#1
|
||||
|
||||
سورة الرحمن.
" الرحمن " من أسماء الله الحسنى، ويكثر أن يقترن باسم الذات " قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن... " . ومن آلاء الله العظمى أنه لم يترك البشر دون هداية تقود خطاهم وترسم هدفهم، فكان هذا القرآن الكريم جامعا لما أودع فى صحف الأنبياء الأولين ومتضمنا أسباب الرشد للناس حتى قيام الساعة، فهو فى سورة الآلاء النعمة الأولى على صاحب الرسالة الخاتمة " وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم" . وهو نعمة عظمى على كل من درسه وفقه الناس فيه " خيركم من تعلم القرآن وعلمه " لأنه يخلف الأنبياء فى تبليغ الرسالة ومحو الجاهلية " الرحمن * علم القرآن ". ومن خصائص الجنس البشرى نعمة البيان ونقل المعنى إلى الآخرين بألسنة شتى. ثم بين جل شأنه أن الكون محكوم بسنن ضابطة، وأن الكواكب لا تتجول فى الفضاء كما يحلو لها، إن لها مسارا مرسوما وسرعة محددة، وعليها إشراف دقيق! وكذلك ما ينمو على الأرض من زرع له ساق مرتفعة أوله ساق تمتد على الثرى، كلاهما خاضع لنظام محكم " وأنبتنا فيها من كل شيء موزون" . إن جنبات الكون تشبه آلات الساعة التى تحصى الزمن " الشمس والقمر بحسبان * والنجم والشجر يسجدان * والسماء رفعها ووضع الميزان * ألا تطغوا في الميزان ". وقد يظهر الفساد فى البر والبحر بسبب فوضى الناس! وقد يقع ثقب فى طبقة "الأوزون " بسبب الإسراف والطغيان، بيد أن قياد الكون لن يضطرب فى يد خالقه! ولن يختل التوازن العام فى قوانين المادة، إلى أن يأذن الله بفناء العالم وإعادة الخلق بعد بدئه وإفنائه.. ص _423
ونحن مكلفون خلال هذه المدة بإقامة العدل سواء فى تبادل السلع أو فى إعطاء كل ذى حق حقه من الناحية الإدارية والاجتماعية " وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان ". ومن نعم الله على خلقه ثمرات الزروع والنخيل، فمع الفواكه الحلوة حبوب فى أغلفتها التى تطير مع الريح كالقمح والأرز، ويعتمد أغلب البشر عليها فى غذائهم، كما أن تبنها تأكله الدواب.. ثم هناك الورد والريحان متعة لمن شاء..! وقد تكررت آية " فبأي آلاء ربكما تكذبان " إحدى وثلاثين مرة خلال هذه السورة، والخطاب فيها للإنس والجن المكلفين بعبادة الله فى هذه الدنيا... ويمكن تقسيم السورة كلها إلى أربعة فصول: الأول تكلم عن الخلق والإبداع. والثانى عن الفناء والبعث وجزاء المجرمين. والثالث عن أهل السبق من الطائعين. والرابع عن الذين يلونهم من المحسنين.. ومعروف أن آدم خلق من تراب، ثم من طين، ثم من صلصال من حمأ مسنون ـ منتن ـ ثم من صلصال كالفخار.. وخلقت ذريته من نطفة ثم علقة ثم مضغة إلخ.. هذه هى النشأة الأولى.. وسيملأ الناس أرجاء الأرض ثم يغلبهم جميعا الموت "كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ". ثم يستيقظون لمواجهة الحساب، ولن يفلت منهم أحد فأما الصالحون فإلى نعيم مقيم، وأما الفاسدون فيقادون إلى عقبى ما قدموا. " يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام" . وهؤلاء المجرمون يمرون بمراحل شتى، فقد يناقشون الحساب حينا ويسألون عما فعلوا ـ كما يقع فى دنيانا ـ لكن بعد البت فى شئونهم لا يبقى إلا التنفيذ، فيساقون إلى جهنم.. وفى توبيخ المقصرين، وكشف مخازيهم تتكرر هذه الجملة المثيرة " فبأي آلاء ربكما تكذبان ". على نحو أخاذ، فقد تفصل بين الشرط والجزاء وتكشف عقودتى المفرطين فى جنب الله قبل أن يذكر ما يفعل بهم مثل قوله جل شأنه " فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان * فبأي آلاء ربكما تكذبان * فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان " ص _424 هذه الجملة الأخيرة جواب إذا، وقبل أن يكتمل الجواب تكررت الآية " فبأي آلاء ربكما تكذبان". ثم يجىء الوصف المتمم لعقاب الخونة " يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام ". وهذه التكرار ناضح بشدة الغضب الإلهى على من جحدوا النعم وعاشوا يمرحون فيها دون أن يقدروا صاحبها! كما يقول الأب الغاضب لابنه العاق: أنا - أيها الخائن - أهان؟! أنا ينسى أمرى ويهدر حقى أيها العاق الخئون...؟! وتختم سورة الرحمن بوصف رقيق جميل للجنان التى أعدت للمتقين: هناك جنتان لأصحاب الدرجات العلا " ولمن خاف مقام ربه جنتان". ويتكرر الفصل بين الصفة والموصوف كما ذكرنا آنفا فى مثل قوله تعالى يصف الحور العين " فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان * فبأي آلاء ربكما تكذبان * كأنهن الياقوت والمرجان ". إن حقوق النعمة كبيرة، وحرام على من استمتع بها ألا يقدرها قدرها..! وألا يدفع لها ثمنها. وهناك جنتان أخريان لجماهير المؤمنين " ومن دونهما جنتان * فبأي آلاء ربكما تكذبان * مدهامتان". مع انتشار الخضرة وشيوع الظلال صح هذا الوصف. وقد وصف وادى الفرات ووادى النيل بأرض السواد، لغلبة الخضرة على الأرض، وهذه الجنان كلها قرة عين لأصحابها، جعلنا الله منهم. ص _425 |
أدوات الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه للموضوع: سورة الرحمن. | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | الأقسام الرئيسية | مشاركات | المشاركة الاخيرة |
إبدأ صفحة جديدة مع الله | معاوية فهمي | موضوعات عامة | 0 | 2019-12-31 11:27 AM |
هل سمعت بهذا من قبل | معاوية فهمي | موضوعات عامة | 0 | 2019-12-22 11:36 AM |
شرح سورة الجمعة | التوحيد | موضوعات عامة | 0 | 2019-11-23 11:06 PM |
الدروس المستفادة من سورة التوبة | معاوية فهمي | موضوعات عامة | 0 | 2019-11-03 12:16 PM |