جديد المواضيع |
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين
وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين
هذة الآية الكريمة جاءت في بداية الخمس الثاني من سورة الحجر وهي سورة مكية, نزلت بين عام الحزن وعام الهجرة, ولذلك فقد جاءت السورة الكريمة بروح التثبيت لرسول الله( صلي الله عليه وسلم) في مواجهة عناد ومكابرة كفار قريش له, وتكذيبهم ببعثته الشريفة, وتشكيكهم في الوحي الذي جاءه من ربه, واتهامهم له زورا بالجنون, وهم أعرف الناس برجاحة عقله, وعظيم خلقه, وشرف نسبه.. ولذلك فإن محور السورة الرئيسي يدور حول إبراز طبيعة المكذبين بدين الله الحق( الإسلام), ودوافعهم لتكذيبه, وحول التأكيد علي سنن الله التي لا تتخلف ولا تتوقف عن عقاب المكذبين, في كل زمان وفي كل مكان, واستعراض مصارع عدد من هؤلاء الطغاة الكافرين, والمشركين, والمكذبين, المفسدين في الأرض بغير حق, والمتجبرين علي الخلق, لعله يكون في ذلك عبرة للمعتبرين في كل وقت وفي كل حين...!! وعدد آيات سورة الحجر تسع وتسعون; وقد سميت بهذا الاسم لذكر الحجر في الآية الثمانين منها, وهي مدائن صالح, ديار قبيلة ثمود, وهي عبارة عن بيوت منحوتة في الصخر الثابت علي جانبي الوادي, أو المجلوب إلي بطن الوادي, وهي الآن خربة, تقع إلي الشمال الغربي من المدينة المنورة علي الطريق القديم بينها وبين مدينة تبوك. وتستهدف سورة الحجر التذكير بالمقاصد الأساسية للعقيدة الإسلامية, وقد استهلت بثلاثة من الحروف المقطعة وهي الر, والحروف المقطعة المعروفة باسم الفواتح الهجائية تتكون من أربعة عشر حرفا, أي تضم نصف حروف الهجاء الثمانية والعشرين, وقد وردت في أربع عشرة صيغة, افتتحت بها تسع وعشرون سورة من سور القرآن الكريم, وقد جمعها بعض علماء السلف في عبارة مبهرة تقول: نص حكيم قاطع له سر وهو وصف للقرآن الكريم, وقد حاول عدد غير قليل من علماء المسلمين استجلاء كنه هذه الفواتح الهجائية, وتوقف العدد الأكبر عن الخوض فيها, واكتفي بتفويض أمرها إلي الله( سبحانه وتعالي), معتبرا إياها سرا من أسرار القرآن الكريم لم يتم اكتشافه بعد. وتنتقل السورة الكريمة إلي الإشادة بكتاب الله وآياته, وروعة بيانه, ووضوح دلالاته, وتتابع بتهديد جازم للجاحدين من الكفار والمشركين بمشهد الآخرة, وهم يعانون أهوالها, وقد استبان لهم الحق فيتمنون لو كانوا في الدنيا من المسلمين...!! ومن قبيل التهوين من صلف هؤلاء الجاحدين تطلب الآيات من رسول الله( صلي الله عليه وسلم) أن يدعهم في غيهم يأكلون ويتمتعون, ويشغلهم الأمل بطول الأجل عن التفكير فيما سوف يلقونه من شقاء في الدنيا, وعذاب مهين في الآخرة جزاء كفرهم وعنادهم وكبرهم...!! وهذا التهديد والوعيد من الله( تعالي) لهؤلاء الكفار والمشركين ولأمثالهم من التابعين لهم يليه مباشرة تذكير بمصائر غيرهم من الأمم الظالمة, البائدة, التي لم يهلك الله( تعالي) أيا منها إلا وجعل لهلاكها أجلا محددا. وتذكر الآيات في سورة الحجر تحديات كفار قريش لرسول الله( صلي الله عليه وسلم), واستهزاءهم به, واستنكارهم لبعثته الشريفة حتي طلبوا منه أن يأتيهم بالملائكة, ليشهدوا علي صدق نبوته, وترد الآيات عليهم بأن الملائكة لا تنزل إلا بالحق, وأن من هذا الحق أن يدمر الله( سبحانه وتعالي) المكذبين بآياته ورسله بعد أن جاءتهم نذره...!! وتؤكد سورة الحجر