جديد المواضيع |
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا/د.عثمان قدري مكانسي
إنه ـ سبحانه ـ ينادينــا الدكتور عثمان قدري مكانسي القسم الأول يقول تعالى في سورة الانفال:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15)} الخطاب للمؤمنين ( الذين آمنوا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً) وأذكر أنَّ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } وردت في القرآن الكريم أكثر من ثلاث وثمانين مرّة يخاطب الله تعالى بها عباده معلّماً ومربّياً وهادياً ومبشّراً ومنذراً ... تلتها { إِذَا } الدالة على المستقبل ، ولا شك أن الحرب بين الإيمان والكفر قائمة على مر العصور وكرّ الدهور : كلماتٍ ومواقفَ وتحدّياتٍ ومعاركَ. كلٌّ يسعى لكسب المعركة وإثبات ذاته وفرض رؤيته . ولا يلقى المؤمنون الكافرين في المعارك إلا إذا شهدوها وخاضوا غمارها وأعدّوا قبل ذلك العدة المعنوية وفيها خمس مراحل تحويها بوضوح هذه الآيات الكريمة في سورة الأنفال: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ (45)وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) }. والعدة المادية في قوله تعالى : { وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ (60)}. والزحف الدنوُّ قليلا قليلا . وأصله الاندفاع، ثم سمي كل ماش في الحرب إلى آخَر زاحفا . والزحفُ إصرار وعزمٌ ، فإذا كان الكافر – على باطله- عازماً على فرض سيطرته ، يُعِدُّ العُدة لقتال أحل الحق ، كان اولى بأهل الحق أن يكونوا أشد عزماً وإصراراً ، فأولئك يقاتلون لدنيا فقط، والمؤمنون يقاتلون لها وللآخرة ، وفي كلتيهما الفوز والسيادة وتولية الأدبار علامة التقهقر والخذلان ، وهذا ليس من سمات المؤمن الذي يرى الدنيا سبيلاً إلى الحياة الأبدية الخالدة، ولا يولّي دبُره إلا ضعيفُ الإيمان الذي يرى الحياة الدنيا حياته ونعيمه ، ولا يولّي دبُره إلا من انشغل بمتاع الدنيا الزائل فعاش لها وأنِس إليها، فذاب من أول اختبار وأسلم ساقيه للريح أمام لذّاته وسلّم لعدوّه صاغراً ورضي بالتبعية له ، ولعله في سبيل هذا ينحاز إليه ضد إخوانه من المسلمين فيبوء بغضب الله وسوء المصير. والعبارة بـ(الدبُر) في هذه الآية متمكنة الفصاحة ; لأنها بشعة على الفارِّ , ذامة له .فمن فرَّ من اثنين فهو فارٌّ من الزحف . ومن فر من ثلاثة فليس بفار من الزحف , ولا يتوجه عليه الوعيد كما يؤكده الفقهاء، والفرارُ كبيرة موبقة بظاهر القرآن وإجماع أكثر من الأئمة . فإذا كان في مقابلة مسلم أكثر من اثنين جاز الانهزام , والصبر أحسنُ .فقد وقف جيش مؤتة وهم ثلاثة آلاف في مقابلة مائتي ألف , منهم مائة ألف من الروم , ومائة ألف من المستعربة . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( اجتنبوا السبع الموبقات - وفيه - والتولي يوم الزحف ) وقد ذكر القرآن الكريم فسحة الإدبار في المناورة والمداورة أو الانحياز إلى فئة مسلمة يتقوّى بها وتشد أزره ، أما أن يُطلق ساقيه للريح فمسبَّة وعارٌ في الدنيا، ولقاءٌ عسير يوم القيامة فيه غضب الديّان الذي يقذف صاحبه في النار، والعياذ بالله: { وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16)}. إن الله سبحانه وتعالى يوضح سبب وجوب ثبات المسلمين أمام العدوّ بأنهم ستار لقدرة الله تعلى وإرادته وأن النصر من عنده ، فالمسلم حين يقتل العدوَّ فالقاتلُ هو الله ، وحين يرمي فيصيب إن الصائب هو الله ، واللهُ غالب على أمره :{ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَناً إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17)}. فالمسلم يقاتل ويسأل الله الثبات ، ويرمي ويسأله السداد ، ويرمي ببنفسه في أتون الموت ويسأل الله الشهادة والقبول . ولا يستطيع هذا الإقبالَ الرائعَ إلا المؤمنُ الذي شرى نفسه ابتغاء مرضاة الله ، فربح رضاه والجنّة وهذا هو البلاء الحسن الذي ينجح فيه من أخلص لله تعالى { وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا ۚ }. ويعجبني قولُ القاسم يعلق على الثبات في المعركة والصبر عليها (لا تجوز شهادة من فرَّ من الزحف , ولا يجوز لهم الفرار وإن فرَّ إمامُهُم) .. إننا في ثورتنا ضد الإجرام الكافر والظلم القاهر في سورية الحبيبة أهل حق ودعاةُ حرّيّة ، فإذا أردنا النصر سعينا له بكل ما استطعنا من مال ورجال وإعلام سديد موَجّه وعتاد و... ولينصُرَنّ اللهُ من ينصرُه... إنه – سبحانه- ينادينا ،،،،، فهل سمعنا النداء؟ يتبع |
#2
|
||||
|
||||
أشكرك أخي الكريم نبيل على ما قدمت لنا.
