#1
|
|||
|
|||
الخوف من الله
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . وبعد ،،، إن الخوف من الله تعالى هو من أعظم العبادات القلبية ، والعبادات كلها قلبيةً كانت أو بدنية لله عز وجل ، لا يجوز صرفُ شيءٍ منها لغيره سبحانه وتعالى ، فلا يكون من المسلم عبودية بقلبه أو بلسانه أو بجوارحه إلا لربه وخالقه وسيده ومولاه تبارك وتعالى ، الذي خلقه وأوجده وتفضل عليه بأنواع النعم وصنوف المنن ، هو وحده تبارك وتعالى الذي تكون له العبودية . <?xml:namespace prefix = o ns = "urn:schemas-microsoft-com:office:office" /><o:p></o:p> والخوف عبودية قلبية كما قال الإمام أحمد رحمه الله . فالقلب من أنواع عبوديته وتذلـله لله جل وعلا خوفه من الله . <o:p></o:p> وهذا الخوف والخشية منه سبحانه وتعالى أساس لكل خير ؛ لأن من خاف الله تبارك وتعالى أطاعه، وأقبل عليه، وفرَّ إليه ، فكلُ شيءٍ إذا خيف منه فرَّ منه إلا الله جل وعلا ، إذا خافه العبدُ فرَّ إليه ، وكلما عظم خوفُ العبد من الله عظم فرارُه وإقبالُه إلى ربه سبحانه وتعالى . بخلاف الخوف من المخلوقات ، فإن من خاف شيئاً فر منه، أما الخوف من الله تبارك وتعالى فبه الفرار إلى الله؛ ولهذا قيل: من كان بالله أعرف، كان منه أخوف، ولعبادته أطلب، وعن معصيته أبعد فكلما عظم الخوفُ من الله سبحانه وتعالى ، عظم الإقبال عليه جل وعلا .<o:p></o:p> ولهذا كان الخوفُ مطلوباً من العبد في كل طاعة، مطلوباً في صلاته، وفي صومه، وفي صدقته وفي جميع عباداته . <o:p></o:p> ومن المعلوم أن هناك ثلاثة أركان قلبية لكل عبادة ؛ وهي المحبة والرجاء والخوف ، بمعنى أنه في كل عبادة تتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى لابد أن تكون قائمة على هذه الأركان الثلاثة ، فنعبد الله حباً فيه ورجاءً لثوابه وخوفاً من عقابه ، وهذا يكون منا في كل طاعة . وقد جمعها الله سبحانه وتعالى في قوله {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذوراً}. <o:p></o:p> والخوف يقود العبدَ إلى اجتناب المحارم ، ويقوده إلى الإحسان في الطاعات ، فهو يحسن في طاعته وعبادته وتقربه إلى الله وهو خائف ، يجتنب المحارم خوفاً من سخط الله ، ويفعل الطاعات أيضاً وهو خائف ، يحسن فيها ويتقنها وهو يخاف أن تُرد لنقص أو تقصير أو خلل أو رياء أو سمعة أو نحو ذلك . <o:p></o:p> يخاف أيضاً لأن المسلم يعلم أن قلوب العباد بيد الله تبارك وتعالى يقلبها كيف يشاء فما شاء أقامه منها وما شاء أزاغه ، يهدي من يشاء ويضل من يشاء ، فيخاف العبد أن يتقلب قلبه ويخاف أن يُفتن .<o:p></o:p> وهذا الخوف من تمام الإيمان وكماله ، وكلما قوي الإيمان قوي الخوف ، وإذا ضعف الإيمان ضعف الخوف من الله جل وعلا ؛ ولهذا يقول عبد الله بن أبي مليكة وهو أحد التابعين " أدركت أكثر من ثلاثين صحابياً كلهم يخاف النفاق على نفسه " .<o:p></o:p> فهم مع الإحسان في العبادة وكمال الطاعة وحسن المراقبة لله والجد في طاعته، فهم مع هذا كله في قلوبهم خوف؛ ولهذا يقول الحسن البصري رحمه الله " إن المؤمن جمع بين إحسان ومخافة والمنافق جمع بين إساءة وأمن ".