أن الله( تعالي) هو الذي أنزل القرآن العظيم, وهو( سبحانه) الذي تعهد بحفظه فحفظ بصفائه الرباني, ولغة وحيه العربية علي مدي يزيد علي الأربعة عشر قرنا, وإلي أن يرث الله( تعالي) الأرض ومن عليها, فلا يمكن لتحريف أن يطوله, ولا لتبديل حرف واحد أن يصيبه, ولا لضياع أن يغيبه..., وهذا الحفظ الرباني لآخر الكتب السماوية وأتمها وأكملها لهو بحق من أعظم المعجزات لهذا الكتاب الرباني الخالد الذي كذب به كفار قريش, كما يكذب به كفار هذا الزمن ومشركوه وملاحدته...!! ومن قبيل تثبيت رسول الله( صلي الله عليه وسلم), وتهوين الأمر عليه وعلي أتباعه الصالحين في كل زمان ومكان, تذكر الآيات أن هذا النبي الخاتم والرسول الخاتم( عليه أفضل الصلاة وأزكي التسليم) لم يكن منفردا دون غيره من رسل الله بجحود قومه وتكذيبهم ومكابرتهم, وعنادهم واستهزائهم, فما من نبي ولا من رسول سبقه إلا وتعرض لذلك وأشد منه, فاستحقت أقوامهم المكذبة عقاب الله في الدنيا, ولعذاب الآخرة أشد وأنكي...!! وذلك لأنهم لم يكن ينقصهم الدليل المنطقي علي صدق الوحي, وعلي ضرورة الإيمان به, ولكنه الصلف, والعناد, والمكابرة في مقابلة الحق...!! وتصور لنا الآيات في أول سورة الحجر نموذجا صارخا لمكابرة أهل الباطل, وعنادهم في مواجهة الحق, وفي ذلك يقول ربنا( تبارك وتعالي): ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون. لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون (الحجر:15,14). وفي وصف سورة الحجر بطبيعة المكذبين بهذا الدين, ودوافعهم لتكذيبه عن عناد لا عن نقص في أدلة الإيمان, وتصوير مصارعهم ومصائرهم المروعة, تؤكد سنن الله التي لا توقف ولا تتخلف أبدا في جزاء المؤمنين وعقاب المكذبين; وتستعرض عددا من آيات الله في الكون, وفي الحياة والموت لدحض دعاوي المكذبين; وتذكر بخلق آدم( عليه السلام, وبسجود الملائكة له, وبقصة الشيطان الرجيم معه, ومحاولة غوايته له, وللغافلين من ذرية آدم من بعده إلي يوم الدين, كما تعرض لأصل الهدي والضلال في هذه الحياة الدنيا وجزاء كل منهما. ثم تستعرض بشيء من التفصيل مصارع المكذبين من أقوام كل من أنبياء الله: لوط وشعيب وصالح( علي رسولنا وعليهم من الله السلام), وتعرض لشيء من رحمات الله مع كل من نبييه إبراهيم ولوط( علي نبينا وعليهما الصلاة والسلام). وتتحدث سورة الحجر في خواتيمها عن خلق السماوات والأرض وما بينهما بالحق, وتؤكد أن الساعة آتية لا ريب فيها..., وأن الله( تعالي) هو الخلاق العليم, وتوصي بعدد من الوصايا لرسول الله( صلي الله عليه وسلم) منها أن يعلن أنه( صلي الله عليه وسلم) هو النذير المبين, وأن يصدع بما يؤمر, وأن يعرض عن المشركين, فإن الله( تعالي) قد كفاه سفه المستهزئين من الكفار والمشركين الذين كانت سفاهتهم تؤذي مشاعره وتؤلمه( صلي الله عليه وسلم) فيضيق صدره, وتوصيه الآيات أن يفزع إلي الله( تعالي) كلما أصابه شيء من ذلك, وأن يعبد الله( تعالي) حتي يأتيه اليقين...!! وسورة الحجر في خطابها إلي رسول الله( صلي الله عليه وسلم) هي خطاب للقائمين علي الدعوة الإسلامية في كل زمان ومكان... خاصة في زماننا الحالي... زمن الغطرسة والكبر لأهل الكفر والشرك والضلال وفي مقدمتهم الأمريكيون والبريطانيون, وضيعتهم الحركة الصهيونية العالمية... وشياطينها المحتلون لأرض فلسطين العربية المسلمة, فملأوها