|
#3
|
||||
|
||||
سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا/د.عثمان قدري مكانسي/ق2
إنّه ـ سبحانه ـ ينادينا الدكتور عثمان قدري مكانسي القسم الثاني لو أمعنا النظر في هذه الآيات الكريمة من سورة الأنفال لوجدنا التسلسل المنطقي في ورودها ظاهراً في الترتيب المتناسق في تتابعها الذي يأخذك من آية إلى تاليَتِها بشكل بديع متوازن : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (27) } { يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29) } فماذا بعد النداء الرباني { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ }؟: 1- النداء ابتداءً للمؤمنين الذين آمنوا بالله رباً وبمحمد رسولاً ، فمن آمن ( أطاع )، ومن أطاع ( استجاب )، ومن استجاب التزم و ( لم يخن الأمانة )، ومن ثبت والتزم كان ( تقياً ) فلا بدّ – إذاً- بعد الإيمان من الطاعة تتلوها الاستجابة ، يتبعها الثبات والعمل الصحيح ، فكانت سمة هؤلاء ( التقوى ) وبالتقوى النجاةُ والنصرُ والتكفير عن الذنوب يوم القيامة والسعادة يوم يقوم الأشهاد لرب العالمين ، ألم يقرر سبحانه وتعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (28)}(الحديد) ؟ فمن أطاع بعد الإيمان ، فائتمر وانتهى وقال سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا ، وهذه سمات الطاعة الحقيقية كان على صراط مستقيم ، أما الإيمان القولي الذي يخلو من تبعاته الإيجابية ففيه قصور ودخن ويعتبر تولياً عن حقيقة الإيمان { وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ } إن التلبية من الطاعة ، فمن سمع ونكص ثمّ خالف كان مثل الدوابّ التي تسمع دعاء ونداء فلا تعقله أو تعيه لأنها لم تفهم شيئاً مما أُمرتْ به. وما أتعس مَن شُبّه بالدوابّ في سيرتها ! 2- والحياة في الاستجابة لله ورسوله ، فما يأمر الله تعالى ويبلّغ رسولُه إلا بما يجعل الحياة راقية هانئة سعيدة حين يعلم المخلوق سبب حياته ، ويعلم أن خالقه سبحانه خطّ له الطريق السليم في حياته الاختبارية هذه ليصل إلى رضوان الله وثوابه في الحياة الأبدية. فمن سلك السبيل القويم نجا، ومن عصا فلم يستجب عاقبَهُ الله بالحرمان. ألم يقل الله تعالى: { قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا ...(75)}(مريم). إن مخالفة أمر الله ورسوله يوقع في فتن كثيرة يغرق فيها الصالح الذي يترك المجتمع يقع فيها فلا ينبههم ولا يصوب أفكارهم وخُطاهم، ويقع فيها الطالح الذي غاص فيها وشربها حتى الثُّمالة ، فاكتوى الجميع بنارها، فنزل عليهم – إذ ذاك – غضب الله الذي لا يُردّ والعياذ بالله. وقد يرى بعضهم الفتنة غالبة لا يستطيع ردّها فتضعف نفسه ويتهاون في واجبه ويتكاسل. ولو كان إيمان هؤلاء قؤياً لأدركوا أن الله تعالى ينصر القِلّة الصابرة - حين يرى منهم إخلاصاً ودَأَباً - على الكثرة الطاغية مهما استعلت وانتفشت. 3- إنّ الخيانة – كما يذكر ابن كثير رحمه الله - تعم الذنوب الصغار والكبار اللازمة والمتعدية . أما قوله تعالى :{ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ } فإنّ الأمانة هي الأعمال التي ائتمن الله عليها العباد من آداب وفريضة ومنهاج حياة ، والخيانة ترك السنن وارتكاب المعاصي . ومن الخيانة إظهار الحق قولاً ومخالفته عملاً ،وهذا هلاكٌ للأمانات وللنفوس . ومن خان الله ورسوله فقد خان الأمانة . كيف تكون الأموال والأولاد فتنة؟ يذكرنا الله تعالى بهذه حين يقول : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9)}(المنافقون) . فمن اشتغل بالدنيا من أموال وأولاد واهتم بها بل قدّمها على طاعة الله ورسوله فقد ضيّع كثيراً من الخير. فثواب الله وعطاؤه في الآخرة خير من الدنيا وما فيها من أموال وأولاد قد يكون منهم العدو والعاق العاصي ، { وَأَنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ ۥۤ أَجۡرٌ عَظِيمٌ۬ (28)})الأنفال) . في الأثر يقول الله تعالى: ( يا ابن آدم اطلبني تجدني فإن وجدتني وجدت كل شيء وإن فِتُّك فاتك كل شيء وأنا أحَبُّ إليك من كل شيء ) ، وفي الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان : من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله ومن كان أن يلقى في النار أحب إليه من أن يرجع إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله منه ) . 4- والتقوى نجاح وفلاح ، قال تعالى : { قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّٮٰهَا (10)}(الشمس) وقال سبحانه: { قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100)}(المائدة) ، فإذا كانت نتيجة التقوى : النصر وتكفير الذنوب والغفران تأهّلَ المرءُ لرضا الله تعالى والخلود في جنته ، وتلك هي الحياة الحقيقية التي يسعى لها المؤمنون العاقلون . { لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ (61)}(الصافات) إنه ـ سبحانه ـ ينادينا ..... فهل سمعنا النداء؟! يتبع |
#4
|
||||
|
||||
سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا/د.عثمان قدري مكانسي/ق3
سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا الدكتور عثمان قدري مكانسي القسم الثالث في سورة الصف ثلاثة نداءات متلازمات للذين آمنوا : أولها : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2)} قيل: إن نفراً من الأنصار فيهم عبد الله بن رواحة قالوا في مجلسٍ :لو نعلم أيُّ الأعمال أحبُّ إلى الله لعملنا به حتى نموت. فأنزل الله تعالى هذا فيهم فقال عبد الله بن رواحة لا أبرح حبيسا في سبيل الله حتى أموت، فقتل شهيدا في مؤتة ، ثم قال تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِهِۦ صَفًّ۬ا كَأَنَّهُم بُنۡيَـٰنٌ۬ مَّرۡصُوصٌ۬ (4) } فالله يحب من عباده الصافّين المواجهين لأعداء الله في حومة الوغى يقاتلون في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا. وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ثلاثة يضحك الله إليهم : ( والضحك هنا بمعنى الرضا والقبول) 1- الرجل يقوم من الليل 2- والقوم إذا صفّوا للصلاة 3- والقوم إذا صفّوا للقتال ).... رواه ابن ماجه وقال سعيد بن جبير في قوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِهِۦ صَفًّ۬ا } كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقاتل العدو إلا أن يصافَّهم التزاماً بقوله تعالى { كَأَنَّهُم بُنۡيَـٰنٌ۬ مَّرۡصُوصٌ۬ } يلتصق بعضه ببعض لا يختلفون ولا يتقهقرون فحياتهم وموتهم بيد الله مُقَدّر فممّ يخافون ومن أي شيئ يحترسون؟ وعلى هذا نرى شباب الأمة ينطلقون إلى معركة الحرية والكرامة لا يبالون بما قد يصيبهم يؤمنون بما كتبه الله عليهم ، ورغبتهم أن يقاتلوا في سبيل الله ،فإما أن يفوزوا بالشهادة وإما أن يؤوبوا بالنصر المبين. أما الخوف والجبن فسِمَة يمقتها رب العالمين ولا يريدها لعباده المؤمنين. ثانيها: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10)} وهذا سؤال تقريري ينبه المولى تعالى به المؤمنين إلى أن الإيمانَ بالله ورسوله والجهادَ في سبيله بالنفس والمال له فوائد عظيمة في الآخرة والدنيا ، أما فوائد الآخرة فمختصرها بما يلي: 1- النجاة يوم القيامة من العذاب الأليم في النار نعوذ بالله أن نكون من وقودها. 2- غفران الذنوب كلها . 3- الفوز بالجنة والخلود في النعيم المقيم . أما في الدنيا فهناك ما يحبّه المؤمنون ويريدون أن يفوزوا به في الدنيا قبل الآخرة ، بل إن الفوز به في الدنيا مُقَدّمة للفوز بالآخرة: 1- نصرُ الله تعالى والعلوّ على الكفر وأهله والسيادةُ التي يطمح إليها المسلمون في حياتهم الدنيا . 2- فتحُ الممالك والامصار ، والحياةُ الكريمة تحت ظلال السيوف. 3- والبشرى من الله للمجاهد في سبيله بالنصر نوع رائع من أنواع الفوز والتمكين. ومن لا يُحِبُّ التمكين في الدنيا والفوز بالآخرة؟ ثالثها: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ ......(14)} ومن نصرَ اللهَ نصرهُ الله ،إنه بيع وشراء ، نبيع أنفسنا ومالنا لله تعالى – ونحن ابتداءً ملكُه وعباده- فيعطينا ثمناً رائعاً يتشوف إليه كلُّ عاقلٍ لبيب وفطِنٍ أريب ، ويسوق القرآن دليلاً على ذلك مما فعله حواريّو عيسى ، ونحن أحقّ أن نفعله ، فقد روى ابن كثير رحمه الله " أنّ أتباع عيسى عليه السلام قَالَوا { نَحۡنُ أَنصَارُ ٱللَّهِۖ }على ما أرسِلتَ به ومؤازروك على ذلك، فبعثهم دعاة إلى الناس في بلاد الشام في الإسرائيليين " وهذا ما فعله الأنصار من الأوس والخزرج في بيعة العقبة أن يمنعوه من الأسود والأحمر إن هو هاجر إليهم ،فلما هاجر إليهم بمن معه من أصحابه وفـّوا له بما عاهدوا الله عليه فسمّاهم الأنصار. ونحن – معشر المسلمين في سورية وبقاع الأرض كلها – إذ نعاهد الله تعالى أن نكون أنصاره في الدفاع عن دينه وإعلاء كلمته نرجو ثوابه ونسأله نصره الذي وعدنا به وأن يُظهرنا على عدونا وعدوّه فنكون خير خلف لخير سلف { فَأَيَّدۡنَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمۡ فَأَصۡبَحُواْ ظَـٰهِرِينَ (14)} . إنه ـ سبحانه ـ ينادينا ..... فهل سمعنا النداء؟! يتبع |
#5
|
||||
|
||||
سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا/د.عثمان قدري مكانسي/ق4
سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا الدكتور عثمان قدري مكانسي القسم الرابع للمعركة مع العدو إعدادان لا بدّ منهما : إعداد معنويّ: وهو الإعداد النفسي الأهم – فكم من جيش لديه عتاد كثير وأسلحة قاطعة لم يستفد منها شيئاً لأن الروح القتالية فيه ضعيفة ، وكم من مقاتلين تحلّوا بالمعنوية العالية كانوا أقل عدداً وعدة من عدوهم اقتحموا معاقلهم فأزالوهم عنها أوْ قضَوا عليهم { ....كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَ اللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249)}(البقرة) . وإعداد مادي : لا بدّ منه ،يرهب العدوّ الذي يحسب للعدد والعدّة الحسابَ ويخاف منه، ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم لمن توكل على الله وضيّع ناقته حين تركها دون عقال: ( اعقلها وتوكّلْ ). إن للإعداد المعنوي في سورة الأنفال خمسة أمور لا بد للنصر منها: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً : 1- فَاثْبُتُوا 2- وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) 3- وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ 4- وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ 5- وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) 6- وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47) 1- فالثبات : عنوان الإقدام والإصرار على الوصول إلى الهدف ، إن عدوّك يقارعك ويصاولك ويعمل جادّاً على قهرك ودحرك ، والثبات شجاعة وصمود وكسرٌ لمعنويات العدوّ وتيئيس له ، فإن فعلت ذلك وغالبتَه ضعفت حِدّتُه أولاً ثم بدأ ينهار، فعن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاثبتوا واذكروا الله فإن صخبوا وصاحوا فعليكم بالصمت ). 