#1
|
||||
|
||||
الأوس والخزرج .
الحمد لله الذي تقدست عن الأشباه ذاته، ودلت على وجوده آياته ومخلوقاته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق فسوى، وقدر فهدى، وأخرج المرعى، فجعله غثاء أحوى، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فهذا هو اللقاء الرابع من المنتدى العلمي المسمى ببرنامج ((مجمع البحرين)) . وقد سبقت الإشارة في الحلقات السابقة إلى أن البرنامج يعنى بأعلام ثنائية إذا ذكر أحدهما استدعى الآخر ندرس ذلك العلمين دراسة نرجوا من الله - جل وعلا - أن نوفق في أن نجعلها ذات صبغة عقدية وإيمانية وفقهية وتاريخية وثقافية وما إلى ذلك من الجوانب المتعددة والنواحي المختلفة والعلمان اللذان نحن بصدد دراستهما الليلة هما ((الأوس والخزرج)) وكثيرا ماردد أصحاب الصحوة وشبابها قول الشاعر: فإن عرفت التاريخ أوساً وخزرجاً *** فالله أوس قادمون وخزرج فالأوس والخزرج هما: أبناء قيله، هذا اسم أمهما، واسم أبو الأوس: الأوس بن حارثه والخزرج ابن حارثه، فالأوس والخزرج يجتمعان في أب واحد هو: حارثة ابن عقل، ويجتمعان في أم واحده هي قيله، ولذلك أحيانا ينادون بأبناء قيله، وقد ورد هذا النداء في عدة نواحي في تاريخنا وتراثنا، فقد جاء في حادثة الهجرة النبوية: أن اليهودي الذي كان يقف على أطم من آطام المدينة لما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه قادمين إلى المدينة نادى بأعلى صوته: " يا أبناء قيله هذا جدكم أي حظكم الذي تنتظرون " فهذا مما ورد في تسميتهما بذلك. ـ كما ورد كذلك في صحيح السنة: فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما جاءه عامر بن الطفيل، وعرض عليه النبي - عليه الصلاة والسلام - الإيمان فأبي وأراد الأمر بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأبى عليه النبي ذلك، قال: أي عامر يهدد ويتوعد النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأملنها عليك أي المدينة خيلا جردا وشبابا مردا أو فتيانا مردا فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - يرد عليه قال: (يأبى الله ذلك وأبناء قيله) يأبى الله ذلك وأبناء قيله أي: الأوس والخزرج، هذا هو اسمهما لكن الله - جل وعلا - أبدلهما باسم خيرا منه ألا وهو الأنصار، وقد جاء هذا بنص القرآن قال الله - جل وعلا - وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وهذه من بيانية مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ أي: سابقون أولون من المهاجرين، وسابقون أولون من الأنصار وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ فأبدل الله ذلك الاسم بقوله - جل وعلا - الأَنصَارِ فبهذا الاسم عرفوا في الكتاب، وعرفوا في السنة، وعرفوا في التاريخ الإسلامي كله. ـ وقد جاء في فضلهم أمور عديدة وأحاديث كثيرة منها قول النبي - عليه الصلاة والسلام -: (لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار) وأخبر عنهم كما في حديث البراء عند البخاري وغيره قال - عليه الصلاة والسلام -: (لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق)، وكان كثيرا ما يدعوا لهم، ومما أثر من دعائه - صلى الله عليه وسلم - لهم قوله: (اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار). أصلهم: من اليمن، نزحوا إلى المدينة بعد حادثة انهيار سد مأرب المعروفة، بعد أن تفرق أهل اليمن أيادي سبأ، ولعلهم من ذلك ورثوا الرقة التي في قلوبهم، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لما جاءه أهل اليمن قال: (أتاكم أهل اليمن أرق أفئدة وألين قلوبا الإيمان يمانٍ والحكمة يمانية)، الذي يعنينا هنا أن الأوس والخزرج هذا هو السبب التاريخي في نزوحهم وسكناهم في مدينته - صلى الله عليه وسلم - التي كانت تسمى يثرب. هؤلاء القوم أعظم ما يتميزوا