جديد المواضيع |
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون
وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون
هذه الآية الكريمة جاءت في نهاية الثلث الأول من سورة الأنبياء, وهي سورة مكية, يدور محورها الرئيسي حول قضية العقيدة ـ شأنها في ذلك شأن كل السور المكية ـ وسميت باسم الأنبياء لورود ذكر عدد كبير من أنبياء الله فيها, وقصصهم مع أممهم, والمعجزات التي أجراها الله( تعالي) علي أيدي كل منهم, وهم حسب تسلسل ورود أسمائهم في السورة الكريمة: إبراهيم, لوط, إسحاق, يعقوب, نوح, داود, سليمان, أيوب, إسماعيل, إدريس, ذا الكفل, ذا النون( يونس), زكريا, يحيي, وعيسي بن مريم( علي نبينا وعليهم أجمعين أفضل الصلاة وأزكي التسليم). وتبدأ سورة الأنبياء بتذكير الناس أن وقت الساعة قد اقترب, وهم في غفلة منشغلون عنها بالدنيا, وهي سوف تأتيهم بغتة, وقلوبهم لاهية عما أنزل إليهم ربهم من ذكر في رسالته الخاتمة, لذلك انطلقوا يشككون في بعثة الرسول الخاتم( صلي الله عليه وسلم), واتهموه زورا( شرفه الله عن ذلك) بالكذب, والسحر, والشعر, استهزاء به كما استهزئ برسل من قبل فحاق بهم ما كانوا به يستهزئون, فما من أمة رفضت الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر إلا وعاقبها الله عقابا شديدا. وطالبوه بالآيات المادية الملموسة, وآيات الله وسننه في الكون من المعجزات الدائمة لو تدبروها, فهي ناطقة بالشهادة لخالقها( سبحانه) بطلاقة القدرة, وعظيم الصنعة, وتمام الحكمة, وبالوحدانية المطلقة, والربوبية والألوهية. ومن رحمته بنا لم يكلنا ربنا( تبارك وتعالي) للتعرف عليه من خلال التأمل في أنفسنا, وفي الخلق من حولنا, وفي الآفاق البعيدة عنا, فأرسل الرسل, وبعث الأنبياء برسالة الهداية لخلقه, واقتضت حكمته( تعالي) أن يكون الأنبياء والمرسلون كلهم من البشر, وعلي ذلك فليس بمستغرب أن يكون الرسول الخاتم بشرا( صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي جميع أنبياء الله ورسله), وليس بمستغرب أيضا أن تنقطع المعجزات والخوارق بعد تمام الرسالة الخاتمة, وتعهد الله بحفظها بنفس لغة الوحي وإلي قيام الساعة. ومن سنن الله في الكون غلبة الحق علي الباطل, وإن طالت دولته,4 ونجاة المؤمنين وهلاك المسرفين, حتي يرث الأرض عباد الله الصالحون. وتحدثت السورة عن فضل إنزال القرآن الكريم, وعن عقاب الأمم الظالمة من السابقين, واستبدالهم بآخرين, وعن موقف الذل الذي سوف يقفه الظالمون, وبأس الله محيط بهم من كل جانب. واستعرضت السورة الكريمة بعض مشاهد القيامة, كما استعرضت لقطات سريعة من سير عدد من الأنبياء, وقصصهم مع أممهم, وبعض المعجزات التي أجراها ربنا( تبارك وتعالي) علي أيديهم. وأكدت السورة وحدة الأمة المؤمنة عبر التاريخ, وتوحيدها لله( تعالي), كما أكدت وحدة رسالة السماء مع تعدد الرسل, وتباعد أزمانهم, وربطت بين الإيمان بالله الواحد, الأحد, الفرد, الصمد, وبملائكته, وكتبه, ورسله, وباليوم