جديد المواضيع |
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
سورة الأعراف.
بدأت سورة الأعراف بحديث مجمل عن قضيتين: الأولى تتصل بالقرآن الكريم. والثانية فى المنكرين له والمكذبين جملة بالوحى الإلهى. فى القضية الأولى نزل قوله تعالى " كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين * اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء.." والحرج المنهى منه يجيء من سوء استقبال المشركين لمن يريد هدايتهم، وتزهيدهم فى مواريثهم. والإنذار إعلام مع تخويف، والمطلوب من المستمعين عامة أن يتبعوا الكتاب الناصح لهم، ويهجروا ما عداه من تقاليد لا خير فيها، مهما كان مصدرها. فإن الأولياء المتبعين من دون الله لن يجيئوا بخير، فماذا بعد الحق إلا الضلال؟ وقد تحدثت السورة بعدئذ عن الكتاب فى جملة مواضع منها قوله تعالى " ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون * هل ينظرون إلا تأويله...؟ " . يعنى هل ينتظرون إلا أن يتحقق وعده ووعيده، فيظفر المؤمنون بالنصر والثواب، ويكتوى الكافرون بالهزيمة والعقاب؟. ومنها قوله تعالى "إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين " . وهذا على لسان النبى صلى الله عليه وسلم ومعناه أن الله يتولى نصره وحفظه حتى يبلغ ما نزل على قلبه، ويجعل الحياة تستضيء به وتسير بتوجيهه. ومنها قوله تعالى فى ضرورة تدبر هذا الكتاب والانتفاع بما حوى من علوم "وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون" . فالكتاب ذكرى للمؤمنين ونماء لعقولهم ورحمة تهبط عليهم... ص _110 يتبع... |
#2
|
||||
|
||||
أما القضية الثانية التى افتتحت بها السورة فهى تدرك من قوله تعالى " وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون * فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين". وهلاك القرى التى تمردت على المرسلين سنة وعاها التاريخ. وقد فصلت سورة الأعراف ما وقع لعاد وثمود ومدين، وقوم نوح وقوم لوط.. ويظهر أن الله سبحانه وتعالى أرسل الأنبياء الأولين لعرب الجزيرة شمالا وجنوبا، فلما كفر أولئك العرب وآذوا رسلهم دمر الله عليهم وأباد خضراءهم. ثم آتى موسى الكتاب ليهدى به مصر، وبنى إسرائيل، وشرح مواقف الفراعنة واليهود شرحا واسعا. فلما زاغوا عن الصراط ورفضوا هدايات الله أوقع بهم بطشه. ثم عاد الوحى الخاتم مرة أخرى إلى وسط الجزيرة، واستطاع محمد بفضل الله أن يخرج الناس من الظلمات إلى النور، وأن يجعل من العرب الذين اهتدوا به أمة وسطا ورثت الوحى إلى قيام الساعة ولا زال وحيها مصونا وكتابها قائما. وسيبقى البشر ما بقيت الحياة الدنيا مكلفين بسماع هذا الكتاب والاقتباس منه لأنه وحده الذى يقيهم السيئات. والمهم أن يقدر العرب رسالتهم، وأن يعرفوا نفاسة الميراث الذى اختصهم الله به عندما قال: "ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا... " . وأن يوقنوا بأنهم مساءلون عن موقفهم منه " فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين * فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين " . وبين الله سبحانه فى صدر السورة أن الحساب الجامع سوف يبت فى مصير كل إنسان، " والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون " . لكن هذا البيان الموجز أعقبه بعد قليل تفصيل كاشف عن مصاير الطوائف المختلفة التى اختصمت فى ربها على صعيد الأرض. ص _111 يتبع... |
#3
|
||||
|
||||
