#1
|
|||
|
|||
الصفح ودوام الالفة
من بين الأخلاق الكريمة التي جاء بها الإسلام: خلق الصفح.
والصفح ترك المؤاخذة، وتصفية القلب ظاهراً وباطناً، ولقد دعا الله جل وعلا إلى الصفح ودعاه بالجميل ، فقال سبحانه وتعالى : { فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ } [ الحجر85 ] . وَالصَّفْحُ الْجَمِيلُ هُوَ الَّذِي لا عِتَابَ مَعَهُ؛ كما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. والصفح أبلغ من العفو ، ولذلك قال الله تعالى : { فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ البقرة109 ] قال الكفوي: الصّفح أبلغ من العفو؛ لأنّ الصّفح تجاوز عن الذّنب بالكلّيّة واعتباره كأن لم يكن، أمّا العفو فإنّه يقتضي إسقاط اللّوم والذّمّ فقط، ولا يقتضى حصول الثّواب. وقد جاء الأمر بالصفح في عدة مواضع من القرآن الكريم مقروناً بالعفو في بعضها ، وقد أمر الله سبحانه وتعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بالصفح عن مناوئيه. قال تعالى: "فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلا قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" (سورة المائدة الآية 13). وقال تعالى: "وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحْ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ" (سورة الحجر الآية 85). وقال تعالى: "فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ" (سورة الزخرف الآية 89). قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله: اصفح عنهم ما يأتيك من أذيتهم القولية والفعلية، واعف عنهم، ولا يبدر منك لهم إلا السلام الذي يقابل به أولو الألباب والبصائر الجاهلين، كما قال تعالى عن عباده الصالحين: { وإذا خاطبهم الجاهلون } أي: خطابا بمقتضى جهلهم { قالوا سلاما } فامتثل صلى اللّه عليه وسلم، لأمر ربه، وتلقى ما يصدر إليه من قومه وغيرهم من الأذى، بالعفو والصفح، ولم يقابلهم عليه إلا بالإحسان إليهم والخطاب الجميل. فصلوات اللّه وسلامه على من خصه اللّه بالخلق العظيم، الذي فضل به أهل الأرض والسماء، وارتفع به أعلى من كواكب الجوزاء. وقد تمثل النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الخلق الكريم أيما تمثل؛ بل كان صلى الله عليه وسلم موصوفاً بالصفح والتجاوز؛ كما روى الإمام أحمد وغيره وأصله في الصحيح أن عائشة رضي الله عنها أنها سُئِلَت عن خلُق رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فقالت: " لم يكن فاحِشًا ولا متفحِّشًا ولا صخَّابًا في الأسواق ، ولا يجزِي بالسيِّئة السيئة ، ولكن يعفو ويصفح ". وكان من صفحه الكريم ما فعله يوم فتح مكة كما روى البيهقي في سننه: فِيمَا حَكَى الشَّافِعِىُّ عَنْ أَبِى يُوسُفَ فِى هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ حِينَ اجْتَمَعُوا فِى الْمَسْجِدِ :« مَا تَرَوْنَ أَنِّى صَانِعٌ بِكُمْ؟ ». قَالُوا : خَيْرًا أَخٌ كَرِيمٌ وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ. قَالَ: « اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ ». كما أمر الله المؤمنين من عباده بالعفو والصفح ووعدهم بالرحمة والمغفرة إن هم فعلوا ذلك. قال تعالى: "وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (سورة البقرة الآية 109). وقال سبحانه: "وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ" (سورة النور الآية 22). وقال سبحانه وتعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ" (سورة التغابن الآية 14). إنّ العفو والتجاوز لا يقتضِي الذّلَّةَ والضعف ، بل إنه قمَّة الشجاعة والامتنانِ وغلَبَة الهوى ، لاسيَّما إذا كان العفوُ عند المقدِرَة. وكان الصفح من أخلاق من سلف من الصحابة والتابعين؛ كما روى البخاري في صحيحه معلقاً حيث قال: وذُكِرَ عن إبراهيم النخعيّ قوله: "كانوا يكرَهون أن يُستَذَلّوا ، فإذا قدروا عفَوا" . وقال الحسن بنُ علي رضي الله تعالى عنهما : " لو أنَّ رجلاً شتَمني في أذني هذه ، واعتذر في أُذني الأخرَى ، لقبِلتُ عذرَه " [ الآداب الشرعية لابن مفلح 1/319 ] وقال الفضيل بنُ عياض رحمه الله : " إذا أتاك رجلٌ يشكو إليك رجلاً فقل : يا أخي ، اعفُ عنه ؛ فإنَّ العفو أقرب للتقوى ، فإن قال : لا يحتمِل قلبي العفوَ ، ولكن أنتصر كما أمرَني الله عزّ وجلّ فقل له : إن كنتَ تحسِن أن تنتَصِر ، وإلاّ فارجع إلى بابِ العفو ؛ فإنّه باب واسع ، فإنه من عفَا وأصلحَ فأجره على الله ، وصاحِبُ العفو ينام علَى فراشه باللّيل ، وصاحب الانتصار يقلِّب الأمور ؛ لأنّ الفُتُوَّة هي العفوُ عن الإخوان " . [ أدب المجالسة لابن عبد البر 116 ] وقال الْخَلِيلُ بن أحمد: سَأُلْزِمُ نَفْسِي الصَّفْحَ عَنْ كُلِّ مُذْنِبٍ ***** وَإِنْ كَثُرَتْ مِنْهُ إلَيَّ الْجَرَائِمُ فَمَا النَّاسُ إلَّا وَاحِدٌ مِنْ ثَلَاثَةٍ ***** شَرِيفٌ وَمَشْرُوفٌ وَمِثْلٌ مُقَاوِمُ فَأَمَّا الَّذِي فَوْقِي فَأَعْرِفُ قَدْرَهُ ***** وَأَتْبَعُ فِيهِ الْحَقَّ وَالْحَقُّ لَازِمُ وَأَمَّا الَّذِي دُونِي فَأَحْلُمُ دَائِبًا ***** أَصُونُ بِهِ عِرْضِي وَإِنْ لَامَ لَائِمُ وَأَمَّا الَّذِي مِثْلِي فَإِنْ زَلَّ أَوْ هَفَا ***** تَفَضَّلْت إنَّ الْفَضْلَ بِالْفَخْرِ حَاكِمُ. فهذا خلق الصفح الذي أمرت به الشريعة؛ وتلك نماذج من صفح سيد الخلق صلى الله عليه وسلم؛ وذاك ما امتثل به الرعيل الأول؛ فهلا عاد هذا الخلق الكريم الذي كاد أن يندثر في حياة الناس؛ ويمتثله الذين ينتسبون لهذا الدين القويم؛ ليكون نبراساً لمن لا يعرف حقيقة الإسلام ويكون سبباً في هدايته ومحبته لهذا الدين. منقوووووووووووووووووووووووووووووول |
#2
|
||||
|
||||
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عود حميد اخى محمود. ولى تعليق بسيط: اقتباس:
__________________
قـلــت :
|
#3
|
||||
|
||||
ما أعلمه من تفسير الآية الأخيرة في سورة البقرة أن العفو هو الصفح فيما يتعلق بين العبد وربه، وقد تأكدت للتو من ذلك، فقد قال ابن كثير رحمه الله ((وَقَوْلُهُ وَاعْفُ عَنَّا أَيْ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مِمَّا تَعْلَمُهُ مِنْ تَقْصِيرِنَا وَزَلَلِنَا وَاغْفِرْ لَنا أَيْ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ عِبَادِكَ فَلَا تُظْهِرُهُمْ عَلَى مُسَاوِينَا وَأَعْمَالِنَا الْقَبِيحَةِ))
حاولت أن أصل إلى الفرق بين العفو والصفح لكني لم أصل إلى نتيجة مؤكدة، وكل ما فهمته أن العفو قد يكون عن استحقاق للعقوبة وقد لا يكون، أما الصفح فما ذكر إلا في موضع الاستحقاق. لعل الجمع بين ما وجدته في التفسير وما وجدته في قواميس اللغة أن طلب العفو في الآية من سورة البقرة إنما جاء على تخصيص الاستحقاق للعقوبة، فالسياق يذكر ذلك، كما أن ذكر المغفرة مقترنة بذكر العفو قد يخصص المعنى في كونه على الاستحقاق.