به من حيث الإجمال: - نصرتهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فالله - جل وعلا - اختار المدينة أن تكون مهاجرا، ومأوى، ومثوى لنبينا - صلى الله عليه وسلم - وهم - رضي الله عنهم - وأرضاهم ءامنوا قبل أن يهاجر النبي - عليه الصلاة والسلام - إليهم آمن جم غفير منهم قبل أن يهاجر النبي - صلى الله عليه وسلم – إليهم، ثم أذن الله لنبيه - عليه السلام - ولأصحابه معه أن يهاجروا إلى المدينة، فهاجروا إليها في قصة معروفة. هؤلاء الكرام، والصفوة العظام خصهم الله - جل وعلا - بخصائص بها، نصروا الدين، وهذا هو الغاية من هذا الدرس ليس الغاية السرد التاريخي فقط. ـ فأول ما امتازوا به أولئك الأخيار: رقة قلوبهم، رقة القلب: لينه وإيمانه وخشوعه وخضوعه عند ذكر الله - جل وعلا - وهذا من أعظم ما كان يميز أولئك الأنصار، يقول العرباض بن سارية " وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون " في غزوة حنين وقع في قلوبهم شيء؛ لأن النبي - عليه الصلاة والسلام - منح غيرهم، ولم يمنحهم، فلما جمعهم النبي - عليه الصلاة والسلام - قال لهم في آخر خطبته يستدر ما في قلوبهم من الرقة والإيمان والمحبة لله ولرسوله، قال لهم -صلوات الله وسلامه عليه-: (يا معشر الأنصار: أما ترضون أن يعود النساء بالشاه والبعير، وتعودون لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى رحالكم) فبكى القوم حتى بللوا لحاهم - رضي الله عنهم - وأرضاهم. يتبع... |
#2
|
||||
|
||||
لكن ينبغي أن يعلم أنه: لا تعارض مابين رقة القلب، والحزم، والشجاعة، كما سيأتي، وأخذ الأمور في نصابها، فلا تعارض بين هذين أبدا، إنما رقة القلب، أمر يجده الإنسان عند ذكر الله عند ذكر رسوله - صلى الله عليه وسلم - وليس كما يفهمه البعض اليوم جهلا أن رقة القلب دلالة على ضعف الشخصية، هذا من تلبيس إبليس على الناس، والمؤمن يفرق في الحالة التي يخاطب فيها الله ويناجي فيها ربه، ويقرأ فيها القرآن، ويتذكر فيها السنة، والحالة الأخرى في عمله ووظيفته، وبين أهله، وقيادته للجيوش، وقيامه بالإمارة، وشأن ذلك مما يوكل الإنسان إليه، هذا أعظم ما ميز الله - جل وعلا - به أولئك الأنصار.
ـ كما ميزهم- تبارك وتعالى -بالسخاء وقد أثنى الله عليهم بهذه الصفة بنص كتابه قال الله - جل وعلا - بعد أن ذكر الفقراء المهاجرين قال: والَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ أي من قبل المهاجرينوالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر: 9] هؤلاء الأخيار هاجر إليهم المهاجرون وقدموا إليهم في مدينتهم فاقتسموا المدينة والطعام والشراب والزرع والثمار معهم - رضي الله عنهم - وأرضاهم وتلك منقبة لهم يقول - صلى الله عليه وسلم - يبين فضلهم: (أدوا الذي لهم) أي الأنصار (وبقي الذي عليهم) رضوان الله - تعالى -عليهم ومع ذلك لم يعطوا حقهم قدرا بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا أمر ألمح النبي - عليه الصلاة والسلام – إليه، وقد قال للأنصار قبل أن يموت: (إنكم ستجدون أثرة بعدي فاصبروا حتى تلقوني على الحوض) وكان ذلك الأمر وقع كما أخبر به نبينا - صلى الله عليه وسلم - في الدنيا وبقيت الآخرة أن النبي - عليه الصلاة والسلام - فرطهم وسابقهم إلى الحوض -صلوات الله وسلامه عليه-. هذا السخاء: يذكر المؤرخون: أن تبع الملك اليمني المعروف لما جال في الديار والأمصار والأقطار يغدوا، مر على المدينة، وكان آنذاك اسمها يثرب، فجعل عليها ابنا من أبنائه، ثم إنه غادرها، فلما غادرها، قام هذا الابن الذي هو لتبع فرقى نخلة لأحد سكان المدينة آنذاك، فلما ارتقاها أخذ الثمرة الذي فيها، فجاء صاحب النخلة المدني أصلا فقتله وقال المثل المشهور " إنما الثمر لمن أبر "، فلما قتله بلغ تبع مقتل ابنه، أتى وحاصر المدينة، فأخذ يقتتل مع أهل المدينة نهارا، فإذا جاء الليل تسكن الحروب آنذاك على عادة الناس وأعرافهم في ذلك الزمان؛ لأنه لا ضوء من خلاله يتقاتلون، فكان أهل المدينة يبعثون له بالطعام في الليل، فيقاتلونه في النهار فكان يقول أي تبع: " عجبت لأهل هذه القرية يحاربونني نهارا ويطعمونني ليلا "، ثم كأنه حس أن في الأمر شيئا فاستشار اثنين من الرهبان كانا معه لهما علم فقالوا له: " إنه لا سبيل إلى تلك القرية إلى هذه المدينة لا سبيل لك إليها فإنها مهاجر نبي يكون في أخر الزمان " قال: ما تشيرون علي؟ فأشارا عليه أن يبني فيها دارا فبنى فيها دارا مازالت هذه الدار يتوارثها أهلها تباع تشترى تورث حتى وصلت إلى أبي أيوب الأنصاري رضي الله - تعالى -عنه وأرضاه وهي الدار التي سكنها نبينا - صلى الله عليه وسلم - أول هجرته، بعد أن نزل في دار أبي أيوب قبل أن يتخذ - صلى الله عليه وسلم - ويبني مسجده، ويبني دوره وحجرات أمهات المؤمنين حول مسجده. الذي يعنينا في هذا المقام أن: من أعظم دلائل الكرم، والفضل، وعلو الهمة وقرب العبد من الناس وهذا أمر محمود، والإنسان لا يمكن أن يطالب الناس بأن يعطوه دون أن يعطوا، فإذا كان الإنسان شحيحا بخيلا لا يمكن أن يكون ذا سيادة قال - عليه الصلاة والسلام - للأنصار: ( من سيدكم؟ ) قالوا: الجد بن قيس على بخل فيه. فقال: (وأي داء أدوء من البخل هو ليس بسيدكم ولا يكون البخيل سيدا أبدا ولا يكون السيد بخيلا أبدا). يقول المتنبي: لولا المشقة ساد الناس كلهم *** الجود يفقر والإقدام قتال من أعظم أسباب السيادة في الخلق أن يكون الإنسان سخيا يجاهد في ماله في معروفه في بدنه في كل ما يقدر عليه هذا الذي يوطن الإنسان في مجتمعه ومكانته لكن إذا صاحب ذلك السخاء رغبة فيما عند الله والدار الآخرة رغبة فيما عند الله من الجنان وخوفا من النار كان ذلك أبر وأفضل وهو الذي كان عليه الأنصار يوم أن نعتهم الله - جل وعلا - بقوله: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً *ِ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً. ـ مما امتاز به أولئك الأخيار شجاعتهم وقلنا سلفا إنه لا تناقض مابين رقة القلب ومابين الشجاعة، الأنصار هم الذين خرجوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر وأخذ النبي - عليه الصلاة والسلام - يستثير الهمم ويستشير الناس، ويجيبه أبو بكر، ثم عمر وهو - عليه الصلاة والسلام - يكرر خطابه الأول) أشيروا علي أيها الناس) ففقهه الأنصار أنه يعنيهم فقام سعد بن معاذ وقام غيره كالمقداد وغيرهم يخبرون عن شجاعتهم ويقول لنبينا - صلى الله عليه وسلم -: (لو خضت بنا برك الغماد لذهبنا معك) وهذا كناية عن نهاية المعمورة وأحدهم يقول: (لو خضت بنا هذا البحر) وأحدهم يقول: (إنا لا نقول لك كما قال أصحاب موسى لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون). ومن دلائل شجاعتهم ذلك التصرف الفردي إذا كان هذا تصرف جماعي كذلك التصرف الفردي من أبي دجانة - رضي الله عنه - وأرضاه يوم أخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - سيفه يوم أحد وقال " (من يأخذ هذا السيف بحقه) قالوا: وماحقه يا رسول الله؟ قال: (أن يفعل به كذا وكذا أي أن يكسر في يد صاحبه) فجاء أبو دجانة - رضي الله عنه - وأخذه وكان يلبس عصابة حمراء فمشى يختال بين الصفوف وقال صلوات الله وسلامه عليه: (والله إنها لمشية يبغضها الله ورسوله إلا في هذا الموطن)، وحدث في المعركة أن أبا دجانة كان يدرء بذلك السيف كل من يقاتله فيقتله حتى سمع صوتا رأى خيالا فهم أن يضرب به السيف فلما هم بأن يضرب بسيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا بالمضروب يحدث صوتا فعلم أنها امرأة فأوقف سيفه وقال " أكرمت سيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أضرب به امرأة ". ـ مما امتاز به أولئك