جديد المواضيع |
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
تناقص أطراف الأرض/الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة
تناقص أطراف الأرض الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة يقول الله تعالى:
﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [الرعد:41]، ويتكرر معني هذه الآية الكريمة مرة أخري في سورة الأنبياء والتي يقول فيها ربنا تبارك وتعالى: ﴿ بَلْ مَتَّعْنَا هَٰؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّىٰ طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ ۗ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ۚ أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ [الأنبياء: 44]. الشروح المفسرة لمعني إنقاص الأرض من أطرافها: إن الجهد الهائل الذي بذله المفسرون (رحمهم الله تعالى جميعا) في إنزال الدلالة على الواقع لهو مأثرة تكتب في موازين حسناتهم ودليل صارخ على سمو القرآن الكريم على المعارف البشرية زمن التنزيل وبعده بقرون متطاولة؛ حيث لم يملكوا قبل عصـر العلم سوى معاني الألفاظ في قضايا تتعلق بالأسرار الكونية، في تفسير قول الحق (تبارك وتعالى): { أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا } ذكر ابن كثير قول ابن عباس رضى الله عنه: أو لم يروا أنا نفتح لمحمد الأرض بعد الأرض، وقوله في مقام آخر: إنقاصها من أطرافها هو خرابها بموت علمائها، وفقهائها، وأهل الخير منها وقال ابن كثير: والقول الأول أولي، وهو ظهور الإسلام علي الشرك قرية بعد قرية، كقوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُم مِّنَ الْقُرَى ﴾ [الأحقاف: 27]، وأشار إلى أن هذا هو اختيار ابن جرير. وجاء في المنتخب في تفسير القرآن الكريم في الهامش ما يلي: (تتضمن هذه الآية حقائق وصلت إليها البحوث العلمية الأخيرة إذ ثبت أن سرعة دوران الأرض حول محورها، وقوة طردها المركزي يؤديان إلى تفلطح في القطبين وهو نقص في طرفي الأرض، وكذلك عرف أن سرعة انطلاق جزيئات الغازات المغلفة للكرة الأرضية، إذا ما جاوزت قوة جاذبية الأرض لها فإنها تنطلق إلى خارج الكرة الأرضية، وهذا يحدث بصفة مستمرة فتكون الأرض في نقص مستمر لأطرافها، لا أرض أعداء المؤمنين، وهذا احتمال في التفسير تقبله الآية الكريمة). من الدلالات العلمية لإنقاص الأرض من أطرافها: ترد لفظة الأرض في القرآن الكريم بمعاني عديدة تتحدد إحداها وفق قرائن السياق؛ مثل التربة والقطر أو البلد والكوكب، كما ترد بمعنى اليابسة التي نحيا عليها من كتل القارات التي تحمينا من التيارات الباطنية الملتهبة إلى حد إذابة الصخور، وفي الآيتين الكريمتين: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [الرعد: 41]، ﴿ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ [الأنبياء: 44]؛ السياق يتعلق بالتهديد والتوعد بخطر أكيد يتعلق بنقصان الأرض من ناحية أطرافها، وفي اللغة طرف الشيء نهايته وحده، والجسم الكروي لا حد له؛ ولذا لا يستقيم حمل لفظ الأرض على معنى الكوكب؛ ويستبعد حمل التهديد على انكماشها علي ذاتها أو تفلطحها قليلاً عند القطبين أو أخذ عوامل التعرية المختلفة من المرتفعات، والتهديد بخطر يمكن أن يداهم البشر يجعل دلالة لفظ الأرض لصيقة بهم، وهي الغلاف الصخري أو السطح الذي يعيشون عليه ويحميهم من لهيب الباطن؛ أي الألواح القارية في مصطلح علم الجيولوجيا، وثبت بالفعل أنها تتباعد في منتصف المحيطات؛ نتيجة ما يطرحه الباطن من مواد ملتهبة فتتسع المحيطات، وبالتالي ينزوي كل لوح محيطي تحت اللوح القاري المقابل فتنقص كل الألواح المحيطية من أطرافها، ولذا يُحتمل خطر الخسف والزلازل والبراكين جانب البر؛ مصداقا لقوله تعالى: ﴿ أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ ﴾ [الإسراء: 68]. والغلاف الصخري أو السطح الذي يعيش عليه الناس ويحميهم من أخطار دونهم أشبه ما يكون بمهد الصبي أو فراش منبسط أو بساط مفترش يحمي من الأخطار دونه؛ وهي نفس التشبيهات والأوصاف التمثيلية في القرآن الكريم: ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا ﴾ [البقرة: 22]، ﴿ وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ ﴾ [الذاريات: 48]، ﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا ﴾ [نوح: 19]، ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا ﴾ [طه: 53]. وأما تشبيه السطح الصخري بمهد الصبي بالجمع: ﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا ﴾ [النبأ: 6]؛ فيستقيم أن تقوم الجبال الممتدة عميقا بتثبيت الألواح القارية الطافية فوق دوامات الباطن حتى لا تميد وتضطرب كما تفعل أوتاد الخيمة: ﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7)﴾ (النبأ) وهذا التوصيف الشمولي للسطح الصخري للكوكب بنظرة تتجاوز أفق المعرفة في بيئة التنزيل يتفق مع الدعوة إلى النظر الشمولي للكون: ﴿ وَإِلَى الأرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ﴾ [الغاشية:20]؛ لبيان ضرورة نشأة السطح الصخري لحماية القاطنين من بعد، وجذور جبال كتل الألواح القارية ذات الامتدادات العميقة تجعلها تطفو فوق تيارات الباطن كالسفن الرواسي ذات الامتدادات العميقة التي تحفظها مستقرة ثابتة لا تميد فوق تيارات مياه المحيط: ﴿ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا ﴾ [فصلت: 10]، فالجبال إذن ثبتت ألواح السطح الصخري لا الكوكب فاستقرت ولم تمد: ﴿ أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ ﴾ [النمل: 61]، ﴿ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا ﴾ [غافر: 64]، والخلاصة أن لفظ الأرض في الآيتين الكريمتين يستقيم حمله على اليابسة التي نحيا عليها من كتل القارات؛ أي الألواح القارية. وجه الإعجاز العلمي: أتت الآيتان الكريمتان ناطقتين بحقيقة كونية مبهرة، وهي أن اليابسة التي نحن عليها من كتل القارات والتي يصطلح عليها في علم الجيولوجيا بالألواح القارية Tectonic Plates تنضوي وتنقص من أطرافها على الدوام؛ أي في مقابل زيادتها منتصف المحيطات، وهي حقيقة لم يكن لأحد العلم بها زمن نزول القرآن الكريم. لقد أوضحت الدراسات الحديثة نقصان الأرض من أطرافها على مستوى السطح الصخري للأرض، حسب معنى لفظ الأرض وفق قرائن السياق؛ أي المعنى اللائق بالمقام رغم تعدد معانيها المعجمية في كل سياق، وتلك حقيقة جيولوجية لم تعرف سوى حديثا قد جاءت لتنطق بأن القرآن الكريم حق من عند رب العالمين، فسبحان الذي أنزل من قبل ألف وأربعمائة سنة هذه الإشارة العلمية الدقيقة إلى حقيقة إنقاص الأرض من أطرافها، وهي حقيقة لم يدرك الإنسان شيئا من دلالاتها العلمية إلا منذ عقود قليلة. |
#2
|
|||
|
|||
بارك الله فيك
|
#3
|
||||
|
||||
نقص الأرض من أطرافها / د. زغلول راغب النجار
نقص الأرض من أطرافها
الدكتور زغلول راغب النجار قال الله تعالى : { أَوَ لَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (41)}(سورة الرعد) جاءت هذه الآية الكريمة في خواتيم سورة الرعد, وهي السورة الوحيدة من سور القرآن التي تحمل اسم ظاهرة من الظواهر الجوية, وسورة الرعد توصف بأنها سورة مدنية. وإن كان الخطاب فيها خطابا مكيا, يدور حول أسس العقيدة الإسلامية ومن أولها قضية الإيمان بالوحي المنزل من رب العالمين إلى خاتم الأنبياء والمرسلين (صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين), والإيمان بالحق الذي أشتمل عليه هذا الوحي الرباني, ومن ركائزه الإيمان بالله, وبوحدانيته المطلقة فوق كافة خلقه, والإيمان بملائكته, وكتبه, ورسله, وباليوم الآخر, وما يستتبعه من بعث ونشور, وعرض أكبر أمام الله, وحساب وجزاء, وما يستوجبه هذا الإيمان من خشية لله وتقواه, وحرص على طلب رضاه بالعمل الصالح لأن ذلك كله نابع من الإيمان بالوحي, وبأن الله (تعالى) هو منزل القرآن الداعي إلى عبادة الله بما أمر (سبحانه وتعالى), وبالقيام بواجبات الاستخلاف في الأرض بحسن عمارتها, وإقامة عدل الله فيها. وتعجب الآيات من منكري البعث والحساب والجزاء, الدين كفروا بربهم, وكذبوا رسله, وجحدوا آياته, وتعرض لشيء من عذابهم في الآخرة, وخلودهم في النار. وتستشهد السورة في مواضع كثيرة منها بالعديد من الآيات والظواهر الكونية الدالة على طلاقة القدرة الإلهية المبدعة في الخلق والإفناء, وفي الأمانة والإحياء, وفي النفع والضر, والشاهدة على أن كل ما جاء به القرآن