جديد المواضيع |
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
اللواء الركن محمود شيت خطاب/د.أكرم عبد الرزاق المشهداني
اللواء محمود شيت خطاب 1919 ــ 1998 القائد العراقي الذي توقع حرب حزيران قبل وقوعها الدكتور أكرم عبد الرزاق المشهداني محمود شيت خطاب، أحد عمالقة العراق والأمة العربية، في عالم الفكر والعسكرية والتاريخ الاسلامي والأدب واللغة، طغت شهرته في الآفاق لما تركه وراءه من مؤلفات فاقت العشرات.
محمود شيت خطاب هو ذلك القائد العسكري العراقي الذي توقع وقوع حرب حزيران عام 1967، وحدد موعدها في اليوم الذي تعتزم فيه إسرائيل شن حربها يوم 5»6»1967، ونشر توقُّعه في جريدة العرب ، الصادرة في بغداد يوم 1»6»1967، تحت عنوان حربٌ أو لا حرب قال فيه إن نفير إسرائيل سيكتمل يوم الخامس من يونيو» حزيران سنة 1967م، فتكون إسرائيل جاهزة للحرب في هذا اليوم، وستهاجم إسرائيل العرب في هذا اليوم حتماً ، ولكن لا مجيب وسناتي للقصة لاحقا. ولد بمدينة الموصل عام 1919 من اسرة تمتهن النجارة، ونشأ نشأة إسلامية ملتزمة، وهو شريف النسب إذ ينتهى نسبه إلى الحسن بن علي بن ابي طالب، وهو رجل عسكري، درس العسكرية في العراق وبريطانيا، شارك في حرب فلسطين عام 1948م، وتقلّد مناصب وزارية عدة، وشارك في عضوية لجان عربية وإسلامية عديدة، وهو شقيق شيخ قضاة العراق القاضي العراقي المعروف المرحوم ضياء شيت خطاب. أما والدته فإنها قيسية. وهي ابنة الشيخ مصطفى خليل قره مصطفى من علماء الموصل المشهورين بعلمهم وورعهم. وقد تولت جدته لأبيه حضانته، لأن والدته سرعان ما رزقت بأخ له بعد سنة من ولادته، وكان لجدته الدور الأكبر في تربيته على الإسلام، والأخلاق الإسلامية، فقد كانت تصحبه إلى المسجد لصلاة المغرب، وتبقى معه حتى تصلي العشاء ثم تعود به إلى البيت، واستمرت رعايتها له إلى أن توفاها الله وعمره ستة عشر عاماً. نشأ محمود شيت خطاب في بيت علم ودين يقرأ فيه القرآن الكريم صباح مساء. ويضم مكتبة عامرة بالمصادر المطبوعة والمخطوطة. قرأ القرآن الكريم على احد الشيوخ وحفظ شطراً منه. وخلال سني دراسته في مدينة الموصل درس علوم اللغة والتفسير والحديث على شيوخ مدينته وحج الى بيت الله الحرام عام 1935 حين كان في الصف الثالث المتوسط. لقد كانت البيئة التي نشأ فيها، والمحيط الذي عاش فيه يلتزمان العبادة، من صلاة، وصيام، وزكاة، وتلاوة للقرآن الكريم، ويلتزمان الخلق الإسلامي من تعاون وإخاء وتواصل وتزاور. درس لدى الكُتّاب مبـادئ الإسـلام، وتجـويد الـقـرآن وتلاوتـه وحفظـه وتعلم فـيه الخط، ثم التحق بالمدرسة الابتدائية في السنة الثامنة من عمره، وواصل تعليمه فيها حتى أكمل المراحل الثلاث الابتدائية والمتوسطة والثانوية. وكان يصحب والده إلى مجالس الحيّ، حيث يجتمع الأعيان في مجلس يسهرون فيه على سماع الأخبار، وقراءة الكتب النافعة، وتدارس مشكلات الناس، ومساعدة من يحتاج إلى المساعدة، وحلّ المعضلات التي تعترض الأفراد والأسر. وكان والده يكلفه بقراءة أحد كتب التاريخ على الحضور، ومعظمهم من أهل العلم واللغة، فكان ذلك سبباً من أسباب حرصه على إتقان القراءة، وعشقه للتاريخ، وانصرافه للكتابة فيه، وكانت باكورة إنتاجه كتابه الرسول القائد الذي صدر سنة 1958م، ثم تتابعت كتبه الأخرى بعد ذلك. حياته العلمية والعملية كان محمود شيت خطاب يرغب في دراسة الحقوق بعد حصوله على الثانوية، ولكن شاء الله غير ذلك، حيث التحق بالكلية العسكرية سنة 1937م وتخرّج فيها برتبة ملازم في سلاح الفرسان، وقد سأله آمر السرية أتشرب الخمر؟ أتلعب القمار؟ أتحب النساء؟.. ولما نفى خطاب ذلك، قال آمر السرية إن انضمامك إلى سريتي نكبة عليّ . واستكمل مراحله العسكرية، وتخرج برتبة ضابط ركن، وابتعث إلى دورة في بريطانيا لمدة سنتين، وهكذا حتى وصل إلى رتبة لواء ركن. شارك في ثورة رشيد عالي الكيلاني سنة 1941م، وأصيب بشظايا من قنابل الإنكليز، ولكن شاء الله له الشفاء، رغم شكوك الأطباء، كما تعرض لمؤامرات الشيوعيين أيام عبدالكريم قاسم بعد ثورة الشواف بالموصل، وناله التعذيب الشديد وأصابته كسور كثيرة، وبقي في المعتقل لمدة ثمانية عشر شهراً. مارس التدريس في الكليات العسكرية في العراق ومصر، وكان من فراسته ودقة دراسته للعدو الصهيوني، أنه حدد اليوم الذي عزمت فيه إسرائيل أن تضرب ضربتها وهو يوم 5»6»1967م، ونشر هذا في جريدة العرب البغدادية يوم 1»6»1967م، حتى إن المؤلف الإسرائيلي صاحب كتاب الحرب بين العرب وإسرائيل أثنى على عبقرية اللواء محمود شيت خطاب، ووصفه بأنه أكبر عقلية استراتيجية في العرب، ولكنه لا يجد من يستفيد منه. التحق بالكلية العسكرية ببغداد عام 1937 وتخرج فيها برتبة ملازم ثانٍ. وتخرج في كلية الأركان وهو برتبة نقيب عام 1947. وحصل على شهادة عليا في كلية الضباط الأقدمين عام 1954. وبشهادة مماثلة من كلية الضباط الاقدمين في انكلتراعام 1955 وشهد اربعاً وعشرين دورة تدريبية عسكرية في العراق وشمال افريقيا وانكلترا. ومنها دورات الفروسية والأسلحة والتعبئة والضباط الاقدمين جرح في الحرب مع الانكليز عام 1941. وشارك في حرب فلسطين عام 1948. وبقي مع الجيش العراقي في جنين اكثر من سنة. وتولى مسؤولية النظام والأمن في مدينة الموصل ابان الانتفاضة عام 1956 ورفض الاوامر التي صدرت له بضرب المتظاهرين المناصرين لمصر ابان العدوان الثلاثي. دخل السجن بعد ثورة الموصل عام 1959 وبقي فيه حتى عام 1961. وتولى منصب الوزراء عدة مرات وعين وزيراً للمواصلات بعد ثورة تموز 1968. وكان وقتها في مصر رئيساً للجنة توحيد المصطلحات العسكرية للجيوش العربية. وتفرغ كلياً لبحوثه ودراساته وللتدريس في الجامعات العسكرية العربية على الرغم من انه عرضت عليه عدة مناصب رفيعة. وقدم محمود شيت خطاب عدداً من الاحاديث المختلفة في الاذاعات العربية في موضوعات تاريخية وعسكرية بين عامي 1966 ــ 1980 في عدد من الاقطار العربية والعراق. عني محمود شيت خطاب عناية خاصة بدراسة التاريخ العربي الاسلامي ولا سيما تاريخ البطولة والحروب والفتوحات. واوضح في كتابه الرسول القائد اهمية الرسول الكريم قائداً عسكرياً ويقرر محمود شيت خطاب واقعية الرسول الاعظم وأنه اذا أراد شيئاً هيأ له أسبابه وبين دوره في الحروب التي قادها ضد المشركين مبيناً قدرته الفائقة على اعدائه من الناحية القيادية والادارية والحربية. ويثبت عبر فصول الكتب الخمسة عشر بأن انتصارات الرسول الاعظم تعود الى شجاعته الشخصية وسيطرته في احلك المواقف وقدراته السريعة الجازمة في أخطر الظروف وعزمه الأكيد على التشبث باسباب النصر وتطبيقه مبادئ الحرب المعروفة في كل معاركه تلك العوامل الشخصية التي جعلته يتفوق على اعدائه في الميدان. ويعزو المؤلف تميز الرسول الكريم في القيادة الى ميزتين 1 ــ انه قائد