جديد المواضيع |
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
نصر الله المصري ونصر الله السوري !
العدل قيمة مطلقة، لا تعرف النسبية أبدًا، فهي لا تقبل التجزئة أو التفرقة، ولا تعرف محاباة ولا تلونًا، بل لا تعرف دينًا ولا طائفة، علَّمنا ذلك المولى -جل وعلا- عندما قال لنا: {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8]. بل إن الله قد أنزل عدة آيات من سورة النساء على رسوله الكريم لتبرئة يهودي من أهل المدينة اتُّهِم ظلمًا بالسرقة، وقد همَّ الرسول أن يبرِّئ ساحة الجاني الحقيقي من التهمة؛ ظنًّا منه أنه بريء، فتدخلت العدالة الإلهية لإحقاق الحق وإقامة العدل، وفضح الجاني وتبرئة المظلوم، ولو كان هذا المظلوم هو أشد الناس عداوة للذين آمنوا.
وهذا الكلام نهديه إلى الذين يتاجرون بقضايا الأمة، ويعبثون بعواطف شعوبها، ويوالون ويعادون على مصالحهم الخاصة وأجندتهم الطائفية، فيجعلون من العدل قيمة نسبيَّة، تمنح تارة وتمنع أخرى، فيتكلمون عندما يطيب لمصالحهم الكلام، ويصمتون صمت القبور عندما تتقاطع المصالح، وتتضارب المسارات، بمنتهى الاختصار هذا الكلام موجَّه إلى سيد المقاومة وزعيم الممانعة -كما يحلو لأتباعه أن يسمونه- حسن نصر الله زعيم حزب الله الشيعي. نصر الله وربيع الثورات العربية - "يا شباب مصر الأحباء، إننا نرى في وجوه شهدائكم وجوه شهدائنا، ونسمع في أنين جرحاكم أنين جرحانا، ونشهد في صمودكم في الساحات صمود الأبطال المقاومين في لبنان وفلسطين في مواجهة كل الحروب والتهديدات والأخطار. يا إخواننا وأخواتنا يا شباب مصر الغالي من بعيد من بيروت، ماذا يمكن أن نقول لكم: يا ليتنا نستطيع أن نكون معكم في ميدان التحرير، وأنا واحد من هؤلاء المحتشدين يشهد الله أنني أتلهف لو أستطيع أن أكون معكم لأقدم دمي وروحي كأي شاب في مصر من أجل هذه الأهداف الشريفة والنبيلة". بهذه العبارات الحماسيَّة العاطفية الجياشة، ختم حسن نصر الله خطابه المتلفز -كما هي عادته منذ فترة- في المؤتمر الذي عقد بالضاحية الجنوبية في 7 فبراير الماضي لتأييد الثورة المصرية، وهو الخطاب الذي مارس فيه حسن نصر الله دوره الذي يتقنه ويبرع فيه بشدَّة، ألا وهو دور المناضل الشريف الذي يقف بجوار ثورات المظلومين والمقهورين في كل بقاع الدنيا، ولكنه نضال بالأوهام، وجهاد بمعسول الكلام، فَعَله من قبل مع أهل غزة في العدوان الصهيوني عليهم في أواخر 2008م، حيث تاجر بدماء الشهداء، وأطلق تهديدات جوفاء، وأرعد وأزبد، ولم يُلقِ حجرًا واحدًا على ظهر إسرائيل المكشوف وهي مشغولة بكل قواتها الجوية والبرية في حرب غزة. - نصر الله بدا منذ بداية ربيع الثورات العربية منفعلاً مسرورًا متفائلاً بتهيئة الأجواء في المنطقة لمشروعه الثوري الإيراني كما صرَّح بذلك في مناسبات عديدة من قبل؛ لذلك كان حريصًا كل الحرص على الدعم اللفظي للثورة المصرية والتونسية، خاصة وأن العديد من الأفراد المنتمين إلى حزبه والذين كانوا مسجونين في السجون المصرية على خلفية قضية خلية حزب الله في مصر منذ عامين وزيادة، قد استطاعوا أن يفروا من السجون في بداية الثورة، والعودة إلى لبنان؛ مما دفع نصر الله للقول بأن ما يحدث في مصر هو مقدمة لثورة إسلامية على الطراز الإيراني، وحاول جاهدًا أن يركب ثورة التحرير، وأن يكون له فيها قدم وحضور، فكال المديح وأعلن الدعم والمباركة، وحشد أتباعه ومؤيديه في مؤتمرات متتالية لإعلان التأييد لربيع الثورات العربية. - ومع تنامي حمى الثورات في المنطقة، شعر