الآخر وأحداثه ومشاهده, وبين الآيات الكونية التي استعرضتها, والتي تشهد بوحدانية الخالق( سبحانه), فكما أن الكون قائم علي الحق الذي قامت به السماوات والأرض, فإن الإيمان بالله وتنزيهه عن الشبيه, والشريك, والمنازع, والولد هو حق كذلك, بل هو أحق الاعتقاد وأصدقه في هذا الوجود. وتختتم سورة الأنبياء ببلاغ للناس كافة أن الرسول الخاتم( صلي الله عليه وسلم), قد بعثه ربنا( تبارك وتعالي) رحمة للعالمين, بالدين الذي يرتضيه من عباده, فمن أطاعه فقد نجا من فتن الدنيا, وعذاب الآخرة, ومن لم يستجب لندائه فقد نفض رسول الله( صلي الله عليه وسلم) يده منه, وهؤلاء لا يعلم مصيرهم إلا الله الذي يعلم العلانية وما تخفي الصدور, وقد يكون في ذلك فتنة لهم ومتاع إلي حين!! لذلك يتوجه رسول الله( صلي الله عليه وسلم) إلي( ربه) طالبا حكمه ـ العادل الحق ـ بينه وبين المستهزئين به, والغافلين عن دعوته, ومستعينا بالله( تعالي) علي تكذيبهم وكيدهم, والله هو المستعان علي كل ما يصف الكفار وما يقولون. ومن بديع آيات الله في الخلق التي استشهد بها( سبحانه وتعالي) في سورة الأنبياء: خلق السماوات والأرض بالحق من جرم واحد, فتقه ربنا( تبارك وتعالي) فتحول إلي سحابة من دخان, خلق منه( سبحانه) السماوات والأرض وما بينهما, وما فيهما من مخلوقات من مثل الملائكة الذين يسبحون الله ليلا ونهارا لا يفترون, ومنها خلق كل حي من الماء, والتأكيد علي وحدة الحياة مصدرا, وفناء, ومصيرا, وخلق الجبال رواسي للأرض, وشق السبل والفجاج من بينها, وحفظ السماء سقفا محفوظا, وخلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون, وإنقاص الأرض من أطرافها, وطي السماء يوم القيامة كطي السجل للكتب. وهذه القضايا تحتاج إلي مجلدات لشرحها, ولذا فإني سوف أقتصر هنا علي آية واحدة منها, والتي اتخذتها عنوانا لهذا المقال, وقبل الدخول في ذلك لابد من استعراض الدلالة اللغوية للألفاظ الأساسية الواردة في الآية الكريمة, واستعراض أقوال المفسرين فيها. الدلالة اللغوية (1) يقال في اللغة العربية:( خلق),( يخلق),( خلقا), بمعني قدر, يقدر, تقديرا, و(الخلق) أصله التقدير المستقيم, ويستخدم في إبداع الشيء من غير أصل ولا احتذاء, أي علي غير مثال سابق, ولفظة( الخلق) تستخدم في معني( المخلوق), و(الخليقة) والفطرة, والجمع( خلائق), و(الخلائق) أيضا هم( خليقة) الله, وهم( خلق) الله, ومضغة( مخلقة) أي تامة( الخلق), و(الخلق) بضم اللام وسكونها: السجية, ويقال: فلان( يتخلق) بغير( خلقه) أي يتكلفه, ويقال: فلان( خليق) بكذا, أي جدير به كأنه مخلوق فيه, و(الخلاق): النصيب, أو ما اكتسبه الإنسان من الفضيلة بخلقه. ويقال: ثوب( خلق) أي بال, يستوي فيه المذكر والمؤنث لأنه في الأصل مصدر( الأخلق) وهو الأملس, والجمع( خلقان), ويقال:( خلق) أو( أخلق) الثوب أي بلي, و(أخلقه) صاحبه لأنه يتعدي ويلزم, و(الخلوق) ضرب من الطيب, ويقال:( خلقه)( تخليقا) أي طلاه به( فتخلق).