عصامي 2 ــ ان معاركه كانت لفرض حماية الاسلام ونشرها وتوطيد أركان السلام لا العدوان والاغتصاب. ويقسم حياة الرسول من الناحية العسكرية الى اربعة أدوار دور التحشد، ودور الدفاع عن العقيدة. ودور الهجوم، ودور التكامل. لقد كان هذا الكتاب العلمي المنصف السبب في شهرة محمود شيت خطاب بين قرائه في جميع أقطار الوطن العربي. وتوالت كتبه في هذا الصدد فظهر في عام 1964 عدة كتب حول قادة الفتوح وبعد مقدمة عن النواحي الاجتماعية والسياسية والدينية في هذه الامصار والعقائد والديانات السائدة فيها قبل الفتح الاسلامي بدأ بفتح بلاد فارس في عهد الخليفة عمر بن الخطاب وبدأ بقادة فتح الجبل ضرار بن الخطاب الفهري فاتح ماسيذان والنعمان بن مقرن المزني فاتح رام هرمز وحذيفة بن اليماني العبسي فاتح همدان والري والبراء بن عازب الانصاري فاتح ابهر وقزوين وجيلان وزنجان ثم انتقل المؤلف الى دراسة قادة فتح الاحواز وهم حرملة بن مريطة التميمي وسلمة بن القين التميمي وحرقوص بن زهير التميمي السعدي وجزء بن معاوية التميمي وأبو سبرة بن ابي رهم القرشي العامري، وزير بن عبد الله الفقي والربيع بن زياد الحارثي وسلمة بن قيس الاشجعي وابو موسى الاشعري ثم انتقل الى قادة فتح طبرستان وقادة فتح الشام ومصر وليبيا وبّيّن الدور الذي لعبه عمر بن الخطاب في قيادته الحكيمة واعتماده على الشورى والمعلومات والحرص والفطنة وبعد النظر والشجاعة والقابلية البدنية وتحمل المسؤولية ومعرفة مبادىء الحرب العادلة. واعداد الخطط التسويقية والاستراتيجية وتنظيم الناحية الاقتصادية وتأمين السكن للمجاهدين. والحرب العادلة. وكان يقرض الشعر إلى جانب ذلك، وله فيه إسهام طيب، وإن كان مقلاً فيه. ويقول إن الدعوة التي تبناها المبشرون وعملاء الاستعمار وأذنابهم في إبعاد الدين الإسلامي عن الحياة، دعوة مريبة، هدفها إبعاد العرب عن الناحية المعنوية في حياتهم فالعرب جسم الإسلام وروحه، ولا بقاء للجسم بدون روح. إن قوى هائلة تعمل على تحطيم هذا الجيل، وتفتيت قدراته وكانت قبل مقصورة على العدو الخارجي، أما اليوم فقد وجدت لها مرتكزات، لا تحصى في الداخل وإن ارتباط مستقبل هذا الجيل صعودا أو هبوطا بمدى التزامه هداية الإسلام، أو إعراضه عنه. إن المسلمين اليوم في حاجة ماسة إلى قادة كخالد والمثنى وغيرهم إلا أن حاجتهم إلى العلماء العاملين أمس وأشد. هناك أزمة ثقة بين الشيوخ والشباب.. ومرد ذلك إلى فقدان عنصر القدوة الصالحة في معظم الذين يعدون في الشيوخ ويظنون أن كل ما عليهم هو أن يحسنوا عرض الموعظة السطحية ولو كان سلوكهم الشخصي أبعد ما يكون عما يدعون إليه . وفي 17 تموز سنة 1968 عُيّن وزيراً للمواصلات، وكان يومها في مصر رئيساً للجنة توحيد المصطلحات العسكرية للجيوش العربية التي أعدت المعجمات العسكرية الأربعة الموحدة، فاعتذر عن عدم قبول هذا المنصب فقد آثر العمل في المجالات العلمية على العمل في المناصب الحكومية، وبقي في القاهرة حتى أخرج المعجمات العسكرية الموحدة الأربعة المعروفة، والتي أعيد طبعها مرات عديدة، وكان هو الذي اقترح توحيد هذه المصطلحات، وهو الذي وضعها حيز التنفيذ. عاد شيت خطاب من مصر إلى العراق سنة 1973م، فعُرضت عليه عدة مناصب حكومية رفيعة، لكنه اعتذر عن عدم قبولها، وتفرغ كلياً لبحوثه ودراساته، وللتأليف، والتدريس في المدارس والمعاهد والجامعات العسكرية في أرجاء البلاد