جديد المواضيع |
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
قلادة الحبيبة في فداء حبيب.
سيق أسرى بدر إلى المدينة في أعقاب الفئة الظافرة فتأملهم المصطفى صلى الله عليه وسلم مليا ثم نحى منهم صهره " أبا العاص بن الربيع " وفرق الباقين بين أصحابه وقال : " استوصوا بالأسارى خيرا " . وبقي أبو العاص عند المصطفى , وقلبه مشدود إلى مكة حيث ترك هناك زوجه الحبيبة " زينب بنت محمد " مع صغيريها " على وأمامة " ولم يكن الإسلام قد فرق بعد بين زوجة مؤمنة وزوج مشرك . حتى جاءت قريش في فداء أسراها ... وغالوا في الفداء حتى إن المرأة لتسأل عن أغلى ما فدي به قرشي فيقال لها : أربعة آلاف درهم , فتبعث بمثلها في فداء ابنها . وتقدم عمرو بن الربيع فقال للمصطفى صلى الله عليه وسلم : " بعثتني " زينب بنت محمد بهذا بين يدي الرسول ففتحها صلى الله عليه وسلم فإذا فيها قلادة لم يكد يراها حتى رق لها رقة شديدة وخفق قلبه للذكرى : لقد كانت قلادة " خديجة " أهدتها ابنتها " زينب " يوم عرسها حين زفت إلى " أبي العاص بن الربيع " ابن خالتها هالة بنت خويلد . وأطرق أصحاب المصطفى صلى الله عليه وسلم خشعا وقد أخذوا بجلال الموقف قلادة الحبيبة تبعثها بنت النبي إلى أبيها في فداء زوج حبيب . وتكلم النبي الأب بعد فترة صمت فقال : " إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها ما لها . فافعلوا " . أجابوا جميعا : نعم يا رسول الله . وأدنى المصطفى صلى الله عليه وسلم إليه صهره الذي تأثر لهيبة الموقف . فأسر إليه حديثا فحتى أبو العاص رأسه موافقا . ثم حيا ومضى فلما أبعد التفت المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه من حوله فأتني على أبي العاص وقال : ص 189 " والله ما ذممناه صهرا " (1) . وعاد " أبو العاص " إلى مكة ليجهز زوجه الحبيبة كي تلحق بأبيها المصطفى صلى الله عليه وسلم , وفاء بوعد قطعه على نفسه يوم ودع أباها صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعد بدر . وكان الفراق قاسيا صعبا وقد خانه تجلده يوم رحيلها فترك أخاه " كنانة بن الربيع " يصحبها إلى خارج مكة حيث كان " زيد بن حارثة " في انتظارها . وانطلق " كنانة " يقود بعيرها نهارا وقد أخذ قوسه وكنانته متأهبا فهال قريشا أن يخرج بها هكذا في وضح النهار على مرأى منهم ومسمع وخرج بعضهم في أثر المهاجرة حتى أدركوها بذي طوى فكان أسبقهم إليها " هبار بن الأسود الأسدي " الذي روعها بالرمح وقد جن حزنه على إخوة له ثلاثة صرعوا جميعا في بدر بأيدي أصحاب محمد . ونخس البعير فألقى بزينب على صخرة هناك وعندئذ برك " كنانة بن الربيع " دونها ونثر كنانته وهو يزأر متوعدا : - والله لا يدنو منها رجل إلا وضعت فيه سهما . فتراجعوا ووقف أبو سفيان بن حرب بعيدا يقول لكنانة : - كف عنا نبلك حتى نكلمك . فكف كنانة ودنا أبو سفيان منه فقال : " إنك لم تصب يابن الربيع : خرجت بالمرأة على رءوس الناس علانية وقد عرفت مصيبتنا ونكبتنا وما دخل علينا من محمد , فيظن الناس أن ذلك من ذل أصابنا وأن ذلك من ضعف ووهن ولعمري ما لنا بحبسها عن أبيها من حاجة ولكن ارجع بها حتى إذا هدأت الأصوات وتحدث الناس أن قد رددناها فتسلل بها سرا فألحقها بأبيها " . فكبر على كنانة أن يردها ليعود فيتسلل بها سرا بعد أن يذاع في الناس أن قد ردتها قريش ... وهم ليمضي بها , فراعه أن رآها تنزف دما . وقد طرحت جنينها على أديم الصحراء . وعاد بها إلى مكة حيث سهر أبو العاص على رعايتها وتمريضها لا يفارقها لحظة من ليل أو ـــــــــــــــــــــــــــ (1) السيرة الهشامية 2/ 208 . ص 190 نهار حتى إذا استردت بعض قواها ودعها للمرة الثانية وداع محب مقهور وخرج بها كنانة حتى بلغت مأمنها .... ولم يتبعها في هذه المرة طالب بل أغمض الذين طاردوها بالأمس أعينهم وقد ركبهم الخزي والعار من قول هند بنت عتبة تعيرهم وتذكرهم بهزيمتهم في بدر : أفي الســـلم أعيـــــار جفــــاء وغلظـــــة وفي الحـــــرب أشبــــــاه النســـــاء العـــــوارك ؟ استقبلت دار الهجرة بنت المصطفى بترحاب بالغ شابت فرحة اللقاء فيه سورة الغضب لما أصابها عند خروجها من مكة وعاشت زينب في رعاية أبيها المصطفى صلى الله عليه وسلم على أمل لم يغلبها عليه اليأس قط : أن يشرح الله صدر إبي العاص للإسلام فيلتئم الشمل الممزق . وكان عليها أن تنتظر ست سنوات طوال ليتحقق هذا الأمل الغالي ثم لا يكاد الشمل يلتئم حتى ترحل عن الدنيا بعد عام وبعض عام من إسلام أبي العاص فيكون فراق لا لقاء بعده على هذه الأرض . ص 191 مَعَ المُصْطفى صَلى اللهُ عَليْه وَسَلم. دكتورة عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ: أستاذ التفسير والدراسات العليا كلية الشريعة بجامعة القرويين . |
أدوات الموضوع | |
|
|