ظلما وجورا وفسادا علي مدي نصف قرن أو يزيد قليلا, والذين ندعو الله( تعالي) أن يطهر الأرض من رجسهم ودنسهم في أقرب وقت ممكن إن شاء الله رب العالمين آمين آمين آمين يارب العالمين. وكما هددت سورة الحجر المكذبين من الكفار والمشركين في زمن الوحي, وتوعدتهم بمصارع الغابرين... فإنها تتهدد كفار ومشركي اليوم وإلي قيام الساعة بمثل عقاب الغابرين الهالكين...!!! والآيات الكونية والتاريخية التي استشهدت بها سورة الحجر تشمل ما يلي: (1) إثبات أن السماء بناء محكم شاسع الاتساع. (2) تسمية الحركة في السماء بالعروج. (3) إثبات أن الكون يغشاه الظلام الدامس في أغلب أجزائه وأن طبقة نور النهار طبقة رقيقة للغاية. (4) الإشارة إلي بروج السماء, وإلي حفظها من كل شيطان رجيم. (5) الإشارة إلي شيء من وظائف الشهب. (6) الإشارة إلي كروية الأرض بذكر مدها لأن المد إلي ما لا نهاية هو قمة التكوير. (7) ذكر إرساء الأرض بالجبال. (8) إثبات كل شيء موزون في الأرض. (9) إعداد المعايش للإنسان والحيوان والنبات علي الأرض بمعني تهيئة الأرض لاستقبال الحياة بمختلف صورها. (10) إثبات أن خزائن كل شيء عند الله وما ينزله إلا بقدر معلوم. (11) إرسال الرياح لواقح للسحب من أجل إنزال ما بها من بخار الماء علي هيئة ماء المطر لسقيا الإنسان والحيوان والنبات وتخزين جزء من ماء المطر في صخور الأرض. (12) إثبات الإحياء من العدم والإماتة والبعث لله الحي الذي لا يموت. (13) خلق الإنسان من صلصال من حمأ مسنون, وخلق الجان من نار السموم. (14) خلق السماوات والأرض وما بينهما بالحق. (15) نسبة الخلق كله إلي الله الخلاق العليم. (16) الإنباء بطرف من قصص كل من آدم, وإبراهيم, وأقوام عدد من أنبياء الله منهم لوط, وشعيب, وصالح( علي نبينا وعليهم أجمعين أفضل الصلاة وأزكي التسليم). وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلي تفصيل لا يتسع له المقال ولذلك فسوف أقتصر هنا علي قضية إرسال الرياح لواقح للسحب من أجل إنزال ما بها من بخار الماء علي هيئة ماء المطر لسقيا كل من الإنسان والحيوان والنبات, وهي قضية لم يتوصل الإنسان إلي فهمها إلا في القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين, وسبق القرآن الكريم بالإشارة إليها من قبل اثني عشر قرنا هو من آيات الإعجاز العلمي فيه, وقبل الدخول إلي ذلك أوجز أقوال عدد من المفسرين في شرح دلالة هذه الآية الكريمة. من أقوال المفسرين دورة الماء حول الأرض في تفسير قوله( تعالي):
وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين( الحجر:22). ذكر ابن كثير( يرحمه الله) ما نصه:( وأرسلنا الرياح لواقح) أي تلقح السحاب فتدر ماء, وتلقح الشجر فتفتح عن أوراقها وأكمامها, وذكرها بصيغة الجمع ليكون منها الإنتاج بخلاف الريح العقيم, فإن أفردها وصفها بالعقيم وهو عدم الإنتاج, وقال أعمش, عن عبدالله بن مسعود في قوله( تعالي):( وأرسلنا الرياح لواقح) قال: ترسل الريح فتحمل الماء من السماء, ثم تمر مر السحاب حتي تدر كما تدر اللقحة, وقال الضحاك: يبعثها الله علي السحاب فتلقحه فيمتلئ ماء, وقال عبيد بن عمير الليثي: يبعث الله المبشرة فتقم الأرض قما, ثم يبعث الله المؤلفة فتؤلف السحاب, ثم يبعث الله اللواقح فتلقح الشجر, ثم تلا:( وأرسلنا الرياح لواقح). وقوله تعالي( فأسقيناكموه) أي أنزلناه لكم عذبا يمكنكم