فهناك أولا المؤمنون، ثم أصحاب الأعراف ثم الكافرون. وقد جرى حوار بين هؤلاء وأولئك نرى أن نتوقف قليلا عنده. إن أهل الجنة يحيون فى عالم من السماحة والحب والسلام، مشغولون بشيء واحد هو تسبيح الله وتحميده، وهم يشعرون بما أسدى الله إليهم من نعماء ويقولون "الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله" . إنهم ـ بإزاء ما رأوا من فضل ـ يجردون أنفسهم من كل استحقاق، ويشعرون كأن العطاء الأعلى هو الذى سبق بهم وأنا لهم تلك المكانة. وهنا يذكرهم الله بسعيهم القديم وجهدهم المقبول " ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون " وعندما ما يطمئنون إلى أحوالهم يتذكرون خصوم الأمس من الجبابرة والملاحدة فيحبون أن يعرفوا ما لاقوا " ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين " . إن هؤلاء الظلمة كانوا ينكرون البعث والجزاء، وكانوا يبطشون بالمستضعفين من المؤمنين، وكانوا يشوهون معالم الحق ويغلقون طرقه، فها هم أولاء يجدون مصيرهم العدل.. واختصت هذه السورة بذكر أصحاب الأعراف، ومنهم أخذت اسمها. والشائع بين المفسرين أن هؤلاء قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، فانتظروا حتى يبت الله فى أمرهم! وأرى أن أصحاب الأعراف هم الدعاة والشهداء الذين بلغوا رسالات الأنبياء وقادوا الأمم إلى الخير!! فإن الأعراف هى القمم الرفيعة، ومنها سُمِّى عرف الديك عرفا... وهم فى الآخرة يرقبون الجماهير والرؤساء فى ساحة الحساب، ويلقون بالتحية أهل الجنة، وبالشماتة أهل النار. وحديث القرآن الكريم عنهم يرجح هذا الفهم فهم يتكلمون بثقة ويوبخون المذنبين على ما اقترفوا ويستعيذون بالله من مصيرهم.. ص _112 يتبع...
|
#4
|
||||
|
||||
ومن المستبعد أن يكون ذلك موقف قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم لا يدرون أين يذهب بهم؟. وهناك نداء أخير من أهل النار وهم يرسلون صراخ النجدة "ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله.. ". وهيهات فلن يجيرهم من الله أحد!! لقد كفروا بالله، وجحدوا لقاءه ولم يخطر ببالهم هذا اليوم ولا استعدوا له بشيء فمن أين تأتيهم ا لنجدة؟. وهنا نذكر أن معانى القرآن متداخلة متضافرة تلتقى كلها فى سياق واحد يعمل عمله فى النفس، وليست هدايات القرآن فصولا مقسمة على نحو متميز. وهكذا العالم تراه مصدرا لأشتات العلوم وهو كيان واحد يستقى منه علماء الأحياء وعلماء طبقات الأرض وعلماء الفلك وعلماء القوى المحركة.. الخ. من لطائف التعبير أن يذكر بنو آدم فى أول سورة الأعراف والمقصود أبوهم، وأن يذكر آدم نفسه فى آخر السورة ويقصد بنوه! فى أول السورة يقول تعالى " ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم... ". وفى آخر السورة يقول الله جل شأنه فى خطايا البشر وشركهم واعوجاج سيرهم "هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها... " . ثم يقول: "فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون * أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون". وظاهر أن الذين اقترفوا جريمة الإشراك هم أبناء آدم الذين اضطربت عقولهم فزاغوا..!! والنظم القرآنى أولا وأخيرا يعنى البشرية جمعاء، ويذكر رسالة الإنسان التى كلف بها ولم يحسن أداءها... والإنسان مع الشيطان ليس مغلوبا على أمره، وإنما هو مخدوع كبير أو مستغفل غرير! إن الشيطان يملك جهاز إذاعة طويلة الأمواج أو قصيرتها، والإنسان يستطيع أن يسمع وألا يسمع. ص _1 ص يتبع...