القائمون على المشروع الصفوي في العالم الإسلامي والعربي أن الفرصة مواتية للوثوب على البحرين واقتطاعها من جسد الأمة العربية والإسلامية، وتحقيق نبوءة الدعيّ "الخميني" بضم البحرين لمملكة الفرس الجديدة. ومن ثَمَّ انفجرت الأوضاع الهشة والمأزومة في نفس الوقت في بلاد البحرين، وأبدت العديد من الشرائح الشيعية في البحرين تأييدها صراحة للطمع الإيراني في البحرين، واضطربت الأوضاع بشدة في البحرين؛ مما استدعى دخول قوات درع الجزيرة التي نجحت بفضل الله وحده في إفساد المؤامرة الصفوية على أرض البحرين.. نصر الله تحوَّل في البحرين من داعم للثورات العربية ومؤيِّد لها معنويًّا إلى خصم وعدو أيدلوجي وسياسي للحكومة البحرينية، فقد انتقد نصر الله الحكومة البحرينية ومجلس التعاون الخليجي بشدة على إرسال قوات درع الجزيرة لقمع ثورة البحرينيين، وذلك في مؤتمر عقده بالضاحية الجنوبية في 19 مارس الماضي، ووجَّه خلاله عبارات قاسية تصل لحد السب والقذف في حق آل خليفة حكام البحرين، واتهمهم بظلم شيعة البحرين وتعذيبهم، ولم يبال نصر الله بما أقدمت عليه الحكومة البحرينية بمنع إعطاء تأشيرات للبنانيين؛ خوفًا من تسلل عناصر حزبه المشئوم إلى البحرين ومساعدة الثوار؛ مما كبد لبنان هذا البلد الهشّ الضعيف خسائر ضخمة من أجل أن يبدو نصر الله في صورة نصير المظلومين وملهم الثائرين. نصر الله والثورة السورية - استمر نصر الله في ركوب موجة الثورات العربية وقد حمت وتيرة تأييده للثورات العربية على الأنظمة الاستبدادية، وقد بلغ أوج نشاطه الثوري وجهاده الحنجوري، من خلال إطلالاته المتتالية من جحره الخفي بالضاحية الجنوبية، وخطاباته التليفزيونية الملتهبة، حتى وقع ما لم يكن في حسبانه، ولا في حسبان أسياده في دمشق، واندلعت الثورة السورية، وخرجت جموع السوريين في شتى أرجاء الوطن السوري الكبير هاتفة بالحرية والقضاء على الظلم والفساد والاستبداد، وقابل النظام السوري الثوار بكل وحشية، وبدلاً من العصي وخراطيم المياه، انطلقت رصاصات الغدر والطغيان في صدور العزل والأبرياء، وسقط أكثر من ألف شهيد من أحرار سوريا من الرجال والنساء والأطفال. - نصر الله الذي لعلع في مصر وليبيا واليمن والبحرين، تحول إلى نصر الله الصامت الذي لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم، وأصيبت الحنجرة الجهورية بالخرس التام، وتحول المناضل الثوري ومشروع الشهيد وحامل هموم الأمة -كما يصف نفسه- إلى شيطان أخرس لا يجرؤ على الكلام عن الثورة السورية من قريب أو بعيد.. والرجل الذي شجع الشعب العربي على الثورة ضد زعمائه الفاسدين وتمنى له النجاح، الذي فرح جدًّا عندما انصرف عدوه -وعدونا أيضًا- "حسني مبارك" الزعيم الذي تجرأ على اعتقال نشطاء حزب الله من منصبه، أو عندما بدأت المظاهرات ضد "القذافي" المشبوه الرئيسي في اختفاء موسى الصدر (مؤسس النهضة الشيعية في لبنان ومحيي آمالهم) في ليبيا في العام 1978م - طالب بإسقاطه، يقضي على نفسه بالصمت عندما يبدأ اللهيب بالوصول إلى قصر بشار الأسد، فنصر الله الذي نجح في إحداث ثورة سياسية بامتياز داخل لبنان، قد اختار الانحياز إلى صف الطغاة وتعديل مؤشر العدالة والحرية ناحية القصر الرئاسي بدمشق وذلك لأسباب كثيرة، وهي بالمناسبة أبعد ما تكون عن خندق الممانعة والمقاومة والتصدي للهيمنة المزعومة للأمريكان والصهاينة في المنطقة. - فنصر الله يعلم جيدًا أن سوريا الأسد تضمن له الكثير من الدعم والإسناد في منطقة مليئة بالأعداء والخصوم والرافضين لمنهج