ويقال( خلق) الإفك,( اختلقه) و(تخلقه)( اختلاقا) أي افتراه افتراء. (2) والفلك هو مجري أجرام السماء في المدار الذي يجري فيه كل جرم منها, وجمعه( أفلاك) و(فلك). 3 ـ و(السبح) هو المر السريع في الماء أو في الهواء, يقال( سبح)( يسبح)( سبحا) و(سباحة) أي عام عوما, واستعير لحركة النجوم الانتقالية في أفلاكها, ولسرعة الذهاب والمنقلب في العمل, و(السبح) أيضا هو الفراغ, أو التصرف في المعاش. شروح المفسرين في تفسير قوله( تعالي): وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون( الأنبياء:33) ذكر ابن كثير( يرحمه الله) ما نصه:( وهو الذي خلق الليل والنهار) أي هذا في ظلامه وسكونه, وهذا بضيائه( نوره) وأنسه, يطول هذا تارة ثم يقصر أخري وعكسه الآخر, و(الشمس والقمر) هذه لها نور( ضياء) يخصها وحركة وسير خاص, وهذا بنور آخر وسير آخر وتقدير آخر,( وكل في فلك يسبحون) أي يدورون. قال ابن عباس: يدورون كما يدور المغزل في الفلكة, قال مجاهد: فلا يدور المغزل إلا بالفلكة ولا الفلكة إلا بالمغزل, كذلك النجوم والشمس والقمر لا يدورون إلا به ولا يدور إلا بهن... وذكر صاحبا تفسير الجلالين( رحمهما الله رحمة واسعة) ما نصه: وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل) تنوينه عوض عن المضاف إليه من الشمس والقمر وتابعه وهو النجوم,( في فلك) أي: مستدير كالطاحونة في السماء وهو مدار النجوم,( يسبحون) يسيرون بسرعة كالسابح في الماء, وللتشبيه به أتي بضمير جمع من يعقل( أي يسبحون). وجاء في الظلال( رحم الله كاتبها رحمة واسعة): والليل والنهار ظاهرتان كونيتان, الشمس والقمر جرمان هائلان لهما علاقة وثيقة بحياة الإنسان في الأرض, وبالحياة كلها.. وبالتأمل في توالي الليل والنهار, في حركة الشمس والقمر بهذه الدقة التي لا تختل مرة, وبهذا الاطراد الذي لا يكف لحظة.. جدير بأن يهدي القلب إلي وحدة الناموس, ووحدة الإرادة, ووحدة الخالق المدبر القدير. وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن ما نصه:( كل في فلك يسبحون) أي كل واحد من الشمس والقمر يسير في فلكه بسرعة( كالسابح في الماء, من السبح وهو المر السريع في الماء أو الهواء... وجاء في المنتخب في تفسير القرآن الكريم ما نصه: والله هو الذي خلق الليل والنهار, والشمس والقمر, وكل من هذه يجري في مجاله الذي قدره الله له, ويسبح في فلكه لا يحيد عنه. وجاء في الهامش التعليق التالي: لكل جرم سماوي مداره الخاص الذي يسبح فيه, وأجرام السماء كلها لا تعرف السكون, كما أنها تتحرك في مسارات خاصة هي الأفلاك, ونحن نري هذه الحقيقة ممثلة واضحة في الشمس والقمر, كما أن دوران الأرض حول محورها يجعل الليل والنهار يتعاقبان عليها كأنهما يسبحان. وجاء في صفوة التفاسير ما نصه:... أي وهو تعالي بقدرته نوع الحياة فجعل فيها ليلا ونهارا, هذا في ظلامه وسكونه, وهذا بضيائه( نوره) وأنسه, يطول هذا تارة ثم يقصر أخري وبالعكس, وخلق الشمس والقمر آيتين عظيمتين دالتين علي وحدانيته,( كل في فلك يسبحون أي كل من الشمس والقمر والنجوم والكواكب والليل والنهار يجرون ويسيرون بسرعة كالسابح في الماء. حركات الأرض في القرآن الكريم في الوقت الذي ساد فيه اعتقاد الناس بثبات الأرض, وسكونها, تنزل القرآن الكريم بالتأكيد علي حركتها, وعلي حركة باقي أجرام السماء, ولكن لما كانت تلك الحركات خفية علي الإنسان بصفة عامة, جاءت الإشارات القرآنية إليها لطيفة, رقيقة, غير مباشرة, حتي لا تصدم أهل الجزيرة العربية وقت تنزل القرآن فيرفضوه, لأنهم لم يكونوا أهل معرفة علمية, أو اهتمام بتحصيلها, فلو أن الإشارات القرآنية العديدة إلي حركات الأرض جاءت صريحة صادعة بالحقيقة الكونية في زمن ساد فيه الاعتقاد بسكون الأرض