|
#5
|
||||
|
||||
فمن ضبط جهاز استقباله على محطة إرسال معينة سمع ما يريد، وإلا فهو بمنجاة. ولا يملك الشيطان إلا قدرة البث ولا يقدر أبدا على تضليل إنسان بقوته!! والغريب أن الإنسان نسى ما وقع لأبيه عندما طرد من الجنة، ولا يبالى أن تتكرر المأساة لا سيما والشيطان قد أقسم على إذلال أبناء آدم جميعا. "قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم * ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين.. " . أما كان ينبغى أن نحذر هذا الحقد المبين؟؟. والأغرب أن تجئ خدعة آدم من حيلة مكشوفة لا تنطلى على ذكى يقظ! لقد قال إبليس له: إنك منعت من الشجرة حتى لا تكون ملكا!! وكان آدم قادرا على أن يقول له: إن الملائكة سجدت لى فكيف أهبط عن مكانتى؟ إن ما أنا فيه أفضل!! وأطمع إبليس آدم فى الخلود إذا أكل من الشجرة!! ومن قال: إن آدم وبنيه ليسوا من الخالدين؟ حتى لو ماتوا، فالموت نقلة إلى حياة أقوى وأكبر!! إن الشيطان أفاك خداع، واللوم لا يوجه إليه، وإنما يوجه إلى من انخدع به... ومن وقع فى مصيدته بهذا الشرك المكشوف...!! وفقد آدم ما كان فيه من النعيم، وهبط هو وزوجته إلى الأرض ليأكلوا بكد اليمين وعرق الجبين!! وتعرضت ذراريهم للتجربة الأولى والخدعة القديمة، ترى هل يعتبرون؟. "قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين". إلى وقت محدود وعمر معدود ثم ترجعون إلى الخالق الكبير ليسألكم عن حالكم فى هذه الفترة أكنتم عبيدا له أم عبيدا للشيطان؟؟. " قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون" . وبعد هذا السرد لقصة آدم اتجه الحديث إلى أولاده على مر العصور فنودوا أربع مرات ليسمعوا نصائح ربهم وينجوا من كيد عدوهم! ونلحظ فى هذه النصائح أنها حداء إلى الإنسانية الرفيعة أو إلى دين الفطرة! ص _114 يتبع... |
#6
|
||||
|
||||
والمحزن أن عالمنا المعاصر مفتون بإنسانية هابطة آو علمانية تشده إلى التراب.وتربطه بنزعاته وقلما ترفعه إلى السماء، من حيث جاء. فلنتدبر هذه النداءات الأربعة: أولها يتصل بالملابس! لقد انفرد الإنسان دون سائر الحيوان بارتداء ثيابه، وحسنا فعل فهى تستر عورته وتزين هيئته.. وللناس فى ملابسهم تجاوزات: فقد يختالون فيها ويستكبرون. وقد يزنون أنفسهم بقيمة ما يرتدون. وقد تقصر النساء ثيابها حتى لتكاد تكشف سؤاتها! وقد تضيقها وترققها حتى لتكاد تصف وتشف! وهذا كله لا يسوغ فإن شرف الإنسان ليس فى ثوبه، وقيمته ليست فيما يرتديه. هناك ثوب آخر يكسو باطنه، ويبرز حقيقته هو ما سماه القرآن بلباس التقوى، وما عناه الشاعر بقوله: إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه فكل رداء يرتديه جميل.! وقال شاعر آخر: لأن أزجى عند العرى بالخلق واكتفى من يسير الزاد بالعلق خير وأكرم لى من أن أرى مننا معقودة للئام الناس فى عنقى يعنى أفضل لبس خلقات بالية وأكل لقيمات تافهة على أن أمد يدى إلى أحد لألبس الغالى "يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون" . ونحن فى تفسيرنا نربط بين هذا التذكر، وبين قول الله أول السورة " اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون". وقوله بعد ذلك " وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون" . ما أكثر أسباب التذكر ولكن الإنسان ينسى! ويتكرر النداء " يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة...." لا ينبغى أن يقع للأبناء ما وقع للأب من قبل! ص _115 يتبع...
