها بطريقة التصوير (الأوفست)، وما زال الأمر كذلك؛ حتى تجرَّأ ورَّاق، جاهل، متعالم؛ على إعادة تنضيد الكتاب، فمسخه، وشوهه؛ باسم التحقيق (دار الفكر ببيروت: 1988). وقد بدأتُ بجمع مخطوطات الكتاب من مكتبات العالم، وشرعت في تحقيقه على منهج علميٍّ متكامل، ومن الله تعالى العون والتوفيق. [19] الإمام الفقيه موفَّق الدِّين أبو محمَّد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الدِّمشقي، ، المتوفى سنة 620 هـ. وكتابه: ((المغني)) من أعظم الكتب الفقهية الجامعة لمذاهب الأئمة الفقهاء، مع الاستدلال والتعليل والترجيح، بلغة علميةٍ أصوليَّةٍ ساميةٍ، وهو مطبوعٌ، متداولٌ، مشهورٌ. [20] حقَّقه: ممدوح حقي، دمشق: دار اليقظة العربية، ط: 1/ 1956م، وط2/1966. [21] طبع باسم: مراتب الإجماع، القاهرة 1357هـ/1938م؛ تصحيح: حسام الدين القدسي، في 179 صفحة. وطبع في بيروت، دار الآفاق الجديدة 1978م. [22] طبع في مصر 1345-1348هـ، وقد عُني بتصحيحه العلامة أحمد محمد شاكر، وهو في ثمانية أجزاء، وقد صورته دار الآفاق الجديدة في بيروت سنة 1980م، وقدَّم له: الدكتور إحسان عباس. وطبعته دار الكتب العلمية في بيروت طبعة تجارية سيئة. وبلغني أن الأخ الشيخ مشهور حسن ءال سلمان؛ قد انتهى من تحقيقه. [23] قاله الحميدي في: ((الجذوة))؛ والزيادة منه. [24] هو ضمن كتابه: ((الفصل)) 1/116-2/91. [25] طبع قديماً في القاهرة: 1317-1321هـ/1903-1907م، في خمسة أجزاء. وحققه: محمد إبراهيم نصر، وعبد الرحمن عميرة، جدة: مكتبة عكاظ 1402هـ. [26] قال الحميدي: ((سلك في بيانه وإزالة سوء الظنِّ عنه، وتكذيب المُمَخرقين به؛ طريقةً لم يسلكها أحد قبله؛ فيما علمناه)). وقد طبع بتحقيق: إحسان عبَّاس، مكتبة دار الحياة، بيروت: 1959م. 237 صفحة. ثم طبعه في المجلد الرابع من: ((رسائل ابن حزم)). [27] في تواريخ الخلفاء، أو: في نوادر الأخبار، نشره سيبولد، مجلة مركز الدراسات التاريخية، غَرناطة، 1911م. وحققه: شوقي ضيف، مجلة كلية الآداب، جامعة القاهرة، م13/ع2/1951م، وجدَّد تحقيقها الدكتور إحسان عباس في: ((رسائل ابن حزم)) 2/43-116. [28] لعلها: ((النُّبَذ في أصول الفقه الظاهري)) طبعت في القاهرة، مطبعة الأنوار، 1940م، بتحقيق: محمد زاهد الكوثري. وحققها الشيخ محمد صبحي حلاق (دار ابن حزم، بيروت: 1420هـ) عن مخطوطة المكتبة الراشدية في باكستان، ويظهر أنَّه لم يطَّلع على المطبوع. [29] وهو: ((ملخص إبطال القياس والرأي والاستحسان والتقليد والتعليل))، تحقيق: الأستاذ سعيد الأفغاني ـ رحمه الله ـ، دمشق 1960م، وط: 2/بيروت 1969م. [30] أو: ((الأخلاق والسير)) طبعت مراراً، وءاخرها: بتحقيق الأستاذة الدكتورة إيفا رياض، وبتقديمي وتعليقي، دار ابن حزم، بيروت 1421هـ. [31]وقد ذكر الذهبي جملة كبيرة منها، واكتفيت بذكر أهمها وأشهرها، ومما لم يذكره الدهبيُّ ـ رحمه الله ـ من كتبه المشهورة: ((جمهرة أنساب العرب)) تحقيق: عبد السلام هارون، القاهرة: 1977م. ((جوامع السيرة)) ـ وذكره الذَّهبي في: ((تذكرة الحفاظ)) وسمَّاه: ((السيرة النبوية)) ـ، طبع بدار