العربية. من ذلك شهادة العلامة الشيخ محمد أبو زهرة الذي قال عنه قائد يعرف خصمه، ويدرك مراميه، حتى إنه ليتوقع الحرب أو الهجوم من عدوه في ميقاتها وقبل أن يعلنها. علم بهجوم اليهود سنة 1967م قبل أن يعلنوه، وقبل أن يقدره الذين كانوا ــ في زعمهم ــ يديرون الأمور. ويقول الإمام العلامة الشيخ محمد أبو زهرة : إن صديقي الكريم اللواء الركن محمود شيت خطاب القائد العظيم المدرك، والوزير المخلص ــ وقليل ما هم ــ سعدت بمعرفته، وأحسست بأني أعرفه منذ سنين، يسير بفكره، وقوله وعمله في خط مستقيم كاستقامته، وقد جمع الله له من الصفات ما تسمو به واحدة منها عن سفاسف الأمور، وتتجه إلى معاليها أولها الإخلاص في القول والعمل. وثانيها الإدراك الواسع، والعلم بما حوله، وتعرف الأمور من وجوهها، وإدراكها من مصادرها، فقلمه نقي وفكره ألمعي. وثالثها إيمان صادق بالله ورسوله النبي الأمين. ويكمل هذه الصفات همة عالية، وتجربة ماضية، وخبرة بالعلم والحرب، وخصوصاً ما كان بين العرب واليهود، وهو عالم بالعربية، وملم إلماماً عظيماً في شؤون الدين، وقارئ يتقصّى الحقائق فيما يقرأ، ينفر من التقليد للفرنجة، ويؤثر ما في القرآن والسنَّة، وهو قائد يعرف خصمه، ويدرك مراميه، حتى إنه ليتوقع الحرب أو الهجوم من عدوه في ميقاتها وقبل أن يعلنها، وقبل أن يفكر فيها من سيكونون حطبها، لأنه يعلم الخصم ومآربه وحاله، ويتعرف من ذلك مآله، لقد علم بهجوم اليهود سنة 1967م، قبل أن يعلنوه، وقبل أن يقدره الذين كانوا في زعمهم يديرون الأمور، ويلبسون لكل حال لبوسها. وبعد مقابلة تمت بينه وبين الأديبة الكبيرة الدكتورة عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ في حضرة الأديب الأستاذ عبد الله الطنطاوي، والشاعر الأستاذ محمد الحسناوي، وذلك أواخر الثمانينيات، بعد هذه المقابلة قالت عنه بنت الشاطئ لقيته شيخاً جليلاً، وعالماً وقوراً، يغلبه هم المسلمين، ويبكي مآسيهم، ويتحرق لعمل يستنقذ فيه أمة العرب والإسلام، ويستحث همم جلسائه وزوّاره، ويحرّك عزائمهم، ويثير فيهم الغيرة الدينية للنهوض بواجب الإسلام والدعوة إليه، والعمل لإعزازه، وإعادة مجده. يقول الدكتور يوسف ابراهيم السلوم زرته بالمستشفى العسكري بالرياض عام 1410هـ قبل وبعد العملية التي أجريت له في القلب، ولمست منه الشجاعة الأدبية والإيمان القوي، والرضاء بالقدر، وصبره على الآلام، مع كبر سنه، ورغم ذلك كانت حقيبته لا تخلو من بعض المؤلفات الجديدة له، وتفضل مشكورا بإهدائي بعض النسخ منها، كان يتحدث مع زواره بروح عالية، فازددت تعلقا به، ومحاولة معرفة المزيد من سيرته وحياته، وكنت أتابع ما يصدر له من كتب ومؤلفات وبحوث ومقالات، فأجد فيها المعين لي في حياتي العسكرية لتأصيل العلوم والثقافة العسكرية حتى أصبحت مدرسة متميزة . ويقول الأديب عبد الله الطنطاوي عاش اللواء خطاب عصراً متفجراً من أعنف العصور، وكان نصيب العراق كبيراً من الحرائق والمعاول بعد فلسطين الذبيحة، وكان اللواء خطاب شاهد القرن على تلك الكوارث والمآسي التي اجتاحت العراق والشعوب العربية والإسلامية، فكان ميلاد الكيان الصهيوني، ثم شهد هزيمة الأنظمة العربية في حرب حزيران يونيو سنة 1967م. عاش محمود شيت خطاب عصره بكل ما فيه، وناله الكثير مما فيه، وعاه بعقله وذكاء قلبه، وأسهم في إطفاء بعض الحرائق . ويقول اللواء المهندس المتقاعد عبد الستار