|
#7
|
||||
|
||||
لقد نجح الشيطان فى إخراج آدم من الجنة فهل ينجح فى حرمان بنيه منها؟ وتعريتهم كما عراه! إنه عدو حاقد، ويستطيع أن يراكم وأنتم لا ترونه، فهو عليكم أقدر! لكنه لا يقدر على غواية مؤمن لأن الإيمان حرز حريز، وشباكه لا يقع فيها إلا فاقد الإيمان.. ومن الأعذار المرفوضة تقليد الآباء الجهلة واختلاق أسباب كاذبة للسلوك المعوج. كان الذين يطوفون بالكعبة عرايا يقولون لا نطوف فى ملابس عصينا الله فيها!! وأغلب المتدينين المنحرفين يضمون تحت خيمة الغيبيات أمورا ما أنزل الله بها من سلطان، تخالف العقل والنقل، ثم يزعمون أن الله أمرهم بها. والله أعلى وأجل من أن يأمر بفاحشة مضادة للذوق والفكر والفطرة " أتقولون على الله ما لا تعلمون * قل أمر ربي بالقسط" . إن العدالة طريق مأنوس للبشر كلهم فما الحرج فى سلوكه؟. ولماذا لا نسلم كياننا كله لمن خلقنا، وإليه نعود؟ "وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون * فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون". فكن مع أهدى الفريقين وأولاهما بالنجاة والكرامة. يعتمد التدين المزور على الرهبانية والتقشف فى ربط الناس بربهم ولذلك يهتم برداءة الهيئة ورثاثة الملبس وخشونة الطعام ومخاصمة الطيبات. وتعاليم الإسلام تسير عكس هذا الاتجاه، وتحقق العبودية لله داخل النفس الإنسانية قبل كل شئ. فتهتم بسلامة الصدر وكبح الأثرة وإكنان التواضع والمرحمة. ولأن يقف الإنسان مصليا فى لباس حسن خير من أن يقف مصليا فى لباس زرى . ومن هنا جاءت الآية " يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين". وفى الحديث " كل ما شئت والبس ما شئت، ما أخطأتك خصلتان سرف ومخيلة" والواقع أن الرذيلة تكمن فى الإسراف الذى يحمل على التوسع الممجوج فى الطعام والكسوة، وعلى التماس الوجاهة بهذا السلوك.. ص _116 يتبع...
|
#8
|
||||
|
||||
على أن الدين ليس سباقا فى كمال الأجسام، ولا اكتنازا لهذا الحطام. والمرء فى سعيه للآخرة يقل اكتراثه بكثير من اللذائذ، ولكنه لن يتعبد بلبس الخرق أو أكل الخشاش!! "قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق " ؟. وإضافة الزينة إلى الله تعنى أنه مصدرها وشارعها وقابل عباده فيها. ويزداد المعنى وضوحا فى قوله " قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة " . أى ينفردون بها فى الآخرة، وقد يشركهم غيرهم فيها أثناء هذه الحياة..! "قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن ". حرم الخفى من الجرائم والمكشوف كالحقد والغضب "والإثم والبغي بغير الحق". سائر الذنوب وخاصة الاستطالة على الآخرين واستباحتهم. وقد لاحظ نقدة الفكر الدينى أن بعض الناس يقصر ثيابه دلالة تقوى، وفى قلبه كبر فرعون! ونبهت السنة إلى أن الله يكره العائل المزهو أى الفقير المتكبر، والكبر قد يكون فى صدر لابس الخيش، وقد يتنزه عنه لابس الكتان..!! المهم سلامة الفطرة واستجماع شمائلها.. والتعلق بالله الواحد، والبراءة من سائر الشركاء هو الأساس الأول للفطرة. والإنسان عندما يخلو بنفسه لا يتجه إلى إلهين أو ثلاثة! إنما يتجه إلى إله واحد، يجأر إليه فى الضراء، ويلهج بشكره فى السراء. والواقع أن الشرك نضح بيئات ضالة فقدت رشدها وآذت غيرها. وقد قام الإسلام على الفطرة عقيدة وأخلاقا، والقرآن هنا يقول " وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون " . وفى السورة نفسها بيان لاحق بأن مواثيق هذه الفطرة مأخوذة على الإنسان منذ نشأته الأولى "وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين * أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون" !! ص _117 يتبع...