2- وعن عبد الله بن أبي أوفى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتظر في بعض أيامه التي لقي فيها العدو حتى إذا مالت الشمس قام فيهم فقال : ( يا أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف ) ، ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ( اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم ) إن التوجه إلى الله تعالى في كل الأحوال وخاصة في ميدان المعركة دليل على أن المسلم يعتقد أن النصر من عند الله ، وأن اللجوء إليه والتذلل له سبحانه رجاءٌ وأمل يستجلب النصر ، فبيده سبحانه مقاليد الأمور . وذكْرُ الله تعالى يرفع المعنويات ويدفعك إلى حصن حصين وملاذ أمين، والتكبير والتهليل والتسبيح شعار المؤمن ، رُوي عن زيد بن أرقم مرفوعاً : ( إن الله يحب الصمت عند ثلاث عند تلاوة القرآن وعند الزحف وعند الجنازة ) الصمتَ إلا عن ذكر الله تعالى والدعاء إليه أن يكون معك وينصرك على عدوّه وعدوّك . يؤكد هذا الحديث المرفوع : ( إن عبدي كل عبدي الذي يذكرني وهو مناجزٌ قرنه ) لا يشغله المقارعة والحرب عن ذكر الله . روى ابن كثير عن عطاء قوله (قال وجب الإنصاتُ وذكر الله عند الزحف) فاجتمع الثبات والذكرُ عند قتال الأعداء والمبارزة ، فلا فرار ولا جُبن بل استعانة بالله وتوكل عليه ولجوء إلى قوته سبحانه.فالفلاحُ والنجاحُ والغلبة بذلك حصراً { لعلكم تُفلِحونَ } . 3- وذكر الله يستدعي طاعته وطاعة رسوله ، فإنك لا تذكر في ميدان المعركة إلا من تحبه وترجو نواله ، فيا رب اكشف البلوى وسلّمْ * فمنك النصر والنهج القويمُ وأنت الغايةُ القصوى إلهي * ومن قصد الكريمَ فلا يريمُ والحب عنوان الطاعة ، وبالطاعة تبرهن على صدق الحب والتوجه، وهي – الطاعةُ- في وقت السلم عون على نيل النصر في زمن الحرب والشدّة . 4- إن صدق التوجه إلى الله يجعلك تحب إخوانك ، فتعاملهم برفق ويسر ، فتعفو عن زلاتهم ، وتصوّب أخطاءَهم وتتناسى هفواتهم، وتقف معهم صفاً واحداً في فعل الخير ودفع الشرّ، لا تستأثر بشيء دونهم ولا تتعالى عليهم ، بل تستشيرهم وتحاورهم وتنزل على رأيهم إن كان صائباً ، فإذا أنتم صف واحد قوي يصعب على الآخرين اختراقه ، ويقف سداً منيعاً أمام أمواج الخلاف والتواءات المشاحنة والبغضاء . والقوة في الوحدة ، والضعف في التفرق. وما نال العدو منّا وما يزال إلا بالأنانية والتنازع وتشتت الغايات وحب الذات. 5- إن الصبر مفتاح الثبات – أول هذه السمات التي ذكرناها، وقد مدح الله تعالى الصبر في مواطن كثيرة في القرآن الكريم وجعله سبب معيّته، وحضنا عليه ديننا العظيم ، ونبهنا إليه المربي الأول – رسولنا الكريم – صلى الله عليه وسلم. ولا يكون الظفر إلا مع الصبر ، وقد قيل لعنترة ما الذي أخاف منك الأقران ؟ قال : الصبر على مقارعتهم. وعدوّنا في محنتنا هذه يراهن على طول الزمن وصدع الوهن. والمصابرةُ دليل على الإيمان بقضيتنا ، ولا بد للشهد من إبر النحل . 6- لما خرجت قريش من مكة إلى بدر خرجوا بالقيان والدفوف فأنزل الله تعالى : { وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } . إن الأمان ورضا المولى سبحانه في الإخلاص والبعد عن الرياء والمفاخرة والتكبر. ذاك أبو جهل لما قيل له إن العير قد نجت فارجعوا قال (والله لا نرجع حتى نرد ماء بدر فننحر الجُزُر ونشرب الخمر وتعزف علينا القيان وتسمع بنا العرب فلا تزال تهابنا أبداً) فإذا بهم يردون الحِمام ويغيبون في قليب بدر أذلاء أشقياء في عذاب لا ينفك عنهم فجازاهم عليه شر الجزاء، وكانوا عبرة لمن تحدثه نفسه بالكبر والتعاظم على الحق ومجافاته. أما الإعدادُ المادّيّ فنراه واضحاً وضوح الشمس في قوله تعالى : { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60){(الأنفال). فلا بدّ من الإعداد المادي للمعركة : 1- ( قدر المستطاع ) والاستطاعة أن يبذل المرء جهده ولو كان هذا الجهد قليلاً وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه عقبة بن عامر: "{ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ } ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي " رواه مسلم . إن الدربة على السلاح وصنعه والاعتناء به وتطويره وتقوية الجسم على تحمّل المشقة هو الإعداد ، 2- وعن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الخيل ثلاثة : ففرس للرحمن وفرس للشيطان وفرس للإنسان فأما فرس الرحمن فالذي يربط في سبيل الله فعلفه وروثه وبوله - وذكر ما شاء الله - وأما فرس الشيطان فالذي يقامر أو يراهن عليها ،وأما فرس الإنسان فالفرس يربطها الإنسان يلتمس بطنها فهي له ستر من الفقر ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة ، الأجر والمغنم " 3- إن القوة والإعداد يرفع معنويات المجاهدين ، ويخيف أعداءهم ، ولن يحسب العدو لنا حساباً ولن يخاف منا ويرتدع عن الإساءة إلينا إلا إذا رأى منا قوة وعلم أن مكره عائد عليه وعلى مَن يؤيده ويشد عضده ، ويعجبني قولُ عنترة ( أشد على الضعيف الجبان فأضربه الضربة ينخلع لها قلب القوي ، فألتفت إليه فأقتله) ، إن القوة ترهب العدوّ الظاهر والعدوّ المداجي سواء بسواء. 4- أما قوله تعالى : { وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ } فهو الثواب الكامل الذي لا ينقص بل يُضاعف أضعافاً كثيرة لما للجهاد من ثواب عظيم ، ألم يقل الله تعالى في كثرة الثواب : { مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)}(البقرة). كرامة أمتنا في جهادها بالنفس والمال ، وثورتنا تطلب منا البرهان والدليل على صدق توجهنا فيها ،وشعبنا اليوم على المحك ، والنصر غال لا بد من دفع ثمنه لنكون أهله وصانعيه ، ولنلقى من ربنا الخير والفضل العميم . إنه ـ سبحانه ـ ينادينا .... فهل سمعنا؟ يتبع |
#6
|
||||
|
||||
سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا/د.عثمان قدري مكانسي/ق5
سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا الدكتور عثمان قدري مكانسي القسم الخامس يقول الله تعالى في سورة البقرة: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264)}. تقول العرب لِما يَمُنُّ : يدٌ سوداء. ولما يعطى عن غير مسألة : يدٌ بيضاء . ولما يعطى عن مسألة : يد خضراء ، وقال بعض الحكماء : منْ منَّ بمعروفه سقط شكره , ومن أعجب بعمله حبط أجره. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إياكم والامتنان بالمعروف فإنه يبطل الشكر ويمحق الأجر - ثم تلا - { لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ } ) . وقال صلى الله عليه وسلم كذلك : ( لا يدخل الجنة مدمن خمر ولا عاق لوالديه ولا منـّان ) . ورحم الله تعالى الشاعر الأريب إذ قال : أفسدت بالمنّ ما أسديت من حَسنٍ * ليس الكريم إذا أسدى بمنـّانٍ والقرآن الكريم جعل المنّ أذى ، فما المنّ؟: قال الجوهريّ في صحاحه : القطعُ والنقص . قال تعالى : { لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُون } غير مقطوع ولا منقوص. وقال الفيروزأبادي : غير محسوب ولا مقطوع. وعل هذا كان المنّ في العطاء ذمّاً ومنقصة وليس لأحد أن يمنّ غير الخالق العظيم سبحانه وتعالى فهو صاحب الفضل الحقيقيّ. فالصدقة تبطل بما يتبعها من المن والأذى فما بقي ثوابُ الصدقة بخطيئة المن والأذى، فهو كالمرائي ينفق أمواله دون أن يكسب أجراً ، وحين يعلم الله من صاحبها أنه يمنّ أو يؤذي فإنه لا يقبلها ويمنع الملـَك أن يكتبها – كما ذكر علماؤنا- . وقال أبو بكر الوراق : أحسن من كل حسن * في كل وقت وزمن صـنيعـة مربـوبـة * خـالـيـة من المـِنـَن وسمع ابن سيرين رجلا يقول لرجل : فعلت إليك وفعلت. فقال له : اسكت فلا خير في المعروف إذا أحصي قال القرطبي: قال علماؤنا رحمة الله عليهم : كره مالك لهذه الآية أن يعطي الرجل صدقته الواجبة أقاربه لئلا يعتاض منهم الحمد والثناء , ويظهر منته عليهم ويكافئوه عليها، فلا تخلص لوجه الله تعالى . واستحب أن يعطيها الأجانب , واستحب أيضا أن يولّي غيره تفريقها إذا لم يكن الإمام عدلا , لئلا تحبط بالمن والأذى والشكر والثناء والمكافأة بالخدمة من المعطى . يقول القرطبيّ رحمه الله تعالى: مثـّلَ الله تعالى الذي يمن ويؤذي بصدقته بالذي ينفق ماله رئاء الناس لا لوجه الله تعالى , وبالكافر الذي ينفق ليقال جواد ، وليـُثـنى عليه بأنواع الثناء . ثم مثـّل هذا المنفقَ المنّانَ أيضا بصفوان عليه تراب فيظنه الظانُّ أرضا منبتة طيبة , فإذا أصابه وابل من المطر أذهب عنه التراب وبقي صلدا , فكذلك هذا المرائي . فالمن والأذى والرياء تكشف عن النية، فتبطل الصدقة كما يكشف الوابل( المطر الشديد) عن الصفوان (وهو الحجر الكبير الأملس الذي لا يثبت عليه الماء بل يكشف عنه التراب ) . فذهب ثوابُه باطلاً لا نفع له فيه , فالقاصد بنفقته الرياءَ غيرُ مثابٍ كالكافر لأنه لم يقصد به وجه الله تعالى فيستحق الثواب . ولقد تحدث الإِمام الرازي عن الآثار السيئة للمن والأذى فذكر أن المنّ مذموم لوجوه : الأول : إنكسار الفقير الآخذ للصدقة ، يُضاف إليها غلظة المنعم الفظ فينقلب الإحسان إساءة والثاني : والمنُّ يبعد أهل الحاجة عن إظهار حاجتهم فيصيبهم العنت . والثالث : يجب أن يعتقد المعطي أن ما يفعله نعمة من الله عليه ، فإن اعتقد غير ذلك زلّ وأساء. إن الصدقة تربى لصاحبها حتى تكون أعظم من الجبل , فإذا خرجت من يد صاحبها خالصة على الوجه المشروع ضوعفت , فإذا جاء المن بها والأذى ذهبت أدراج الرياح . إنه سبحانه ينادينا منبهاً وآمراً ومحذراً ..... فهل نسمع ونتعظ. يتبع |
#7
|
||||
|
||||
سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا/د.عثمان قدري مكانسي/ق6
إنه ـ سبحانه ـ ينادينا الدكتور عثمان قدري مكانسي القسم السادس بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ْوَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104)}(البقرة) نهى الله تعالى عباده المؤمنين أن يتشبهوا بالكافرين في مقالهم وفعالهم وذلك أن اليهود كانوا يجتهدون في إيذاء الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم فقالوا : كنا تسُبُّ محمداً سراً ، فالآن نسبه جهراً لأنهم أرادوا بقولهم " راعنا " الرعونة { لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ } ، ويُهيّأ لمن يسمعهم أنهم إنما يريدون من النبي صلى الله عليه وسلم أن يراعيهم ويسمع لهم. وهؤلاء قال فيهم الله تعالى : { مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَـٰكِن لَّعَنَهُمُ اللَّـهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (46)}(النساء). وهم الذين يقولون " السام عليكم " يوحون بالسلام ويقصدون الموت ، فالسام الموت.فأمرنا أن نرد عليهم بـ " وعليكم" وإنما يستجاب لنا فيهم ولا يستجاب لهم فينا – كما جاء في الحديث الشريف الذي روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها. وفي الآية نجد نهيَ المؤمنين عن مشابهة الكافرين قولا وفعلا ، وذيّلها بالعذاب الأليم لمن خالف. فمن تشبه بقوم فهو منهم ، ومن جميل ما رواه ابن مسعود أن رجلاً قال له: إذا سمعت الله يقول { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ } فأرعها سمعك ، فإنه خيرٌ يأمر به أو شرٌّ ينهى عنه . وقال الحسن : { لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا } إنّ الراعن سخرية من قول محمد صلى الله عليه وسلم وما يدعوهم إليه من الإسلام . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أدبر ناداه من كانت له حاجة من المؤمنين فيقول أرعنا سمعك فأعظم الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقال ذلك له ، وكان رجل من يهود بني قينقاع يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيكلمه قائلاً : أرعني سمعك واسمع غير مسمع وكان المسلمون يحسبون أن الأنبياء كانت تفخَّم بهذا ، فكان الناس يقلدونهم . فنبههم القرآن إلى حُسن مخاطبة النبي والتأدب في الحديث معه ، ولعلنا نذكر في سورة الحجرات وجوبَ توقير النبي صلى الله عليه وسلم في النداء الرائع : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2)} ، ليحذروا المنزلق الذي قد يقعون فيه دون أن يشعروا فيهلكوا، وقد كاد الخيّرانِ أبو بكر وعمر رضي الله عنهما يهلكان حين ارتفعت أصواتهما أمام رسول الله في تأمير ركب من بني تميم ،فاختلفا فيمن يُؤمّر ، فنزل النهي في رفع الصوت أمام القائد العظيم ، فكان الصديق بعد هذا يقول : والله لا أكلمك إلا كأخي السرار - أي الهمس – وكان الفاروق يخفض صوته حتى يكاد لا يُسمع ، رضي الله عنهما ، ما أرْوَعَهما وأعظَمهما. وما أشد شفافية قيس بن الشماس – وكان جهير الصوت – حين سمع آية الحجرات هذه ظنّ نفسه المقصودَ بها فلزم بيته يبكي خوفاً وحزناً أن يحبط عمله، فلما افتقده رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلم سبب احتجابه عنه طيّب خاطره وقال له: أنت من أهل الجنّة . واقرأ معي قول سيد قطب رحمه الله تعالى في تعليقه على هذه الآية : لقد وعى المسلمون هذا الأدب الرفيع ، وتجاوزوا به شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كل أستاذ وعالم لا يزعجونه حتى يخرج إليهم ، ولا يقتحمون عليه حتى يدعوهم . يُحكى عن أبي عبيد – العالم الزاهد- أنه قال : ما دقـَقـْتُ على عالم باباً قطّ حتى يخرج في وقت خروجه. نحن بحاجة إلى أن يحترم المسلمون علماءهم وأن يُجل أحدنا الآخر ، فنضرب مثلاً في الأخلاق الإسلامية الحضارية التي جعلتنا سادة العالم ومربيه ، فننتشله من وهدة الجهل وعِمايته إلى ذروة السموّ والأدب الرفيع .. إنه ـ سبحانه ـ ينادينا .... فهل سمعنا النداء ووعيناه؟! يتبع |
#8
|
||||
|
||||
سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا/د.عثمان قدري مكانسي/ق7
سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا الدكتور عثمان قدري مكانسي القسم السابع بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153)}(البقرة). أمر المسلم عجيب ، يربح في اليسر والعسر ،والسراء والضراء عندما يكون رضا الله سبحانه نصب عينيه، ولعلنا نذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي يرويه صهيب بن سنان" عجبًا لأمرِ المؤمنِ ، إنَّ أمرَه كلَّهُ له خيرٌ، و ليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمنِ ، إن أصابتْهُ سرَّاءُ شكر وكان خيرًا لهُ ، و إن أصابتْهُ ضرَّاءُ صبرَ فكان خيرًا له" فما يُقضى له بشيء فيرضاه ويحتسب أجره عند الله تعالى إلا فاز وأفلح. تقف في صلاتك بين يدي الله سبحانه تعلن الحب والإيمان والخضوع له ، وتسأله العون في أمورك فتلجأ إلى ملاذ أمين وحصن حصين، ولك أن تقف بباب الكريم في كل لحظة من حياتك لا يردّك عنه مانع ، إنما يحب الله سبحانه أن تلِحَّ في التقرب منه،على عكس صلتك بالمخلوق الذي يتأفف إن لزمته ويأنف أن يجيب سُؤلك ويضجر منك: لا تسألنّ الناس أدنى حاجة * وسـل الـذي أبـوابُـه لا تُحجـبُ والصبر دليل عزم وقوة شكيمة ، وهو ثلاثة أنواع :فالله يغضب إن تركتَ سؤاله * وإذا سألت المرءَ يوماً يغضبُ 1- فصبر على ترك المحارم والمآثم، 2- وصبر على فعل الطاعات والقرُبات ، 3- وصبر على المصائب والنوائب ولعله المقصود الأول هنا. قال أحدهم : الصبر في بابين : الصبر لله بما أحب وإن ثقل على الأنفس والأبدان، والصبر لله عما كره وإن نازعت إليه الأهواء ،فمن كان هكذا فهو من الصابرين الذين يسلم عليهم إن شاء الله وقال علي بن الحسين زين العابدين إذا جمع الله الأولين والآخرين ينادي مناد: أين الصابرون؟ ليدخلوا الجنة قبل الحساب ؟ قال فيقوم عنق من الناس فيتلقاهم الملائكة فيقولون إلى أين يا بني آدم ؟ فيقولون إلى الجنة فيقولون وقبل الحساب ؟ قالوا نعم قالوا ومن أنتم ؟ قالوا نحن الصابرون. قالوا وما كان صبركم ؟ قالوا صبرنا على طاعة الله ،وصبرنا عن معصية الله حتى توفانا الله . قالوا أنتم كما قلتم ،ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين. ويشهد لهذا قولُه سبحانه { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴿10﴾}(الزمر). يذكر الطبري في تفسيره لهذه الآية : (فإنكم بالصبر على المكاره تدركون مرضاتي , وبالصلاة لي تستنجحون طلباتكم قـِبَلي وتدركون حاجاتكم عندي ، فإني مع الصابرين على القيام بأداء فرائضي وترك معاصيّ , أنصرهم وأرعاهم وأكلؤهم حتى يظفروا بما طلبوا وأملوا قِبَلي) . إننا بالصبر والصلاة نستعين على مصائب الحياة وننال الأجر العظيم { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴿10﴾}(الزمر). قال سعيد بن جبير: الصبرُ اعترافُ العبد لله بما أصاب منه واحتسابه عند الله رجاء ثوابه ، وقد يجزع الرجل وهو متجلد لا يرى منه إلا الصبر . ولعل من أنواع الصبر ( الصيام) لقوله صلى الله عليه وسلم: ( والصبر ضياء ) وفسره العلماء بالصوم وترك الملذّات وأطايب الطعام والشهوات. والصيام من عزائم الصبر. وما أروع الفاصلة التي أنهت الآية { إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } فمعيّة الله سبحانه أعلى ما يرجوه المرء ، إنْ وصل إليها شعر بالطمأنينة والأمن والأمان ونال مبتغاه، والحكمة الرائعة تصف حال أهل الصبر وحال الضعفاء عنها (فمن صبر ظفِر ومن لجّ كفر) . ونحن في مقارعتنا لعدو الله الذي دمر سورية الحبيبة واذاق أهلها المرار واستعان بالظلَمة أمثاله على الشعب المصابر نحتاجُ أيما حاجة إلى الصبر على قضاء الله وإعداد العدة للثبات أمام مكر العدو وفساده ، ولا يكون هذا إلا بالعودة إلى الله والإخلاص في العمل والنية وترك حظوظ النفس والسير في أقصر طريق وأسرعه إلى مرضاة الله تعالى . أما الصلاة فهي الصلة الوطيدة بالمولى سبحانه ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حَزَبه أمر لجأ إلى الصلاة وقال: ( أرِحنا بها يا بلال ) فالراحة أن تكون في كنَف الله ورعايته ، وقال بأبي هو وأمّي: ( وجعلتْ قرّةُ عيني في الصلاة ) والصلاة هُوّيّة المؤمن وزاده في الطريق ، إن قبلتْ منه قُبل سائر عمله . هذا نداء الله ـ سبحانه ـ لنا ..... فهل سمعنا النداء ووعيناه؟ يتبع |