__________________
قال أبو قلابة: إذا حدثت الرجل بالسنة فقال دعنا من هذا وهات كتاب الله، فاعلم أنه ضال. رواه ابن سعد في الطبقات.
|
#4
|
||||
|
||||
اقتباس:
الرحمن والرحيم، اسمان من أسماء الله سبحانه وتعالى، إن جاءت مقترنة ببعضها فلكل منها معنى خاص، وإن جاءت مفردة فمعناها شامل للمعنيين، فأما الرحمن فهي على وزن فعلان وتعني سعة الرحمة، فالله سبحانه وتعالى واسع الرحمة، وأما الرحيم فعلى وزن فعيل وتعني أن رحمته سبحانه تشمل العباد. منقول بتصرف من محاضرة للشيخ سالم الطويل. وعلى هذا فقد تكون معاني المغفرة والعفو والصفح متقاربة إن جاءت مفردة، ومختلفة إن جاءت مقترنة.
__________________
قال أبو قلابة: إذا حدثت الرجل بالسنة فقال دعنا من هذا وهات كتاب الله، فاعلم أنه ضال. رواه ابن سعد في الطبقات.
|
#5
|
||||
|
||||
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إضافات جيدة أخى غريب.
__________________
قـلــت :
|
#6
|
|||
|
|||
السلام عليكم ورحمة الله
جزاكم الله خيرا علئ الموضوع بعض اهل العلم يستعمل كلمة ابلغ لاكن لايريدون المفاضلة من حيث اللفط فالقران كله كلام الله وانما يريدون مفاضلة المعنئ قال بذلك جمع من اهل العلم نقل ذلك الزركشي في كتابه "البرهان وهو قول شيخ الاسلام ابن تيمية قال رحمه الله فمعلوم أن الكلام له نسبتان : نسبة إلى المتكلم به، ونسبة إلى المتكلم فيه . فهو يتفاضل باعتبار النسبتين، وباعتبار نفسه أيضًا، مثل الكلام الخبري له نسبتان : نسبة إلى المتكلم المخبر، ونسبة إلى المخبر عنه المتكلَّم فيه . فـ { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } [ سورة الإخلاص ] و { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ } [ سورة المسد ] ، كلاهما كلام الله، وهما مشتركان من هذه الجهة، لكنهما متفاضلان من جهة المتكلم فيه المخبر عنه . فهذه كلام الله وخبره الذي يخبر به عن نفسه، وصفته التي يصف بها نفسه، وكلامه الذي يتكلم به عن نفسه، وهذه كلام الله الذي يتكلم به عن بعض خلقه، ويخبر به عنه، ويصف به حاله، وهما في هذه الجهة متفاضلان بحسب تفاضل المعنى المقصود بالكلامين . انتهئ كلام شيخ الاسلام مجموع الفتوئ / التفسير وثبت في المسند لفظ كلمة ابلغ قال عقبة رضي الله عنه اتبعت رسول الله صلئ الله عليه وسلم وهو راكب فوضعت يدي على قدمه فقلت : أقرئني سورة ( هود ) أو سورة ( يوسف ) . فقال : " لن تقرأ شيئا أبلغ عند الله من ( قل أعوذ برب الفلق ) أخرجه أحمد (4/159 ) وصححه الألباني ذكر السيوطي في الاتقان أن عمر بن الخطاب خرج ذات يوم إلى الناس فقال: أيكم يخبرني بأعظم آية في القرآن وأعدلها وأخوفها وأرجاها؟ فسكت القوم، فقال ابن مسعود: على الخبير سقطت، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول( أعظم آية في القرآن: اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ، وأعدل آية في القرآن: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ، وأخوف آية في القرآن: فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ* وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ، وأرجى آية في القرآن: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )
__________________
ما كان لله دام واتصل *** وما كان لغيره انقطع وانفصل |
أدوات الموضوع | |
|
|