الكريم حق مطلق,وإن كان أكثر الناس لا يؤمنون. ثم تقارن الآيات بين أهل النار وأهل الجنة, وبين أوصاف كل فريق منهم وخصاله وأعماله, وضربت لهما مثلا بالأعمى والبصير, وبينت مصير كل من الفريقين, مع تصوير رائع لكل من الجنة والنار. وتستطرد آيات سورة الرعد في الحديث عن عدد من الظواهر الكونية من مثل حدوث الرعد, والبرق, والصواعق, وتكوين السحاب الثقال, وإنزال المطر, وتدفق الأودية بمائه حاملة من الزبد والخبث الذي لا يلبث أن يذهب جفاء, وبما ينفع الناس من نفائس المعادن التي لا تلبث أن تمكث في الأرض, وتشبه الآيات الكريمة ذلك بكل من الباطل والحق, ولله المثل الأعلى. ثم تعرض السورة لحقيقة غيبية تتمثل في تسبيح الرعد بحمد الله, وتسبيح الملائكة خشية لجلالة, وخيفة من سلطانه, وجميع من في السماوات والأرض يسجد لله طوعا وكرها, حتى ظلالهم فإنها تسجد لله بالغدو والآصال, أي مع دوران الأرض حول محورها أمام الشمس, فيمد الظل ويقبض في حركة كأنها الركوع والسجود. وتنعي الآيات على الكفار استهزاءهم بالرسل السابقين على بعثة المصطفى (صلى الله عليه وسلم), وفي الإشارة إلى ذلك ضرب من التثبيت لرسول الله, والتأكيد له على أن الابتلاء هو طريق النبوات, وطريق أصحاب الرسالات من بدء الخلق إلى قيام الدعوة المحمدية و إلى أن يرث الله (تعالى) الأرض ومن عليها...!!! وتشير السورة بالقرب من نهايتها إلى فرح الصالحين من أهل الكتاب بمقدم الرسول الخاتم, في الوقت الذي حاول فيه الكفار والمشركون التشكيك في حقيقة رسالته وتؤكد إنزال القرآن حكما عربيا مبينا, وتدعو المصطفي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى الحذر من ضغوط الكافرين من أجل إتباع أهوائهم. وتؤكد أنه ما كان لرسول من الرسل أن يأتي بآية إلا بإذن الله. ثم تأتي الآية الكريمة التي نحن بصددها ناطقة بحقيقة كونية يقول عنها ربنا (تبارك وتعالى): أو :{ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ } ويتكرر معني هذه الآية الكريمة مرة أخري في سورة الأنبياء والتي يقول فيها ربنا (تبارك وتعالى) : { بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاء وَآبَاءهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ (44)}. ثم تختتم سورة الرعد بالحديث عن مكر الأمم السابقة الذي لم يضر المؤمنين شيئا لأن لله (تعالى) المكر جميعا, وأن له (سبحانه وتعالى) عقبي الدار, كما تتحدث عن إنكار الكافرين لبعثة المصطفى (صلى الله عليه وسلم), وتأتي الآيات, مؤكدة أن الله تعالى يشهد له بالنبوة والرسالة وكذلك كل من عنده علم من رسالات الله السابقة لوجود ذكره ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الآيات التي لم تحرف من بقايا كتبهم. وهنا يبرز التساؤل المنطقي: ما هو معني إنقاص الأرض من أطرافها في هاتين الآيتين الكريمتين؟ وما هو مغزى دلالتها العلمية والمعنوية؟ وقبل الخوض في ذلك لابد من استعراض سريع لشروح المفسرين. الشروح المفسرة لمعني إنقاص الأرض من أطرافها: في تفسير قول الحق( تبارك وتعالى): { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا } ذكر ابن كثير قول ابن عباس(رضي الله عنهما): أو لم يروا أنا نفتح لمحمد صلى الله عليه وسلم الأرض بعد الأرض, وقوله في مقام آخر: إنقاصها من أطرافها هو خرابها بموت علمائها, وفقهائها, وأهل الخير منها وقال ابن كثير: والقول الأول أولي, وهو ظهور الإسلام على الشرك قرية بعد قرية, كقوله تعالى : { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُم مِّنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (27)}(الأحقاف) , وأشار إلى أن هذا هو اختيار ابن جرير. كذلك ذكر ابن كثير قول كل من مجاهد وعكرمة: إنقاص الأرض من أطرافها معناه خرابها, أو هو موت علمائها, وقول كل من الحسن والضحاك: هو ظهور المسلمين على المشركين, كما قالا: هو نقصان الأنفس والثمرات, وخراب الأرض, وقول الشعبي: لو كانت الأرض تنقص لضاق عليك حشك (أي بستانك), ولكن تنقص الأنفس والثمرات. وذكر صاحبا تفسير الجلالين: { أَوَلَمْ يَرَوْاْ } أي: أهل مكة وغيرها { أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ } نقصد أرضهم ، { نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا } بالفتح على النبي -صلى الله عليه وسلم -. أما صاحب الظلال فذكر: أن يد الله القوية تأتي الأمم الغنية حين تبطر وتكفر وتفسد فتنقص من قوتها وقدرها وثرائها وتحصرها في رقعة ضيقة من الأرض بعد أن كانت ذات امتداد وسلطان. وجاء في(صفوة البيان لمعاني القرآن) ما نصه: { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ..) أي أأنكروا نزول ما وعدناهم, أو شكوا ولم يروا أننا نفتح أرضهم من جوانبها ونلحقها بدار الإسلام!! أولم يروا هلاك من قبلهم وخراب ديارهم كقوم عاد وثمود! فكيف يأمنون حلول ذلك بهم! وجاء في صفوة التفاسير ما نصه: أي أو لم ير هؤلاء المشركون أنا نمكن للمؤمنين من ديارهم ونفتح للرسول الأرض بعد الأرض حتى تنقص دار الكفر وتزيد دار الإسلام؟ وذلك من أقوي الأدلة على أن الله منجز وعده لرسوله عليه السلام. وجاء في المنتخب في تفسير القرآن الكريم ما نصه: وأن أمارات العذاب والهزيمة قائمة! ألم ينظروا إلى أنا نأتي الأرض التي قد استولوا عليها, يأخذها منهم المؤمنون جزءا بعد جزء؟ وبذلك ننقص عليهم الأرض من حولهم, والله وحده هو الذي يحكم بالنصر أو الهزيمة, والثواب أو العقاب, ولا راد لحكمه, وحسابه سريع في وقته, فلا يحتاج الفصل إلى وقت طويل, لأن عنده علم كل شيء, فالبينات قائمة. وفي الهامش جاء ذكر ما يلي: تتضمن هذه الآية حقائق وصلت إليها البحوث العلمية الأخيرة إذ ثبت أن سرعة دوران الأرض حول محورها, وقوة طردها المركزي يؤديان إلى تفلطح في القطبين وهو نقص في طرفي الأرض, وكذلك عرف أن سرعة انطلاق جزيئات الغازات المغلفة للكرة الأرضية, إذا ما جاوزت قوة جاذبية الأرض لها فإنها تنطلق إلى خارج الكرة الأرضية, وهذا يحدث بصفة مستمرة فتكون الأرض في نقص مستمر لأطرافها, لا أرض أعداء المؤمنين, وهذا احتمال في التفسير تقبله الآية الكريمة. من الدلالات العلمية لإنقاص الأرض من أطرافها ترد لفظة الأرض في القرآن الكريم بمعني الكوكب ككل, كما ترد بمعني اليابسة التي نحيا عليها من كتل القارات والجزر البحرية والمحيطية, وإن كانت ترد أيضا بمعني التربة التي تغطي صخور اليابسة. ولإنقاص الأرض من أطرافها في إطار كل معني من تلك المعاني عدد من الدلالات العلمية التي نحصي منها ما يلي: أولا: في إطار دلالة لفظة الأرض على الكوكب ككل في هذا الإطار نجد ثلاثة معان علمية بارزة يمكن إيجازها فيما يلي: (أ) إنقاص الأرض من أطرافها بمعني انكماشها على ذاتها وتناقص حجمها باستمرار: يقدر متوسط قطر الأرض الحالية بحوالي 12742 كم, ويقدر متوسط محيطها بنحو 40042 كم , ويقدر حجمها بأكثر من مليون مليون كم3. وتفيد الدراسات أن أرضنا مرت بمراحل متعددة من التشكيل منذ انفصال مادتها عن سحابة الدخان الكوني التي نتجت عن عملية الانفجار العظيم إما مباشرة أو بطريقة غير مباشرة عبر سديم الدخان الذي تولدت عنه مجموعتنا الشمسية, وبذلك خلقت الأرض الابتدائية التي لم تكن سوي كومة ضخمة من الرماد ذات حجم هائل يقدر بمائة ضعف حجمها الحالي على الأقل, ومكونة من عدد من العناصر الخفيفة. ثم ما لبثت تلك الكومة الابتدائية أن رجمت بوابل من النيازك الحديدية, والحديدية الصخرية, والصخرية, كتلك التي تصل الأرض في زماننا (والتي تتراوح كمياتها بين الألف والعشرة آلاف طن سنويا من مادة الشهب والنيازك). وبحكم كثافتها العالية نسبياً اندفعت النيازك الحديدية إلى مركز تلك الكومة الابتدائية حيث استقرت, مولدة حرارة عالية أدت إلى صهر كومة الرماد التي شكلت الأرض الابتدائية وإلى تمايزها إلى سبع أرضين على النحو التالي: 1ـ لب صلب داخلي: عبارة عن نواة صلبة من الحديد (90%) وبعض النيكل (9%) مع قليل من العناصر الخفيفة مثل الكربون والفسفور, والكبريت والسليكون والأوكسجين (1%) وهو قريب من تركيب النيازك الحديدية مع زيادة واضحة في نسبة الحديد, ويبلغ قطر هذه النواة حاليا ما يقدر بحوالي 2402 كم, وتقدر كثافتها بحوالي 10 إلى 13.5 جرام/سم3. 2ـ نطاق لب الأرض السائل(الخارجي): وهو نطاق سائل يحيط باللب الصلب, وله نفس تركيبه الكيميائي تقريبا ولكنه في حالة انصهار, ويقدر سمكه بحوالي 2275 كم, ويفصله عن اللب الصلب منطقة انتقالية شبه منصهرة يبلغ سمكها 450 كم تعتبر الجزء الأسفل من هذا النطاق, ويكون كل من لب الأرض الصلب والسائل حوالي 31% من كتلتها. 