وثباتها واستقرارها, لكذب أهل الجزيرة العربية القرآن, والرسول, والوحي, ولحيل بينهم وبين الهداية الربانية, ولحرمت الإنسانية من نور الرسالة الخاتمة, في وقت كانت قد حرمت فيه من أنوار الرسالات السماوية السابقة كلها فشقيت وأشقت!!! من هنا فإن جميع الإشارات القرآنية إلي حقائق الكون التي كانت غائبة عن علم الناس كافة في عصر تنزل الوحي السماوي ومنها الإشارات المتعددة إلي حركات الأرض وإلي كرويتها, جاءت بأسلوب غير مباشر, ولكن بما أنها بيان من الله الخالق فقد صيغت صياغة محكمة بالغة الدقة في التعبير, والشمول, والإحاطة في الدلالة, حتي تظل مهيمنة علي المعرفة الإنسانية مهما اتسعت دوائرها, لكي تبقي شاهدة علي أن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه, وعلي أن خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد( صلي الله عليه وسلم) كان موصولا بالوحي, ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض, وأنه لا ينطق عن الهوي إن هو إلا وحي يوحي. ومن تلك الإشارات القرآنية ما يتحدث عن جري الأرض في مدارها حول الشمس, ومنها ما يتحدث عن دوران الأرض حول محورها أمام الشمس, وقد استعاض القرآن الكريم في الإشارة إلي تلك الحركات الأرضية بالوصف الدقيق لسبح كل من الليل والنهار, واختلافهما وتقلبهما, وإغشاء كل منهما للآخر, وإيلاج كل منهما في الآخر, وسلخ النهار من الليل, ومرور الجبال مر السحاب كما يتضح من الآيات القرآنية التالية: أولا: سبح كل من الليل والنهار: يقول ربنا تبارك وتعالي في وصف حركات كل من الأرض والشمس والقمر: (1) وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون( الأنبياء:33) (2) لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون (يس:40). فالليل والنهار ظرفا زمان لابد لهما من مكان, والمكان الذي يظهران فيه هو الأرض, ولولا كروية الأرض ودورانها حول محورها أمام الشمس لما ظهر ليل ولا نهار, ولا تبادل كل منهما نصفا سطح الأرض, والدليل علي ذلك أن الآيات في هذا المعني تأتي دوما في صيغة الجمع كل في فلك يسبحون, ولو كان المقصود سبح كل من الشمس والقمر فحسب لجاء التعبير بالتثنية يسبحان, كما أن السبح لا يكون إلا للأجسام المادية في وسط أقل كثافة منها, والسبح في اللغة هو الانتقال السريع للجسم بحركة ذاتية فيه من مثل حركات كل من الأرض والشمس والقمر في جري كل منها في مداره المحدد له, فسبح كل من الليل والنهار في هاتين الآيتين الكريمتين إشارة ضمنية رقيقة إلي جري الأرض في مدارها حول الشمس, وإلي تكورها ودورانها حول محورها أمام الشمس. ثانيا: مرور الجبال مر السحاب: وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالي: وتري الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون*( النمل:88). ومرور الجبال مر السحاب هو كناية واضحة علي دوران الأرض حول محورها, وعلي جريها حول الشمس ومع الشمس, لأن الغلاف الهوائي للأرض الذي يتحرك فيه السحاب مرتبط بالأرض بواسطة الجاذبية وحركته منضبطة مع حركة الأرض, وكذلك حركة السحاب فيه, فإذا مرت الجبال مر السحاب كان في ذلك إشارة ضمنية إلي حركات الأرض المختلفة التي تمر كما يمر السحاب. ثالثا: إغشاء كل من الليل والنهاربالآخر: يقول الحق( تبارك وتعالي) في محكم كتابه: ... يغشي الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون*( الرعد:3) ويقول( عز من قائل): والشمس وضحاها* والقمر إذا تلاها* والنهار إذا جلاها* والليل إذا يغشاها*...