<o:p></o:p> قال تعالى في مدحه وثناءه على المؤمنين {إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون} ، إلى أن قال {والذين يؤتون ماءاتوا وقلوبهم وجلة}؛ أي خائفة . تقول عائشة رضي الله عنه (كما في المسند وغيره بسند ثابت ) تقول : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معنى هذه الآية ؛ قلت له: أهو الرجل يزني ويسرق ويقتل ويخاف أن يُعذَّب؟ قال " لا يا ابنة الصديق، ولكنه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف ألا يُقبل ". <o:p></o:p> إذاً الخوف ينبغي أن يكون مع المسلم في كل طاعة، يكون معه هذا الخوف ليكون سبباً في كمال الطاعة والعبادة وتمام المراقبة. <o:p></o:p> وأيضاً يكون معه الخوف في جانب المعاصي والبعد عنها ، فيبتعد عن المعاصي والمحرمات والآثام لأنه خائف من الله ، يحجزه عن الوقوع في المعصية خوفه من الله. والقصة المعروفة عن الثلاثة الذين أُطبقت عليهم الصخرة ، كان أحدهم شديد الولع بابنة عمه ، وكانت فقيرة ، وتتردد عليه تطلب منه المساعدة والعون ، فقال لها لا أساعدك بشيء حتى تمكنيني من نفسك ، فكانت تأبى ، ثم رضخت له في طلبه أمام حاجتها، فلما تمكن من شعبها الأربع قالت له " إتق الله ، ولا تفض الخاتم إلا بحقه " فقام الرجل . <o:p></o:p> فالتذكير بالله والتخويف منه يمنع الإنسان من الوقوع في المعصية ، يقول بن رجب رحمه الله في كتابه شرح كلمة الإخلاص : " راود إعرابيٌ إعرابيةً في الصحراء عن نفسها ، وقال لها نحن في مكان لا يرانا إلا الكواكب ، فقالت المرأة : وأين مكوكبها؟! " فذكرته بالله . <o:p></o:p> ولهذا إذا تذكر الإنسانُ اللهَ وعظمته وقدرته وكماله واطلاعه وعلمه سبحانه وتعالى بالكائنات ، وشدة بطشه وانتقامه وعقوبته وسخطه وغضبه ولعنته . فكل هذه الأمور إذا تذكرها العبد فإنها تقوي الخوف في قلبه ، وتمنعه من الوقوع في المعصية . <o:p></o:p> أحد الناس أراد أن يعصي فأتى عالماً يسترشده ؛ قال له أريد أن أفعل كذا وكذا من المعاصي ، قال له العالم : لا بأس ، ولكن اذهب في مكان لا يراك الله فيه . قال لا يمكن ، قال له العالم : إذهب وافعل المعصية ولكن لا تستعمل أي نعمة من نعم الله عليك في معصية الله ، فقال له لا يمكن ، فأخذ العالم يعدد له أشياء ، ويعرفه بالله ، ثم قال له : تعصي الله بنعمة الله والله يراك .. وعدد له أموراً من هذا القبيل ، فامتنع الرجل . <o:p></o:p> إذاً تذكر الله ، وتذكر عظمته واطلاعه ورؤيته سبحانه وتعالى وعلمه ، وأنه سبحانه وتعالى أحاط بكل شيء علماً ، وأحصى كل شيءٍ عدداً ، يعلم ما كان وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف يكون ، يسمع تبارك وتعالى جميع الأصوات على اختلاف اللغات وتفنن الحاجات وتنوع الرغبات ، لو أن الناس كلهم وبلغاتهم الشتى تكلموا في لحظة واحدة لسمع الجميع دون أن تختلط عليه لغة بلغة ، أو حاجة بحاجة أو مطلب بمطلب ، لو أنهم كلهم تكلموا لسمعهم ، تقول عائشة رضي الله عنها " سبحان الذي وسع سمعه الأصوات " ، وفي الحديث القدسي يقول الله تعالى " ياعبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك من ملكي شيئاً إلا كما ينقص المخيط إذا غمس