اختصار كتاب (المنهل العذب النمير في سيرة السراج المنير) الجزء الأخير
حجة الوداع<?xml:namespace prefix = o ns = "urn:schemas-microsoft-com:office:office" /><o:p></o:p> عمراته (ص): اعتمر خاتم الأنبياء (ص) أريع عمر, كلهن في ذي القعدة, إلا عمرته التي مع حجته, عمرة زمن الحديبية, وعمرة من العام المقبل, وعمرة من جعرانة حين قسم غنائم حنين.<o:p></o:p>
وقد مكث رسول الله (ص) تسع سنين لم يحج, ثم أذن في الناس في العاشرة: أن رسول الله (ص) حاج, فصلى رسول الله (ص) بالمدينة الظهر أربعا, ثم صلى العصر بذي الحليفة وهو العقيق ركعتين, ثم بات حتى أصبح, فقال: أتاني الليلة آت من ربي: أن صل في هذا الوادي المبارك, وقل: عمرة في حجة.<o:p></o:p>
ثم انطلق النبي (ص) من المدينة بعد ما ترجل وادهن ولبس إزارة ورداءه هو وأصحابه, ثم ركب راحلته, حتى إذا استوى على البيداء أهل هو وأصحابه بالحج, وذلك لخمس بقين من ذي القعدة.<o:p></o:p>
فأهل رسول الله (ص) بالتوحيد: لبيك اللهم لبيك, لبيك لا شريك لك لبيك, إن الحمد والنعمة لك والملك, لا شريك لك, وأهل الناس بهذا الذي يهلون به, فقال رسول الله (ص): أتاني جبريل عليه السلام, فقال: إن الله يأمرك أن تأمر أصحابك أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية والإهلال.<o:p></o:p>
دخوله (ص) المسجد الحرام:<o:p></o:p> فأتى (ص) باب المسجد فأناخ راحلته, ثم دخل المسجد, فبدأ بالحجر فاستلمه, وفاضت عيناه بالبكاء, ثم قبل عمر بن الخطاب الحجر والتزمه, وقال: رأيت رسول الله (ص) بك حفيا, فقال النبي (ص): لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعيف, إن وجدت خلوة فاستلمه, وإلا فاستقبله فهلل وكبر, فطاف رسول الله (ص) بالبيت مضطبعا وعليه برد, وكان لا يدع أن يستلم الركن اليماني والحجر في كل طوفة, ثم نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السلام, فجعل المقام بينه وبين البيت, ثم رجع إلى الركن فاستلمه.<o:p></o:p>
خروجه (ص) إلى الصفا والمروة:<o:p></o:p> ثم خرج من الباب إلى الصفا, فلما دنا من الصفا قرأ, فبدأ بالصفا فرقى عليه حتى رأى البيت, فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره وقال: لا إله إلا الله وحده, أنجز وعده, ونصر عبده, وهزم الأحزاب وحده, ثم دعا بين ذلك, فقال مثل هذا ثلاث مرات, حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى, حتى إذا صعدتا مشى, حتى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا, حتى كان آخر طوافه على المروة.<o:p></o:p>
دخول العمرة في الحج:<o:p></o:p> ولم يحل رسول الله (ص) من أجل بدنه لأنه قلده, وأمر الناس أن يجعلوها عمرة, وأن يحلوا إلى نسائهم, ففشت في ذلك القالة, فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة, ومن كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة, ثم لا يحل حتى يحل منها جميعا, فأمر الصحابه من لم يكن معه بدنة قلدها أن يقصروا من رؤوسهم ثم يحلوا, ومن كانت معه امرأته فهي له حلال, والطيب والثياب.<o:p></o:p>
فأحل الناس بعدما طافوا بالبيت وبالصفا والمروة, ثم طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم, وأما الذين كانوا جمعوا الحج والعمرة, فإنما طافوا طوافا واحدا, وهم ممن كان معه الهدى.<o:p></o:p>