المعارف بمصر بتحقيق: إحسان عباس، وناصر الدين الأسد، ومراجعة العلامة أحمد محمد شاكر، وبذيله خمس رسائل لابن حزم. ونشر الدكتور إحسان عباس أربعة أجزاء من: ((رسائل ابن حزم الأندلسي)) (المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت: 1983)، تضم رسائل متنوعة في فنون الأدب، والتاريخ، والدين، والمنطق، وغيرها. محـنـتـه: وقد امْتُحِنَ لتطويل لسانه في العلماء، وشُرِّد عن وطنه، فنزل بقريةٍ له، وجرت له أمورٌ، وقام عليه جماعةٌ من المالكيَّة[1]، وجرت بينه وبين أبي الوليد الباجيِّ (403-474هـ)؛ مُناظراتٌ ومُنَافراتٌ، ونفَّروا منه ملوك النَّاحية، فأقْصَتْهُ الدَّولة، وأُحرقتْ مجلداتٌ من كتبه[2]، وتحوَّل إلى بادية لَبْلَة[3] في قريةٍ. قال أبو العبَّاس ابنُ العريف (536هـ): كان لسانُ ابن حزم وسيفُ الحجَّاج شقيقَيْن. وقال أبو بكر محمد بنُ طَرْخان التُّركي (513هـ)، قال لي الإمام أبو محمد عبد الله بن محمد ـ يعني والد أبي بكر ابن العربيِّ ـ: أخبرني أبو محمد بن حزم أنَّ سبب تعلُّمه الفقه أنَّه شهد جِنازةً، فدخل المسجد، فجلس ولم يركع، فقال له رجل: قُمْ فصلِّ تحيَّة المسجد ـ وكان قد بلغ ستَّاً وعشرين سنة ـ قال: فقمتُ وركعتُ، فلمَّا رجعنا من الصَّلاة على الجِنَازة؛ دخلتُ المسجدَ، فبادرتُ بالرُّكوع. فقيل لي: اجلس! اجلس! ليس ذا وقتَ صلاةٍ ـ وكان بعدَ العصر ـ قال: فانصرفتُ وقد حَزِنْتُ، وقلت للأستاذ الذي ربَّاني: دلَّني على دار الفقيه أبي عبد الله بن دَحُّون[4]. قال: فقصدته، وأعلمته بما جرى، فدلَّني على ((موطَّأ)) مالكٍ، فبدأتُ به عليه، وتتابعتْ قراءتي عليه وعلى غيره؛ نحواً من ثلاثة أعوام، وبدأت بالمناظرة[5]. ثم قال ابنُ العربيِّ: صحبتُ ابنَ حزمٍ سبعة أعوام، وسمعت منه جميع مصنَّفاته سوى المجلد الأخير من كتاب: ((الفصل)) وهو ست مجلدات، وقرأنا عليه من كتاب: ((الإيصال)) أربع مجلدات في سنة ست وخمسين وأربع مئة، وهو أربعة وعشرون مجلداً، ولي منه إجازةٌ غير مرَّةٍ. قال أبو مروان بن حَيَّان (377-469هـ): كان ابنُ حزم ـ رحمه الله ـ حامل فنونٍ من حديثٍ وفِقْهٍ وجَدَلٍ ونَسَبٍ، وما يتعلَّق بأذيال الأدب، مع المشاركة في أنواع التَّعاليم القديمة من المنطق والفلسفة، وله (في بعض تلك الفنون) كتبٌ كثيرةٌ، (غير أنه) لم يَخْلُ فيها من غَلَطٍ؛ لجُراءته في التَّسَوُّر على الفنون، لا سيما المنطق، فإنهَّم زعموا أنَّه زَلَّ هنالك، وضَلَّ في سلوك المَسَالك، وخالف أرسطاطاليس واضع الفَنِّ مخالفةَ مَنْ لم يَفْهم غَرَضَهُ ولا ارْتَاضَ، ومالَ أوَّلاً إلى النَّظر على رأي الشَّافعيِّ ـ رحمه الله ـ، وناضل عن مذهبه حتَّى وُسِمَ به، فاسْتُهْدِفَ بذلك لكثيٍر من الفقهاء، وعِيب بالشُّذُوذ، ثم عَدَلَ إلى قول أصحاب الظَّاهر، فنقَّحه، وجادل عنه، (وَوَضَعَ الكتبَ في بَسْطه)، وثبت عليه إلى أن مات ـ رحمه الله ـ. وكان يحمل علمه ـ هذا ـ ويجادل عنه من خالفه، على استرسالٍ في طباعِهِ، ومَذَلٍ بأسراره، واستنادٍ إلى العهد الذي أخذه الله على العلماء من عباده: ((ليُبَيِّنُنَّهُ للنَّاسِ وَلا