جديد المواضيع |
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
حمله قيام الليل شرف المؤمن
قيام الليل هو قضاء الليل أو جزء منه ولو ساعة في الصلاة وتلاوة القرآن وذكر الله . قيام الليل هو دأب الصالحين، وتجارة المؤمنين، وعمل الفائزين، ففي الليل يخلو المؤمنون بربهم، ويتوجهون إلى خالقهم وبارئهم، فيشكون إليه أحوالهم، ويسألونه من فضله، فنفوسهم قائمة بين يدي خالقها، عاكفة على مناجاة بارئها، تتنسم من تلك النفحات، وتقتبس من أنوار تلك القربات، وترغب وتتضرع إلى عظيم العطايا والهبات. == قيام الليل في القرآن == الصلاة يجب ان تكون بعدد فردي. قال تعالى: { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة:16]. قال مجاهد والحسن: يعني قيام الليل. وقال ابن كثير في تفسيره: ( يعني بذلك قيام الليل وترك النوم والاضطجاع على الفرش الوطيئة ). وقال عبد الحق الأشبيلي: ( أي تنبو جنوبهم عن الفرش، فلا تستقر عليها، ولا تثبت فيها لخوف الوعيد، ورجاء الموعود ). وقد ذكر الله عز وجل المتهجدين فقال عنهم: {كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } [الذاريات:18،17] قال الحسن: كابدوا الليل، ومدّوا الصلاة إلى السحر، ثم جلسوا في الدعاء والاستكانة والاستغفار. وقال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} [الزمر:9]. أي: هل يستوي من هذه صفته مع من نام ليله غير عالم بوعد ربه ولا بوعيده. إخواني: يا رجال الليل جدوا *** ربّ داع لا يُردُ قيام الليل في السنة أخي المسلم، حث النبي على قيام الليل ورغّب فيه، فقال عليه الصلاة والسلام: {عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى الله، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم،ومطردة للداء عن الجسد } [رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني]. وقال النبي في شأن عبد الله بن عمر: { نعم الرجل عبد الله، لو كان يصلي من الليل } [متفق عليه]. قال سالم بن عبد الله بن عمر: فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً. وقال النبي : { في الجنة غرفة يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها } فقيل: لمن يا رسول الله؟ قال: { لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وبات قائماً والناس نيام } [رواه الطبراني والحاكم وصححه الألباني]. وقال : { أتاني جبريل فقال: يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس } [رواه الحاكم والبيهقي وحسنه المنذري والألباني]. وقال : { من قام بعشر آيات لم يُكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين } [رواه أبو داود وصححه الألباني]. والمقنطرون هم الذين لهم قنطار من الأجر. وذكر عند النبي رجل نام ليلة حتى أصبح فقال: { ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه !! } [متفق عليه]. وقال : { أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل } [رواه مسلم]. قيام النبي أمر الله نبيه بقيام الليل في قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً (2) نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً } [المزمل: 1-4]. وقال سبحانه: { وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً } [الإسراء: 79]. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: { كان النبي يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه. فقلت له: لِمَ تصنع هذا يا رسول الله، وقد غُفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبداً شكوراً؟ } [متفق عليه]. وهذا يدل على أن الشكر لا يكون باللسان فحسب، وإنما يكون بالقلب واللسان والجوارح، فقد قام النبي بحق العبودية لله على وجهها الأكمل وصورتها الأتم، مع ما كان عليه من نشر العقيدة الإسلامية، وتعليم المسلمين، والجهاد في سبيل الله، والقيام بحقوق الأهل والذرية، فكان كما قال ابن رواحة: وفينا رسول الله يتلو كتابه *** إذا انشق معروفٌ من الصبح ساطعُ أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا *** به موقناتٌ أن ما قال واقع يبيت يجافي جنبه عن فراشه *** إذا استثقلت بالمشركين المضاجع وعن حذيفة قال: { صليت مع النبي ذات ليلة، فافتتح البقرة، فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مُتَرَسلاً، إذا مرّ بآية فيها تسبيح سبّح، وإذا مرّ بسؤال سأل، وإذا مر بتعوّذ تعوذ... الحديث } [رواه مسلم]. وعن ابن مسعود قال: { صليت مع النبي ليلة، فلم يزل قائماً حتى هممت بأمر سوء. قيل: ما هممت؟ قال: هممت أن أجلس وأَدَعَهُ ! } [متفق عليه]. قال ابن حجر: ( وفي الحديث دليل على اختيار النبي تطويل صلاة الليل، وقد كان ابن مسعود قوياً محافظاً على الاقتداء بالنبي ، وما هم بالقعود إلا بعد طول كثير ما اعتاده ). قيام الليل في حياة السلف قال الحسن البصري: ( لم أجد شيئاً من العبادة أشد من الصلاة في جوف الليل ). وقال أبو عثمان النهدي: ( تضيّفت أبا هريرة سبعاً، فكان هو وامرأته وخادمه يقسمون الليل ثلاثاً، يصلي هذا، ثم يوقظ هذا ). وكان شداد بن أوس إذا أوى إلى فراشه كأنه حبة على مقلى، ثم يقول: اللهم إن جهنم لا تدعني أنام، فيقوم إلى مصلاه. وكان طاوس يثب من على فراشه، ثم يتطهر ويستقبل القبلة حتى الصباح، ويقول: طيَّر ذكر جهنم نوم العابدين !! وكان زمعة العابد يقوم فيصلي ليلاً طويلاً، فإذا كان السحر نادى بأعلى صوته: يا أيها الركب المعرِّسون، أكُل هذا الليل ترقدون؟ ألا تقومون فترحلون !! فيسمع من هاهنا باكٍ، ومن هاهنا داع، ومن هاهنا متوضئ، فإذا طلع الفجر نادى: عند الصباح يحمد القوم السرى !! طبقات السلف في قيام الليل قال ابن الجوزي: واعلم أن السلف كانوا في قيام الليل على سبع طبقات: الطبقة الأولى: كانوا يحيون كل الليل، وفيهم من كان يصلي الصبح بوضوء العشاء. الطبقة الثانية: كانوا يقومون شطر الليل. الطبقة الثالثة: كانوا يقومون ثلث الليل، قال النبي : { أحب الصلاة إلى الله عز وجل صلاة داود؛ كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سُدسه } [متفق عليه]. الطبقة الرابعة: كانوا يقومون سدس الليل أو خمسه. الطبقة الخامسة: كانوا لا يراعون التقدير، وإنما كان أحدهم يقوم إلى أن يغلبه النوم فينام، فإذا انتبه قام. الطبقة السادسة: قوم كانوا يصلون من الليل أربع ركعات أو ركعتين. الطبقة السابعة: قوم يُحيون ما بين العشاءين، ويُعسِّـلون في السحر، فيجمعون بين الطرفين. وفي صحيح مسلم أن النبي قال: { إن في الليل لساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها خيراً إلا آتاه، وذلك كل ليلة }. الأسباب الميسِّرة لقيام الليل ذكر أبو حامد الغزالي أسباباً ظاهرة وأخرى باطنة ميسرة لقيام الليل: فأما الأسباب الظاهرة فأربعة أمور: الأول: ألا يكثر الأكل فيكثر الشرب، فيغلبه النوم، ويثقل عليه القيام. الثاني: ألا يتعب نفسه بالنهار بما لا فائدة فيه. الثالث: ألا يترك القيلولة بالنهار فإنها تعين على القيام. الرابع: ألا يرتكب الأوزار بالنهار فيحرم القيام بالليل. وأما الأسباب الباطنة فأربعة أمور: الأول: سلامة القلب عن الحقد على المسلمين، وعن البدع وعن فضول الدنيا. الثاني: خوف غالب يلزم القلب مع قصر الأمل. الثالث: أن يعرف فضل قيام الليل. الرابع: وهو أشرف البواعث: الحب لله، وقوة الإيمان بأنه في قيامه لا يتكلم بحرف إلا وهو مناج ربه. قيام رمضان قيام رمضان هو صلاة التراويح التي يؤديها المسلمون في رمضان، وهو من أعظم العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه في هذا الشهر.قال الحافظ ابن رجب: ( واعلم أن المؤمن يجتمع له في شهر رمضان جهادان لنفسه: جهاد بالنهار على الصيام، وجهاد بالليل على القيام، فمن جمع بين هذين الجهادين وُفِّي أجره بغير حساب ). وقال الشيخ ابن عثيمين: ( وصلاة الليل في رمضان لها فضيلة ومزية على غيرها، لقول النبي : { من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه } [متفق عليه] وقيام رمضان شامل للصلاة في أول الليل وآخره، وعلى هذا فالتراويح من قيام رمضان، فينبغي الحرص عليها والاعتناء بها، واحتساب الأجر والثواب من الله عليها، وما هي إلا ليالٍ معدودة ينتهزها المؤمن العاقل قبل فواتها ). وتشرع صلاة التراويح جماعة في المساجد، وكان النبي أول من سنّ الجماعة في صلاة التراويح في المسجد، ثم تركها خشية أن تُفرض على أمته، فلما لحق رسول الله بجوار ربه، واستقرت الشريعة؛ زالت الخشية، وبقيت مشروعية صلاتها جماعة قائمة. وعلى المسلمين الاهتمام بهذه الصلاة وأداؤها كاملة، والصبر على ذلك لله عز وجل. قال الشيخ ابن عثيمين: ( ولا ينبغي للرجل أن يتخلف عن صلاة التراويح لينال ثوابها وأجرها، ولا ينصرف حتى ينتهي الإمام منها ومن الوتر ليحصل له أجر قيام الليل كله ). ويجوز للنساء حضور التراويح في المساجد إذا أمنت الفتنة منهن وبهن. ولكن يجب أن تأتي متسترة متحجبة، غير متبرجة ولا متطيبة، ولا رافعة صوتاً ولا مبدية زينة. والسنة للنساء أن يتأخرن عن الرجال ويبعدن عنهم، و يبدأن بالصف المؤخر فالمؤخر عكس الرجال، وينصرفن من المسجد فور تسليم الإمام ولا يتأخرن إلا لعذر، لحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: { كان النبي إذا سلّم قام النساء حين يقضي تسليمه، وهو يمكث في مقامه يسيراً قبل أن يقوم. قالت: نرى - والله أعلم - أن ذلك كان لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن الرجال } [رواه البخاري].