وكان رسول الله (ص) قد نزل بأعلى مكة, ثم الحجون وهو مهل بالحج, ولم يقرب الكعبة بعد طوافه بها حتى رجع من عرفة, فلما كان يوم التروية: أمر النبي (ص) من أحل أن يحرم إذا توجه إلى منى, فأهلوا من الأبطح, ثم توجهوا إلى منى, وركب رسول الله (ص) فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشا والفجر.<o:p></o:p>
وقوفه (ص) بعرفات:<o:p></o:p> ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس, ثم سار من منى إلى عرفات, فكان يهل المهل منهم فلا ينكر عليه, ويكبر المكبر منهم فلا ينكر عليه.<o:p></o:p>
خطبته (ص) بالناس يوم عرفه:<o:p></o:p> أتى بطن الوادي فخطب الناس, وقال: إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمه يومكم هذا, في شهركم هذا, في بلدكم هذا, ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع, واتقوا الله في النساء, فإنكم أخذتموهن بأمان الله, واستحللتم فروجهن بكلمه الله, ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه, فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح, ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف, وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله, قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت.<o:p></o:p>
نزوله (ص) المزدلفة:<o:p></o:p> فنزل بالمزدلفة فتوضأ فأسبغ الوضوء, ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب, ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله, ثم أقيمت العشاء فصلى, ثم صلى رسول الله (ص) الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة, فقال رسول الله (ص): من شهد معنا هذه الصلاة, وأتى عرفات قبل ذلك ليلا أو نهارا تم حجه, وقضى تفثه.<o:p></o:p>
إتيانة (ص) المشعر الحرام:<o:p></o:p> ثم ركب رسول الله (ص) حتى أتى المشعر الحرام, فاستقبل القبلة فدعاه وكبره وهلله ووحده, وقال: وقفت ههنا بجمع, وجمع كلها موقف, فلم يزل رسول الله (ص) واقفا حتى أسفر جدا, وكان المشركون لا يفيضون حتى تطلع الشمس, ويقولون: أشرق ثبير, وإن النبي (ص) خالفهم: ثم أفاض قبل أن تطلع الشمس.<o:p></o:p>
فلم يزل رسول الله (ص) يلبي حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة, حتى رمى رسول الله (ص) جمرة العقبة من بطن الوادي بسبع حصيات ولم يقف, يكبر مع كل حصاة منها, وهو يقول: يا أيها الناس, لا يقتل بعضكم بعضا, وإذا رميتم الجمرة فارموها بمثل حصى الخذف.<o:p></o:p>
وخطب رسول الله (ص) الناس يوم النحر بمنى على ناقته, قائلا لهم اعبدوا ربكم, وصلوا خمسكم, وصوموا شهركم, وأطيعوا ذا أمركم, تدخلو جنة ربكم.<o:p></o:p>
الرجوع إلى منى أيام التشريق:<o:p></o:p> فمكث بها ليال أيام التشريق, يرمي الجمرة إذا زالت الشمس, كل جمرة بسبع حصيات, يكبر مع كل حصاة, ويقف عند الأولى والثانية, فيطيل القيام ويتضرع, ويرمي الثالثة ولا يقف عندها.<o:p></o:p>
وداع الرسول (ص):<o:p></o:p> وودع رسول الله (ص) الناس, وقال: هذا يوم الحج الأكبر, فقالوا: هذه حجة الوداع, ثم نفر النبي (ص) من منى, ونزل بالمحصب ليكون أسمح لخروجه, وصلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء, وطاف النبي طواف الوداع حول الكعبه على بعيره.<o:p></o:p>
