#1
|
||||
|
||||
سورة الشورى.
بعد خمسة من حروف الهجاء فى أول سورة الشورى، قال الله لنبيه " كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم " . إن الأنبياء يبعثون بلغات أممهم، والكلمات تتكون بداهة من هذه الحروف المأنوسة، وقد نزل القرآن على محمد بلسان عربى مبين، ثم بلغه النبى صلى الله عليه وسلم كما أنزل إليه، وفسره خلقا وسلوكا فى سيرته المشرقة. وكذلك فعل أصحابه وتلامذته من بعده، فهل محوا الشر من الأرض، وهل صوبوا كل خطأ؟ لقد بذلوا الجهد، ولكن الأرض مذ دب عليها البشر نسيت الوحى أو تناسته، وكانت كوكبا متمردا فى ملكوت يسبح بحمد خالقه " تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض ألا إن الله هو الغفور الرحيم " . وقد ذكر الوحى وحملته أول السورة وآخرها، وذكر خلالها ما كلفت به الأمة العربية من واجبات بعد ما اصطفاها الله لختام الوحى، وشرحت علاقتها بأهل الكتاب الأولين. " وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير " . ومعروف أن الإسلام دين عام خالد، وأنه للقارات الخمس إلى آخر الدهر، ولكن لابد من نقطة ارتكاز يبدأ منها انطلاقه، فكانت نقطة البداية " أم القرى ومن حولها ". أما ميدان البلاغ فهو العالم كله شرقه وغربه، وقد أدى محمد وصحابته واجبهم، وما مضى نصف قرن على البعثة حتى كان الإسلام قد بلغ المشارق والمغارب، وأسقط أعلام الأمم المستكبرة التى استعمرت آسيا وإفريقية! فما خبر حملة الوحى الأول؟ أما اليهود فقد انقطعت صلتهم بالدعوة إلى الله، وجعلوا الدين ميراثا قوميا يتأكلون به ص _375 ويفخرون، وأما النصارى فقد غلبتهم على حقائق الوحى فلسفات التعدد والفداء، والحديث الطويل عن ابن الله!! وقد جاء الإسلام فأعلن صلته الوثقى بموسى وعيسى، وقرر أنه يؤكد ويجدد الوحى الذى أرسلا به " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب ". والواقع أن دين الله واحد من بدء الخليقة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. رب تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن، وعباد خلقهم بقدرته ورباهم بنعمته ليس بينهم من يفارقه وصف العبودية، وأقربهم إليه منزلة أكثرهم له سجودا، وأشدهم له رغبة ورهبة. وهذا المعنى شائع فى القرآن طولا وعرضا، وهو لب دين محمد.. وقد عرفنا صدق محمد بعدما عرفنا الله بعقولنا، وبعدما رأينا الوحى المحمدى طابق العقل !ا نسب لله من حمد ومجد، ولم يقصر أنملة فى تقديسه وتوحيده! إن العقل أفضل مواهب البشر وما جرى على لسان محمد صورة طبق الأصل لما ينبغى لله من عظمة وخشوع وفق أدق مقاييس العقل البشرى. فلنترك الحاقدين على محمد يكذبونه، فإن إساءتهم له نابعة من إساءتهم لمولاه!! " وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب " . فما العمل من هؤلاء الكتابيين الجائرين؟ لا تنشغل بأحقادهم ولا تتجاوب معهم وامض فى طريقك هاديا ومقسطا " فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير " . وقد مضى الإسلام فى طريق الدعوة الحسنة والتفكير الواعى، واستجابت له جماهير أهل الكتاب فى آسيا الوسطى وشمال إفريقية، كما ثاب الوثنيون إلى رشدهم فى إيران وآذربيجان والهند والصين. لقد انزاحت السدود أمام الفيضان، فانطلق. ومع ذلك فقد بقى الآن فى أوربا وأمريكا من يكابرون الحق ويحاربون التوحيد ويضيقون ص _376 بمحمد، ليكن، فلن يضيروا الله شيئا " والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد " . وعاد الوحى مرة أخرى يحكى أقاويل خصوم الإسلام وخصوم محمد " أم يقولون افترى على الله كذبا فإن يشأ الله يختم على قلبك ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته إنه عليم بذات الصدور " . أى لو كان محمد كاذبا ما تركه الله يفترى عليه وينسب إليه هذا الدين الخطير، بل لسلبه العقل، ومحا ما ادعاه! وهذا مثل قوله تعالى فى سورة أخرى " ولو تقول علينا بعض الأقاويل * لأخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين * فما منكم من أحد عنه حاجزين " . ولكن الإسلام استبحر وشق طريقه حتى بلغ ما بلغ الليل والنهار. ولا يزال الأذان فى كل قطر يشهد لله بالوحدة ولمحمد بالصدق، كأنه ساعة تحصى الزمان لا يتوقف لها دق. ولقد كذب على الله بعض الناس وزوروا عليه وحيا مضحكا، فماذا كان مصيرهم؟ لقد امَّحى أثرهم وانقضى زيفهم، وبقى الخلود للحق وحده.. يصنع الإسلام من أفراد الأمة ربانيين يجعلون الله غايتهم ورضوانه أملهم والاستعداد للقائه شغلهم! هل معنى ذلك أنه يصنع أمة دراويش؟ كلا إنه يصنع أمة كدح وجهاد تخدم الدنيا والآخرة معا. والمهم أنها عندما تباشر شئون الحياة تدرك أن الله رقيب عليها، وأنها مسئولة عن إحسان كل ما يخرج من بين أصابعها، ولها على ذلك خير الدنيا والآخرة " وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون * ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله.. " . والفرق واسع بين مجتمع يعبد التراب وآخر يرمق رب الأرباب! ولذلك فإن السورة هنا ذكرت المؤمنين بعظمة بديع السموات والأرض، وساقت من الآيات ما يربط الألباب والقلوب بعظمته " وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته.. " . " ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة... " . " ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام " . ص _377 والآيات المذكورة تشير إلى القوانين الطبيعية التى تحكم البحار، وما يطفو فى عبابها من سفن، كما أنها تشير إلى قوانين الجاذبية التى تحكم الأجرام السماوية كلها. ونحن نعلم أن السماوات ملأى بالملائكة المسبحة بحمد الله أبدا، فهل هناك كائنات أخرى؟ هناك الجن وهو عالم آخر مكلف مثلنا. وربما كانت هناك مخلوقات أخرى سوف نجتمع بها يوما، لا ننفى ولا نثبت، المهم أن نحسن العيش على الأرض التى مهدها الله لنا، واختبرنا فوق ثراها. والغريب أن الحضارة الحديثة - مع تفوقها على الحضارات السابقة - عصفت بها الأهواء التى عصفت بالأمم البائدة، فلم تنجح فى مضمار الفضيلة والعدالة. وتحذيرا من ذلك تذكر السورة تسع خصال لابد منها كى ينجو الناس من الغضب الإلهى " فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى (1) للذين آمنوا (2) وعلى ربهم يتوكلون * (3) والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش (4) وإذا ما غضبوا هم يغفرون * (5) والذين استجابوا لربهم (6) وأقاموا الصلاة (7) وأمرهم شورى بينهم (8) ومما رزقناهم ينفقون * (9) والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون * وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين " (10). وربما ضحكت الدنيا للطغاة والمجرمين، فعاشوا وافرين مراحين، فما قيمة ذلك؟ " قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين " . من حق الناس أن يروا بينهم أمة تصون الوحى، وترعى أمره ونهيه وتقيم موازينه فى كل مكان، والأمة العربية التى شرفت بالوحى الخاتم جديرة أن تتبوأ هذا المنصب! وقد قامت أول أمرها بحقوقه، ولكنها على مر الأيام نسيت، بل جهلت!! وفى عصرنا هذا رأينا عجبا، رأينا العرب يبتعدون عن الإسلام ويعتزون بقوميتهم.. وتفرست فى هذه القومية المزعومة، ووضعت يدى فى جرابها، فوجدت زهدا فى الإسلام وفى لغته الفصحى على حد سواء ! وباسم القومية العربية، ازدهرت الإنجليزية والفرنسية والعامية، وذيلت لغة القرآن وتقهقرت، واخترعت آداب خالية من القيم المحترمة، وفرض على الأمة الكبيرة أن تعيش بلا روح ولا تاريخ ولا شعائر ولا شرائع. لقد نجح الإلحاد فى طى صفحتها المشرقة، وهو مصر على سياسته، وهيهات فلن نقبل ذلك. ص _378 وقد استمعت فى هذه السورة إلى تنبيه للعرب وتحذير يقول الله فيه " استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله ما لكم من ملجأ يومئذ وما لكم من نكير * فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ... " . ومما يزيد السخط أن عرب اليوم تهى علاقتهم بالإسلام فى وقت يزداد اليهود وغيرهم تعلقا بمواريثهم، أى أن العقائد كلها تنتعش إلا الإسلام وحده فمحكوم عليه بالانكماش. بل مطلوب له التلاشى! وكما بدأت سورة الشورى بالحديث عن الوحى الإلهى، ختمت بالحديث عنه؟ فبينت أولا كيف يقع الوحى " وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم " . وليس كل بشر يرشح للوحى، بل يصطفى الله له طبائع خاصة ومعادن قوية، والأنبياء ليسوا سواء فى طاقاتهم واستعداداتهم، كما أن نجوم السماء ليست سواء فى أحجامها وأشعتها. والذى يكلف بهداية مدينة غير الذى يكلف بهداية قطر غير الذى يكلف بهداية العالم على كر العصور. وقد بعث الله محمدا بكتاب فيه شفاء الإنسانية على اختلاف الزمان والمكان، وقد بلغ الكتاب علما، وأقامه دولة، وورثه حضارة، وتركه حصانة للعالم أجمع من الزيغ والتردى " وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم * صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور " . ص _379 |
#2
|
||||
|
||||
|
#3
|
||||
|
||||
[frame="1 98"]
[align=center] الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شـكــرا لك وبارك الله فيك أختي الكريمة ريحانة المصطفى على مرورك الكريم. لك مني أجمل تحية. [/align] [/frame] |
أدوات الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه للموضوع: سورة الشورى. | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | الأقسام الرئيسية | مشاركات | المشاركة الاخيرة |
إبدأ صفحة جديدة مع الله | معاوية فهمي | موضوعات عامة | 0 | 2019-12-31 11:27 AM |
هل سمعت بهذا من قبل | معاوية فهمي | موضوعات عامة | 0 | 2019-12-22 11:36 AM |
شرح سورة الجمعة | التوحيد | موضوعات عامة | 0 | 2019-11-23 11:06 PM |
الدروس المستفادة من سورة التوبة | معاوية فهمي | موضوعات عامة | 0 | 2019-11-03 12:16 PM |