يَكْتُمُونَهُ))[6]، فلم يكُ يُلَطِّفُ صَدْعَه بما عنده بتعريضٍ ولا (يزُفُّه) بتدريجٍ، بل يصكُّ به من عارضه صكَّ الجَندل[7]، ويُنْشِقُهُ (متلقِّيه) إنشاقَ الخَرْدَل، فتنفر عنه القلوب، وتُوقع به النُّدوب، حتى اسْتُهْدِفَ لفقهاء وقته، فتمالؤُوا عليه، وأجمعوا على تضليله، وشنَّعوا عليه، وحذَّروا سلاطينهم من فِتْنَتِه، ونهوا عَوامَّهم عن الدُّنُوِّ منه، (والأخذ عنه)، فطَفِقَ الملوكُ يقصونه عن قُرْبِهم، ويُسَيِّرونه عن بلادهم، إلى أن انتهوا به مُنقطعَ أثرِه: (بتربة بلده) من بادية لَبْلَة، (وبها توفي ـ رحمه الله ـ؛ سنة ستٍّ وخمسين وأربع مئةٍ)، وهو في ذلك غيرُ مُرْتَدِعٍ ولا راجع (إلى ما أرادوا به)، يَبُثُّ علمه فيمن ينتابه مِن بادية بلده، من عامَّة المقتبسين من أصاغر الطَّلبة، الذين لا يخشون فيه المَلامة؛ يحدِّثهم، ويفقِّههم، ويدارسهم، (ولا يَدَعُ المثابرةَ على العلم، والمواظبةَ على التَّأليفِ، والإكثارَ من التَّصنيف)؛ حتَّى كَمَل من مصنفاته (في فنونٍ من العلم) وِقْرُ بعير، لم يَعْدُ أكثرها (عتبة) باديته؛ لزُهد الفقهاء فيها، حتى لأُحْرِقَ بعضُها بإشبيلية، ومُزِّقت علانيةً. وأكثر معايبه ـ زعموا عند المُنْصِفِ له ـ جَهلُه بسياسة العلم التي هي أعرض من إيعابه، وتخلُّفه عن ذلك؛ على قوَّة سَبحه في غماره، وعلى ذلك فلم يكن بالسَّليم من اضطراب رأيه، ومغيب شاهد علمه عنه عند لقائه، إلى أن يُحَرَّكَ بالسُّؤال، فيتفجر منه بَحْرُ علمٍ لا تكدِّره الدِّلاء، (ولا يقصر عنه الرِّشاء، له على كل ما ذكرنا دلائل ماثلة، وأخبار مأثورة). وكان ممَّا يزيد في شنآنه؛ تشَيُّعه لأمراء بني أميَّة؛ ماضيهم وباقيهم، (بالمشرق والأندلس)، واعتقاده لصِحَّة إمامتهم، (وانحرافه عمَّن سواهم من قريشٍ) حتَّى لنُسِبَ إلى النَّصْب[8] (لغيرهم)[9]. قلت: وقد أخذ المنطقَ ـ أبعده الله مِنْ علمٍ ـ عن محمد بن الحسن المَذْحِجيِّ، وأمعن فيه، فزَلْزَله في أشياء[10]َ. ولي أنا مَيْلٌ إلى أبي محمَّد لمحبَّته في الحديث الصَّحيح، ومعرفته به، وإن كنتُ لا أُوافِقُه في كثيٍر ممَّا يقوله في الرِّجال والعلل، والمسائل البَشِعَة في الأصول والفروع، وأقطعُ بخطته في غير ما مسألةٍ، ولكن لا أُكفِّره، ولا أُضلِّلُه، وأرجو له العفوَ والمسامحة وللمسلمين، وأخضع لفَرْط ذكائه، وسَعة علومه. نماذج من شعره[11]: كتب إلينا المعمَّر العالم أبو محمَّد عبد الله بن محمد بن هارون ـ من مدينة تونس، عام سبعِ مئةٍ ـ عن أبي القاسم أحمد بن يزيد القاضي، عن شريح بن محمَّد الرُّعينيِّ؛ أنَّ أبا محمَّد بن حزم كتبَ إليه ـ فيما أحرقَ له المُعْتَضِدُ بن عَبَّاد من الكُتُب ـ يقول: فإنْ تَحْرِقُوا القِرْطَاس لا تَحْرِقُوا الَّذِي تَضَمَّنَهُ القرطاسُ بَلْ هو في صَدْرِي يَسِيرُ معي حيثُ اسْتَقَلَّتْ رَكائِبِي وَيَنزِلُ إنْ أَنْزِلْ ويُدْفَن في قَبْري دَعُونِيَ مِنْ إحْرَاقِ رَقٍّ وكَاغَدٍ وَقُولُوا بِعِلْمٍ كَيْ يَرَى النَّاسُ مَنْ يَدري وإلا فَعُودُوا في المَكَاتِبِ بَدْأَةً فَكَمْ دُونَ مَا تَبْغُونَ لله مِنْ سِتْرِ كذَاكَ النَّصَارى يَحْرِقُونَ إذا عَلَتْ أكفُّهُم القُرْءانَ في مُدُنِ الثَّغْرِ وبه لابنِ حزمٍ: أُشْهِدُ اللهَ والمَلائِكَ أنِّي لا أرَى الرَّأْيَ والمَقَايِيسَ دِينا حاشَ لله أنْ أقُولَ سِوى مَا جاء في النَّصِّ والهُدَى مُسْتَبِينَا كَيْفَ يَخْفَى علَى البَصَائِرِ هذَا وهو كالشَّمْسِ شُهْرَةً وَيَقِينَا فقلتُ مُجِيباً له : لو سَلِمْتُمْ مِنَ العُمُومِ الَّذي نَعْلَمُ قَطْعاً تَخْصِيصَهُ ويَقِيناً وَتَرَطَّبْتُمْ فكَمْ قَدْ يَبِسْتُمْ لَرَأَيْنا لكم شُفُوفاً مُبِيناً ولابنِ حزمٍ: مُنَايَ من الدُّنْيا علومٌ أبُثُّها وَأَنْشُرُها في كُلِّ بَادٍ وحَاضِرِ دُعاءٌ إلى القُرءانِ والسُّنَنِ التي تَناسَى رِجالٌ ذِكْرَها في المَحَاضِرِ وَأَلْزَمُ أطْرافَ الثُّغُور مُجَاهداً إذَا هَيْعَةٌ ثَارَتْ فَأَوَّلُ نافِرِ لألْقَى حِمامي مُقْبلاً غيرَ مُدْبِرٍ بِسُمْرِ العَوالي والرِّقاق البَواتِرِ كِفَاحاً مع الكُفَّار في حَوْمَةِ الوَغَى وأَكْرَمُ مَوْتٍ لِلْفَتى قَتْلُ كافِرِ فَيَا رَبِّ لا تَجْعَل حِمامِي بغَيْرِها ولا تَجْعَلَنِّي مِنْ قَطِيِن المقابِرِ ومِنْ شِعْره: هلِ الدَّهرُ إلا ما عَرَفْنَا وأَدْرَكْنَا فَجَائِعُهُ تَبْقَى وَلذَّاتُهُ تَفْنَى إذا أَمْكَنَتْ فيه مَسَرَّةُ ساعةٍ تَوَلَّتْ كَمَرِّ الطَّرْفِ واسْتَخْلَفَتْ حُزْنَا إلى تَبِعاتٍ في المَعَادِ وَمَوْقِفٍ نَوَدُّ لَدَيْهِ أنَّنَا لم نَكُنْ كُنَّا حَنِينٌ لما وَلَّى وشُغْلٌ بما أَتَى وَهَمٌّ لما نَخْشَى فَعَيْشِكُ لا يَهْنَا حَصَلْنا على هَمٍّ وإثْمٍ وحَسْرَةٍ وفاتَ الَّذي كُنَّا نَلَذُّ بِهِ عَنَّا كأنَّ الذي كُنَّا نُسَرُّ بكَوْنِهِ إذا حقَّقَتْهُ النَّفْسُ لَفْظٌ بلا مَعْنَى ولَهُ على سبيل الدُّعابة ـ وهو يماشي أبا عمرَ بن عبد البَرِّ ـ وقد رأى شابَّاً مَليحاً، فأعجبَ ابنَ حزم، فقال أبو عُمر: لعلَّ ما تحت الثِّياب ليس هناك! فقالَ[12]: وَذِي عَذَلٍ فِيمَنْ سَبَانِي حُسْنُهُ يُطِيلُ مَلامي في الهَوَى ويَقُولُ أَمِنْ حُسْنِ وَجْهٍ لاحَ لم تَرَ غَيْرَهُ ولم تَدْرِ كيفَ الجِسْمُ أنتَ قَتِيلُ؟ فقلتُ لَهُ: أسْرَفْتَ في اللَّوْمِ فاتَّئِدِ فَعِنْدِي رَدٌّ لَوْ أشَاءُ طَوِيلُ أَلَمْ تَرَ أنِّي ظَاهِرِيٌّ وأنَّنِي علَى ما بَدَا حتَّى يَقُومَ دَلِيلُ أنشدنا أبو الفهم بن أحمد السُّلَمي، قال: أنشدنا ابنُ قُدامة، قال: أنشدنا ابنُ البَطِّي، قال: أنشدنا أبو عبد الله الحميديُّ، قال: أنشدنا أبو محمَّد عليُّ بن أحمد ـ لنفسه ـ: لا تَشْمَتَنَّ حاسِدي إنْ نَكْبَةٌ عَرَضَتْ فالدَّهْرُ لَيْسَ على حَال بمُتَّرِكِ ذُو الفَضْل كالتِّبْرِ طَوْراً تَحْتَ مَيْفَعَةٍ[13] وتارةً في ذُرَى تاجٍ علَى مَلِكِ وشِعْرُه فَحْلٌ كما ترى، وكان يُنْظِمُ على البَدِيه. وله يفتخرُ[14]: أنا الشَّمْسُ في جَوِّ العُلُوم مُنيرةً ولكنَّ عَيْبي أنَّ مَطْلَعِي الغَرْبُ ولو أنَّنِي مِنْ جانب الشَّرْقِ طالِعٌ لَجَدَّ على ما ضَاعَ مِنْ ذِكْرِيَ النَّهْبُ وَلِي نحوَ أكْنَافِ العِراقِ صَبَابَةٌ ولا غَرْوَ أن يَسْتَوْحِشَ الكَلِفُ الصَّبُّ فإنْ يُنْزِلِ الرَّحمنُ رَحْلِيَ بَيْنَهُمْ فَحِينَئِذٍ يَبْدُو التَّأَسُّفُ والكَرْبُ (فكَمْ قائِلٍ أغفلتُه وهو حاضِرٌ وأطْلُبُ ما عَنْهُ تَجِيءُ بِهِ الكُتُبُ)[15] هُنالِكَ يُدْرى أنَّ للْبُعْدِ قِصَّةً وأنَّ كَسَادَ العِلْمِ ءافَتُهُ القُرْبُ فَواعَجَباً مَنْ غابَ عَنْهُم تشَوَّقُوا لَهُ ودُنُوُّ المَرْءِ مِنْ دَارِهِمْ ذَنْب[16]ُ وَلَهُ: أَنَائِمٌ أنتَ عَن كُتُبِ الحديثِ وما أتى عَنِ المُصْطَفَى فِيها مِنَ الدِّينِ كمُسْلِمٍ والبُخَاريِّ اللَّذَيْنِ هُمَا شَدَّا عُرَى الدِّينِ في نَقْلٍ وتَبْيينِ أَوْلَى بأجْرٍ وتَعْظِيمٍ ومَحْمَدَةٍ مِنْ كُلِّ قَوْلٍ أتَى مِنْ رَأْيِ سُحْنُونِ يا مَنْ هَدَى بِهِمَا اجْعَلْنِي كَمِثْلِهِما في نَصْرِ دِينِكَ مَحْضَاً غَيْرَ مَفْتُونِ ومِنْ نَظْمِهِ ـ أيضاً ـ: لم أَشْكُ صَدَّاً ولم أُذْعِنْ بِهِجْرَانِ ولا شَعَرْتُ مَدَى دَهْرِي بسُلْوَانِ أسماءُ لم أَدْرِ مَعْناها ولا خَطَرَتْ يَوْماً عَلَيَّ ولا جَالَتْ بِمَيْدَانِي لكِنَّمَا دائِيَ الأَدْوَا الَّذِي عَصَفَتْ عَلَيَّ أرْوَاحُهُ قِْدماً فأَعْيَانِي تَفَرُّقٌ لم تَزَلْ تَسْرِي طَوَارِقُهُ إلى مَجَامِعِ أحْبَابِي وخِلانِي كأنَّما البَيْنُ بي يَأتَمُّ حيثُ رأى لِي مَذْهَباً فهو يَتْلُونِي ويَغْشَانِي وكنتُ أحسَبُ عندي للنَّوى جَلَدَاً دَاءٌ عَنا في فُؤادِي شَجْوُهَا العَانِي فَقَابَلَتْني بألوانٍ غَدَوْتُ بِهَا مقابَلاً من صَباباتي بأَلوانِ وله ـ أيضاً ـ: قالُوا تَحَفَّظْ فإنَّ النَّاسَ قَدْ كَثُرَتْ أقوالُهُمْ وأقاوِيلُ الوَرَى مِحَنُ فقلتُ: هَلْ عَيْبُهُمْ لي غَيْرَ أنِّي لا أقولُ بالرَّأيِ إذْ في رَأْيِهِم فِتَنُ وَأنَّنِي مُولَعٌ بالنَّصِّ لَسْتُ إلى سِوَاهُ أنْحُو ولا في نَصْرِهِ أَهِنُ لا أَنْثَنِي لِمَقَايِيسَ يُقال بها في الدِّينِ بَلْ حَسْبِيَ القُرءانُ والسُّنَنُ يا بَرْدَ ذَا القَوْلِ في قَلْبِي وفي كَبِدِي ويا سُرُوري به لو أنَّهم فَطِنُوا دَعْهُمْ يَعَضُّوا على صُمِّ الحَصَى كَمَداً مَنْ مَاتَ مِنْ قَوْلِهِ عِنْدي لَهُ كَفَنُ وفاتــه: قال صاعد: ونقلتُ من خطِّ ابنه أبي رافعٍ؛ أنَّ أباه توفي ـ رحمه الله ـ عَشية يوم الأحد، لليلتين بقيتا من شعبان، سنة ستٍّ وخمسين وأربع مئة. فكان عُمُره إحدى وسبعين سنةً وأشهراً[17]، رحمه الله تعالى. ولأبي بكر أحمد بن سليمان المروانيِّ[18]، يمدح ابن حزم ـ رحمه الله ـ: لمَّا تَحَلَّى بِخُلُقٍ كَالمِسْكِ أوْ نَشْرِ عُوْدِ نَجْلُ الكِرَامِ ابنُ حَزْمٍ وَفَاقَ في العِلْمِ عُوْدِي فَتْوَاهُ جَدَّدَ دِينِي جَدْوَاهُ أَوْرَقَ عُودِي أقُولُ ـ إذ غِبْتُ عَنْهُ ـ: يا سَاعَةَ السَّعْدِ عُودِي |
#2
|
|||
|
|||
[1] هذه واحدة من المحن التي أصابته، غير أنها لم تكن الوحيدة، بل قاسى ابن حزم محناً كثيرة؛ من الإجلاء، والسجن، والأسر والنَّفي والتغريب، مما سيذكر بعضه في: ((طوق الحمامة))، وذلك لأنه لم يرض بأنصاف الحلول، بل تمسك بشرعية الخلافة الأموية، واتخذ موقفاً شجاعاً وواضحاً من فتنة البربر.