#9
|
||||
|
||||
سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا/د.عثمان قدري مكانسي/ق8
سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا الدكتور عثمان قدري مكانسي القسم الثامن بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172)(البقرة) قال مالك: إن الطيب هو الحلال . وقال الشافعي : الطيب المستلذ. ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال " يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ " وقال : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك ؟" ) ورواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة. فالمؤمن يأكل من طيبات ما رزقه تعالى و يشكر الله تعالى على ذلك ، وهذه من سمات عباد الله . والأكل من الحلال سبب لتقبل الدعاء والعبادة كما أن الأكل من الحرام يمنع قبول الدعاء والعبادة كما مرّ آنفاً. وسمي الحلال حلالا لانحلال عقدة الخطر عنه . قال سهل بن عبد الله : النجاة في ثلاثة : 1- أكل الحلال , 2- وأداء الفرائض , 3- والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم . وروى القرطبيّ أن سعيد بن يزيد قال: خمس خصال بها تمام العلم , وهي : 1- معرفة الله عز وجل , 2- ومعرفة الحق 3- وإخلاص العمل لله , 4- والعمل على السنة , 5- وأكل الحلال , ....فإن فقدت واحدة لم يرفع العمل . قال سهل : ولا يصح أكل الحلال إلا بالعلم , ولا يكون المال حلالاً حتى يصفو من ست خصال : 1- الربا 2- والحرام 3- والسحت (وهو اسم مجمل يقصد به الحرام كله) 4- والغلول 5- والمكروه 6- والشبهة . فمن التزم أمر الله فقد عبده ، ومن عبده بالطريقة الصحيحة فقد شكره. وبالشكر تدوم النِّعم. ولئن أمر الله تعالى المؤمنين بأكل الحلال فقد خصّهم بالخير تفضيلا ، وأمر غيرهم بذلك تحصيناً من المرض والأذى....والمقصود بالأكل الانتفاع به من جميع الوجوه. ولما امتن تعالى على عباده برزقه وأرشدهم إلى الأكل من طيبه ذكر أنه لم يحرم عليهم من ذلك إلا: 1- الميتة وهي التي تموت حتف أنفها من غير تذكية (وسواء كانت منخنقة أو موقوذة أو متردية أو نطيحة أو عدا عليها السبع). وقد خصص الجمهور من ذلك ميتة البحر لقوله تعالى " أحل لكم صيد البحر وطعامه " .ولحديث سمك العنبر في الصحيح والسنن إذ قال عليه الصلاة والسلام في البحر " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " . وروى الشافعي وأحمد وابن ماجه والدارقطني حديث ابن عمر مرفوعا " أحل لنا ميتتان ودمان (السمك والجراد) و(الكبد والطحال) . 2- والدم ( ما عدا الكبد والطحال وما خالط اللحم والعروق بعد تنظيفهما) لما فيه من ضرر. 4- وكذلك حرّم عليهم لحم الخنزير - قولاً واحداً - سواء ذكي أو مات حتف أنفه. 5- . وكذلك حرّم عليهم ما ذبح على غير اسمه تعالى من الأنصاب والأنداد والأزلام ونحو ذلك مما كانت الجاهلية ينحرون له . ومن عظيم رحمة الله بعباده الإباحة على الإطلاق في قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } ثم حصر التحريم فيما ذكر سابقاً ، قال صلى الله عليه وسلم: ( الحلال ما أحل الله في كتابه والحرام ما حرم الله في كتابه وما سكت عنه فهو مما عفا عنه ) فمن اضطر فلا بأس أن يتبلّغ ما يبقي عليه الحياة، ولا يُكثر، فالضرورة تبيح المحظور والاضطرار خوف الموت أو الإكراه . يريد الله تعالى لعباده أن يطعموا الطيب فلا يتغوّلوا في الحرام ولا يطغوا في التزيّد ، ولا يعتدوا على حرمات الله ولا حقِّ العباد . إنه يريد لنا أبداناً صحيحة قوية ومجتمعاً يعرف فيه أفراده حقوقهم فيلتزموها وحقوق غيرهم فيدَعوها . أما الاعتداء والبغي والظلم فمنقصة تفتت الأمة ، وتؤدي إلى خرابها ، والمسلم حريصٌ على بناء أمته نقياً من الضعف والشوائب راغبٌ في قوته وكماله. هكذا ينادينا الله تعالى ليرفع ذكرنا، ولنحيا في الدنيا أعزة وفي الآخرة كراماً . فهل سمعنا النداء ووعيناه؟ |
#10
|
||||
|
||||
سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا/د.عثمان قدري مكانسي/ق9
سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا الدكتور عثمان قدري مكانسي القسم التاسع يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ماإن سمعنا المؤذن يقيم الصلاة حتى كبر الإمام وتبعه المصلون و قرأ الإمام الفاتحة بصوته الشجي ثم هدأ قليلاً ليبدأ بعدها قراءة آيات مباركات ... يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ... وتوقف قليلاً .. قلت في نفسي : لم توقف ؟ هل نسي ما يود قراءته؟ ... فليبدأ بأية آية غيرها ، فلم يزل في البداية . لكنه كررها مرة أخرى وكأنه ينادينا بصوت يخرج من أعماق قلبه { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ........ " كان قلبي يرتج كبناء أصيب بزلزال هزه هزاً شديداً فبدأ يترنح ، يكاد يسقط .... فالإمام إذاً كان بوقوفه هذا مع تكرار " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ " يريد أن يوصل لنا النداء ، وأن نتفاعل مع كل كلمة بعده ، ولم يكن يريد لنا صلاة ميتة يسرح فيها الواقف هنا وهناك في هذه الدنيا الواسعة ، لا يدري كيف تنتهي الصلاة ولم يعِ منها شيئاً . ثم يظن أحدنا أنه أدى الصلاة وأرضى الله تعالى !! .. كان يريدنا أن نتلقى الرسالة و نفهم ما يتلوه على مسامعنا، وأن نكون فعلاً واقفين بخشوع أمام ملك الملوك ومالك الملك ، وأن نتدبر آياته بقلب حيّ ولبّ ذكي . فما بعد النداء أمر خطير جهله الناس على كثرة ما يتلى عليهم . " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ " : لبيك وسعديك – يارب – والأمر كله بين يديك . نحن – معشر المؤمنين – عبادك .... لك الأمر، وعلينا الطاعة والامتثال إن كنا مؤمنين . وسنكون بإذنك ومشيئتك مؤمنين دائما ً، تحبنا وترضى عنا ..... وتداعى إلى ذاكرتي بهذا النداء العلويّ الرائع الذي يرفعنا إلى مرتبة العبودية لله تعالى مدى حبه تعالى للمؤمنين ، إذ تكرر هذا النداء سبعاً وثمانين مرة يوضح الطريق المستقيم إلى مرضاته سبحانه ، ويبين السبيل الأقوم للحياة الطيبة في الدنيا والواعدة في الأخرى . " لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ " والوليّ – إخوتي الأحبة – الصديق الوفي ، والأخ الصدوق ، والناصح الأمين . وهل يعقل أن يكون الكافر الذي يكرهنا ويسعى جاهداً للإيقاع بنا وإيذائنا ، والذي يعمل ليل نهار على استئصال شأفتنا والكيد بنا أخا وصاحباً ونصوحاً ؟!! إنهم كما قال تعالى : { لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10)}(التوبة) .. وهل يعقل أن ترى ذكياً لبيباً بعد ذلك يتخذهم أولياء يلقي إليهم بالمودّة ؟! إن من يفعل ذلك واحد من اثنين لا ثالث لهما : غافل لاهٍ غبيّ أو منافق أظهر الإسلام وأبطن الكفر . أما الغافل اللاهي فقد أساء إلى نفسه دون أن يدري حيث استحق تتمة الآية " أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا " إنه حين يرضى لنفسه مصاحبة الكافر عدو الله فقد حكم على نفسه بالهلاك والويل والثبور وعظائم الأمور ، فضلاً عن غضب الله تعالى على من أسلم قياده وزمامه لعدو الله " إن الطيور على أشكالها تقع " وما يأمن لكافر إلا السفيه الغرّير . وأما المنافق فله عذاب أليم جزاءً وفاقاً ، بل " إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار " و الدرْك منازل النار والدرجة منازل الجنة {... فَأُولَـٰئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَىٰ (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ...(76)}(طه) . والدرك في النار سبع منازل أشدها : الهاوية ثم الجحيم ثم سقر ثم السعير ثم الحطمة ثم لظى ثم جهنّم .وللمنافقين أسفلها وهو "الهاوية " . لغلظ كفرهم وشدة غوائلهم ، وتمكنهم من المسلمين . نعوذ بالله أن نكون منافقين . .. قال ابن مسعود رض الله عنه : للمنافقين في الهاوية توابيت من حديد ، مقفلة في النار تقفل عليهم . وقال ابن عمر رضي الله عنهما : إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة ثلاثة : المنافقون : " إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ " من كفر من أصحاب المائدة : { قَالَ اللّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ (115)}(المائدة) آل فرعون : { النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)(غافر) أما درجات الجنة فهي مئة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن في الجنة مئة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله ، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض " . وهل هناك من ينصر هؤلاء المنافقين ؟! حاشا وكلاّ .. إن الله خصيمهم . " وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا " ومن يقف أمام الله تعالى ؟! بل { مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } وهل يشفع أحد إلا لمن يريد الله تعالى له الخير ؟ { وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى } . ومن رحمة الله تعالى بعباده أن يترك لهم باب الأمل مفتوحاً على مصراعيه ، ولو فعلوا ما فعلوا ، ألا نقرأ دائماً { بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } في كل لحظة من حياتنا فهو الرحيم بعباده ، الرؤوف بهم ، الغفور لزلاتهم . العطوف عليهم ، المسامح الكريم ، لا إله إلاّ هو ... يدعوهم إليه كل حين {... إِلاَّ الَّذِينَ ... 1- تَابُواْ 2- وَأَصْلَحُواْ 3- وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ 4- وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا . فلا بد من التوبة النصوح التي لا رجوع بعدها إلى الكفر والشرك . والعمل الصالح الذي يجب ما قبله ويمحوه ، ويؤكد توبة صاحبه ويدل على صدق توجهه . واللجوء إلى الله تعالى أن يبدل السيئات حسنات ، ويغفر الذنب ويستر العيب ، ويعين على التوبة والعمل الصالح ، فبالله المستعان دائما . والإخلاص في الأمور كلها لله تعالى ، فبالنية الخالصة تقبل الأعمال " إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى " . وهنا يضمهم الله تعالى إلى ركب المؤمنين الصالحين الذين وعدهم الله عز وجل بالأجر العظيم . قال مكحول رحمه الله تعالى : أربعٌ من كنّ فيه كنّ له ، وثلاثٌ من كنّ فيه كنّ عليه . أما أربع الصفات التي إن كنّ فيه كنّ له ( أي كنّ في ميزان حسناته ) فالإيمان والشكر : { مَّا يَفْعَلُ اللَّـهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللَّـهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147)}(النساء). والاستغفــــــار : { وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)}(الأنفال). والدعــــــــــاء : { قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77)}(الفرقان) " . وأما ثلاث الصفات التي إن كن فيه كن عليه ( أي كنّ وبالاً عليه ) فالمكـــــــــــــر : { ... وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ....(43)}(فاطر) . والبغــــــــــــي : { .... يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم....(23)}(يونس) . والنكــــــــــــث : { ... فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ ...(10)}(الفتح) . فهل سمعنا النداء ووعيناه؟ يتبع |
أدوات الموضوع | |
|
|