|
#9
|
||||
|
||||
والسياق الكريم يشير إلى أن الإنسان لا يعذر فى شروده عن التوحيد، مهما كانت ضراوة الوسط الذى عاش فيه. فإن نداء الفطرة داخل نفسه ينبغى أن يقاوم كل عوج، ويستبقى معرفة الله منزهة عن كل شائبة. والفطرة تعنى قابلية النفس لتلقى عقيدة التوحيد وحدها. وإذا كانت ترفض الشرك فهى من باب أولى تأبى الإلحاد!! والحق أن طبيعتنا العقلية والنفسية تأبى وجودا بلا موجد أو خلقا بلا خالق، تأبى الزعم بأن الحياة انطلقت من صفر!! إننا نشعر بفقرنا إلى آخر!! منه بدأنا، ولكن من هذا الآخر الذى منحنا الحياة؟؟ إننا بوحى الفطرة لا ننساق إلا إلى الله رب العالمين الذى يدين الكل بالعبودية له! من يكون هذا الآخر عند المشركين؟ لا وجود له إلا فى أوهام المخدوعين.!! ولذلك جاء - بعد وصاة بنى آدم بالتوحيد الخالص - هذا التقريع للذين ظلموا أنفسهم "فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب..." أى ما قدر لهم على ظهر الأرض من أرزاق وأعمار. "حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين " . وللذهول عن الله أسباب، أولها فيما أرى ما ينشأ عن اتصال الإلف واطراد العادة من مشاعر كاذبة. فالغنى من طول الشبع ينسى ألم الجوع، والسليم من استمرار الصحة ينسى ألم المرض، وكلاهما يظن الحياة لا تعدو ما أحس. بل إن الإنسان الفذ ينسيه حاضره الغالب ما عراه فى ماضيه القريب أو البعيد من شئون أخرى على نحو ما قال الشاعر. كأن الفتى لم يعر يوما إذا اكتسى ولم يك صعلوكا إذا ما تمولا ! ونحن مع اختلاف الليل والنهار وطلوع الشمس والقمر نظن أن ذلك الواقع ضربة لازب، وأنه لا مصرف له كأنما يقع من تلقاء نفسه!! فاحتاج الأمر إلى الوحى الإلهى يذكر الناس أن الله فاعل ذلك كله.. ص _118 يتبع...
|
#10
|
||||
|
||||
"إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين" . ومع تقلب الزمان يتعرض الناس للحلو والمر والهزيمة والنصر. وهم فقراء إلى ربهم يباعد عنهم ما يكرهون ويقارب منهم ما يشتهون. ولذلك قال " ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين * ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا إن رحمة الله قريب من المحسنين". وما أكثر ما يتقلب الناس فى هذه الدنيا بين الوعد والوعيد والخوف والرجاء، وما أكثر ما يشعرون بأن ما يطلبون لا يسوقه إلا الله، وما يكرهون لا يدفعه إلا الله!! ولذلك قال "وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون" . مع بدء سورة الأعراف بدأت عدة معان مجملة أخذت تتسع كأنها رءوس مثلثات تضمنت قواعدها تفاصيل شتى، على أن هذه المعانى لا تسير فى تيارات منفصلة، بل تراها وهى تتلاقى كأنها ضفائر متناسقة هدفها جميعا تكوين الإيمان والعبرة والاستقامة والوعى.. والمهم هو الاستقبال المعقول، فإن المطر المنهمر على الحجارة لا ينبت منها شيئا. "والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون" . أطنبت سورة الأعراف فى ذكر الأمم التى تمردت على الوحى فصرعها بغيها. ويلاحظ أن أغلب هذه الأمم فى المناطق العربية! فقوم نوح بالعراق، وعاد باليمن وما جاورها، وثمود بأعلى الحجاز، ومدين بين سيناء والأردن، وقوم لوط شرق فلسطين، وهؤلاء جميعا قاوموا المرسلين وجحدوا ما جاءوا به.. وسبقت قصة آدم قصص هؤلاء كلهم، وبرز فيها معنى ينبغى أن نذكره. فإن الشيطان غرر بآدم حتى طرده من الجنة، ولا يزال يقطع الطريق على أبنائه حتى لا يعودوا إليها.!. ص _119 يتبع...
|
أدوات الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه للموضوع: سورة الأعراف. | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | الأقسام الرئيسية | مشاركات | المشاركة الاخيرة |
إبدأ صفحة جديدة مع الله | معاوية فهمي | موضوعات عامة | 0 | 2019-12-31 11:27 AM |
هل سمعت بهذا من قبل | معاوية فهمي | موضوعات عامة | 0 | 2019-12-22 11:36 AM |
شرح سورة الجمعة | التوحيد | موضوعات عامة | 0 | 2019-11-23 11:06 PM |
الدروس المستفادة من سورة التوبة | معاوية فهمي | موضوعات عامة | 0 | 2019-11-03 12:16 PM |