( الشمس:1 ـ4). ويقول( سبحانه وتعالي): والليل إذا يغشي* والنهار إذا تجلي*( الليل:2,1). وغشي في اللغة تأتي بمعني غطي وستر, يقال غشيه غشاوة وغشاء بمعني أتاه إتيان ما قد غطاه وستره, لأن الغشاوة ما يغطي به الشيء. والمقصود من يغشي الليل النهار أن الله تعالي يغطي بظلمة الليل مكان النهار علي الأرض فيصير ليلا, ويغطي مكان الليل علي الأرض بنور النهار فيصير نهارا, وهي إشارة لطيفة لحقيقة دوران الأرض حول محورها أمام الشمس دورة كاملة كل يوم( أي في كل أربع وعشرين ساعة) يتعاقب فيه الليل والنهار بصورة تدريجية. أي يحل أحدهما محل الآخر في الزمان والمكان مما يجعل زمن كل منهما يتعاقب بسرعة علي الأرض. والليل والنهار يشار بهما في مواضع كثيرة من القرآن الكريم إلي الزمان والمكان( أي الأرض) وإلي أسباب تبادلهما( أي دوران الأرض حول محورها أمام الشمس), كما يشار بهما إلي الظلمة والنور, وإلي العديد من لوازمهما!! ويتضح ذلك من قول الحق تبارك وتعالي: والنهار إذا جلاها* والليل إذا يغشاها* أي يقسم ربنا تبارك وتعالي( وهو الغني عن القسم) بالنهار إذا أظهر الشمس واضحة غير محجوبة, وبالليل إذ يغيب فيه ضياء الشمس ويحتجب, وقوله( عز من قائل): والليل إذا يغشي* والنهار إذا تجلي* حيث يقسم ربنا( تبارك وتعالي) بالليل الذي يحجب فيه ضوء الشمس فيعم الأرض الظلام, وبالنهار إذ تشرق فيه الشمس فيعم الأرض النور, ومن هنا كانت منة الله( تعالي) علي عباده أن جعل لهم الليل لباسا وسكنا, وجعل لهم النهار معاشا وحركة ونشاطا حيث يقول ربنا تبارك وتعالي: هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون*( يونس:67). ويقول: وجعلنا الليل لباسا* وجعلنا النهار معاشا*( النبأ:11,10). ويقول( عز من قائل): قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلي يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون* قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلي يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون* ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون*( القصص:71 ـ73). رابعا: إيلاج الليل في النهار وإيلاج النهار في الليل: يقول ربنا( تبارك وتعالي) في محكم كتابه: (1) تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل...( آل عمران:27). (2) ذلك بأن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وأن الله سميع بصير* ( الحج:61). (3) ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري إلي أجل مسمي وأن الله بما تعملون خبير*( لقمان:29). (4) يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمي ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير*( فاطر:13). (5) يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وهو عليم بذات الصدور*( الحديد:6). والولوج لغة هو الدخول, ولما كان من غير المعقول دخول زمن علي زمن اتضح أن المقصود بكل من الليل والنهار ليس الزمن ولكن المكان الذي يتغشاه كل من الليل والنهار, وهو الأرض. وعلي ذلك فمعني قوله تعالي: يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل أن الله تعالي يدخل الجزء من الأرض الذي يخيم عليه الليل بالتدريج في مكان الجزء الذي يعمه نور النهار, ويدخل الجزء من الأرض الذي يعمه نور النهار في مكان الجزء الذي يخيم عليه الليل وذلك باستمرار, وبطريقة متدرجة, إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها. وليس هنالك من إشارة أدق من ذلك في التأكيد علي حقيقة دوران الأرض حول محورها أمام الشمس, وهذه الإشارة القرآنية تلمح أيضا إلي كروية الأرض, لأنه لو لم تكن الأرض كروية الشكل, ولو لم تكن الكرة تدور حول محورها أمام الشمس ما أمكن لليل والنهار أن يتعاقبا بطريقة تدريجية ومطردة. خامسا: سلخ النهار من الليل: يقول ربنا تبارك وتعالي: وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون*( يس:37) والسلخ لغة هو نزع جلد الحيوان عن لحمه, ولما كان من غير المعقول أن يسلخ زمن النهار من زمن الليل, كان المقصود بكل من الليل والنهار هنا هو مكان كل منهما علي الأرض, الذي يتبادل فيه النور والظلام, وليس زمانه, وعلي ذلك فمعني قوله تعالي: وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون أن الله تعالي ينزع طبقة النهار من أماكن الأرض التي يتغشاها الليل كما ينزع جلد الحيوان عن لحمه, ولا يكون ذلك إلا بدوران الأرض حول محورها أمام الشمس, وفي تشبيه إزالة نور النهار من غلاف الأرض بنزع جلد الحيوان عن لحمه تأكيد علي أن نور النهار إنما ينشأ في طبقة رقيقة من الغلاف الغازي للأرض تحيط بكوكبنا( كما يحيط جلد الحيوان بجسده), وأن هذا النور مكتسب أصلا من ضوء الشمس وليس ذاتيا, وأنه ينعكس من سطح الأرض ويتشتت في الطبقات الدنيا من الغلاف الغازي المحيط بها, والذي يصبح ظلاما ببعده عن أشعة الشمس, كما أن الظلام سائد في الفضاء الكوني بصفة عامة لعدم وجود جسيمات كافية فيه لإحداث التشتت لضوء الشمس ولضوء غيرها من النجوم, وهذا الضوء لا يظهر إلا بالانعكاس علي أسطح الكواكب وأسطح غيرها من الأجرام المعتمة أو بالتشتت في أغلفتها الجوية إن كانت بها جسيمات كافية للقيام بهذا التشتت. سادسا: اختلاف الليل والنهار: وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالي: (1) إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون*( البقرة:164). ويقول( عز من قائل): (2) إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب* ( آل عمران:190). ويقول جل وعلا: (3) إن في اختلاف الليل والنهار وماخلق الله في السماوات والأرض لآيات لقوم يتقون*( يونس:6). ويقول ربنا تبارك وتعالي: (4) وهو الذي يحيي ويميت وله اختلاف الليل والنهار أفلا تعقلون*( المؤمنون:80). ويقول: (5) واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون* ( الجاثية:5). ويقول عز من قائل: (6) وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا*( الفرقان:62). وفي تلك الآيات يؤكد القرآن الكريم كروية الأرض, ودورانها حول محورها أمام الشمس بالوصف الدقيق لتعاقب الليل والنهار, كما سبق أن أكد ذلك في آيات سبح كل من الليل والنهار,, ومرور الجبال مر السحاب, والتكوير والإغشاء, والولوج, والسلخ, وهي تصف حركة تولد الليل من النهار, والنهار من الليل, وصفا غاية في البلاغة و الدقة العلمية. سابعا: تقليب الليل والنهار: دوران الأرض حول محورها أمام الشمس كذلك يشير القرآن الكريم إلي ذلك أيضا بقول الحق( تبارك وتعالي): يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار* ( النور:44). حركات الأرض في العلوم الحديثة الأرض هي أحد كواكب المجموعة الشمسية, وتمثل الكوكب الثالث بعدا عن الشمس, وتبعد عنها بمسافة تقدر بحوالي المائة وخمسين مليون كيلومتر. ولما كانت كل أجرام السماء في حركة دائبة, فإن للأرض عدة حركات منتظمة, منها دورتها حول محورها أمام الشمس والتي يتبادل بواسطتها الليل والنهار, وجريها في مدارها حول الشمس بمحور مائل فيتبادل كل من الفصول والأعوام, وحركتها مع الشمس حول مركز للمجرة, ومع المجرة حول مراكز أكبر إلي نهاية لا يعلمها إلا الله. وقد عرف من حركات الأرض ما يلي: أولا: حركات الأرض حول محور دورانها: (1) الحركة المحورية( الدورانية أو المغزلية) للأرض: وفيها تدور الأرض حول محورها الوهمي من الغرب إلي الشرق أمام الشمس بسرعة(1674) كيلومترا في الساعة لتتم دورة كاملة في يوم مقداره حوالي الأربع وعشرين ساعة(23 ساعة,56 دقيقة,4 ثوان) يتقاسمه ليل ونهار بتفاوت في طول كل منهما نظرا لميل محور دوران الأرض بمقدار23.5 درجة عن العمود النازل علي مستوي