وعقيدة وحركية الحزب المثير للجدل؛ فالأسد ليس فقط أخ الطائفة، وقرين العقيدة لنصر الله وحزبه، ولكنه أيضًا الحليف السياسي والاقتصادي والاستراتيجي لحزب الله، وحبال الأسد السرية تمد جسد الحزب وأمينه -غير الأمين- بما يلزمه من مقومات البقاء والمعاندة والمراغمة لقوى الأغلبية السنية الساحقة في المنطقة؛ فالسلاح الإيراني يتدفق إلى الحزب الثوري! عبر موانئ سوريا، وكذلك الأموال الطائلة والكوادر التدريبية والكفاءات القتالية وأحدث الأنظمة في التثوير والتحريض والانقلاب، وغيرها من المساعدات التي تبقي هذا الحزب الثوري رقمًا عصيًّا على الساحة الإقليمية يصعب تجاهله أو تجاوزه. - نصر الله يعلم جيدًا أن المسألة أبعد من كونها مصلحة طائفية أو قرابة علويَّة، فنصر الله بدون الأسد يجد نفسه محصورًا في قطيعة جغرافية، بعيدًا عن أسياده في إيران.. نصر الله بدون الأسد، وحيدًا في لبنان بلا دعم سياسي ولا اقتصادي ولا عسكري.. نصر الله بدون الأسد لن يغادر جحره في الضاحية، ولن يطل على إطلالاته المتتالية في كل مناسبة على شاشات التلفاز، ليلقي مواعظه التي سأمها الجميع، ويمارس دجله السياسي والثوري الذي انكشف عند أول اختبار حقيقي لصدق قنابله الإعلامية! - والعجيب أن بقدر ما يحتاج نصر الله الأسد، يحتاج الأسد نصر الله، وعلى نحو مفعم بالمفارقة؛ فإن الخطر المحدق بحزب الله من سقوط الأسد هو أيضًا السور الواقي للرئيس السوري، فلقد أثبتت الأيام أن دور حزب الله في الثورة السورية لهو أخس وأحقر الأدوار التي لعبها هذا الحزب الشائن وأمينه الماجن، فلقد كشف المعارض مأمون الحمصي أن كوادر من حزب الله الشيعي اللبناني قد اشتركت مع الشبيحة الموالين لماهر الأسد في مجزرة حمص في 19 إبريل الماضي، وهي المجزرة التي أوقعت ثلاثين قتيلاً ومئات الجرحى! وقد وقع في أسر الثوار العديد من مقاتلي حزب الله؛ مما كشف عن الدور الخبيث الذي يلعبه نصر الله على أرض سوريا دفاعًا عن بني دينه الأسد. - ولقد كشف الشعب السوري حقيقة العميل الإيراني صاحب الألعاب النارية لمسرحية ما بعد حيفا، وحسن نصر الله بالرغم من أن جرائمه وطائفيته المقيتة قد كشفته وكشفت تهريجه وعمالته منذ أن شرع في أبناء وطنه اللبنانيين في يوم (8 مايو 2008م) الذي وصفه باليوم المجيد في حياة لبنان، وشرع في تصفية أبناء السنة في العراق ومساعدة ميليشيات الموت هناك، وتدريب رافضة القطيف كذلك على حمل السلاح، وتدريب رافضة البحرين على التخريب والتفجير، إلا أن جرائمه مع الشعب السوري قد كشفته وفضحت طائفيته وخيانته لقضايا وهموم الأمة. ولأول مرة تخرج الجماهير العريضة بمئات الألوف في بلد عربي وهو حمص، في يوم الجمعة الماضية 20 مايو وهي تهتف هادرة "يا الله يا الله تلعن حسن نصر"، وهذه الانتفاضة والاستيقاظ من جانب السوريين الذين كانوا أكثر الشعوب العربية تعاطفًا مع نصر الله وحزبه من جراء دعاية النظام البعثي وأبواق الأسد، لهي أكبر دليل على انهيار هذا الصنم الذي ظل لفترة طويلة يخادع الجماهير ويعبث بعواطفهم ويلهب حماسهم.. فقد انكشف الغطاء وبرح الخفاء وأصبح السر علانية، ولكن الذي أنا متأكد منه أن نصر الله الذي يجيد تغيير بوصلة ولاءاته جيدًا، ربما يخرج علينا غدًا أو بعد غد ليعلن انضمامه وتأييده لثورة الأحرار في سوريا، ولا عجب في ذلك؛ فنصر الله هو التجسيد الحقيقي الكامل لعقائد "طائفة" لا ترى أي وزن للقيم والمبادئ والمثل والأخلاق في سبيل تحقيق المصلحة، ولا شيء عنده يرجح فوق المصلحة. |
أدوات الموضوع | |
|
|