عودته إلى المدينة:<o:p></o:p> ولما بلغ رسول الله (ص) غدير خم, قال للناس: أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ فقالوا: نعم يا رسول الله, فقال: من كنت مولاه, فإن عليا مولاه, اللهم وال من ولاه, وعاد ما عاداه.<o:p></o:p>
مرضه (ص) ووفاته:<o:p></o:p> اعتكافه (ص) آخر رمضان صامه ومقابلته القرآن مع جبريل عليه السلام:<o:p></o:p> وكان النبي (ص) يعتكف في كل رمضان عشرة أيام, فلما كان العام الذي قبض فيه, اعتكف عشرين يوما, وكان جبريل عليه السلام يعارضه القرآن كل عام مرة, وإنه عارضه في العام الذي قبض فيه مرتين.<o:p></o:p>
وقول النبي (ص) في حجة الوداع: لتأخذوا مناسككم, فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه.<o:p></o:p>
مرضه (ص) ودنو أجله:<o:p></o:p> وقد كان رسول الله (ص) يعرض لأصحابه بدنو أجله المحتم, إذ جلس ذات يوم على المنبر, فقال: إن عبدا خيره الله بين أن يؤتيه زهرة الدنيا, وبين ما عنده, فاختار ما عنده, فبكى أبو بكر, وقال: فديناك بآبائنا وأمهاتنا.<o:p></o:p>
زيارته (ص) البقيع قبل وفاته:<o:p></o:p> ولم يقتصر وداع خير البشر لمن حضر, بل شمل بوداعه من مات وغبر, حتى جاء رسول الله (ص) البقيع ليلا, فأطال القيام, ثم رفع يديه ثلاث مرات, وقال/ السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين, وإنا إن شاء الله بكم للاحقون.<o:p></o:p>
اشتداد المرض عليه (ص):<o:p></o:p> فلما ثقل رسول الله (ص) واشتد به وجعه, قال: إني قد اشتكيت, وإني لا أستطيع أن أدور بينكم, فأذن لي فلأكن عند عائشة أو صفية, فأذن له أزواجه يكون حيث شاء, فكان في بيت عائشة رضي الله عنها حتى مات عندها, وقال النبي (ص): ما من مسلم يصيبه أذى أو مرض فما سواه, إلا حط الله سيئاته كما تحط الشجرة ورقها.<o:p></o:p>
بعثة (ص) لأسامة بن زيد رضي الله عنه أميرا للجيش:<o:p></o:p> وأمر عليهم أسامة بن زيد, فطعن الناس في إمارته, فقال النبي (ص): قد بلغني أنكم قلتم في أسامة, وإن تطعنوا في إمارته, فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل, وإن كان خليقا للإمارة, وإن كان لمن أحب الناس إلي.<o:p></o:p>
بكاء الأنصار وآخر مجلس جلسه (ص):<o:p></o:p> وكان عبدالله بن عباس رضي الله عنه يقول: يوم الخميس اشتد برسول الله (ص) وجعه, فقال: ائتوني أكتب لكم كتابا, لن تضلوا بعده أبدا, وفي البيت رجال فتنازعوا, ولا ينبغي عند النبي تنازع, فقال بعضهم: إن رسول الله (ص) قد غلبه الوجع, وعندكم القرآن, حسبنا القرآن, فقال عبدالله ابن عباس رضي الله عنهما إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله (ص) وبين أي يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم.<o:p></o:p>
وصيته (ص) قبل وفاته:<o:p></o:p> وأوصاهم رسول الله (ص) بثلاث, قال: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب, وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم, وسكت عن الثالثة أو قال عبد الله:فنسيتها.<o:p></o:p>
تحذيره (ص) من اتخاذ القبور مساجد:<o:p></o:p> قالعائشة رضي الله عنها: لولا ذلك لأبرز قبره, ولكنه خشي أن يتخذ مسجدا.<o:p></o:p>
حديثة (ص) مع فاطمة رضي الله عنها قبلب وفاته:<o:p></o:p> جاءت فاطمة رضي الله عنها تمشي كأن مشيتها رسول الله (ص) , فقال: مرحبا بابنتي, فأجلسها عن يمينه أو عن شماله, وثقل النبي (ص) وجعل يتغشاه, فقالت فاطمه رضي الله عنها: واكرب أباه! فقال لها النبي (ص): ليش على أبيك كرب بعد اليوم, ثم إنه أسر إليها حديثا, فبكت بكاء شديدا, فلما رأى حزنها سارها الثانية فإذا هي تضحك.<o:p></o:p>