القوم الصلاح والتقوى جملة ومن أعظم من اشتهر منهم بالصلاح والتقوى سعد بن معاذ رضي الله - تعالى -عنه وأرضاه سيد الأوس وهو الذي دفنه النبي - صلى الله عليه وسلم - وشهد جنازته ونزل سبعون ألف ملك من السماء يشيعونه رضوان الله - تعالى -عليه وأرضاه ولقد ذكر الذهبي - رحمه الله - في " الأعلام " وذكره غيره أنه - عليه الصلاة والسلام - لما ذهب بسعد إلى البقيع، وكان أصحاب سعد وأهله يباشرون دفنه، تغير وجهه - عليه الصلاة والسلام -، ثم ما لبث أن كبر فكبر معه أهل البقيع ثم قال صلوات الله وسلامه عليه: (إن للقبر ضمة لو نجى منها أحد لنجى منها سعد بن معاذ) وفي رواية (لنجى منها هذا العبد الصالح) فهذه شهادة من نبي الأمة ورأس الملة -صلوات الله وسلامه عليه- لسعد لأنه كان عبدا صالحا وإنما ذكرناه أنموذجا وإلا كلهم صالحون - رضي الله عنهم - وأرضاهم إلا أنهم يتفاوتون في الصلاح. ـ مما نصر به أولئك الأخيار نبينا - صلى الله عليه وسلم - البيان وقد كان الأنصار ذا بيان أوساً وخزرجاً وممن اشتهر منهم كعب بن مالك وعبد الله ابن رواحه - رضي الله عنهم - لكن الذي برع في البيان الشعري على وجه الخصوص منهم حسان بن ثابت وهو من الخزرج - رضي الله عنه - وأرضاه، وحسان أدرك الإسلام يوم دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة كان سن حسان آنذاك ستين عاماً وقد عمر حتى بلغ مائة وعشرين سنة فعاش ستين سنة في الجاهلية وستين سنة في الإسلام كان يفد على الغساسنة والمناذرة في الجاهلية وهو القائل يمدحهم أي الغساسنة: لله در عصابة نادمتهم *** يوم بجلق في الزمان الأول أولاد جفنة حول قبر أبيهم *** قبر ابن مارية الكريم المفضل يغشون حتى ماتهر كلابهم *** لا يسألون عن السواد المقبل بيض الوجوه كريمة أحسابهم *** شم الأنوف من الطراز الأول فلما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة آمن حسان ونصر الإسلام والرسول بشعره ومما قاله في مدح نبينا - صلى الله عليه وسلم -: عدمنا خيلنا إن لم تروها *** تثير النقع موعدها كداء ثم أخذ يقول فيمن يهجوا النبي - صلى الله عليه وسلم -: أتهجوه ولست له بكفء *** فشركما لخيركما الفداء فإن أبي ووالده وعرضي ***لعرض محمد منكم وقاء وجبريل أمين الله فينا ***وروح القدس ليس له كفاء في همزيةٍ شهيرة كان يذود بها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ويقولون إنه استأذن النبي - عليه الصلاة والسلام - أن يرد على القرشيين فقال - عليه الصلاة والسلام -: (كيف تهجوهم وأنا منهم) فقال حسان - رضي الله عنه - يارسول الله: " والله لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين " فأشار عليه النبي - عليه السلام - أن يذهب إلى أبي بكر لعلمه بأنساب قريش حتى يبين له أنساب القرشيين حتى لا يقع هجائه هجاء لنبينا صلوات الله وسلامه عليه. وبقي حسان وفيا لنبينا - عليه الصلاة والسلام - حتى بعد وفاته فلما مات النبي - عليه الصلاة والسلام - وارتجت المدينة وأظلم منها كل شيء وأنكر الناس قلوبهم قال حسان يرثي النبي - عليه الصلاة والسلام -: بطيبة رسم للنبي ومعهد *** منير وهل تعف الرسوم وتحمد بها حجرات كان ينزل وسطها *** من الله نور يستضاء ويوقد معالم لم تطمس على العهد آيها *** أتاها البلى فالآي منها تجدد عرفت بها رسم الرسول وصحبه *** وقبرا به واراه في الترب ملحد فبوركت ياقبر الرسول وبوركت *** بلاد ثوى فيها الرشيد المسدد وما فقد الماضون مثل محمد *** ولا مثله حتى القيامة يفقد صلوات الله وسلامه عليه. كما برع حسان في الشعر برع ثابت بن قيس - رضي الله تعالى عنه- في النقد فكان يعرف بخطيب النبي - صلى الله عليه وسلم - ولما قدمت بعض وفود العرب في عام الوفود في العام التاسع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فمن أولئك الوفود من أراد