#1
|
||||
|
||||
سورة النجم.
للعلم الإنسانى مصادر معروفة، أولها العقل ثم الحواس الخمس. وهناك مصدر ثالث اختص به بعض الناس وهو الوحى الصادق. أشار إليه يعقوب عندما قال لأبنائه: "وأعلم من الله ما لا تعلمون" . ومن تلقى شيئا من العليم بكل شىء، فقد اكتسب علما لا ريب فيه! والله لا يهب من علمه لكل إنسان. فالناس معادن، ولا يحمل الوحى إلا عباد مصطفون، عباد لهم طباع سماوية تأنف من الإسفاف والافتراء، تأفل النجوم وهم لا يأفلون وتغرب وهم لا يغربون! ومحمد من هؤلاء أو قل: هو إمام هؤلاء! وسورة النجم تصف كيف تلقى الوحى فتقول " والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى * علمه شديد القوى * ذو مرة... ". لقد سبق أن نودى موسى من شاطى الوادى الأيمن فى البقعة المباركة من الشجرة، ليكون راعيا للناس بعدما رعى الغنم سنين عددا. وهاهو ذا كبير الأنبياء الذى اعتزل الناس فى غار حراء يجيئه الملك فى صورته المهيبة ليبدأ مشوار الدعوة الكبرى. "ما كذب الفؤاد ما رأى * أفتمارونه على ما يرى"؟ والوحى المحمدى أساسه الحقيقة التى غابت عن كثيرين وحرمت من معرفتها أجيال. " إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى" . وهناك أديان أرضية وأخرى سماوية غام أفقها وانتشر فيه دخان من الأوهام والأباطيل، فشاع حديث عن الله لا يليق، واصطدم العلم والدين، وهما حقيقة واحدة. وكم من متدين ظلم الوحى بأهوائه " وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا". إن الدين علم مقطوع به والوحى حصانة للعقل وضمانة لأحكامه، وما خالف العقل لا يكون دينا، ولبعض الناس مرويات لا سناد لها يجعلونها دينا وماهى بدين. ص _417 وقد أصيب الإسلام نفسه بأهل إفك نسبوا إلى رسولهم أنه مدح الأصنام، وسماها الغرانيق العلا!! وما روى ذلك محدث ولا فقيه، ومن زعم ذلك فالإسلام منه برىء، إن النجم قد يهوى لكن محمدا ما هوى قط.. إن الإسلام نزل ليرسم طريق الإحسان للبشر، ومع أن الله غنى عن خلقه، إلا أنه يحب لهم الزكاة والرشد، والقرآن منهاج الاستقامة أو معراج الرفعة، فمن شاء أحسن ومن شاء أساء " ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى * الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى". والآيات مع نشدانها للكمال تفيد أن لكل جواد كبوة ولكل صارم نبوة، وأن طبيعة الأرض قد تغلب مهبط الروح، وأن المكلف ينبغى أن يشتد تعلقه بالمغفرة العليا، وأن يكون تعويله على الفضل الإلهى.. والمنتظر من أولى الألباب إذا عرض عليهم الدين أن يقولوا " ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا.. " . وأن تنضم إلى ذلك رغبة فى التسامى، وكراهية للإخلاد إلى الأرض. أما أصحاب العناد والسفه، فهم ينكصون على أعقابهم، ويرجعون القهقرى "أفرأيت الذي تولى * وأعطى قليلا وأكدى * أعنده علم الغيب فهو يرى" ؟ وليست هذه المسالك صفات شخص بعينه، فهى تصوير لنموذج الكفر الشائع قديما وحديثا. وقد رأيت ملاحدة العصر فرأيت الإعراض عن الحق والغرور بالباطل والاستعلاء على الآخرين والجمود على القليل المتاح لهم. والواقع أن الكفر بمحمد تجاوز للوحى كله والأنبياء عامة " أم لم ينبأ بما في صحف موسى * وإبراهيم الذي وفى * ألا تزر وازرة وزر أخرى * وأن ليس للإنسان إلا ما سعى * وأن سعيه سوف يرى * ثم يجزاه الجزاء الأوفى" . لب الإيمان الانتقال من الخلق إلى الخالق ومن العالم إلى ربه الكبير، فالحى والجماد يدلان على الله. ص _418 التفسير الموضوعى ومن يتصور أن الحياة داخل الدودة أو داخل الإنسان نفسه جاءت من داخل هذا الكيان نفسه فهو أحمق، لا الجرثومة ولا الإنسان يحركان أجهزة الحياة داخل إهابيهما! من قال: إننى آمر قلبى فينبض أوآمر مخى فيومض بالفكر؟ " وأن إلى ربك المنتهى * وأنه هو أضحك وأبكى * وأنه هو أمات وأحيا * وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى * من نطفة إذا تمنى ". إن الحياة فى ذواتنا وفيما حولنا وفى أعقابنا من بنين وبنات، مفاضة علينا من الوحيد الذى يملك ذلك كله وهو الله سبحانه.. وقد اغترأقدمون فهلكوا ولن يكون المتأخرون أفضل عقبى. وخواتيم سورة النجم آيات قصيرة عالية الصدى، بعيدة المدى، عميقة الأثر، متطايرة الشرر: "وأن عليه النشأة الأخرى * وأنه هو أغنى وأقنى * وأنه هو رب الشعرى * وأنه أهلك عادا الأولى * وثمود فما أبقى * وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى * والمؤتفكة أهوى * فغشاها ما غشى * فبأي آلاء ربك تتمارى " هكذا حصد الله المجتمعات الآثمة ولن يعجزه حصاد ما أشبهها فى الإلحاد والإجرام، فهل يعقل ذلك ملاحدة العصر الحديث؟! إن محمدا ليس إلا واحدا من النذر الأولى، إلى عقائدهم وفضائلهم دعا "ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك". فهل عيبه أنه رفض التعدد فى الآلهة، وأكد أن الله إله واحد؟ هل عيبه أنه رفض الكهانات وكشف أن رجال الدين لا يملكون مغفرة لأنفسهم ولا لغيرهم، وأنهم أناس مثلنا أو دوننا؟ " أفمن هذا الحديث تعجبون * وتضحكون ولا تبكون " ص _419 |
أدوات الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه للموضوع: سورة النجم. | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | الأقسام الرئيسية | مشاركات | المشاركة الاخيرة |
إبدأ صفحة جديدة مع الله | معاوية فهمي | موضوعات عامة | 0 | 2019-12-31 11:27 AM |
هل سمعت بهذا من قبل | معاوية فهمي | موضوعات عامة | 0 | 2019-12-22 11:36 AM |
شرح سورة الجمعة | التوحيد | موضوعات عامة | 0 | 2019-11-23 11:06 PM |
الدروس المستفادة من سورة التوبة | معاوية فهمي | موضوعات عامة | 0 | 2019-11-03 12:16 PM |