__________________
العنوان: موقع معرفة الله http://knowingallah.com اللغة: عربي رابط الموقع : http://knowingallah.com نبذة مختصرة:: موقع معرفة الله: هو موقع دعوى، يهدف إلى تعريف الناس بربهم، الخالق الرازق، من خلال نشر العقيدة الإسلامية الصافية بأسلوب سهل ومتقن، والموقع بتسع لغات. نتشرف بزيارتكم |
#2
|
|||
|
|||
إنَّ الحمدَ لله نَحْمَده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شُرورِ أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يَهدِه الله فلا مُضلَّ له، ومَن يُضللْ الله فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحْدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]. ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70 - 71]. أما بعد: فأفضلُ صلاةٍ نتقرَّب بها إلى ربِّنا بعدَ الفريضة قيامُ الليل؛ فعن أبي هُرَيرةَ - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أفضلُ الصيام بعدَ رمضان شهر الله المُحرَّم، وأفضلُ الصلاةِ بعدَ الفريضة صلاةُ اللَّيْل)؛ رواه مسلم (1163). وعن سَهْل بن سعد - رضي الله عنه - قال: جاءَ جبريلُ إلى النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: يا مُحمَّد، عِشْ ما شِئتَ فإنَّك ميِّت، واعملْ ما شئتَ فإنَّك مَجْزيٌّ به، وأحْبِبْ مَن شئتَ فإنَّك مُفارقُه، واعلمْ أنَّ شرفَ المؤمن قيامُ الليل، وعِزَّه استغناؤُه عن الناس))؛ رواه الطبراني في "الأوسط" (4278) وحسَّن إسنادَه المنذريُّ في "الترغيب والترهيب" (929). فعُلوُّ منزلة المؤمِن ورِفْعته مداومتُه على قيامِ الليل، فنِعْمَ المنزلةُ منزلةُ أهل قيام اللَّيل، فهي منزلةٌ باقيةٌ لا تتحوَّل ولا تتغيَّر، فهي شرفٌ في الدنيا لمَا يضعه الله لعبدِه مِن القَبول في الأرض، وشرف في الآخِرة لِمَا لصاحبها مِن النعيم المقيم والدرجات العُلى، فلمَّا ذَكَر الله صفاتِ عباده بقوله - تعالى -: ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [السجدة: 16] ذَكَر جزاءَهم في الآخِرة: ﴿ فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [السجدة: 17]. وعن عبدِالله بن سَلاَم - رضي الله عنه - قال: لمَّا قَدِم رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - المدينةَ، انجفَل الناسُ إليه، فجئتُ في الناس لأنظرَ إليه، فلمَّا استثبتُّ وجهَ رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عَرَفْتُ أنَّ وجهه ليس بوجْهِ كذَّاب، وكان أوَّل شيءٍ تَكلَّم به أن قال: ((أيُّها الناس، أفْشُوا السلام، وأطْعِموا الطعام، وصَلُّوا والناس نِيام، تَدْخلوا الجَنَّةَ بسلام))؛ رواه الترمذي (2485) وصحَّحه. فقيامُ الليل من أخصِّ أعمال أولياء الله، ممَّن سبَقَنا من الأمم؛ فعَن أبي أُمامة الباهِليِّ - رضي الله عنه - عن رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((عليكم بقيامِ اللَّيل، فإنَّه دأبُ الصالحين قبْلَكم، وهو قُرْبة لكم إلى ربِّكم، ومكفرة للسيِّئات، ومنهاةٌ عن الإثم)) رواه ابنُ خزيمة (1135). كان النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقوم مِن كلِّ الليل، لكن الذي استقرَّ عليه فعْل النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - تأخيرُ القيام والوتر آخِر الليل، فعن عائشةَ - رضي الله عنها - قالتْ: مِن كلِّ الليل قد أوْتَر رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - مِن أوَّل اللَّيْل وأوسطه وآخِره، فانْتَهى وترُه إلى السَّحَر))؛ رواه البخاري (996) ومسلم (745). فالقِيام آخِرَ الليل أفضلُ، فله أثرٌ على النَّفْس، فتقلُّ الشواغِل، وتكون النَّفْس أخَذَتْ نصيبها مِن النوم، فينتفع القائم بصَلاته، ويتأثَّر بما يقرؤه لتواطُؤِ القلْب واللِّسان، وقدْ أشار ربُّنا إلى ذلك بقوله: ﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلاً ﴾ [المزمل: 6]. آخِرُ الليل وقتُ النزول الإلهي؛ فعَنْ أبي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه -: أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((يَنزِل ربُّنا - تبارك وتعالى - كلَّ ليلةٍ إلى السماء الدُّنيا حين يبقَى ثُلُث اللَّيْل الآخر، يقول: مَن يدعوني فأستجيبَ له؟ مَن يَسألُني فأُعطيَه؟ مَن يستغفرُني فأغْفِرَ له))؛ رواه البخاري (1145) ومسلم (758). وإذا أردتَ أن تعرِفَ وقتَ دخولِ الثُّلُث الأخير مِن الليل، فانظر عددَ الساعات التي بيْن أذان المغرِب وأذان الفجْر، واقْسمها على ثلاثة، ثم أضِفْ ثُلُثي هذا الوقت إلى وقتِ أذان المغرب، وناتج الجَمْع هو وقت دُخول الثُّلُث الأخير مِنَ الليل. يقول ربُّنا - تبارك وتعالى - مخاطبًا نبيَّه محمدًا - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ [طه: 132]. فامْتَثَل النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - هذا الأمر، فأَمَر أزواجَه وبناتِه؛ فعن أمِّ سلمة - رضي الله عنها - أنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - استيقظ ليلةً فقال: ((سبحانَ اللهِ! ماذا أُنزل الليلةَ مِن الفِتنة؟ ماذا أُنزل من الخزائن؟ مَن يُوقِظ صواحِبَ الحُجرات؟ يا رُبَّ كاسية في الدُّنيا عارية في الآخِرة))؛ رواه البخاري (1126). فإذا قام أحدُنا من آخِرِ الليل فلْيوقظْ أهلَه، ولْنُذكِّرهم بفضلِ قيامِ اللَّيل، وسنجد أثرَه ولو بعدَ حين، ولا يأتي الشيطانُ أحدَنا ويقول له: أولادك تشقُّ عليهم صلاةُ الفجر، فكيف تأمرُهم بقِيامِ الليل؟! فعن أبي سعيدٍ الخُدري وأبي هُريرَةَ - رضي الله عنهما - قالا: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن استيقظ مِنَ اللَّيْل وأيقَظَ امرأتَه، فصلَّيَا ركعتَين جميعًا، كُتِبَا من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات))؛ رواه أبو داود (1451)، ورُواتُه ثِقات. وفي الحديث: أنَّ صلاة الليل وإنْ كانتْ قليلةً فهي محبوبةٌ إلى الله، فلْنُداوم على القِيام ولو كان شيئًا يسيرًا، فأحبُّ الأعمال إلى الله أدومُها وإن قلَّ. البعضُ يستعدُّ لقِيام الليل، ثم لا يستيقظ إلا بعدَ طلوع الفجْر فيُستحبُّ له القضاءُ؛ فعن عائشةَ قالت: كان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا عمِل عملا أثْبَته، وكان إذا نام مِنَ الليل أو مَرِض صلَّى مِن النَّهار ثِنتي عشرة ركعة))؛ رواه مسلم (746). فتُقضَى صلاة اللَّيْل في النهار شفعًا إذا فاتتْ بعُذر، فكان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُصلِّي في الليل إحدى عشرةَ رَكعةً، وإذا قضَى صلاةَ اللَّيل بالنهار جعَلَها ثِنتي عشرةَ رَكعة، فمثلاً مَن عادتُه خمس ركعات يُقال له: صلِّ ستَّ ركعات، وهكذا. الخطبة الثانية البعضُ ربَّما يستثقل قيامَ الليل، ويرى أنَّه شاقٌّ على النفس، وقد يكون ذلك في بدايةِ الأمر، وما أن تمرَّ فترةٌ حتى تفرحَ النفس به، وتشعر بالراحةِ والطُّمأنينة أثناءَ القيام، ولا يشعر المصلِّي بالوقت أثناءَ القيام فيمر سريعًا، كيف لا يأنس مَن ينطرح بين يدي ربِّه يُناجيه، ويثني عليه، ويسأله مِن فضله؟! كيف يسأم مَن خلاَ بمحبوبه في وقتِ قُرْبه منه؟! تُرِيدِينَ لُقْيَانَ الْمَعَالِي رَخِيصَةً وَلاَ بُدَّ دُونَ الشَّهْدِ مِنْ إِبَرِ النَّحْلِ • فمِن أعظمِ المعوقات عن قيامِ اللَّيل كثرةُ المعاصي، فكثرةُ المعاصي تنفر مِن الطاعات حيثُ يستولي الشيطانُ على العبدِ، فيُظلم قلْبُه فتَميل نفسُه للشهوات، وتشقُّ عليها الطاعات، فعن حُذيفةَ - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((تُعرَض الفِتن على القلوبِ كالحَصيرِ عُودًا عودًا، فأي قَلْبٍ أُشْرِبها نُكت فيه نُكتةٌ سوداءُ، وأي قلْب أنْكَرها نُكِت فيه نُكتةٌ بيضاءُ، حتى تصيرَ على قلبَيْن: على أبيضَ مثل الصَّفَا، فلا تضرُّه فتنةٌ ما دامتِ السماوات والأرض، والآخَر أسود مُرْبادًّا - مسوادًّا قد أظْلَم بسببِ كثرة المعاصي - كالكُوز مُجَخِّيًا - مائلاً فلا يستقرُّ فيه الماء - لا يَعْرِف معروفًا، ولا يُنكر مُنكرًا، إلا ما أُشْرِبَ مِنْ هَواه))؛ رواه مسلم (144). فمَن رَغِب في قيامِ اللَّيل، فليحفظْ جوارحَه عن الحرام. • ومِن أعظمِ المعوقات عن قِيامِ الليل إطالةُ السَّهَر بالليل، فلا يستطيع الشخصُ القيامَ ولو قام قامَ متثاقلاً لا يَعْقِل صلاتَه. البعضُ يقوم آخِر اللَّيل، لكن ربَّما حدثتْه نفسُه بغفوة قبلَ أذان الفجر، ثم تفوته الصلاةُ؛ فعن أبي بكر بن سليمان بن أبي حَثْمَة: أنَّ عمرَ بن الخطَّاب - رضي الله عنه - فقَدَ سليمان بن أبي حَثْمة في صلاةِ الصبح، وأنَّ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - غدا إلى السوق ومَسْكَن سليمان بيْن السوق والمسجد النبويِّ، فمرَّ على الشفاء أمِّ سليمان، فقال لها: لَمْ أَرَ سليمانَ في الصبح، فقالت: إنَّه بات يُصلِّي فغلبتْه عيناه، فقال عمرُ - رضي الله عنه -: "لأنْ أشهدَ صلاةَ الصبح في الجماعة أحبُّ إليَّ من أن أقومَ ليلة"؛ رواه مالك (296) بإسناد صحيح. فكم مِن سليمانَ تَفْقِده مساجدُنا في صلاة الصبح، ولو كان ذلك التخلُّف بسببِ القيام، لكان الأمر أخفَّ. أخي: لماذا تُزهِّد الناسَ في قيام الليل؟ أخي، لماذا تدعوهم إلى التكاسُل عن القِيام؟ عجبًا هل يصدُر هذا من مُسلِم، فضلاً أن يصدر مِن طالب عِلم، مِن داعية، مِن إمام مسجد، مِن حافظ للقرآن، مِن شخص ظاهرُه الصلاح؟! نعم البعضُ منَّا يُزهِّد الناس في القيام مِن حيث لا يشعُر، فمَن يُخالطه مِن أهل بيته ومِن أصحابه والناس في الحَضَر والسَّفَر لا يَجِدونه يُصلِّي في الليل، يرونه إذا فرَغ مِن صلاة العشاء أوْتَر، فيزهدون في قِيام الليل، ولسان حالهم يقول: إذا كان فلانٌ لا يقوم الليلَ، فأنا مِن باب أَوْلى. قد تقول أخي: لم أفعلْ أمرًا مكروهًا فضلاً عن كونِه معصيةً، وأنت مصيبٌ في قولك، لكن أنت ممَّن يُقْتدَى به، فعليك مِن التَّبِعة ما ليس على غيرِك، أنت تدعو الناس
__________________
العنوان: موقع معرفة الله http://knowingallah.com اللغة: عربي رابط الموقع : http://knowingallah.com نبذة مختصرة:: موقع معرفة الله: هو موقع دعوى، يهدف إلى تعريف الناس بربهم، الخالق الرازق، من خلال نشر العقيدة الإسلامية الصافية بأسلوب سهل ومتقن، والموقع بتسع لغات. نتشرف بزيارتكم |
#3
|
|||
|
|||
إنَّ الحمدَ لله نَحْمَده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شُرورِ أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يَهدِه الله فلا مُضلَّ له، ومَن يُضللْ الله فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحْدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]. ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70 - 71]. أما بعد: فأفضلُ صلاةٍ نتقرَّب بها إلى ربِّنا بعدَ الفريضة قيامُ الليل؛ فعن أبي هُرَيرةَ - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أفضلُ الصيام بعدَ رمضان شهر الله المُحرَّم، وأفضلُ الصلاةِ بعدَ الفريضة صلاةُ اللَّيْل)؛ رواه مسلم (1163). وعن سَهْل بن سعد - رضي الله عنه - قال: جاءَ جبريلُ إلى النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: يا مُحمَّد، عِشْ ما شِئتَ فإنَّك ميِّت، واعملْ ما شئتَ فإنَّك مَجْزيٌّ به، وأحْبِبْ مَن شئتَ فإنَّك مُفارقُه، واعلمْ أنَّ شرفَ المؤمن قيامُ الليل، وعِزَّه استغناؤُه عن الناس))؛ رواه الطبراني في "الأوسط" (4278) وحسَّن إسنادَه المنذريُّ في "الترغيب والترهيب" (929). فعُلوُّ منزلة المؤمِن ورِفْعته مداومتُه على قيامِ الليل، فنِعْمَ المنزلةُ منزلةُ أهل قيام اللَّيل، فهي منزلةٌ باقيةٌ لا تتحوَّل ولا تتغيَّر، فهي شرفٌ في الدنيا لمَا يضعه الله لعبدِه مِن القَبول في الأرض، وشرف في الآخِرة لِمَا لصاحبها مِن النعيم المقيم والدرجات العُلى، فلمَّا ذَكَر الله صفاتِ عباده بقوله - تعالى -: ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [السجدة: 16] ذَكَر جزاءَهم في الآخِرة: ﴿ فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [السجدة: 17]. وعن عبدِالله بن سَلاَم - رضي الله عنه - قال: لمَّا قَدِم رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - المدينةَ، انجفَل الناسُ إليه، فجئتُ في الناس لأنظرَ إليه، فلمَّا استثبتُّ وجهَ رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عَرَفْتُ أنَّ وجهه ليس بوجْهِ كذَّاب، وكان أوَّل شيءٍ تَكلَّم به أن قال: ((أيُّها الناس، أفْشُوا السلام، وأطْعِموا الطعام، وصَلُّوا والناس نِيام، تَدْخلوا الجَنَّةَ بسلام))؛ رواه الترمذي (2485) وصحَّحه. فقيامُ الليل من أخصِّ أعمال أولياء الله، ممَّن سبَقَنا من الأمم؛ فعَن أبي أُمامة الباهِليِّ - رضي الله عنه - عن رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((عليكم بقيامِ اللَّيل، فإنَّه دأبُ الصالحين قبْلَكم، وهو قُرْبة لكم إلى ربِّكم، ومكفرة للسيِّئات، ومنهاةٌ عن الإثم)) رواه ابنُ خزيمة (1135). كان النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقوم مِن كلِّ الليل، لكن الذي استقرَّ عليه فعْل النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - تأخيرُ القيام والوتر آخِر الليل، فعن عائشةَ - رضي الله عنها - قالتْ: مِن كلِّ الليل قد أوْتَر رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - مِن أوَّل اللَّيْل وأوسطه وآخِره، فانْتَهى وترُه إلى السَّحَر))؛ رواه البخاري (996) ومسلم (745). فالقِيام آخِرَ الليل أفضلُ، فله أثرٌ على النَّفْس، فتقلُّ الشواغِل، وتكون النَّفْس أخَذَتْ نصيبها مِن النوم، فينتفع القائم بصَلاته، ويتأثَّر بما يقرؤه لتواطُؤِ القلْب واللِّسان، وقدْ أشار ربُّنا إلى ذلك بقوله: ﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلاً ﴾ [المزمل: 6]. آخِرُ الليل وقتُ النزول الإلهي؛ فعَنْ أبي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه -: أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((يَنزِل ربُّنا - تبارك وتعالى - كلَّ ليلةٍ إلى السماء الدُّنيا حين يبقَى ثُلُث اللَّيْل الآخر، يقول: مَن يدعوني فأستجيبَ له؟ مَن يَسألُني فأُعطيَه؟ مَن يستغفرُني فأغْفِرَ له))؛ رواه البخاري (1145) ومسلم (758). وإذا أردتَ أن تعرِفَ وقتَ دخولِ الثُّلُث الأخير مِن الليل، فانظر عددَ الساعات التي بيْن أذان المغرِب وأذان الفجْر، واقْسمها على ثلاثة، ثم أضِفْ ثُلُثي هذا الوقت إلى وقتِ أذان المغرب، وناتج الجَمْع هو وقت دُخول الثُّلُث الأخير مِنَ الليل. يقول ربُّنا - تبارك وتعالى - مخاطبًا نبيَّه محمدًا - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ [طه: 132]. فامْتَثَل النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - هذا الأمر، فأَمَر أزواجَه وبناتِه؛ فعن أمِّ سلمة - رضي الله عنها - أنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - استيقظ ليلةً فقال: ((سبحانَ اللهِ! ماذا أُنزل الليلةَ مِن الفِتنة؟ ماذا أُنزل من الخزائن؟ مَن يُوقِظ صواحِبَ الحُجرات؟ يا رُبَّ كاسية في الدُّنيا عارية في الآخِرة))؛ رواه البخاري (1126). فإذا قام أحدُنا من آخِرِ الليل فلْيوقظْ أهلَه، ولْنُذكِّرهم بفضلِ قيامِ اللَّيل، وسنجد أثرَه ولو بعدَ حين، ولا يأتي الشيطانُ أحدَنا ويقول له: أولادك تشقُّ عليهم صلاةُ الفجر، فكيف تأمرُهم بقِيامِ الليل؟! فعن أبي سعيدٍ الخُدري وأبي هُريرَةَ - رضي الله عنهما - قالا: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن استيقظ مِنَ اللَّيْل وأيقَظَ امرأتَه، فصلَّيَا ركعتَين جميعًا، كُتِبَا من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات))؛ رواه أبو داود (1451)، ورُواتُه ثِقات. وفي الحديث: أنَّ صلاة الليل وإنْ كانتْ قليلةً فهي محبوبةٌ إلى الله، فلْنُداوم على القِيام ولو كان شيئًا يسيرًا، فأحبُّ الأعمال إلى الله أدومُها وإن قلَّ. البعضُ يستعدُّ لقِيام الليل، ثم لا يستيقظ إلا بعدَ طلوع الفجْر فيُستحبُّ له القضاءُ؛ فعن عائشةَ قالت: كان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا عمِل عملا أثْبَته، وكان إذا نام مِنَ الليل أو مَرِض صلَّى مِن النَّهار ثِنتي عشرة ركعة))؛ رواه مسلم (746). فتُقضَى صلاة اللَّيْل في النهار شفعًا إذا فاتتْ بعُذر، فكان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُصلِّي في الليل إحدى عشرةَ رَكعةً، وإذا قضَى صلاةَ اللَّيل بالنهار جعَلَها ثِنتي عشرةَ رَكعة، فمثلاً مَن عادتُه خمس ركعات يُقال له: صلِّ ستَّ ركعات، وهكذا. الخطبة الثانية البعضُ ربَّما يستثقل قيامَ الليل، ويرى أنَّه شاقٌّ على النفس، وقد يكون ذلك في بدايةِ الأمر، وما أن تمرَّ فترةٌ حتى تفرحَ النفس به، وتشعر بالراحةِ والطُّمأنينة أثناءَ القيام، ولا يشعر المصلِّي بالوقت أثناءَ القيام فيمر سريعًا، كيف لا يأنس مَن ينطرح بين يدي ربِّه يُناجيه، ويثني عليه، ويسأله مِن فضله؟! كيف يسأم مَن خلاَ بمحبوبه في وقتِ قُرْبه منه؟! تُرِيدِينَ لُقْيَانَ الْمَعَالِي رَخِيصَةً وَلاَ بُدَّ دُونَ الشَّهْدِ مِنْ إِبَرِ النَّحْلِ • فمِن أعظمِ المعوقات عن قيامِ اللَّيل كثرةُ المعاصي، فكثرةُ المعاصي تنفر مِن الطاعات حيثُ يستولي الشيطانُ على العبدِ، فيُظلم قلْبُه فتَميل نفسُه للشهوات، وتشقُّ عليها الطاعات، فعن حُذيفةَ - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((تُعرَض الفِتن على القلوبِ كالحَصيرِ عُودًا عودًا، فأي قَلْبٍ أُشْرِبها نُكت فيه نُكتةٌ سوداءُ، وأي قلْب أنْكَرها نُكِت فيه نُكتةٌ بيضاءُ، حتى تصيرَ على قلبَيْن: على أبيضَ مثل الصَّفَا، فلا تضرُّه فتنةٌ ما دامتِ السماوات والأرض، والآخَر أسود مُرْبادًّا - مسوادًّا قد أظْلَم بسببِ كثرة المعاصي - كالكُوز مُجَخِّيًا - مائلاً فلا يستقرُّ فيه الماء - لا يَعْرِف معروفًا، ولا يُنكر مُنكرًا، إلا ما أُشْرِبَ مِنْ هَواه))؛ رواه مسلم (144). فمَن رَغِب في قيامِ اللَّيل، فليحفظْ جوارحَه عن الحرام. • ومِن أعظمِ المعوقات عن قِيامِ الليل إطالةُ السَّهَر بالليل، فلا يستطيع الشخصُ القيامَ ولو قام قامَ متثاقلاً لا يَعْقِل صلاتَه. البعضُ يقوم آخِر اللَّيل، لكن ربَّما حدثتْه نفسُه بغفوة قبلَ أذان الفجر، ثم تفوته الصلاةُ؛ فعن أبي بكر بن سليمان بن أبي حَثْمَة: أنَّ عمرَ بن الخطَّاب - رضي الله عنه - فقَدَ سليمان بن أبي حَثْمة في صلاةِ الصبح، وأنَّ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - غدا إلى السوق ومَسْكَن سليمان بيْن السوق والمسجد النبويِّ، فمرَّ على الشفاء أمِّ سليمان، فقال لها: لَمْ أَرَ سليمانَ في الصبح، فقالت: إنَّه بات يُصلِّي فغلبتْه عيناه، فقال عمرُ - رضي الله عنه -: "لأنْ أشهدَ صلاةَ الصبح في الجماعة أحبُّ إليَّ من أن أقومَ ليلة"؛ رواه مالك (296) بإسناد صحيح. فكم مِن سليمانَ تَفْقِده مساجدُنا في صلاة الصبح، ولو كان ذلك التخلُّف بسببِ القيام، لكان الأمر أخفَّ. أخي: لماذا تُزهِّد الناسَ في قيام الليل؟ أخي، لماذا تدعوهم إلى التكاسُل عن القِيام؟ عجبًا هل يصدُر هذا من مُسلِم، فضلاً أن يصدر مِن طالب عِلم، مِن داعية، مِن إمام مسجد، مِن حافظ للقرآن، مِن شخص ظاهرُه الصلاح؟! نعم البعضُ منَّا يُزهِّد الناس في القيام مِن حيث لا يشعُر، فمَن يُخالطه مِن أهل بيته ومِن أصحابه والناس في الحَضَر والسَّفَر لا يَجِدونه يُصلِّي في الليل، يرونه إذا فرَغ مِن صلاة العشاء أوْتَر، فيزهدون في قِيام الليل، ولسان حالهم يقول: إذا كان فلانٌ لا يقوم الليلَ، فأنا مِن باب أَوْلى. قد تقول أخي: لم أفعلْ أمرًا مكروهًا فضلاً عن كونِه معصيةً، وأنت مصيبٌ في قولك، لكن أنت ممَّن يُقْتدَى به، فعليك مِن التَّبِعة ما ليس على غيرِك، أنت تدعو الناس