[2] ومع هذا لم يخرج ابن حزم ـ رحمه الله ـ عند حدِّ العدل والإنصاف، قال ابن بسَّام في: ((الدَّخيرة)) ق2/م2/96: بلغني عن الفقيه أبي محمَّد بن حزمٍ؛ أنه كان يقول: لم يكن لأصحاب المذهب المالكيِّ ـ بعد عبد الوهَّاب ـ مثل أبي الوليد الباجيِّ. وقد ناظره بميورقة؛ فقلَّ من غَرْبه، وسبَّب إحراق كتبه، ولكنَّ أبا محمَّد ـ وإن كان اعتقد خلافه ـ فلم يطَّرح إنصافه، أو حاول الردَّ عليه؛ فلم ينسب التقصير إليه. قال عبد الحق: هكذا تكون أخلاق العلماء الربَّانيِّين! [3] غربي قرطبة، بينها وبين قرطبة على طريق إشبيلية؛ خمسة أيام. ((معجم البلدان)) 5/10. [4] هو في الراجح: أبو محمَّد عبد الله بن يحيى، الفقيه المالكي، المعروف بابن دحون، كان من جلَّة الفقهاء المذكورين، عارفاً بالفتوى، حافظاً للمذهب، عمَّر وأسنَّ، وانتفع به النَّاس، وانفرد برئاسة المذهب المالكي بقية مدَّته، توفي سنة: (431). ((الصِّلة)) (590)، ((ترتيب المدارك)) 4/730 للقاضي عياض، ((تاريخ الإسلام)) (الطبقة. 44/الترجمة: 9). [5] هذه الحكاية نقلها عن ابن طرخان؛ ياقوتُ الحموي في: ((معجم الأدباء)) 12/241-242، ثم تناقلها بعده غير واحد من المؤرخين، واشتهرت جداً؛ رغم أنَّه لم يرد ذكرها في شيءٍ من المصادر الأندلسية الأصيلة، وهي قصَّة وإن كانت صحيحة الإسناد؛ فإنَّ متنها منكر جداً، وابن حزم ـ نفسه ـ يكذِّبها إذ يروي في مصنَّفاته عن شيخيه: ابن وجه الجنَّة؛ الذي مات في شهر ذي الحجة سنة (402)، وابن الجسور؛ الذي مات في شهر ذي القعدة سنة (401)، وقد ذكرنا أنَّ ابن حزم ولد في رمضان 384، فيكون قد شرع في دراسة الحديث والفقه على ابن الجسور وهو ابن سبع عشرة سنة، فيما لو لم يبتدئ عليه الدراسة إلا في سنة وفاته. ويكون قد شرع في دراسة الفقه على ابن وجه الجنَّة وهو ابن ثمان عشرة سنة؛ فيما لو لم يبتدئ القراءة عليه إلا في سنة وفاته. كيف؟ وابن حزم يصَرِّح بأنَّ ابن الجسور: ((أول شيخ سمعت منه قبل سنة الأربع مئة)) (الجدوة: 99)، والحافظ الذَّهبيُّ يحدِّد هذه القبلية بقوله: وأول سماع ابن حزم سنة تسع وتسعين وثلاث مئة. (العبر: 3/239)، فتكون السِّنُّ التي ابتدأ فيها ابن حزم دراسة الحديث والفقه هي عمر الغلام اليافع، سنُّ الخامسة عشرة. وأين هذا من عمر رجل في السادسة والعشرين؟ (انظر: مقدِّمة الكتَّاني لـ ((معجم فقه ابن حزم)) 73-75)، وقد ردَّ هذه الحكاية ـ أيضاً ـ العلامة أبو عبد الرحمن الظَّاهري، في كتابه: ((ابن حزم خلال ألف عام)) وبيَّن أن ابن حزم قد أخبر عن نفسه أنه صلَّى على جنازة قبل أحد عشر عاماً من تاريخ هذه القصَّة، فقد صلَّى على المؤيد هشام. [6] في قوله تعالى: ((وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ)) [ءال عمران:187]. وقوله تعالى: ((لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ)) قرأ ابن كثير وأبو عَمرو بياء الغيب فيهما، والباقون بتاء الخطاب. [7] الجندل: ما يُقِلُّه الرَّجل من الحجارة. ((القاموس)). [8] النَّصب هو بغض عليٍّ رضي الله عنه. وهذه التُّهمة نتيجة باطلة للمقدمة السابقة، وهي: (تشيُّعه لأمراء بني أُميَّة)؛ إذ أن ذلك (التشيع) والحب والولاء كان قائماً على أساس الولاء الشرعي للخلافة الأموية، والإدراك لدورها الهام في المحافظة على وحدة المسلمين وعزِّهم، فقد كانت دولة بني أمية ـ وكما قال ابن حزم ـ: ((دولة عربية لم يتخذوا قاعدة، إنَّما سكنى كلُّ امرئٍ منهم في داره وضيعته التي كانت له قبل الخلافة، ولا أكثروا احتجان الأموال، ولا بناء القصور، ولا استعملوا مع المسلمين أن يخاطبوهم بالتمويل ولا التسويد، ويكاتبوهم بالعبودية والملك، ولا تقبيل الأرض ولا رجل ولا يد، وإنَّما كان غرضهم الطَّاعة الصَّحيحة من التَّولية... فلم يملك أحد من ملوك الدُّنيا ما ملكوه من الأرض، إلى أن تغَّلب عليهم بنو العبَّاس بالمشرق، وانقطع به ملكهم، فسار منهم عبد الرحمن بن معاوية إلى الأندلس، وملكها هو وبنوه، وقامت بها دولة بني أميَّة نحو الثلاث مئة سنة، فلم يكُ في دول