هاشم سعيد الكيلاني ان العلامة محمود شيت خطاب من اعلام المؤرخين العراقيين ومن أوائل العسكريين الذين كتبوا في التاريخ الإسلامي ولقد كان قوي الفكر قوي الارادة رحمة الله عليه. وسط فوضى التصريحات والتنظيرات التي سيقت عدوان الخامس من حزيران عام 1967، كانت هناك جريدة عراقية تصدر ببغداد، بثمان صفحات وعدد العاملين فيها ستة إدارة وتحريراً هي جريدة العرب تنشر على صفحتها الثالثة يوميا، سلسلة دراسات عسكرية، إعتبارا من العشرين من شهر مايس 1967 تحت عنوان حرب ام لا حرب بقلم اللواء الركن محمود شيت خطاب، وكان العبد لله، مكلفاً من رئيس تحرير الجريدة الحاج نعمان العاني، بجلب تلك المقالات.. وقد تعوّد الكاتب خطاب، الذي ودّع الدنيا في العام 1999، وفي رأسه خزين هائل لا يقدر بثمن من المعلومات والقراءات للفكر العسكري الاسرائيلي، أن يهيئ ثلاث مقالات في كل مرة بحيث يكون، تحت يد رئاسة التحرير، مقالان، عدا المقال المنشور… وهكذا إستمر الحال.. كانت سعادتي، وأنا أتوجه الى دار ذلك الرجل الكبير، النابغة، لا توصف.. كنت أقضي عنده وقتاً يزيد على الساعة، قبل أن يسلمني مقالاته التي أصبحت الآن تاريخاً مضيئاً في مسيرة العقل العسكري العراقي والصحافة العراقية، أستمع فيها الى ينابيع الكلام من فم مليء بالحكم والعبر… ذهنه مرتب ويمتلك عقلية علمية منظمة . ويضيف الاستاذ الحلي المقال الذي أراد كاتبه أن ينشر سريعاً.. يا إلهي.. المقال، يحذر بصورة أكيدة ومؤكدة، بأن العدوان الإسرائيلي، واقع لا محال يوم الاثنين 5 حزيران . كان تحذير اللواء شيت خطاب، هواء في شبك الفوضى العربية، فاللحظات الحاسمة تحتاج الى حكمة وجرأة ومبادرة وتشخيص صحيح… كانت تلك الايام، تمثل لحظات خطيرة جدا في تأريخنا العربي، غير ان الفشل في إقتناصها أدى الى خسارة فادحة جداً… ولم يلتفت القادة العرب ووزراء الدفاع ورؤساء أركانهم الى صرخة الصحافة العراقية، التي أعلنت إحدى صحفها عن موعد العدوان بدقة.. كان العسكر والقادة نيام فيما الصحافة العراقية كانت يقظة. ويتساءل الاستاذ الحلي وإنني أتساءل بعد كل هذه السنين ترى كيف سيصبح حال العرب لو أخذوا بتحذير اللواء خطاب وقاموا بضربة إستباقية للحشود الاسرائيلية وهم يمتلكون آلاف الطائرات الهجومية وآلاف الصواريخ وملايين العسكريين. ألم ستتحول نكبة حزيران الى نصر حزيران ؟ وفاته في صباح اليوم الثالث عشر من شهر كانون اول سنة 1998م، كان اللواء خطاب يجلس على كرسي عتيق تحت درج منزله، وجاءت ابنته تودعه، وقبل أن تغادر المنزل إلى الجامعة، طلب منها أن تجلس معه لتقرأ سورة يس ، فجلست وجاءت زوجته وجلست وقرأت البنت سورة يس وكان يقرأ معها، فأحس بجفاف في حلقه بعد الانتهاء من قراءة السورة، فطلب من زوجته أن تأتيه بكأس من الشراب، وأسرعت الزوجة إلى المطبخ وهي تسمع زوجها يردد أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.. وكررها مراراً ثم سكت، وابنته تنظر إليه وتردد معه شهادة الحق، فأسرعت زوجته إليه لتراه كالنائم، قد أسلم الروح لبارئها. رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته مع النَّبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، وجزاه الله عن الإسلام والمسلمين كل خير. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. عن جريدة الزمان |
#2
|
|||
|
|||
جزاك الله خيراً
|
أدوات الموضوع | |
|
|