__________________
العنوان: موقع معرفة الله http://knowingallah.com اللغة: عربي رابط الموقع : http://knowingallah.com نبذة مختصرة:: موقع معرفة الله: هو موقع دعوى، يهدف إلى تعريف الناس بربهم، الخالق الرازق، من خلال نشر العقيدة الإسلامية الصافية بأسلوب سهل ومتقن، والموقع بتسع لغات. نتشرف بزيارتكم |
#4
|
|||
|
|||
وقد علم العارفون أنَّ قيامَ الليل مدرسةُ المخلصين، ومضمارُ السابقين، وأنّ الله تعالى إنما يوزّع عطاياه، ويقسم خزائن فضله في جوف الليل، فيصيب بها من تعرض لها بالقيام، ويحرم منها الغافلون والنَّيام وما بلغ عبدٌ الدرجات الرفيعة، ولا نوَّر الله قلباً بحكمة، إلاّ بحظ من قيام الليل. والسرُّ في ذلك أن العبد يمنع نفسه ملذّات الدنيا، وراحة البدن، ليتعبّد لله تعالى، فيعوضه الله تعالى خيراً مما فقد. وذلك يشمل نعمة الدّين، وكذلك نعمة الدنيا، ولهذا قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "وأربعة تجلب الرزق: قيام الليل، وكثرة الاستغفار بالأسحار، وتعاهد الصدقة، والذكر أول النهار، وآخره." وقال: "ولا ريب أنَّ الصلاة نفسها فيها من حفظ صحة البدن، وإذابة أخلاطه، وفضلاته، ما هو من أنفع شيء له، سوى ما فيها من حفظ صحة الإيمان، وسعادة الدنيا، والآخرة، وكذلك قيام الليل من أنفع أسباب حفظ الصحة، ومن أمنع الأمور لكثير من الأمراض المزمنة، ومن أنشط شيء للبدن، والروح، والقلب". أ. هـ. ولهذا لا تجد أصح أجساداً من قوَّام الليل، ولا أسعد نفوساً، ولا أنور وجوهاً، ولا أعظم بركة في أقوالهم، وأعمالهم، وأعمارهم، وآثارهم على الناس. وقوَّام الليل أخلص الناس في أعمالهم لله تعالى، وأبعدهم عن الرياء، والتسميع، والعجب، وهم أشدّ الناس ورعاً، وأعظمهم حفظًا لألسنتهم، وأكثرهم رعاية لحقوق الله تعالى، والعباد، وأحرصهم على العمل الصالح. وذلك أنهم يَخْلُونَ بالله تعالى في وقت القبول والإجابة، إذ يقول: «من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له» (رواه البخاري [1145]، ومسلم)، فيسألون، ويدعون، وقد قربت أرواحهم من الله تعالى، وصَفَت نفوسهم بذكره، فيقرِّبهم منه، ويُضفي عليهم من بركاته، ويُلقي عليهم من أنواره، فيكرمهم بالطاعات، ويخلع عليهم لباس الصالحات. ولهذا السبب يُحبب إليهم قيام الليل، حتى إنهم ليحبُّون الليل، ويشتاقون إليه، أشد من اشتياق العشَّاق للوصال، وبعضهم لا يعدّ النهار شيئاً، ويريده أن ينقضي بأيّ شيء حتى يأتيه الليل، ليخلو بالله تعالى، فيجد في ذلك الوقت، كلّ سعادته، وغاية لذته، ومنتهى راحته. ولهذا لم يكن النبيُّ صلى الله عليه وسلم يدع قيام الليل قطّ، بعد أن أمره الله به، كما قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "ولم يكن يدع قيام الليل حضراً، ولا سفراً، وكان إذا غلبه نوم، أو وجع، صلّى من النهار اثنتي عشرة ركعة، فسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: في هذا دليلٌ على أنَّ الوتر، لا يقضى لفوات محله، فهو كتحية المسجد، وصلاة الكسوف، والاستسقاء، ونحوها، لأنَّ المقصود به أن يكون آخر صلاة الليل وتراً، كما أن المغرب آخر صلاة النهار، فإذا انقضى الليل، وصليت الصبح، لم يقع الوتر موقعه، هذا معنى كلامه". وقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على قيام الليل، فجاء في فضله من الأحاديث جملة مباركة، منها: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل» (رواه مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن خزيمة في صحيحه). وعن عبد الله بن سلام رضي الله عنه، قال: "أول ما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، انجفل الناس إليه، فكنت فيمن جاءه، فلمّا تأمّلت وجهه، واستبنته، عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب"، قال: "فكان أول ما سمعت من كلامه، أن قال: «أيها الناس.. أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام» (رواه الترمذي). عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مسلم يبيت طاهراً، فيتعار من الليل، فيسأل الله خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلاّ أعطاه الله إياه» (رواه أبو داود، ورواه النسائي، وابن ماجه). وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه، فقيل له: "قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك، وما تأخر"، قال: «أفلا أكون عبداً شكوراً» (رواه البخاري ومسلم والنسائي). وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أحب الصلاة إلى الله صلاة داود، وأحب الصيام إلى الله صيام داود، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه، ويصوم يوماً، ويفطر يوماً» (رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه). وعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم، يسأل الله خيراً من أمر الدنيا، والآخرة إلا أعطاه إياه وذلك كل ليلة» (رواه مسلم). وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «عليكم بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى ربكم، ومكفرة للسيئات ومنهاة عن الإثم» (رواه الترمذي). وعن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما: قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أيقظ الرجل أهله من الليل فصلّيا، أو صلّى ركعتين جميعاً، كتبا في الذاكرين والذاكرات» (رواه أبو داود). وعن سهل بن سعد رضي الله عنهما قال: جاء جبريل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: «يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل، وعزه استغناؤه عن الناس» (رواه الطبراني في الأوسط). وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أشراف أمتي حملة القرآن، وأصحاب الليل» (رواه ابن أبي الدنيا والبيهقي). وعن أبي الدرداء رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثة يحبهم الله ويضحك إليهم، ويستبشر بهم، الذي إذا انكشفت فئة قاتل وراءها بنفسه لله عز وجل، فإما أن يقتل، وإما أن ينصره الله عز وجل ويكفيه، فيقول: انظروا إلى عبدي هذا كيف صبر لي بنفسه؟ والذي له امرأة حسنة، وفراش لين حسن، فيقوم من الليل فيقول: يذر شهوته، ويذكرني ولو شاء رقد، والذي إذا كان في سفر، وكان معه ركب، فسهروا، ثم هجعوا، فقام من السحر في ضراء، وسراء» (رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن). وعن ابن مسعود رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عجب ربنا تعالى من رجلين، رجل ثار عن وطائه، ولحافه، من بين أهله، وحبه، إلى صلاته، فيقول الله جل وعلا: انظروا إلى عبدي، ثار عن فراشه، ووطائه من بين حبه وأهله، إلى صلاته، رغبة فيما عندي، وشفقة مما عندي، ورجل غزا في سبيل الله، وانهزم أصحابه، وعلم ما عليه في الانهزام، وما له في الرجوع، فرجع حتى يهريق دمه، فيقول الله: انظروا إلى عبدي، رجع رجاء فيما عندي، وشفقة مما عندي، حتى يهريق دمه» (رواه أحمد). وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الرجل من أمتي يقوم من الليل يعالج نفسه إلى الطهور وعليه عقد، فإذا وضأ يديه انحلت عقدة، وإذا وضأ وجهه انحلت عقدة، وإذا مسح رأسه انحلت عقدة، وإذا وضأ رجليه انحلت عقدة، فيقول الله عز وجل للذين وراء الحجاب: انظروا إلى عبدي هذا يعالج نفسه، يسألني، ما سألني عبدي هذا، فهو له» (رواه أحمد، وابن حبان في صحيحه، واللفظ له). وعن عبد الله بن أبي قيس رضي الله عنه قال: قالت عائشة رضي الله عنها: «لا تدع قيام الليل، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يدعه، وكان إذا مرض، أو كسل، صلى قاعدًا» (رواه أبو داود وابن خزيمة في صحيحه). وعن طارق بن شهاب: أنه بات عند سلمان رضي الله عنه لينظر ما اجتهاده، قال: فقام يصلي من آخر الليل، فكأنه لم ير الذي كان يظن، فذكر ذلك له، فقال سلمان: "حافظوا على هذه الصلوات الخمس، فإنهن كفارات لهذه الجراحات، ما لم تصب المقتلة، فإذا صلى الناس العشاء، صدروا عن ثلاثة منازل: منهم من عليه ولا له، ومنهم من له ولا عليه، ومنهم من لا له ولا عليه، فرجل اغتنم ظلمة الليل، وغفلة الناس، فركب فرسه في المعاصي، فذلك عليه ولا له، ومن له ولا عليه؛ فرجل اغتنم ظلمة الليل وغفلة الناس، فقام يصلي، فذلك له ولا عليه، ومن لا له ولا عليه؛ فرجل صلى ثم نام، فلا له ولا عليه، إياك والحقحقة، وعليك بالقصد، وداومه" (رواه الطبراني في الكبير موقوفًا). (والحقحقة السير الشديد، حتى تعطب راحلته، فلا يبلغ مراده). وعن فضالة بن عبيد، وتميم الداري رضي الله عنهما: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ عشر آيات في ليلة كتب له قنطار، والقنطار خير من الدنيا وما فيها، فإذا كان يوم القيامة يقول ربُّك عز وجل: اقرأ وارق بكل آية درجة، حتى ينتهي إلى آخر آية معه، يقول الله عز وجل للعبد: اقبض، فيقول العبد بيده: يا ربّ أنت أعلم، يقول بهذه الخلد، وبهذه النعيم» (رواه الطبراني في الكبير والأوسط). وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين» (رواه أبو داود وابن خزيمة في صحيحه). وعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من امرئ تكون له صلاة بليل، فيغلبه عليها نوم، إلاّ كُتب الله له أجر صلاته، وكان نومه عليه صدقة» (رواه مالك وأبو داود والنسائي). وأما حال السلف مع قيام الليل، فمن اطّلع على أحوالهم في الليل، علم السر في بركة علومهم، وآثارهم على الأمة، وتعرف على السبب في اصطفاء الله تعالى لهم إذ جعلهم خير القرون. وهذه جملة مما في كتب التراجم، مثل صفة الصفوة، وحلية الأولياء، وغيرهما. كان ابن مسعود رضي الله عنه إذا هدأت العيون قام، فيُسمع له دويّ كدويّ النحل حتّى يصبح. وقال أبو عثمان النهدي: "تضيّفت أبا هريرة سبعاً، فكان هو وامرأتُه، وخادمُه، يتعقّبون الليل أثلاثاً: يصلّي هذا، ثم يوقظ هذا، ويصلّي هذا، ثم يوقظ هذا". وعن أبي غالب قال: كان ابن عمر رضي الله عنهما ينزل علينا بمكة، وكان يتهجّد من الليل، فقال لي ذات ليلة قبل الصبح: "يا أبا غالب: ألا تقوم تصلّي، ولو تقرأ بثلث القرآن"، فقلت: "يا أبا عبد الرحمن قد دنا الصبح فكيف اقرأ بثلث القرآن؟!" فقال: "إنّ سورة الإخلاص {قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] تعدل ثلث القرآن. وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: "صلّوا ركعتين في ظلم الليل لظلمة القبور". وسألت ابنة الربيع أباها: "يا أبتاه، الناس ينامون ولا أراك تنام؟" قال: يا بنية: "إن أباك يخاف السيّئات". وكان زيد بن الحارث يجزئ الليل إلى ثلاثة أجزاء: جزءٌ عليه، وجزءٌ على ابنه، وجزءٌ على ابنه الآخر. وقال سعيد بن المسيب: "إنَّ الرجل ليقوم الليل، فيجعل الله في وجهه نوراً، يحبه كلُّ مسلم، فيراه من لم يره قط، فيقول إني أحبّ هذا الرجل". وسُئل الحسن البصري: "ما بال المتهجدين بالليل من أحسن الناس وجوهاً؟!" فقال: "لأنهم خلوْا بالرحمن، فألبسهم من نوره." وكان أبو إسحاق السبيعي رحمه الله يقول: "يا معشر الشباب جدّوا واجتهدوا، وبادروا قوتكم، واغتنموا شبيبتكم قبل أن تعجزوا، فإنه قلّ ما مرّت عليّ ليلة إلاّ قرأت فيها بألف آية". ولما احتضر أبو الشعثاء رحمه الله، بكي، فقيل له: "ما يبكيك؟". قال: "لم أشتف من قيام الليل". وأخذ الفضيل بن عياض رحمه الله بيد الحسين بن زياد رحمهما الله، فقال له: "يا حسين: ينزل الله تعالى كلّ ليلة إلى السماء الدنيا، فيقول الرب: كذب من أدّعى محبّتي، فإذا جنه الليل نام عني؟ أليس كلُّ حبيبٍ يخلو بحبيبه؟ ها أنا ذا مطلع على أحبائي إذا جنَّهم الليل.. غداً أقرّ عيون أحبائي في جناتي". وكان عبد العزيز بن أبي روّاد رحمه الله، يُفرش له فراشه لينام عليه بالليل، فكان يضع يده على الفراش فيتحسسه، ثم يقول: "ما ألينك، ولكن فراش الجنة ألين منك"، ثم يقوم إلى صلاته. وقال الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى: "إذا لم تقدر على قيام الليل، وصيام النهار، فاعلم أنّك محروم مكبل، كبّلتك خطيئتك." وكان رحمه الله يقول: "أدركت أقواماً يستحيون من الله في سواد هذا الليل من طول الهجعة، إنما هو على الجنب"، فإذا تحرّك، قال: "ليس هذا لك قومي خذي حظك من الآخرة." وكان رحمه الله يقول: "من أخلاق الأنبياء والأصفياء ثلاثة: الحلم، والإنابة، وحظّ من قيام الليل". وكان العبد الصالح عبد الواحد بن يزيد رحمه الله يقول لأهله في كل ليلة: "يا أهل الدار انتبهوا، فما هذه دار نوم، عن قريب يأكلكم الدود". وقال ابن المنكدر: "ما بقي من لذات الدنيا إلاّ ثلاث: قيام الليل، ولقاء الإخوان، والصلاة في جماعة". وقال معمر: صلى إلى جنبي سليمان التميمي رحمه الله بعد العشاء الآخرة فسمعته يقرأ في صلاته: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الملك:1]، حتى أتى على هذه الآية: {فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الملك من الآية:27]، فجعل يردّدها حتى خفّ أهل المسجد وانصرفوا، ثم خرجت إلى بيتي، فما رجعت إلى المسجد لأؤذن الفجر، فإذا سليمان التميمي في مكانه كما تركته البارحة، وهو واقف يردد هذه الآية لم يجاوزها: {فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَت ْوُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الملك من الآية:27]. وقال عبد الله بن داود: "كان من مضى إذا بلغ أحدهم (40 سنة) طوى فراشه". وكان عمرو بن دينار قد جزأ الليل ثلاثة أجزاء: ثلثٌ ينام، وثلثٌ يدرس، وثلثٌ يصلّي. وقال محمد بن يوسف: "كان سفيان الثوري رحمه الله يقيمنا في الليل، ويقول: قوموا يا شباب، صلوا ما دمتم شبابًا، إذا لم تصلوا اليوم فمتى؟". وكان رحمه الله إذا أصبح مدّ رجليه إلى الحائط، ورأسه إلى الأرض، كي يرجع الدم من قدميه، من طول القيام. وقالت امرأة مسروق بن الأجدع: "والله ما كان مسروق يصبح من ليلة من الليالي إلاّ وساقاه منتفختان من طول القيام، وكان رحمه الله إذا طال عليه الليل، وتعب صلى جالساً، ولا يترك الصلاة، وكان إذا فرغ من صلاته يزحف إلى فراشه، كما يزحف البعير". وقال أبو سليمان الداراني: "والله لولا قيام الليل ما أحببتُ الدنيا". وقال مخلد بن الحسين: "ما انتبه من الليل إلاّ أصبت إبراهيم بن أدهم رحمه الله يذكر الله ويصلّي، ثم أتعزّى بهذه الآية: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء} [المائدة:54]". وقال رجل لابن أدهم رحمه الله: "إني لا أقدر على قيام الليل فصف لي دواء؟" فقال: "لا تعصه بالنهار، وهو يقيمك بين يديه في الليل، فإنّ وقوفك بين يديه في الليل من أعظم الشرف، والعاصي لا يستحق ذلك الشرف". وقال وكيع: "كان عليّ، والحسن ابنا صالح بن حيّ، وأمّهم، قد جزؤوا الليل ثلاثة أجزاء". وقال طاووس: "ما كنت أرى أحداً ينام في السحر". وقال ثابت: "كابدت قيام الليل عشرين سنة، وتنعمت به عشرين سنة". وقال الأوزاعي: "من أطال قيام الليل، هوّن الله عليه وقوف يوم القيامة". فنسأل الله تعالى أن يمنّ علينا بكرمه، ويرزقنا قيام الليل، ويفتح لنا به أبواب الخير.
__________________
العنوان: موقع معرفة الله http://knowingallah.com اللغة: عربي رابط الموقع : http://knowingallah.com نبذة مختصرة:: موقع معرفة الله: هو موقع دعوى، يهدف إلى تعريف الناس بربهم، الخالق الرازق، من خلال نشر العقيدة الإسلامية الصافية بأسلوب سهل ومتقن، والموقع بتسع لغات. نتشرف بزيارتكم |
#5
|
|||
|
|||
الحمد لله الذي جعل الصلاة راحة للمؤمنين، ومفزعاً للخائفين، ونوراً للمستوحشين، والصلاة والسلام على إمام المصلين المتهجدين، وسيد الراكعين والساجدين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين... أما بعد: فإن قيام الليل هو دأب الصالحين، وتجارة المؤمنين، وعمل الفائزين، ففي الليل يخلو المؤمنون بربهم، ويتوجهون إلى خالقهم وبارئهم، فيشكون إليه أحوالهم، ويسألونه من فضله، فنفوسهم قائمة بين يدي خالقها، عاكفة على مناجاة بارئها، تتنسم من تلك النفحات، وتقتبس من أنوار تلك القربات، وترغب وتتضرع إلى عظيم العطايا والهبات. قيام الليل في القرآن قال تعالى: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ [السجدة:16]. قال مجاهد والحسن: يعني قيام الليل. وقال ابن كثير في تفسيره: ( يعني بذلك قيام الليل وترك النوم والاضطجاع على الفرش الوطيئة ). وقال عبد الحق الأشبيلي: ( أي تنبو جنوبهم عن الفرش، فلا تستقر عليها، ولا تثبت فيها لخوف الوعيد، ورجاء الموعود ). وقد ذكر الله عز وجل المتهجدين فقال عنهم: كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:18،17] قال الحسن: كابدوا الليل، ومدّوا الصلاة إلى السحر، ثم جلسوا في الدعاء والاستكانة والاستغفار. وقال تعالى: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ [الزمر:9]. أي: هل يستوي من هذه صفته مع من نام ليله وضيّع نفسه، غير عالم بوعد ربه ولا بوعيده؟! إخواني: أين رجال الليل؟ أين ابن أدهم والفضيل ذهب الأبطال وبقي كل بطال !! يا رجال الليل جدوا *** ربّ داع لا يُردُقيام الليل في السنة أخي المسلم، حث النبي على قيام الليل ورغّب فيه، فقال عليه الصلاة والسلام: {عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى الله تعالى، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم،ومطردة للداء عن الجسد } [رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني]. وقال النبي في شأن عبد الله بن عمر: { نعم الرجل عبد الله، لو كان يصلي من الليل } [متفق عليه]. قال سالم بن عبد الله بن عمر: فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً. وقال النبي : { في الجنة غرفة يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها } فقيل: لمن يا رسول الله؟ قال: { لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وبات قائماً والناس نيام } [رواه الطبراني والحاكم وصححه الألباني]. وقال : { أتاني جبريل فقال: يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس } [رواه الحاكم والبيهقي وحسنه المنذري والألباني]. وقال : { من قام بعشر آيات لم يُكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين } [رواه أبو داود وصححه الألباني]. والمقنطرون هم الذين لهم قنطار من الأجر. وذكر عند النبي رجل نام ليلة حتى أصبح فقال: { ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه !! } [متفق عليه]. وقال : { أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل } [رواه مسلم]. قيام النبي أمر الله تعالى نبيه بقيام الليل في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً (2) نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً [المزمل: 1-4]. وقال سبحانه: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً [الإسراء: 79]. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: { كان النبي يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه. فقلت له: لِمَ تصنع هذا يا رسول الله، وقد غُفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبداً شكوراً؟ } [متفق عليه]. وهذا يدل على أن الشكر لا يكون باللسان فحسب، وإنما يكون بالقلب واللسان والجوارح، فقد قام النبي بحق العبودية لله على وجهها الأكمل وصورتها الأتم، مع ما كان عليه من نشر العقيدة الإسلامية، وتعليم المسلمين، والجهاد في سبيل الله، والقيام بحقوق الأهل والذرية، فكان كما قال ابن رواحة:وفينا رسول الله يتلو كتابه *** إذا انشق معروفٌ من الصبح ساطعُ أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا *** به موقناتٌ أن ما قال واقعيبيت يجافي جنبه عن فراشه *** إذا استثقلت بالمشركين المضاجعوعن حذيفة قال: { صليت مع النبي ذات ليلة، فافتتح البقرة، فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مُتَرَسلاً، إذا مرّ بآية فيها تسبيح سبّح، وإذا مرّ بسؤال سأل، وإذا مر بتعوّذ تعوذ... الحديث } [رواه مسلم]. وعن ابن مسعود قال: { صليت مع النبي ليلة، فلم يزل قائماً حتى هممت بأمر سوء. قيل: ما هممت؟ قال: هممت أن أجلس وأَدَعَهُ ! } [متفق عليه]. قال ابن حجر: ( وفي الحديث دليل على اختيار النبي تطويل صلاة الليل، وقد كان ابن مسعود قوياً محافظاً على الاقتداء بالنبي ، وما هم بالقعود إلا بعد طول كثير ما اعتاده ). قيام الليل في حياة السلف قال الحسن البصري: ( لم أجد شيئاً من العبادة أشد من الصلاة في جوف الليل ). وقال أبو عثمان النهدي: ( تضيّفت أبا هريرة سبعاً، فكان هو وامرأته وخادمه يقسمون الليل ثلاثاً، يصلي هذا، ثم يوقظ هذا ). وكان شداد بن أوس إذا أوى إلى فراشه كأنه حبة على مقلى، ثم يقول: اللهم إن جهنم لا تدعني أنام، فيقوم إلى مصلاه. وكان طاوس يثب من على فراشه، ثم يتطهر ويستقبل القبلة حتى الصباح، ويقول: طيَّر ذكر جهنم نوم العابدين !! وكان زمعة العابد يقوم فيصلي ليلاً طويلاً، فإذا كان السحر نادى بأعلى صوته: يا أيها الركب المعرِّسون، أكُل هذا الليل ترقدون؟ ألا تقومون فترحلون !! فيسمع من هاهنا باكٍ، ومن هاهنا داع، ومن هاهنا متوضئ، فإذا طلع الفجر نادى: عند الصباح يحمد القوم السرى !! طبقات السلف في قيام الليل قال ابن الجوزي: واعلم أن السلف كانوا في قيام الليل على سبع طبقات: الطبقة الأولى: كانوا يحيون كل الليل، وفيهم من كان يصلي الصبح بوضوء العشاء. الطبقة الثانية: كانوا يقومون شطر الليل. الطبقة الثالثة: كانوا يقومون ثلث الليل، قال النبي : { أحب الصلاة إلى الله عز وجل صلاة داود؛ كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سُدسه } [متفق عليه]. الطبقة الرابعة: كانوا يقومون سدس الليل أو خمسه. الطبقة الخامسة: كانوا لا يراعون التقدير، وإنما كان أحدهم يقوم إلى أن يغلبه النوم فينام، فإذا انتبه قام. الطبقة السادسة: قوم كانوا يصلون من الليل أربع ركعات أو ركعتين. الطبقة السابعة: قوم يُحيون ما بين العشاءين، ويُعسِّـلون في السحر، فيجمعون بين الطرفين. وفي صحيح مسلم أن النبي قال: { إن في الليل لساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها خيراً إلا آتاه، وذلك كل ليلة }. الأسباب الميسِّرة لقيام الليل ذكر أبو حامد الغزالي أسباباً ظاهرة وأخرى باطنة ميسرة لقيام الليل: فأما الأسباب الظاهرة فأربعة أمور: الأول: ألا يكثر الأكل فيكثر الشرب، فيغلبه النوم، ويثقل عليه القيام. الثاني: ألا يتعب نفسه بالنهار بما لا فائدة فيه. الثالث: ألا يترك القيلولة بالنهار فإنها تعين على القيام. الرابع: ألا يرتكب الأوزار بالنهار فيحرم القيام بالليل. وأما الأسباب الباطنة فأربعة أمور: الأول: سلامة القلب عن الحقد على المسلمين، وعن البدع وعن فضول الدنيا. الثاني: خوف غالب يلزم القلب مع قصر الأمل. الثالث: أن يعرف فضل قيام الليل. الرابع: وهو أشرف البواعث: الحب لله، وقوة الإيمان بأنه في قيامه لا يتكلم بحرف إلا وهو مناج ربه. قيام رمضان قيام رمضان هو صلاة التراويح التي يؤديها المسلمون في رمضان، وهو من أعظم العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه في هذا الشهر.قال الحافظ ابن رجب: ( واعلم أن المؤمن يجتمع له في شهر رمضان جهادان لنفسه: جهاد بالنهار على الصيام، وجهاد بالليل على القيام، فمن جمع بين هذين الجهادين وُفِّي أجره بغير حساب ). وقال الشيخ ابن عثيمين: ( وصلاة الليل في رمضان لها فضيلة ومزية على غيرها، لقول النبي : { من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه } [متفق عليه] وقيام رمضان شامل للصلاة في أول الليل وآخره، وعلى هذا فالتراويح من قيام رمضان، فينبغي الحرص عليها والاعتناء بها، واحتساب الأجر والثواب من الله عليها، وما هي إلا ليالٍ معدودة ينتهزها المؤمن العاقل قبل فواتها ). وتشرع صلاة التراويح جماعة في المساجد، وكان النبي أول من سنّ الجماعة في صلاة التراويح في المسجد، ثم تركها خشية أن تُفرض على أمته، فلما لحق رسول الله بجوار ربه، واستقرت الشريعة؛ زالت الخشية، وبقيت مشروعية صلاتها جماعة قائمة. وعلى المسلمين الاهتمام بهذه الصلاة وأداؤها كاملة، والصبر على ذلك لله عز وجل. قال الشيخ ابن عثيمين: ( ولا ينبغي للرجل أن يتخلف عن صلاة التراويح لينال ثوابها وأجرها، ولا ينصرف حتى ينتهي الإمام منها ومن الوتر ليحصل له أجر قيام الليل كله ). ويجوز للنساء حضور التراويح في المساجد إذا أمنت الفتنة منهن وبهن. ولكن يجب أن تأتي متسترة متحجبة، غير متبرجة ولا متطيبة، ولا رافعة صوتاً ولا مبدية زينة. والسنة للنساء أن يتأخرن عن الرجال ويبعدن عنهم، ويبدأن بالصف المؤخر فالمؤخر عكس الرجال، وينصرفن من المسجد فور تسليم الإمام ولا يتأخرن إلا لعذر، لحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: { كان النبي إذا سلّم قام النساء حين يقضي تسليمه، وهو يمكث في مقامه يسيراً قبل أن يقوم. قالت: نرى - والله أعلم - أن ذلك كان لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن الرجال } [رواه البخاري]. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
__________________
العنوان: موقع معرفة الله http://knowingallah.com اللغة: عربي رابط الموقع : http://knowingallah.com نبذة مختصرة:: موقع معرفة الله: هو موقع دعوى، يهدف إلى تعريف الناس بربهم، الخالق الرازق، من خلال نشر العقيدة الإسلامية الصافية بأسلوب سهل ومتقن، والموقع بتسع لغات. نتشرف بزيارتكم |
#6
|
|||
|
|||
__________________
( فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ) الكهف 6 كل العلوم سوى القرآن مشغلة ..... إلا الحديث وعلم الفقه في الدين العلم ما كان فيه قال حدثنا ..... وما سوى ذاك وسواس الشياطين |
أدوات الموضوع | |
|
|