أن تشربوا منه... وقوله:( وما أنتم له بخازنين), قال سفيان الثوري: بما نعين; ويحتمل أن المراد: وما أنتم له بحافظين, بل نحن ننزله ونحفظه عليكم ونجعله معينا وينابيع في الأرض, ولو شاء الله( تعالي) لأغاره وذهب به, ولكن من رحمته أنزله وجعله عذبا وحفظه في العيون والآبار والأنهار, ليبقي لهم طول السنة يشربون ويسقون أنعامهم وزروعهم وثمارهم.... وذكر صاحبا تفسير الجلالين( رحمهما الله) ما نصه:( وأرسلنا الرياح لواقح) تلقح السحاب فيمتلئ ماء( فأنزلنا من السماء) السحاب( ماء) مطرا( فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين) أي: ليست خزائنه بأيديكم[ أو لستم أنتم الخازنين له]... وجاء في الظلال( علي كاتبها من الله الرضوان) ما نصه:... أرسلنا الرياح لواقح بالماء, كما تلقح الناقة بالنتاج; فأنزلنا من السماء ماء مما حملت الرياح, فأسقيناكموه فعشتم به:( وما أنتم له بخازنين)... فما من خزائنكم جاء, إنما جاء من خزائن الله ونزل منها بقدر معلوم. والرياح تنطلق وفق نواميس كونية, وتحمل الماء وفقا لهذه النواميس; وتسقط الماء كذلك بحسبها ولكن من الذي قدر هذا كله من الأساس؟ لقد قدره الخالق, ووضع الناموس الكلي الذي تنشأ عنه كل الظواهر.... وجاء في الهامش: أراد بعضهم أن يفسر لواقح هنا بالمعني العلمي الذي كشف وهو أن الرياح تحمل اللقاح من شجرة إلي شجرة, ولكن السياق هنا يشير إلي أنها لواقح بالماء دون سواه.... وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن( رحم الله كاتبه رحمة واسعة) ما نصه:( وأرسلنا الرياح لواقح) حوامل, جمع لاقح بمعني حامل; لحملها الماء والتراب بمرورها عليهما, وحملها السحاب وسوقه واستدراره. وهي ملقحة تلقح السحاب بما تمجه فيها من بخار الماء.... وذكر كتاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم( جزاهم الله خيرا) ما نصه: قد أرسلنا الرياح حاملة بالأمطار وحاملة بذور الإنبات, وأنزلنا منها الماء وجعلناه سقيا لكم, وأن ذلك خاضع لإرادتنا ولا يتمكن أحد من التحكم فيه حتي يصير عنده كالخزائن. وجاء في الهامش هذا التعليق: سبقت هذه الآية ما وصل إليه العلم من أن الرياح عامل مهم في نقل حبوب اللقاح إلي الأعضاء المؤنثة في النبات ليتم بذلك عقد الثمار, كما أنه لم يعرف إلا في أوائل القرن الماضي( القرن العشرين) أن الرياح تلقح السحاب بما ينزل بسببه المطر إذ إن نويات التكاثف أو النويات التي تتجمع عليها جزيئات بخار الماء لتكون نقطا من الماء نامية داخل السحب هي المكونات الأولي من المطر تحملها الرياح إلي مناطق إشارة السحاب وقوام هذه النويات أملاح البحار وما تذروه الرياح من سطح الأرض والأكاسيد والأتربة ونحوها كلها لازمة للإمطار. لقد ثبت في العلم حديثا أن للمطر دورة مائية, تبدأ بتبخر المياه من سطح الأرضـ والبحر ثم تعود إليه مرة ثانية علي نحو ما سلف ذكره, فإذا ما نزل المطر استقي منه كل حي علي الأرض كما تستقي منه الأرض نفسها, ولا يمكن التحكم فيه لأنه بعد ذلك يتسرب من الأحياء ومن الأرض إلي التبخر, ثم تبدأ الدورة ثانية بالتبخر وهكذا دواليك. ومن هذا يستبين معني الآية في قوله تعالي( وما أنتم له بخازنين) أي: ما نعيه من النزول من السماء ولا التسرب إليها علي صورة البخار.... وجاء في صفوة التفاسير( جزي الله كاتبه خيرا) ما نصه:( وأرسلنا الرياح لواقح) أي تلقح