3ـ النطاق الأسفل من وشاح الأرض(الوشاح السفلي): وهو نطاق صلب يحيط بلب الأرض السائل, ويبلغ سمكه نحو 2215 كم( من عمق 670 كم إلى عمق 2885 كم) ويفصله عن الوشاح الأوسط (الذي يعلوه) مستوي انقطاع للموجات الاهتزازية الناتجة عن الزلازل. 4ـ النطاق الأوسط من وشاح الأرض(الوشاح الأوسط): وهو نطاق صلب يبلغ سمكه نحو 270 كم, ويحده مستويات من مستويات انقطاع الموجات الاهتزازية يقع أحدهما علي عمق 670 كم ويفصله عن الوشاح الأسفل, ويقع الآخر علي عمق 400 كم ويفصله عن الوشاح الأعلى. 5ـ النطاق الأعلى من وشاح الأرض( الوشاح العلوي): وهو نطاق لدن, شبه منصهر, عالي الكثافة واللزوجة (نسبة الانصهار فيه في حدود 1%) يعرف باسم نطاق الضعف الأرضي ويمتد بين عمق 65 ـ 120 كم وعمق 400 كم ويتراوح سمكه بين 335 كم و 380 كم, ويعتقد بأن وشاح الأرض كان كله منصهرا في بدء خلق الأرض ثم أخذ في التصلب بالتدريج نتيجة لفقد جزء هائل من حرارة الأرض. 6ـ النطاق السفلي من الغلاف الصخري للأرض: ويتراوح سمكه بين 40 ـ 60 كم (بين أعماق 60 ـ 80 كم) 120 كم ويحده من أسفل الحد العلوي لنطاق الضعف الأرضي, ومن أعلى خط انقطاع الموجات الاهتزازية المعروف باسم الموهو. 7ـ النطاق العلوي من الغلاف الصخري للأرض (قشرة الأرض): ويتراوح سمكه بين (5 ـ 8) كم تحت قيعان البحار والمحيطات وبين (60 ـ 80) كم تحت القارات, ويتكون أساسا من العناصر الخفيفة مثل السليكون, والصوديوم, والبوتاسيوم, والكالسيوم, والألمنيوم, والأوكسجين مع قليل من الحديد (5.6%) وبعض العناصر الأخرى وهو التركيب الغالب للقشرة القارية التي يغلب عليها الجرانيت والصخور الجرانيتية, أما قشرة قيعان البحار والمحيطات فتميل إلى تركيب الصخور البازلتية. وأدي هذا التمايز في التركيب الداخلي للأرض إلى نشوء دورات من تيارات الحمل, تندفع من نطاق الضعف الأرضي (الوشاح الأعلى) غالبا, ومن وشاح الأرض الأوسط أحيانا, لتمزق الغلاف الصخري للأرض إلى عدد من الألواح التي شرعت في حركة دائبة حول نطاق الضعف الأرضي نشأ عنها الثورات البركانية, والهزات الأرضية, والحركات البانية للجبال, كما نشأ عنها دحو الأرض بمعني إخراج كل من غلافيها المائي والغازي من جوفها وتكون كتل القارات. هذا التاريخ يشير إلى أن حجم الأرض الابتدائية كان على الأقل يصل إلى مائة ضعف حجم الأرض الحالية والمقدر بأكثر قليلا من مليون مليون وثلاثمائة وخمسين كيلومترا مكعبا وأن هذا الكوكب قد أخذ منذ اللحظة الأولي لخلقه في الانكماش على ذاته من كافة أطرافه. وكان انكماش الأرض على ذاتها سنة كونية لازمة للمحافظة على العلاقة النسبية بين كتلتي الأرض والشمس, هذه العلاقة التي تضبط بعد الأرض عن الشمس, ذلك البعد الذي يحكم كمية الطاقة الواصلة إلينا. ويقدر متوسط المسافة بين الأرض والشمس بنحو مائة وخمسين مليونا من الكيلومترات, ولما كانت كمية الطاقة التي تصل من الشمس إلى كل كوكب من كواكب مجموعتها تتناسب تناسبا عكسيا مع بعد الكوكب عن الشمس, وكذلك تتناسب سرعة جريه في مداره حولها, بينما يتناسب طول سنة الكوكب تناسبا طرديا مع بعده عنها (وسنة الكوكب هي المدة التي يستغرقها في إتمام دورة كاملة حول الشمس), اتضحت لنا الحكمة من استمرارية تناقص الأرض وانكماشها على ذاتها أي تناقصها من أطرافها. ولو زادت الطاقة التي تصلنا من الشمس عن القدر الذي يصلنا اليوم قليلا لأحرقتنا, وأحرقت كل حي على الأرض, ولبخرت الماء, وخلخلت الهواء, ولو قلت قليلاً لتجمد كل حي على الأرض ولقضي على الحياة الأرضية بالكامل. ومن الثابت علميا أن الشمس تفقد من كتلتها في كل ثانية نحو خمسة ملايين من الأطنان على هيئة طاقة ناتجة من تحول غاز الإيدروجين بالاندماج النووي إلى غاز الهليوم. وللمحافظة على المسافة الفاصلة بين الأرض والشمس لابد وأن تفقد الأرض من كتلتها وزنا متناسبا تماما مع ما تفقده الشمس من كتلتها, ويخرج ذلك عن طريق كل من فوهات البراكين وصدوع الأرض علي هيئة الغازات والأبخرة وهباءات متناهية الضآلة من المواد الصلبة التي يعود بعضها إلى الأرض, ويتمكن البعض الآخر من الآفلات من جاذبية الأرض والانطلاق إلى