في اليم " . <o:p></o:p> فهو تبارك وتعالى يسمع، وهو تبارك وتعالى بصير يرى جميع المخلوقات، يرى سبحانه وتعالى من فوق سبع سماوات دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء ، ويرى سبحانه وتعالى جريان الدم في عروقها ، ويرى كل جزء من أجزاءها سبحانه وتعالى . <o:p></o:p> فإذا تذكر الإنسان هذه المعاني عمرت قلبه بخوف الله ؛ ولهذا قال تبارك وتعالى { إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ }، فكلما ازدادت معرفة الإنسان بربه زاد خوفه منه ، وزاد تعظيمه له ، وعظمت عبادتُه ورغبتُه ورهبتُه بحسب المعرفة ، والمعرفة الصحيحة تولد في القلب المحبة والرجاء والخوف ، وهذه الثلاثة عليها تقوم العبادات ؛ فالعبادات يفعلها المسلم حباً لله ، ورجاءً لثوابه ، وخوفاً من عقابه سبحانه وتعالى . <o:p></o:p> الخوف عبادة قلبية لا يجوز أن تصرف إلا لله ، ومن صرفها لغيره فقد أشرك ، واتخذ مع الله تبارك وتعالى شريكاً . <o:p></o:p> والمراد بالخوف الذي هو عبادة هو خوف الذل والخضوع ، الخوف الذي يقتضي الإقبال على الطاعة والبعد عن المعصية ، خوف السر ، خوف تغير القلب ، خوف الضلال ، خوف ألا تُقبل العبادة ، الخوف الذي يقود لفعل الطاعة ، خوف العبد من الدخول في النار ، خوفه الحرمان من دخول الجنة ، خوفه من تغير قلبه ، خوفه من الزيغ . فالخوف عبادة لا تكون إلا للرب جل وعلا ، وهي حق خالص له سبحانه وتعالى ، ومن صرفها لغيره فقد أشرك . <o:p></o:p> أما الخوف الطبيعي فهو غير داخل هنا ، كخوف الإنسان من السبع أو الحية ، وكذلك لا يُذم عليه العبد ولا يُلام عليه ؛ قال تبارك وتعالى عن موسى عليه السلام {فخرج منها خائفاً يترقب}، وجاء في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا خاف من عدو قال " اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم " .<o:p></o:p> ولكن يُذم عن هذا النوع من الخوف إذا خرج عن حده ، وأصبح نوع من الوهم ، ونوع من المرض ، وشيء من التخيلات ؛ فبعض الناس يزيد به الخوف الطبيعي إلى أن يصل إلى درجة الوسواس ، وتجده دائماً يشعر بخوف بدون مقتض وبدون موجب ، خائف من عدو لا وجود له ، خائف من أشياء لا وجود لها إلا في خياله ، فهذا مرض قد يصيب بعض الناس ووهم ربما يرتقي بالإنسان إلى أن يضر بدينه وعبادته ، ولا سيما إذا سيطر على قلب الإنسان قد يوقعه في الشرك بالله سبحانه وتعالى . <o:p></o:p> وهذا المرض الذي يكون سبباً في ارتقاء الخوف الطبيعي إلى درجة لا تُحمد بل تُذم ينشأ من ضعف الإيمان ورقة الدين ، أما مع قوة الإيمان وصلاحه يستقيم أمر الإنسان في خوفه ويكون معتدلاً .<o:p></o:p> أيضاً من الخوف المحرم الذي يُذم عليه الإنسان (وهو من الشرك الأصغر) الخوف الذي يحجز الإنسان من فعل طاعة أو قربة لله سبحانه وتعالى ، فيدعها خوفاً من الناس . اللهم وفقنا لتحقيق توحيدك، واجعلنا من الذين يدعونك رغباً ورهباً، وجعلنا لديك من الخاشعين ... وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين |
#2
|
||||
|
||||
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
__________________
|
أدوات الموضوع | |
|
|