جديد المواضيع |
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
التغيير في المنهج الإسلامي
بعد حمد الله تعالي والثناء عليه، والصلاة والسلام علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه الكرام وبعد:
فإن التغيير سنة الله تعالي في خلقه، ويأتي التغيير في الكون والحياة تحقيقًا لهذه السنة مابين تغيير إلي الأحسن، أو تغيير إلي الأسوأ ، والإسلام دين الحق يراعي متطلبات البشرية وأحوال العباد، وقد خلق الله البشر علي قابلية هذا التغيير؛ لأن الناس يختلفون في صفاتهم وأحوالهم واستجابتهم قال تعالى : [وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)][هود : 118-119] وقد جاءت رسالة الإسلام لإحداث تغيير كامل في فكر العالم كله [أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ][آل عمران:83]. جاء الإسلام لتغيير نفسية الناس، وإصلاح عيوبهم، ونبذ الجاهلية السائدة بينهم، وغير كل المفاهيم المغلوطة في حياتهم، وانتهج الحكمة والتدرج في التعامل مع النفس البشرية في العبادات والمعاملات والأخلاق والمأكل والمشرب والملبس والنكاح حتي تغيروجه الجزيرة العربية بعد ثلاثة وعشرين عامًا من تصلب الرأي ، وضيق الأفق ، وتعجل الأمور، واستباق الأحداث، والتشفي في الآخرين [أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ][المائدة : 50]. وعندما تغيرت ملامح هذه الأمة إلي الأحسن، وتغير فيها كل شيء وصفها الله تعالي بالخيرية : [كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ][آل عمران: 110] ولك أن تتأمل معنى (أخرجت) فإن فيها دلالة علي حقيقة هذه الأمة التي تسير وفق نظام معين، وربانية واضحة المعالم، وعقيدة لا شائبة فيها، ومن هنا فإن الإسلام تقوم فلسفته علي إصلاح نفوس البشر بما يتفق مع فاعلية هذا التغيير وإيجابيته ، وهكذا وصف الله الأمة: [وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ][ آل عمران : 104] . وإصلاح نفوس البشر هو التغيير الحقيقي الذي ننشده؛ فقد حدثت تحولات سياسية مؤثرة في حياة ومستقبل بلادنا، ويتمني كل مسلم أمين أن يري آثار التغيير في حياة الناس. والتغيير في حياة البشر وعاداتهم وأفكارهم واتجاهاتهم ليس هينًا ؛ لأن الناس تتقلب أمزجتهم وأفهامهم متأثرين بالرأي العام، وردود الفعل السياقية العامة وهذا خطر كبير في التعامل مع البشر، ورغم فاعلية الثورة المباركة في تهيئة الناس لاستقبال التغيير ليس فقط في الوجوه السياسية، ولا في الوجوه الاجتماعية، وإنما نريد أن نفرح بالتغيير الذي يتمثل في البعد عن الشماتة والأحقاد، والبعد عن الزهو بالنصر والتفاخر بالنصر والاعتزاز المبالغ فيه بالنفس، وتصلب الرأي وضيق الأفق، وتعجل الأمور واستباق الأحداث والتشفي في الآخرين وتصنيف الناس إلي فئات وتيارات، كل هذه تؤدي إلي تغيير للأسوأ، وكثرة الفتن والتشاؤم وعدم الأمل ، وبدل أن نجني ثمار التغيير بصلاح أمتنا، ونهضة شبابنا وإيجابية أبنائنا، فإننا نزداد في المعاناة والبؤس واشتداد الفاقة ، وزيادة الأوجاع والأدواء والغلاء ، وقلة الموارد ، وأين الطبيب؟، أريد أن أقول: إن التغيير ليس في الأشكال، ولا في الأقوال، ولا في الصور، ولا في المشاهدات، ولا في التصريحات، إنما التغيير الذي نرجوه في تغيير الكآبة إلي فرح وسعادة، وتغيير الفرقة والشتات إلي اتحاد واعتصام ، وتغيير التشاؤم إلي الأمل وفسحة العيش والرزق ، وتغيير العجلة والاندفاع إلي الحكمة والتروي ، وتغيير الانشغال بالناس واهتمامهم بإصلاح العيوب وتنقية النفس من الشبهات والأهواء ، التغيير الذي نرجوه في ترقب الفرج والتحول من العسر إلي اليسر ومن الضيق إلي السعة [حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ][ التوبة : 118]. اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنَّا الحُزْنَ وَأَبْدِلْهُ بِالسُّرُورِ، وَأَزْهِقْ بَاطِلَ الضَّمَائِرِ بِجندٍ مِنَ الحَقِّ، اللَّهُمَّ وَأَزِلْ عَنَّا الهَمَّ، وَاطْرُدْ مِنْ نُفُوسِنَا القَلَقَ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الخَوْفِ إِلَّا مِنْكَ، وَالرُّكُونِ إِلَّا إِلَيْكَ، وَالتَّوَكُّلِ إِلَّا عَلَيْكَ، وَالسُّؤَالِ إِلَّا مِنْكَ، وَالاسْتِعَانَةِ إِلَّا بِكَ ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. |
أدوات الموضوع | |
|
|