#1
|
||||
|
||||
حكم الغصب .
باب الغصب: عن سعيد بن زيد -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: من اقتطع شبرًا من الأرض ظلمًا طوَّقه الله إياه يوم القيامة من سبع أرَضين متفق عليه . الغصب: مصدر غَصَبَ يَغْصِبُ غَصْبًا، والغصبُ اختلف في تعريفه قيل: "هو الاستيلاء على حق غيره قهرًا بغير حق" وقيل: "هو استيلاء غير حربي على حق غيره قهرًا بغير حق" وهذا أقرب في أن يخْرج غير الحربي -"استيلاء غير حربي على حق غيره قهرًا بغير حق"- لأن استيلاء الحربي على مال المسلم ما يسمى غصبًا؛ ولهذا إذا استولى الحربيون على مال المسلمين، ثم فات هذا المال وذهب ولم يبق؛ فإنهم لا يضمنونه ولو أسلموا؛ ترغيبًا لهم في الإسلام فلا يضمنوا، إنما الخلاف إذا كان المأخوذ قهرًا من المسلمين باقٍ، مثل غصبوا من المسلمين أموالا أو سلاحًا، وكان هذا السلاح موجودًا حتى الآن لم يفت، وهو موجود، هذا هو الخلاف فيما إذا عرف صاحبه، هل يرجع إليه؟ أما إذا فات تلف فلا يضمن بلا خلاف. والغصب محرم؛ لأنه من أكل أموال الناس بالباطل، والله -عز وجل- يقول: وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ويقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ والرسول -عليه الصلاة والسلام- في عدة أخبار نهى عن أخذ المال بغير حق قال: لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه وقال -عليه الصلاة والسلام-: إنما البيع عن تراض وقال: لا يحل لمسلم أن يأخذ متاع أخيه، من أخذ متاع أخيه فليرده إليه وفي لفظ: من أخذ عصا أخيه فليردها إليه . حتى في الشيء اليسير؛ ولهذا لا يجوز أن يأخذ من حق أخيه غصبًا، ولو شيئًا تافهًا، ولو حبة بر أو شعير بغير حق، إلا ما جرى العرف والعادة بأخذه، في المشاورة أو في التجربة بأن يطعم هذا الشيء، أو ما يتسامح بين الناس عادة وعرفًا مما يكون بينهم. فالمقصود أن هذا هو الأصل؛ ولهذا جاء التشديد في الغصب، وأنه من المحرمات الظاهرة من جهة أنه أخذ من مال غيره بغير حق، وحديث سعيد بن زيد هذا له شواهد: من اقتطع شبرا من أرض ظلما طوقه يوم القيامة من سبع أرضين هذا له شاهد في البخاري من حديث ابن عمر ومن حديث عائشة بهذا المعنى، وفي لفظ حديث ابن عمر خسف به في سبع أرضين . وجاء في حديث سعيد بن زيد قصة أن أروى بنت أويس ادعت عليه أرضا وأنه أخذ منها حقّا فقال: أنا آخذ منها شيئا بعد الذي سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: من اقتطع أرضا ظلما طوقه يوم القيامة من سبع أرضين اللهم إن كانت كاذبة فعمي بصرها واقتلها في أرضها وكانت عميت في آخر عمرها فكانت تمشي في أرضها فسقطت في بئر فكان فيه موتها رحمها الله . فالمقصود أن الظلم محرم وعاقبته وخيمة في الدنيا غالبا قبل الآخرة، خاصة في ظلم الحقوق وأخذ الحقوق من أموال أو أرض أو غير ذلك؛ ولهذا قال: طوقه يوم القيامة من سبع أرضين هذا وعيد شديد، يوم القيامة يؤمر أن تكون هذه الأرض طوقا في عنقه إلى الأرض السابعة. وقال كثير من أهل العلم إن هذا على ظاهره وأنه تطوق في عنقه، ومعلوم أن عنقه لا يمكن أن يأخذ إلا شيئا يسيرا لكن إذا كان عنقه فيها وفي وسطها فكأنه طوق إياها، وقيل: إنه يعظم يوم القيامة ويعظم عنقه حتى تكون طوقا في عنقه، كما أن الكافر يعظم جسمه ويعظم ضرسه، كما جاء في الأخبار، وقيل في معناه أن هذا من باب التعذيب له أنه يؤمر بأن يجعلها طوقا في عنقه ولا يستطيع ذلك، من باب التعذيب له، مثل ما جاء في حديث عند البخاري عن ابن عباس: من كذب في حلمه كلف أن يعقد بين شعيرتين وليس ذلك يعني حبة الشعير مع الشعير لا يمكن أن تعقدها مع بعضها، ما يمكن، ولهذا يكلف من باب التعذيب أن يعقد بين شعيرتين لأنه عقد حلما كذبا ولأنه ادعى أن الله أراه؛ لأن هذه الأمور لا يمكن عليها ولا يقدر عليها إلا الله عز وجل. وإذا ادعى أنه رأى شيئا فهو ادعى شيئا وأن الله أمكنه منه وكذب على الله في مثل هذا، فكان من عقوبته أن يكلف أن يعقد بين شعيرتين لكن ليس بفاعل من باب التعزير العظيم في ذلك الموقف، كذلك أيضا هذا يؤمر أن يحملها وليس بفاعل ولا قادر على هذا التأويل، وقيل على ظاهره فالله أعلم، لكن شاهد الكلام أو الشاهد من الخبر ومعناه أنه شدة العقوبة التي يكلف إياها في ذلك المقام، سواء كانت بهذا المعنى أو بهذا المعنى. وفي هذا أيضا في الدلالة أن من ملك أرضا ملك ما تحتها إلى تخوم السابعة وأنه لو أراد أن يحفر فيها فإنه يملك ما خرج منها ولو إلى الأرض السابعة، ولهذا قال طوقه من سبع أرضين ما لم يحدث ضرر على جاره، وإلا فالأصل أنه يملك قرارها وما نزل من قرارها، كما أنه يملك هواءها إلى السماء ما لم يكن ضرر على أحد، وهذا هو الأصل في القرار وملكه وإن نزل، وفي الهواء وملكه وإن ارتفع. |
أدوات الموضوع | |
|
|