صفحة السماء الدنيا, وبذلك الفقدان المستمر من كتلة الأرض فإنها تنكمش على ذاتها, وتنقص من كافة أطرافها, وتحتفظ بالمسافة الفاصلة بينها وبين الشمس. ولولا ذلك لانطلقت الأرض من عقال جاذبية الشمس لتضيع في صفحة الكون وتهلك ويهلك كل من عليها, أو لانجذبت إلى قلب الشمس حيث الحرارة في حدود 15 مليون درجة مئوية فتنصهر وينصهر كل ما بها ومن عليها. ومن حكمة الله البالغة أن كمية الشهب والنيازك التي تصل الأرض يوميا تلعب دورا هاما في ضبط العلاقة بين كتلتي الأرض والشمس إذا زادت كمية المادة المنفلتة من عقال جاذبية الأرض. (ب) إنقاص الأرض من أطرافها بمعني تفلطحها قليلاً عند القطبين, وانبعاجها قليلاً عند خط الاستواء: في زمن الخليفة المأمون قيست المسافة المقابلة لكل درجة من درجات خطوط الطول في كل من تهامة والعراق, واستنتج من ذلك حقيقة أن الأرض ليست كاملة الاستدارة, وقد سبق العلماء المسلمون الغرب في ذلك بثمانية قرون علي الأقل لأن الغربيين لم يشرعوا في قياس أبعاد الأرض إلا في القرن السابع عشر الميلادي, حين أثبت نيوتن نقص تكور الأرض وعلله بأن مادة الأرض لاتتأثر بالجاذبية نحو مركزها فحسب, ولكنها تتأثر كذلك بالقوة الطاردة( النابذة) المركزية الناشئة عن دوران الأرض حول محورها, وقد نتج عن ذلك انبعاج بطئ في الأرض ولكنه مستمر عند خط الاستواء حيث تزداد القوة الطاردة المركزية إلى ذروتها, وتقل قوة الجاذبية إلى المركز إلى أدني قدر لها, ويقابل ذلك الانبعاج الاستوائي تفلطح (انبساط) قطبي غير متكافئ عند قطبي الأرض حيث تزداد قوتها الجاذبة, وتتناقص قيمة القوة الطاردة المركزية, والمنطقة القطبية الشمالية أكثر تفلطحا من المنطقة القطبية الجنوبية. ويقدر متوسط قطر الأرض الاستوائي بنحو 12756.3 كم, ونصف قطرها القطبي بنحو 12713.6 كم وبذلك يصبح الفارق بين القطرين نحو 42.7 كم, ويمثل هذا التفلطح نحو33.% من نصف قطر الأرض, مما يدل علي أنها عملية بطيئة جدا تقدر بنحو 1 سم تقريبا كل ألف سنة, ولكنها عملية مستمرة منذ بدء خلق الأرض, وهي احدي عمليات إنقاص الأرض من أطرافها. (جـ) إنقاص الأرض من أطرافها بمعني اندفاع قيعان المحيطات تحت القارات وانصهارها وذلك بفعل تحرك ألواح الغلاف الصخري للأرض: يمزق الغلاف الصخري للأرض بواسطة شبكة هائلة من الصدوع العميقة التي تحيط بالأرض إحاطة كاملة, وتمتد لعشرات الآلاف من الكيلومترات في الطول, وتتراوح أعماقها بين 65 كم و 120كم, وتفصل هذه الشبكة من الصدوع الغلاف الصخري للأرض إلى 12 لوحا رئيسيا وعدد من الألواح الصغيرة نسبيا, ومع دوران الأرض حول محورها تنزلق ألواح الغلاف الصخري للأرض فوق نطاق الضعف الأرضي متباعدة عن بعضها البعض, أو مصطدمة مع بعضها البعض, ويعين علي هذه الحركة اندفاع الصهارة الصخرية عبر مستويات الصدوع خاصة عبر تلك المستويات التصدعية التي تشكل محاور حواف أواسط المحيطات فتؤدي إلى اتساع قيعان البحار والمحيطات وتجدد صخورها, وذلك لأن الصهارة الصخرية المتدفقة بملايين الأطنان عبر مستويات صدوع أواسط المحيطات تؤدي إلى دفع جانبي قاع المحيط يمنة ويسرة لعدة سنتيمترات في السنة الواحدة, وتؤدي إلى ملء المسافات الناتجة بالطفوحات البركانية المتدفقة والتي تبرد وتتطلب علي هيئة أشرطة متوازية تتقادم في العمر. في اتجاه حركة التوسع, وينتج عن هذا التوسع اندفاع صخور قاع المحيط يمنة ويسرة, في اتجاهي التوسع ليهبط تحت كتل القارات المحيطة في الجانبين بنفس معدل التوسع ( أي بنصفه في كل اتجاه), وتستهلك صخور قاع المحيط الهابطة تحت القارتين المحيطتين بالانصهار في نطاق الضعف الأرضي. وكما يصطدم قاع المحيط بكتل القارتين أو القارات المحيطة بحوض المحيط أو البحر, فإن العملية التصادمية قد تتكرر بين كتل قاع المحيط الواحد فتكون الجزر البركانية وينقص قاع المحيط, وكما تحدث عملية التباعد في أواسط القارة فتؤدي إلى فصلها إلى كتلتين قاريتين مفصولتين ببحر طولي مثل البحر الأحمر يظل يتسع حتى يتحول إلى محيط في المستقبل البعيد وفي كل الحالات تستهلك صخور الغلاف الصخري للأرض عند خطوط التصادم, وتتجدد عند خطوط التباعد, وهي صورة من صور إنقاص الأرض من أطرافها. وتتخذ ألواح الغلاف الصخري للأرض في العادة أشكالا