قالت فاطمة رضي الله عنها: إنه كان حدثني أن جبريل كان يعارضه بالقرآن كل عام مرة, وأنه عارضه به في العام مرتين, ولا أراني إلا قد حضر أجلي, إنك أول أهلي لحوقا بي, ونعم السلف أنا لك, فبكيت بكائي الذي رأيت, فلما رأى جزعي سارني الثانية, فقال: ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين؟- فضحكت لذلك.<o:p></o:p>
أمره (ص) أبا بكر رضي الله عنه بالصلاة بالناس:<o:p></o:p> قالت عائشة يا رسول الله إن أبا بكر رجل أسيف, إذا قرأ غلبه البكاء, وإنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس, فلو أمرت عمر؟ فصلى بهم أبو بكر تلك الأيام.<o:p></o:p>
عامة وصيته (ص):<o:p></o:p> قال أنس بن مالك رضي الله عنه: كانت عامة وصية رسول الله (ص) حين حضره الموت: الصلاة, وما ملكت أيمانكم.<o:p></o:p>
وفاته (ص) في حجرة عائشة رضي الله عنها:<o:p></o:p> وكانت عائشة تقول: مات النبي (ص) بين سحري ونحري, وفي دولتي, لم أظلم فيه أحدا, فلم أخرجت نفسه, لم أجد ريحا قط أطيب منها, فمن سفهي وحداثة سني أن النبي (ص) قبض وهو في حجري, ثم وضعت رأسه على وساده, فلا أكره شدة الموت لأحد أبدا بعد النبي (ص).<o:p></o:p>
بيعة أبي بكر رضي الله عنه:<o:p></o:p> قال عمر: فقوموا با يعوه, وقال لأبي بكر يومئذ: اصعد المنبر, فلم يزل به حتى صعد المنبر, فقال عمر: نبايعك أنت, فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله (ص), فأخذ عمر بيده فبايعه, وبايعه الناس عامة.<o:p></o:p>
غسلة (ص) وكفنه:<o:p></o:p> قاموا إلى النبي (ص) فغسلوه وعليه قميصه, يصبون الماء فوق القميص, ويدلكونه بالقميص دون أيديهم, وكفن رسول الله (ص) في ثلاثة أثواب يمانية بيض, ليس فيها قميص ولا عمامة.<o:p></o:p>
دفنه (ص) في موضع فراشة:<o:p></o:p> اختلف المسلمون في المكان الذي يحفر له, فقال قائلون: يدفن في مسجده أو مع أصحابه, فقال أبو بكر: ادفنوه في موضع فراشه, فلما دفن رسول الله (ص) قالت فاطمه رضي الله عنها: يا أنس, أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله (ص) التراب؟!<o:p></o:p>
يوم وفاته (ص) ودفنه:<o:p></o:p> قالت عائشة: توفي النبي (ص) يوم الاثنين, ودفن ليلة الأربعاء.<o:p></o:p>
سنة (ص) يوم توفي:<o:p></o:p> وتوفي رسول الله (ص) وهو ابن ثلاث وستين, وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء.<o:p></o:p>
توفي ودرعه مرهون عند يهودي, بثلاثين صاعا من شعير, مات وما ترد دينار ولا درهما ولا عبدا ولا أمة, إلا بغلته البيضاء التي كان يركبها, وسلاحه, وأرضا جعلها لابن السبيل صدقه, وكا ن رسول الله (ص) يقول: لا يقتسم ورثتي دينارا, ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي, فهو صدقه.<o:p></o:p>
قال رسول الله (ص): إن من أفضل أيامكم: يوم الجمعة, فيه خلق آدم, وفيه قبض, وفيه النفخة, وفيه الصعقة, فأكثروا علي من الصلاة فيه, فإن صلاتكم معروضة علي, فقالوا: يا رسول الله, وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟<o:p></o:p>
فقال رسول الله (ص): إن الله عز وجل حرم على الأرض أجساد الأنبياء.<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
|