السحاب فيدر ماء, وتلقح الشجر فيتفتح عن أوراقه وأكمامه, فالريح كالفحل للسحاب والشجر( فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه) أي فأنزلنا من السحاب ماء عذبا, جعلناه لسقياكم ولشرب أرضكم ومواشيكم( وما أنتم له بخازنين) أي لستم بقادرين علي خزنه بل نحن بقدرتنا نحفظه لكم في العيون والآبار والأنهار, ولو شئنا لجعلناه غائرا في الأرض فهلكتم عطشا.... إرسال الرياح لواقح في منظور العلوم المكتسبة تعرف الرياح بأنها الهواء المتحرك بالنسبة لبقية الغلاف الغازي المحيط بالأرض; وهذا الغلاف الغازي أخرجه الله( تعالي) أصلا من داخل الأرض ولا يزال يخرجه عبر فوهات البراكين في أثناء ثوراتها, وعندما أخرج هذا الغاز اختلط بالدخان الكوني الناتج عن عملية الانفجار العظيم, وعن التفاعلات النووية داخل النجوم, وعن انفجار بعض الأجرام السماوية فتكون الغلاف الغازي للأرض من خليط بعضه من الأرض والبعض الآخر من السماء ولذلك يصفه القرآن الكريم بالبينية التي يقول فيها: وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق... (الحجر:85). وقد ذكر هذه البينية الفاصلة بين السماوات والأرض في إحدي وعشرين آية قرآنية, وأكد تعريفها قول الحق( تبارك وتعالي):... وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون( البقرة:164). والغلاف الغازي للأرض يمتد إلي عدة آلاف من الكيلو مترات في السمك وتقدر كتلته بنحو ستة آلاف مليون مليون طن, ولكن بما أن99% من كتلته تقع دون ارتفاع خمسين كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر( أي دون مستوي الركود الطبقي المعروف في اللغة الإنجليزية باسم Stratopause) فإن دراسة حركة الرياح تكاد تتركز أساسا في هذا الجزء السفلي من الغلاف الغازي للأرض. وتقسم الرياح علي أساس من ارتفاعها فوق مستوي سطح البحر إلي ثلاثة مستويات علي النحو التالي: (1) الرياح السطحية: تمتد من مستوي سطح البحر إلي بضعة كيلو مترات قليلة فوقه, وهي من أهم العوامل في تشكيل سطح الأرض حيث تباشر عملية تآكل صخور ورسوبيات وتربة سطح الأرض, وتوزيعها حيثما وجدت تلك المواد غير مغطاة بوقاء من النبات أو غيره فهي من أقوي عوامل التعرية خاصة في الصحاري والقفار, وتأتي في المقام الثاني بعد الماء في أشكاله المختلفة كعامل رئيسي من عوامل تعرية الأرض. والرياح السطحية إذ تعصف علي سطح الصحاري تحمل معها كميات كبيرة من فتات الصخور السائبة والمفروطة لآلاف الكيلو مترات في الاتجاه الأفقي, وترتفع ببعضها من الدقائق الناعمة ضد الجاذبية الأرضية لعدة كيلو مترات. كذلك فإن حركة هذه الرياح السطحية تضبط الظروف المناخية, وذلك بتوزيع درجات كل من الحرارة والرطوبة علي سطح الأرض, وهذه تلعب دورا مهما في توزيع مناطق الضغط المرتفع والمنخفض علي سطح الأرض, ومن ثم حركة الرياح. هذا بالإضافة إلي أن تكثف الرطوبة في الهواء يؤدي إلي تكون السحاب, وانتشار نوي التكثف في السحاب يعين علي نمو قطيرات الماء المتكثفة إلي أحجام تفوق قدرة حمل الهواء لها فتسقط بإذن الله( تعالي) مطرا, أو بردا, أو ثلجا. وهذه كلها تلعب دورا مهما في تجوية الصخور وتفتيتها. وفي غمار ذلك كله لا يمكن نسيان دور الرياح في إثارة الأمواج البحرية وتياراتها, وأثر ذلك في تآكل الصخور علي طول الشواطئ البحرية, وفي استقبال ما يصل البحر من رواسب البر. ودور الرياح