أن يباعث النبي - عليه الصلاة والسلام - في الشعر والنثر فقالوا: " أخرج إلينا شاعرك وأخرج إلينا خطيبك " فاستدعى النبي - صلى الله عليه وسلم - حسانا واستدعى ثابت بن قيس فكان ثابت - رضي الله عنه - وأرضاه فصيحا بليغا فقام يخطب فلما فرغ حسان وفرغ ثابت قال أولئك الوفد قالوا: " أيها الناس إن هذا الرجل لمنصور والله إن شاعره لأفضل من شاعرنا وإن خطيبه لأفضل من خطيبنا ". هؤلاء هم أنصار رسول الله صلوات الله وسلامه عليه جملة وقد قلنا إن النبي - عليه الصلاة والسلام - أخبر أنهم سيجدون أثرة بعده وقد كان وواعدهم النبي - عليه الصلاة والسلام - الحوض. على هذا نقول يحسن بالمؤمن: أن يحب أولئك القوم كلما ذكروا وأن يذكرهم بخير وأن يثني على صنائعهم وأن ينشرها بين الناس ولو أحب أهل المدينة جملة من هذا الباب لكان موفقاً مسدداً بأنهم جيران نبينا - صلى الله عليه وسلم -. وهؤلاء الأنصار كان النبي - عليه الصلاة والسلام - يأتيهم في دورهم إكراما لهم فقد أتى بني عبد الأشهل وهم قوم من الخزرج وصلى بهم - صلى الله عليه وسلم - المغرب فلما صلى المغرب انفرق الناس يؤدون ركعتين المغرب فقال - عليه الصلاة والسلام - معلماً لهم: (هذه صلاة البيوت) أي أن ركعتي المغرب الأصل فيها أن تكون في البيوت. وزار غيرهم يتفقد أحوالهم وكان حتى صبيانهم يداعبهم - عليه الصلاة والسلام - وهو القائل لأحدهم: (ما فعل النغير يا أبا عمير) فالمخاطب بهذا الحديث صبي صغير من الأنصار ولكن النبي - عليه الصلاة والسلام - يكنيه ثم يداعبه ويمازحه ويسأله عن طيره الذي يؤويه وحمامه الذي يربيه وهذا كله من محبته - عليه الصلاة والسلام - إلى أولئك القوم حتى ورد أنه - عليه السلام - لما دخل المدينة في أول الأمر وابتدروا يكرمونه ويعظمونه ويقولون: " يا رسول الله هلم إلى العدد والعدة هلم إلى العز والمنعة " نظر - عليه الصلاة والسلام - إلى جواري من بني النجار يضربن بالدف ويقلن: يا حبذا محمدا من جار *** نحن جواري من بني النجار فقال - صلى الله عليه وسلم - وقد التفت إليهن (أتحببنني) قلن: " نعم يا رسول الله " قال (وأنا والله أحبكن). فهؤلاء هم أنصار رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ونحن مطالبون بأن نقتفي آثار الأخيار ومسالك الأبرار فيجب أن ننصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن نعلم أنه عليه الصلاة السلام ميت وروحه في الملأ الأعلى و المحل الأسنى لكن ننصر سنته ننصر هديه نقتفي أثره نتبع ما كان عليه - عليه الصلاة والسلام - من الهدي القويم والصراط القريب. ذلك ما أردنا بيانه وتهيأ إعداده ختاما نقول كما قال البر - جل وعلا - وََالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رضي الله عنهم وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ هؤلاء هم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهؤلاء هم الثلة الأخيار منهم الأوس والخزرج سكان المدينة في غابر الأزمان وأوائل الدهر ممن نصروا الله ورسوله ألحقنا الله بهم في الصالحين وجعلنا الله وإياكم ممن يستمع القول فيتبع أحسنه وبارك لنا ولكم فيما نقول ونسمع والله المستعان وعليه البلاغ وصلى الله على محمد وعلى آله والحمد لله رب العالمين. |
#3
|
||||
|
||||
رضي الله عنهم وارضاهم
وجزاهم عن الاسلام والمسلمين خير الجزاء وجزاك الله كل خير اخي ابو عادل اتحفتنا بمواضيعك القيمه بارك الله فيك
__________________
[SIGPIC][/SIGPIC][align=center]قل للئيم الشاتم الصحابه....ياابن الخنا جهراً ولا تهابه السابقون الاولون كالسحابه....تغيث بلقعاً تهرها كلابه الفاتحون الغر أسود الغابه....الله راضٍ عنهم ولتقرؤا كتابه [/align] |
#4
|
||||
|
||||
[motr1]
أشكرك أخي الكريم see على مرورك الراقي والرائع. [/motr1] |
أدوات الموضوع | |
|
|