#1
|
||||
|
||||
عام الحزن .
حتى تهاوى الحصار أمام ذلك الإيمان الصادق والمجاهدة الباسلة , وآن للنبي صلى الله عليه وسلم أن يعود إلى بيته في جيرة الحرم المكي , مع زوجه المؤمنة الصابرة التي بذلت له في المحنة ما أبقى لها الزمن من طاقة , في عامها الخامس والستين . بعد نحو ستة أشهر من انهيار الحصار مات العم " أبو طالب بن عبد المطلب بن هاشم " وقد كان لابن أخيه صلى الله عليه وسلم أبا صديقا وكافلا وحاميا , ومانعا له من طواغيت قريش قومه . ولم تشهد رضي الله عنها مأتمه . كانت في فراشها تودع الدنيا , وزوجها عليه الصلاة والسلام إلى جانبها يرعاها ويؤنس وحشة احتضارها ببشرى ما لها عند الرفيق الأعلى , ويتزود منها لفراق لا لقاء بعده في هذه الدنيا , ثم أسلمت الروح بعد ثلاثة أيام , بين يدي الزوج الذي تفانت في حبه منذ لقيته , والنبي الذي صدقته وآمنت برسالته من فجر ليلة القدر وجاهدت معه حتى الرمق الأخير من حياتها وكانت له سكنا وأنسا وملاذا إلى أن رجعت نفسها المطمئنة إلى ربها راضية مرضية ودفنها صلى الله عليه وسلم بالحجون . كانت وفاته رضي الله عنها قبل الهجرة بثلاث سنين على الصحيح (1) . وتلفت محمد صلى الله عليه وسلم حوله فإذا الدار من بعدها موحشة خلاء وإذا مكة تنبو به بعد رحيلها فليس له على أرضها مكان ... قال " أبن اسحق " : " فتتابعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المصائب بهلك خديجة وكانت له وزير صدق على الإسلام (2) . (1) ابن اسحاق في رواية يونس بن بكير عيون الأثر 1/ 130 والإصابة 8/ 82 والمحبر لابن حبيب 11 (2) السيرة 2/ 57 ـ تاريخ الطبري : 2/ 229 , عيون الأثر 1/ 130 وبلغت متاعبه صلى الله عليه وسلم أقسى مداها في عام موت " خديجة " الذي سمي عام الحزن وخيل إلى أعدائه المشركين أن الظلمات تكاثفت حوله فما عاد يبدو على الأفق شعاع من ضياء وكذبتهم أمانيهم فظنوا أن الظفر به جد قريب , وما دروا أن الظلمة تبلغ ذروتها قبيل الفجر ... ذلك أن خديجة لم تمض إلا وأمين الوحي يرعى النبي صلى الله عليه وسلم غاديا رائحا . يزود عنه اليأس والإعياء والسابقون الأولون من المؤمنين يحيطون بنبيهم مستبسلين يفتدونه بالمهج والأرواح ويرون الاستشهاد في سبيل دعوته مجدا وانتصارا ... لم تمت خديجة إلا والدعوة قد ذاعت وجاوزت مكة إلى أطراف الحجاز ثم إلى ما وراءها من بلاد العرب وحملها فئة من صحابته عبر البيد والبحار إلى الحبشة مهاجرين بدينهم متخلين عن ديارهم وأهليهم عائضين على الدنيا مشهدا رائعا فريدا من مشاهد الإيمان الباذل الصابر مالئين الأسماع والقلوب بحديث مثير عن شرف الجهاد ومجد التضحية وبطولة الاستشهاد . لم تمت خديجة إلا وفي الموسم بمكة رجال من يثرب لن يلبثوا أن يبايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم ويعودوا فيعبئوا المدينة كلها لنصرته , وأقصى أمانيهم أن يخوض بهم المعركة المقدسة ليظفروا بإحدى الحسنييين , النصر على أعداء الله , أو الاستشهاد في سبيله ... مأخوذ من كتاب نساءُ النبيّ صَلى الله عَليْه وَسَلمَ. الدكتورة عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ. |
أدوات الموضوع | |
|
|