مدارها, ويعرف هذا اليوم باسم اليوم النجمي, أما اليوم الشمسي فيبلغ مدي زمنه24 ساعة تماما. (2) الحركة الترنحية للأرض (Precession): وهي حركة بطيئة تتمايل فيها الأرض من اليمين إلي اليسار بالنسبة إلي محورها العمودي, وتؤدي هذه الحركة إلي تأرجح( زحزحة) محور دوران الأرض حول نفسها تدريجيا مما يؤدي إلي تغير موقع كل من قطبي الأرض الشمالي والجنوبي, وهما يمثلان نقطتي تقاطع المحور الوهمي لدوران الأرض مع السطح الخارجي لذلك الكوكب, ويتأرجح محور الأرض المائل بقدر يكفي لرسم دائرة كاملة مرة كل حوالي26.000 سنة(25.800 سنة), وبذلك يرسم المحور مخروطين متعاكسين تلتقي قمتاهما في مركز الأرض. (3) حركة الميسان( النودان أو التذبذب) للأرض (Nutation): وهي حركة تجعل من ترنح الأرض حول محورها مسارا متعرجا بسبب جذب كل من القمر والشمس للأرض, ويؤدي ذلك إلي ابتعاد الدائرة الوهمية التي يرسمها محور الأرض في أثناء ترنحها( كنهاية للمخروطين المتقابلين برأسيهما في مركز الأرض) عن كونها دائرة بسيطة إلي دائرة مؤلفة من أقواس متساوية, ويقدر عدد الذبذبات التي ترسمها الأرض في مدارها بهذه الحركة بدءا من مغادرة محورها لنقطة القطب السماوي وحتي عودته إليها بـ1400 ذبذبة( قوس) نصفها إلي يمين الدائرة الوهمية, والنصف الآخر إلي يسارها, ويستغرق رسم القوس الواحد مدة18.6 سنة, أي أن هذه الحركة تتم دورة كاملة في(26.040 سنة) تقريبا. (4) حركة التباطؤ في سرعة دوران الأرض حول محورها: ويتم هذا التباطؤ بمقدار جزء من الثانية في كل قرن من الزمان, بينما يسرع القمر في دورته المحورية بنفس المعدل, ويؤدي ذلك إلي تغير تدريجي في حالة التوازن بين الأرض والقمر مما يؤدي في النهاية إلي انفلات القمر من عقال جاذبية الأرض, وارتمائه في أحضان الشمس, وصدق الله العظيم الذي أنزل من قبل ألف وأربعمائة سنة قوله الحق: وجمع الشمس والقمر.( القيامة9) (5) الحركة الانتقالية المدارية للأرض( سبح الأرض): وفيها تجري الأرض في مدار بيضاني( إهليلجي) حول الشمس بسرعة تقدر بحوالي الثلاثين كيلومترا في الثانية(29.76 كم/ث) لتتم دورة كاملة في مدة سنة شمسية( مقدارها365.24 يوم شمسي) يتقاسمها اثنا عشر شهرا قمريا, وأربعة فصول. (6) حركة استدارة فلك الأرض: وبها يتم تقريب مدار الأرض الإهليلجي حول الشمس إلي مدار أقرب ما يكون إلي شكل الدائرة, وتستغرق هذه الحركة(92.000) سنة لكي تقترب بؤرتا مدار الأرض من بعضهما البعض حتي تتطابقا, ثم تعاودان التباعد من جديد. (7) حركة جري الأرض مع المجموعة الشمسية في مسار باتجاه كوكبة الجاثي بسرعة تقدر بحوالي عشرين كيلومترا في الثانية. (8) حركة جري الأرض مع بقية المجموعة الشمسية حول مركز المجرة التي تتبعها( سكة التبانة) في مدار لولبي بسرعة تقدر بحوالي206 كيلومترات في الثانية(741.600 كيلومتر في الساعة) لتتم دورة كاملة في مدة تقدر بحوالي المائتين وخمسين مليون نسمة. (9) حركة جري الأرض والمجموعة الشمسية والمجرة بسرعة تقدر بحوالي980 كيلومترا في الثانية(3.528.000 كيلومتر في الساعة) لتؤدي إلي ظاهرة اتساع السماء بتباعد مجرتنا عن بقية المجرات في السماء الدنيا. وقد يكون للأرض حركات أخري لم تكتشف بعد. من هذا الاستعراض يتضح أن حركات الأرض حول محورها, وجريها في مدارها حول الشمس, ومع الشمس في مدارات متعددة هي من حقائق الكون الثابتة, وإشارة القرآن الكريم إليها في أكثر من عشرين آية من آياته في زمن سيادة الاعتقاد بثبات الأرض وسكونها لمما يقطع بأن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق, ويؤكد أن الرسول الخاتم( صلي الله عليه وسلم) كان موصولا بالوحي, ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض. |
أدوات الموضوع | |
|
|