رباعية يحدها من جهة خطوط انفصام وتباعد, يقابلها في الجهة الأخرى خطوط تصادم, وفي الجانبين الآخرين حدود انزلاق, تتحرك عبرها ألواح الغلاف الصخري منزلقة بحرية عن بعضها البعض. وتحرك ألواح الغلاف الصخري للأرض يؤدي باستمرار إلى استهلاك صخور قيعان كل محيطات الأرض, وإحلالها بصخور جديدة, وعلى ذلك فإن محاور المحيطات تشغلها صخور بركانية ورسوبية جديدة قد لا يتجاوز عمرها اللحظة الواحدة, بينما تندفع الصخور القديمة (التي قد يتجاوز عمرها المائتي مليون سنة) عند حدود تصادم قاع المحيط مع القارات المحيطة به, والصخور الأقدم عمرا من ذلك تكون هبطت تحت كتل القارات وهضمت في نطاق الضعف الأرضي وتحولت إلى صهارة, وهي صورة رائعة من صور إنقاص الأرض من أطرافها. ويبدو أن هذه العمليات الأرضية المتعددة كانت في بدء خلق الأرض أشد عنفا من معدلاتها الحالية لشدة حرارة جوف الأرض بدرجات تفوق درجاتها الحالية وذلك بسبب الكم الهائل من الحرارة المتبقية عن الأصل الذي انفصلت منه الأرض, والكم الهائل من العناصر المشعة الآخذة في التناقص باستمرار بتحللها الذاتي منذ بدء تجمد مادة الأرض. ثانيا: في إطار دلالة لفظ الأرض على اليابسة التي نحيا عليها: في هذا الإطار نجد معنيين علميين واضحين نوجزهما فيما يلي: (أ) إنقاص الأرض من أطرافها بمعني أخذ عوامل التعرية المختلفة من المرتفعات وإلقاء نواتج التعرية في المنخفضات من سطح الأرض حتى تتم تسوية سطحها: فسطح الأرض ليس تام الاستواء وذلك بسبب اختلاف كثافة الصخور المكونة للغلاف الصخري للأرض, وكما حدث انبعاج في سطح الأرض عند خط الاستواء, فإن هناك نتوءات عديدة في سطح الأرض حيث تتكون قشرة الأرض من صخور خفيفة, وذلك من مثل كتل القارات والمرتفعات البارزة على سطحها, وهناك أيضا انخفاضات مقابلة لتلك النتوءات حيث تتكون قشرة الأرض من صخور عالية الكثافة نسبيا وذلك من مثل قيعان المحيطات والأحواض المنخفضة على سطح الأرض. ويبلغ ارتفاع أعلى قمة علي سطح الأرض وهي قمة جبل افريست في سلسلة جبال الهيمالايا 8840 مترا فوق مستوى سطح البحر, ويقدر منسوب الخفض نقطة علي اليابسة وهي حوض البحر الميت 395 مترا تحت مستوى سطح البحر, ويبلغ منسوب أكثر أغوار الأرض عمقا حوالي 10,800 مترا وهو غور ماريانوس في قاع المحيط الهادي بالقرب من جزر الفلبين, والفارق بينهما أقل من عشرين كيلو مترا (1960 مترا), وهو فارق ضئيل إذا قورن بنصف قطر الأرض. ويبلغ متوسط ارتفاع سطح الأرض حوالي 840 مترا فوق مستوى سطح البحر ومتوسط أعماق المحيطات حوالي أربعة كيلو مترات تحت مستوى سطح البحر (3729 مترا إلى 4500 متر تحت مستوى سطح البحر) وهذا الفارق البسيط هو الذي أعان عوامل التعرية المختلفة على بري صخور المرتفعات وإلقائها في منخفضات الأرض في محاولة متكررة لتسوية سطحها, وهي سنة دائبة من سنن الله في الأرض, فإذا بدأنا بمنطقة مرتفعة ولكنها مستوية يغشاها مناخ رطب, فإن مياه الأمطار سوف تتجمع في منخفضات المنطقة علي هيئة عدد من البحيرات والبرك.حتى يتكون نظام صرف مائي جيد, وعندما تجري الأنهار فإنها تحت مجاريها في صخور المنطقة حتى تقترب من المستوى الأدنى للتحات فتسحب كل مياه البحيرات والبرك التي تمر بها, وكلما زاد الحت إلى أسفل تزايدت التضاريس تشكلا وبروزا, وعندما تصل بعض المجاري المائية إلى المستوى الأدنى للتحات فإنها تبدأ في النحر الجانبي لمجاريها بدلا من النحر الرأسي فيتم بذلك التسوية الكاملة لتضاريس المنطقة علي هيئة سهول مستوية (أو سهوب) تتعرج فيها الأنهار, وتتسع مجاريها, وتضعف سرعات جريها. وقدراتها علي النحر, وبعد الوصول إلى هذا المستوى أو الاقتراب منه يتكرر رفع المنطقة وتعود الدورة إلى صورتها الأولي, وتعتبر هذه الدورة التي تعرف باسم دورة التسهيب) صورة من صور إنقاص الأرض من أطرافها, وينخفض منسوب قارة أمريكا الشمالية بهذه العملية بمعدل يصل إلى 0,03 ـمم في السنة حتى يغمرها البحر إن شاء الله. (ب) إنقاص الأرض من أطرافها بمعني طغيان مياه البحار والمحيطات على اليابسة وإنقاصها من أطرافها: من الثابت علميا أن الأرض قد بدأت منذ القدم بمحيط غامر, ثم بتحرك ألواح الغلاف الصخري الابتدائي للأرض وبدأت جزر بركانية عديدة في التكون