السطحية في نقل ما تفكك وانفرط من الغطاء الصخري المكون لأديم الأرض كالرمل والغرين والغبار, والتحرك به إلي مسافات بعيدة وإلي ارتفاعات شاهقة ثابت علميا, ويبلغ ذلك مداه إذا ما تناهت الحبيبات دقة, وجفت وتعرت أي لم يكن يحميها غطاء من نبات أو غيره, وتتوقف المسافة التي يحمل إليها هذا الفتات أفقيا ورأسيا علي تضاريس موضعه الأصلي, وحجم ووزن حبيباته, وقوة الريح وعدد ساعات هبوبها, واستمرارية ذلك. والمواد المنقولة بواسطة الرياح إما أن تحمل معلقة بين طبقات الهواء إذا كانت خفيفة, وإما أن تدفعها الرياح علي سطح الأرض, وهي في انتقالها هذا يسبق خفيفها ثقيلها في الانتقال, وبذلك تصنف مكوناتها, وقد تتراكم في مجموعات علي أساس من كتلها وأحجامها, وكثافتها, وربما تركيبها المعدني. وفي مقدور الرياح السطحية أن تحمل الغبار مرتفعة به ضد الجاذبية الأرضية لعدة كيلو مترات فوق كل من اليابسة والمساحات الشاسعة من الماء, خاصة في المناطق الجافة الدافئة حيث يسخن الهواء بملامسته سطح الأرض فيتمدد, وتقل كثافته حتي يرتفع إلي أعلي علي هيئة أعاصير (Whirls), ودوارات (Eddies) حاملا معه دقائق الغبار في أعمدة طويلة تتحرك عبر السهول والوديان. وكثيرا ما تشاهد عواصف الغبار وهي تظلم السماء في وضح النهار; وتحيل الهواء إلي هبوب خانق, وتحمل كميات هائلة من هذا الغبار إلي مسافات بعيدة, ويشاهد ذلك علي وجه الخصوص في المساحات الصحراوية الجافة مثل الصحراء الكبري التي كثيرا ما تحمل عواصفها الغبار الأحمر لتسقطه علي بعد مئات من الكيلو مترات شمالا في كل من جزر الكناري, وإيطاليا وألمانيا, والمساحات المائية التي مرت بها, والبواخر العابرة فيها. وتتسبب عمليات تذرية الرياح للتربة في خفض مستوي سطح الأرض بصفة عامة لعدة عشرات من الملليمترات في كل قرن من الزمان, وفي بعض الحالات الاستثنائية يمكن أن يزال إلي عمق متر كامل من التربة الناعمة من مثل التربة الصلصالية والغرينية الجافة في سنوات قليلة, وقد يتسبب ذلك في تكوين حفر أرضية يتراوح عمقها بين50,30 مترا, وتصل مساحتها إلي عدة كيلو مترات مربعة. ومن نتائج تعرية الرياح للصخور وتذرية ما تفكك منها تكون السهول الواسعة, والأحواض المنخفضة خاصة في المناطق المكونة من صخور رخوة كالصلصال والطفال; التي تستمر فيها عمليات التعرية حتي تنتهي عند مستوي الماء تحت سطح الأرض فيتوقف عمل الرياح لأنها لا تقوي علي حمل الفتات الصخري الرطب. وقد هبت عاصفة هوائية لمدة أربع وعشرين ساعة علي أحد الأودية في كاليفورنيا (SanJoaguinValley) وذلك في1977/12/12 م كانت سرعتها في حدود300 كيلو متر في الساعة, ويقدر ما حملته من غبار التربة العلوية في مساحة قدرها ألفان من الكيلو مترات المربعة بنحو مائة مليون طن. والدقائق الخفيفة من الغريق والصلصال( أقل من0.15 من الملليمتر) وهباءات الرماد الناتج عن الحرائق, وبعض حبوب اللقاح الدقيقة, وفتات دقيق جدا من بعض حطام النباتات, وبلورات متناهية الصغر في الحجم من أملاح البحر والمحيطات حملتها الأبخرة المتصاعدة منها, ودقائق من الرماد البركاني, وبعض الأبخرة والمواد المتطايرة, وحتي بعض البكتيريا الدقيقة, وبعض المركبات الكيميائية المتعددة, كل ذلك إذا انتشر في جسم السحابة شكل نوي للتكثف يعين بخار الماء الموجود في السحابة علي مزيد من التكثف فوق قطيرات الماء أو بللورات الثلج المتكونة داخل السحابة, حتي تصل كتلة قطرات الماء إلي الحد الذي لا يقوي الهواء علي حملها فتسقط بإرادة الله( تعالي) حيث يشاء مطرا أو بردا أو ثلجا أو خليطا من كل ذلك, ومن هنا كان دور الرياح في تلقيح السحاب بنوي التكثف المختلفة. ومن سنن الله( تعالي) المتحكمة في حركات الرياح السطحية الجاذبية الأرضية, وقدر الاحتكاك بتضاريس سطح الأرض, وتدرج معدلات الضغط الجوي وهي مرتبطة ارتباطا مباشرا بتوزيع درجات الحرارة علي سطح الأرض. وتظل هذه العوامل سائدة حتي ارتفاع65 كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر حيث تبدأ عوامل أخري في التحكم بحركة الرياح. وأعلي سرعة للرياح السطحية تحدث عند حدود نطاق الرجع (TheStratopause) الذي يتراوح سمكه من7 ـ16 كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر. (2) الرياح المتوسطة: وتمتد من فوق الرياح السطحية( أي من فوق الحدود العليا لنطاق الرجع) إلي مستوي35 كيلو مترا فوق سطح البحر وهنا تستمر سنن الله الحاكمة لحركة الرياح السطحية, وقد تتدخل بعض العوامل الأخري وأهمها خلخلة الهواء. (3) الرياح المرتفعة: وتمتد في المستوي من35 كم إلي65 كم فوق مستوي سطح البحر, وتستمر سنن الله الحاكمة لحركة الرياح السطحية مع تدخل عدد من العوامل الأخري وأهمها قلة الضغط, والجفاف الشديد. أما فوق مستوي65 كيلو مترا من سطح البحر فتبدأ سنن إلهية جديدة في التحكم بحركة الرياح وأهمها الكهربية الجوية, والمغناطيسية, وعمليات المد والجزر الهوائيين. من هذا الاستعراض يتضح بجلاء أن تصريف الرياح بمشيئة الله تثير السحاب بتزويد الهواء بالرطوبة اللازمة, وأن إرسال الرياح بنوي التكثف المختلفة يعين بخار الماء الذي بالسحاب علي التكثف كما يعين قطيرات الماء المتكثفة في السحاب علي مزيد من النمو حتي تصل إلي الكتلة التي تسمح لها بالنزول مطرا أو ثلجا أو بردا بإذن الله, كما أن الرياح تدفع بهذه المزن الممطرة بإذن الله( تعالي) إلي حيث يشاء, وهذه حقائق لم يدركها الإنسان إلا في أوائل القرن العشرين, وورودها في كتاب الله بهذه الدقة والوضوح والكمال العلمي مما يقطع بأن مصدرها الرئيسي هو الله الخالق, ويجزم بأن القرآن الكريم هو كلامه( سبحانه وتعالي), كما يجزم بالنبوة والرسالة لهذا النبي الخاتم الرسول الخاتم( صلي الله عليه وسلم) فلم يكن لأحد من الخلق أدني إلمام بدور الرياح في حمل دقائق المادة إلي السحاب حتي تعين علي تكثف هذا البخار فينزل بإرادة الله مطرا في زمن تنزل الوحي ولا لقرون متطاولة من بعده فسبحان منزل القرآن الذي أنزل فيه قوله الحق: وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين (الحجر:22). وذلك لأن خزن الماء في الأرض هو أيضا من آيات الله الكبري التي أعدها إعدادا ينطق بطلاقة القدرة الإلهية وعظيم الحكمة الربانية, وقد تعرضنا لذلك في مقال سابق, ولا أري ضرورة لإعادة شرحه هنا مرة أخري. كذلك فقد كررنا مرارا أنه لولا دورة الماء حول الأرض لأسن هذا الماء وتعفن لأن بلايين الكائنات الحية تحيا وتموت فيه في كل لحظة, ولهذا يمن علينا ربنا( تبارك وتعالي) بقوله( فأسقيناكموه) فتبارك الذي أنزل القرآن العظيم( أنزله بعلمه) وصلي الله وسلم وبارك علي النبي الخاتم الذي تلقاه والحمد لله رب العالمين.
__________________
[gdwl][/gdwl]
|
أدوات الموضوع | |
|
|