الإسلام أنبل منها، ولا أكثر نصراً على أهل الشرك، ولا أجمع لخلال الخير، وبهدمها انهدمت الأندلس إلى الآن، وذهب بهاء الدُّنيا بذهابها. وانتقل الأمر بالمشرق إلى بني العباس... وكانت دولتهم أعجمية، سقطت فيها دواوين العرب، وغلب عجم خراسان على الأمر، وعاد الأمر ملكاً عضوضاً، محققاً كسروياً...)). ((البيان المغرب)): 2/39-40، فيما نقله الدكتور إحسان عبَّاس في مقدمته لـ((رسائل ابن حزم)) 2/21-22؛ وعلَّق عليه بقوله: وفي مثل هذا الحكم على الدُّول يتَّضح ((الجانب التركيبي)) في نظرات ابن حزم، بحيث يستطيع المرء أن يحلَّ هذه المركبات في بحوث مفردة، وتبدو في ذلك مهارة ابن حزم في انتقاء السِّمات المميزة، مثلما يبدو جانب هام ءاخر من حسِّ المؤرخ لديه، وذلك أنَّه لا ينظر إلى منجزات الدَّولة الواحدة نظرته إلى بعض الأفراد من ذوي المسؤولية فيها، وإنما يرى هذه المنجزات من منظار المميزات الكبرى، وتلك تتجلَّى في ما أصاب الجماعة من خيرٍ، فقد يعيب هو الوليد بن عبد الملك، ويصفه بالطُّغيان (نقط العروس: 2/71؛ وقال عنه: أحد الفراعنة)، أو يعيب مروان بن الحكم، ويتهمه بأنَّه شقَّ عصا الجماعة، ويقول فيه: ((مروان ما نعلم له جرحة قبل خروجه على أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير؛ رضي الله عنهما)) (المحلَّى: 163)، ولكنه يبرز الخصائص الإيجابية التي تتميز بها الدَّولة الأموية بكلمات دقيقة دالَّة، ولا يضع سيئات الأفراد على كاهل الدولة كلِّها. قلت: وتمام هذا البحث والرد على ابن حيَّان؛ عند الدكتور إحسان عباس في المصدر المذكور، ومحمد المنتصر الكتاني في مقدمته لـ((معجم فقه ابن حزم)) 71-73، وغيرهما. [9] انتهى كلام ابن حيَّان، ونقله الذَّهبيُّ ـ أيضاً ـ في: ((تذكرة الحفَّاظ)) 3/1151-1152. وقد حفظه لنا أبو الحسن علي بن بسَّام الشَّنتريني (542هـ) في: ((الذَّخيرة في محاسن أهل الجزيرة)) 1/1/168-169، ونقله ياقوت الحموي في: ((معجم الأدباء)) 12/247-249، وعنهما استدركت بعض الفقرات وجعلتها بين قوسين. وله تتمَّه أغفلها الذَّهبي عمداً؛ لأنَّها تحتاج إلى نقدٍ ومناقشةٍ. [10] وقال في ((تذكرة الحفاظ)): فيقي فيه قسط من نحلة الحكماء. وقال الإمام ابن عبد الهادي (744هـ) في: ((طبقات علماء الحديث)) 3/الترجمة: (993): وقد طالعت أكثر كتاب: ((الملل والنحل)) لابن حزم فرأيته قد ذكر فيه عجائب كثيرة، ونقولاً غريبة، وهو يدلُّ على قوَّة ذكاءِ مؤلِّفه، وكثرة اطلاعه، لكن تبيَّن لي منه أنَّه جَهْمِيٌّ جَلْد، لا يُثْبت من معاني أسماء الله الحسنى إلا القليل، كالخالق والحق، وسائر الأسماء عنده لا تدلُّ على معنىً أصلاً؛ كالرَّحيم والعليم والقدير ونحوها، بل العِلْمُ عنده هو القُدرة، والقدرة هي العِلم، وهما عين الذَّات، ولا يدلُّ العلم على معنى زائد على الذَّات المجرَّدة أصلاً، وهذا عين السَّفْسَطة، والمكابرة، وكان ابن حزم في صغره قد اشتغل في المنطق والفَلْسَفة، وأحذ المنطق عن محمَّد بن الحسن المَذْحجي، وأمعن في ذلك فتقرَّر في ذهنه ـ بهذا السَّبب ـ معاني باطلة، ثمَّ نظر في الكتاب والسُّنَّة فوجد فيهما من المخالفة لما تقرَّر في ذِهنه فصار في الحقيقة حائراً في تلك المعاني الموجودة في الكتاب والسنة، فرَوَغَ في ردِّها روغان الثَّعلب، فتارةً يحمل اللَّفظ على غير معناه اللُّغوي، ومرَّةً يحمل ويقول: هذا اللفظ لا معنى له أصلاً، بل هو بمنزلة الأعلام، وتارة يردُّ ما ثبت عن المصدوق، كردِّه الحديث المتَّفق على صحَّته في إطلاق لفظ الصِّفات؛ وقول الذي كان يلزم قراءة ((قل هو الله أحد)) ـ لأنَّها صفة الرَّحمن ـ عزَّ وجلَّ ـ: ((فأنا أحبُّ أن أقرأ بها)). ومرَّةً يخالف إجماع المسلمين في إطلاق بعض الأسماء على الله ـ عزَّ وجلَّ ـ. وفي كلامه على اليهود والنَّصارى ومذاهبهم وتناقضهم فوائد كثيرة، وتخليط كبير، وهجوم عظيم، فإنَّه ردَّ كثيراً من باطلهم بباطل مثله، كما ردَّ على النَّصارى في التَّثليث بما يتضمن نفي الصِّفات، وكثيراً ما يَلعَنُ ويكفِّر ويَشْتُمُ جماعةً ممَّن نقل كتبهم كمتَّى ولوقا ويوحنَّا؛ وغيرهم، ويَقْذَعُ في القدْح فيهم إقذاعاً بليغاً. وهو ـ في الجملة ـ لونٌ غريبٌ، وشيءٌ عجيبٌ، وقد تكلَّم على نقل القرءان، والمعجزات، وهيئة العالم؛ بكلامٍ أكثره مليحٌ حسنٌ. قلت: ومع ما وقع فيه ابن حزم من انحراف في عقيدة الأسماء والصِّفات، وغيرها؛ فإنه يذم الجهمية والمعتزلة والأشاعرة، ويصرِّح بلعن جهم بن صفوان، ويقول: ((وأهل السُّنة ـ الذين نذكرهم ـ أهلُ الحَقِّ، ومَنْ عَداهم؛ فأهلُ البدعة، فإنَّهم الصَّحابة ـ رضي الله عنهم ـ وكلُّ من سلك نهجهم؛ من خيار التَّابعين ـ رحمة الله عليهم ـ ثُمَّ أصحاب الحديث، ومن اتبعهم من الفقهاء؛ جيلاً فجيلاً إلى يومنا هذا، أو مَن اقتدى بهم من العوام في شَرْق الأرض وغربها ـ رحمة الله عليهم ـ)) (الفَصْل: 2/99)؛ والأمر في ذلك ـ كلِّه ـ كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: ((...وطائفة أخرى كأبي محمد بن حزم وغيره ممن يقول أيضاً : إنه متَّبعٌ لأحمد بن حنبل وغيره من أئمة السنة، إلى غير هؤلاء ممَّن ينتسب إلى السنة ومذهب الحديث؛ يقولون إنهم على اعتقاد أحمد بن حنبل، ونحوه من أهل السنة، وهم لم يعرفوا حقيقة ما كان يقوله أئمة السنة; كأحمد بن حنبل وأمثاله)). (مجموع الفتاوى: 7/659). [11] أغنى المصادر بشعر ابن حزم هو: ((طوق الحمامة))، لكني حرصت على إيراد هذه النماذج التي انتقاها الإمام الذَّهبي ـرحمه الله ـ؛ ليتعرَّف القارئ على أغراض أخرى في شعره، غير ما يجده في هذا الكتاب. [12] هذه القصَّة أوردها ـ أيضاً ـ المقري في: ((نفح الطِّيب)) 2/82؛ وقال في صدرها: ((قال ابن حزم في: ((طوق الحمامة)): إنه مرَّ يوماً هو وأبو عمر ابن عبد البر ـ صاحب: ((الاستيعاب)) ـ بسكَّة الحطَّابين من مدينة إشبيلية، فلقيهما شاب حسن الوجه....)) فذكر الحوار والأبيات. غير أنَّ النُّسخة التي وصلتنا من الطَّوق لا تحتوي هذه القصَّة، وقد نبَّه إلى هذا: Max Weisweiler في ترجمته للطوق إلى الألمانية: Halsband Der Taube, Leiden 1942 وكذلك الدكتور الطاهر أحمد مكي في مقدِّمته لـ((الطوق)) ص: 38، والدُّكتور إحسان عبَّاس، وتساءل فيما إذا كانت هذه القصَّة ممَّا حذفها النَّاسخ أو أن المقري وَهِمَ؟ (رسائل ابن حزم: 2/447). قلت: لعل الراجح هو الأول، والله أعلم. والأبيات ـ دون القصَّة ـ في: ((الذَّخيرة)) 1/1/175، و((معجم الأدباء)) 12/243-244، و((المغرب في حُلي المغرب)) 1/356، و((وفيات الأعيان)) 3/327. [13] الميفعة: الشَّرف من الأرض. [14] وهي من قصيدة طويلة، خاطب بها قاضي الجماعة بقرطبة عبد الرحمن بن أحمد بن بشر؛ يفخر فيها بالعلم، ويذكر أصناف ما علم. قاله الحميدي في: ((الجذوة)). [15] هذا البيت أغفله الذهبي، وهو في: ((الجذوة))، و((البغية))، و((الذَّخيرة))، و((معجم الأدباء))، و((نفح الطيب)). [16] وزاد في: ((معجم الأدباء)) وغيره: وإنَّ مَكَاناً ضَاقَ عَنِّي لَضَيِّقٌ على أنَّهُ فَسْحٌ مَهامِهُهُ سَهْبُ وإنَّ رِجَالاً ضَيَّعُونِي لَضُيَّعٌ وإنَّ زَمَاناً لَمْ أَنَلْ خِصْبَهُ جَدْبُ ومنها في الاعتذار عن مَدْحِه لنَفْسِه: ولكنَّ لِي في يوسُفَ خَيْرُ أُسْوَةٍ ولَيْسَ علَى مَنْ بِالنَّبِيِّ ائْتَسَى ذَنْبُ يقُولُ - وقالَ الحَقَّ والصِّدْقَ – إنَّنِي حَفِيظٌ عَلَيْهُم، مَا على صَادِقٍ عَتْبُ [17] ((الصِّلة))؛ وفيه: ((وعشرة أشهر وتسعة وعشرين يوماً)). وهو يوافق: 15/8/1064من التأريخ النَّصرانيِّ، والله تعالى أعلم. [18] ذكره الحميديُّ في: ((الجذوة))، وقال: من أهل الأدب، أنشدني لنفسه في أبي محمَّد علي بن أحمد؛ على طريقة البستي:.... وذكر الأبيات. |
أدوات الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه للموضوع: الإمام ابن حزم رحمه الله في (سير أعلام النبلاء) للذهبي رحمه الله | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | الأقسام الرئيسية | مشاركات | المشاركة الاخيرة |
الوجيز فى الميراث | معاوية فهمي | موضوعات عامة | 0 | 2019-12-14 03:50 PM |