في قلب هذا المحيط الغامر, وبتصادم تلك الجزر تكونت القارة الأم التي تفتت بعد ذلك إلى العدد الراهن من القارات, وتبادل الأدوار بين اليابسة والماء هو سنة أرضية تعرف باسم دورة التبادل بين المحيطات والقارات وتحول أجزاء من اليابسة إلى بحار ـ والتي من نماذجها المعاصرة كل من البحر الأحمر, وخليج كاليفورنيا, هو صورة من صور إنقاص الأرض من أطرافها, ليس هذا فقط بل أن من الثابت علميا أن غالبية الماء العذب علي اليابسة محجوز علي هيئة تتابعات هائلة من الجليد فوق قطبي الأرض, وفي قمم الجبال, يصل سمكها في القطب الجنوبي إلى أربعة كيلو مترات, ويقترب من هذا السمك قليلا في القطب الشمالي (3800 متر), وانصهار هذا السمك الهائل من الجليد سوف يؤدي إلى رفع منسوب المياه في البحار والمحيطات لأكثر من مائة متر, وقد بدأت بوادر هذا الانصهار, وإذا تم ذلك فإنه سوف يغرق أغلب مساحات اليابسة ذات التضاريس المنبسطة حول البحار والمحيطات وهي صورة من صور إنقاص الأرض من أطرافها, وفي ظل التلوث البيئي الذي يعم الأرض اليوم, والذي يؤدي إلى رفع درجة حرارة نطاق المناخ المحيط بالأرض باستمرار بات انصهار هذا السمك الهائل من الجليد أمرا محتملا, وقد حدث ذلك مرات عديدة في تاريخ الأرض الطويل الذي تردد بين دورات يزحف فيها الجليد من أحد قطبي الأرض أو منهما معا في اتجاه خط الاستواء, وفترات ينصهر فيها الجليد فيؤدي إلى رفع منسوب المياه في البحار والمحيطات (وفي كلتا الحالتين تتعرض حواف القارات للتعرية بواسطة مياه البحار والمحيطات فتؤدي إلى إنقاص الأرض أي اليابسة) من أطرافها, وذلك لأن مياه كل من البحار والمحيطات دائمة الحركة بفعل دوران الأرض حول محورها, وباختلاف كل من درجات الحرارة والضغط الجوي, ونسب الملوحة من منطقة إلى أخري, وتؤدي حركة المياه في البحار والمحيطات (من مثل التيارات المائية, وعمليات المد والجزر, والأمواج السطحية والعميقة) إلى ظاهرة التآكل (التحات) البحري وهو الفعل الهدمي لصخور الشواطيء وهو من عوامل إنقاص الأرض( اليابسة) من أطرافها. ثالثا: في إطار دلالة لفظ الأرض على التربة التي تغطي صخور اليابسة: إنقاص الأرض من أطرافها بمعني التصحر: أي زحف الصحراء على المناطق الخضراء وانحسار التربة الصالحة للزراعة في ظل إفساد الإنسان للبيئة على سطح الأرض بدأ زحف الصحاري على مساحات كبيرة من الأرض الخضراء, وذلك بالرعي الجائر, واقتلاع الأشجار, وتحويل الأراضي الزراعية إلى أراض للبناء, وندرة المياه نتيجة لموجات الجفاف والجور على مخزون المياه تحت سطح الأرض, وتملح التربة, وتعريتها بمعدلات سريعة تفوق بكثير محاولات استصلاح بعض الأراضي الصحراوية, أضف إلى ذلك التلوث البيئي, والخلل الاقتصادي في الأسواق المحلية والعالمية, وتذبذب أسعار كل من الطاقة والآلات والمحاصيل الزراعية مما يجعل العالم يواجه أزمة حقيقية تتمثل في انكماش المساحات المزروعة سنويا بمعدلات كبيرة خاصة في المناطق القارية وشبه القارية نتيجة لزحف الصحاري عليها, ويمثل ذلك صورة من صور خراب الأرض بإنقاصها من أطرافها. هذه المعاني الستة (منفردة أو مجتمعة) تعطي بعدا علميا رائعا لمعني إنقاص الأرض من أطرافها, ولا يتعارض ذلك أبدا مع الدلالة المعنوية للتعبير, بمعني خراب الأرض الذي استنتجه المفسرون, بل يكمله ويجليه. وعلى عادة القرآن الكريم تأتي الإشارة الكونية بمضمون معنوي محدد, ولكن بصياغة علمية معجزة, تبلغ من الشمول والكمال والدقة ما لم يبلغه علم الإنسان, فسبحان الذي أنزل من قبل ألف وأربعمائة سنة هذه الإشارة العلمية الدقيقة إلى حقيقة إنقاص الأرض من أطرافها, وهي حقيقة لم يدرك الإنسان شيئا من دلالاتها العلمية إلا منذ عقود قليلة, وقد يري فيها القادمون فوق ما نراه نحن اليوم, ليظل القرآن الكريم مهيمنا على المعرفة الإنسانية مهما اتسعت دوائرها, وتظل آياته الكونية شاهدة باستمرار على أنه كلام الله الخالق, وشاهدة للنبي الخاتم والرسول الخاتم الذي تلقاه بأنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان موصولا بالوحي, ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض. عن موقع الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة |
أدوات الموضوع | |
|
|