جديد المواضيع |
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
ولآمرنهم فليغيرن خلق الله...( النساء:119)
ولآمرنهم فليغيرن خلق الله...*( النساء:119)
هــذا النص القرآني الكريم جاء في مطلع الثلث الأخير من سورة النساء, وهي سورة مدنية, وآياتها مائة وستة وسبعون(176) بعد البسملة, وهي رابع أطول سور القرآن الكريم بعد كل من سورة البقرة, والأعراف, وآل عمران. وقد سميت السورة بهذا الاسم لكثرة ما ورد فيها من الأحكام الشرعية التي تتعلق بالنساء, ولذلك يطلق عليها أحيانا اسم سورة النساء الكبري في مقابلة مع سورة النساء الصغري وهي تسمية تستخدم أحيانا لسورة الطلاق. ويدور المحور الرئيسي للسورة حول قضايا التشريع لكل من المرأة, والأسرة, والبيت, والمجتمع, والدولة( وعلاقاتها الداخلية والخارجية). ومن أبرز القضايا التشريعية في هذه السورة المباركة تشريعات الزواج, والمواريث, والعبادات, والجهاد في سبيل الله. ويأمر ربنا ـ تبارك وتعالي ـ في هذه السورة الكريمة بالإحسان في كل شيء, وبالتراحم والتكافل بين الناس, وبالتسامح والتناصح بينهم, وبالأمانة في كل عمل, وبالعدل في كل حكم, وببر الوالدين وبالإحسان إلي ذوي القربي واليتامي والمساكين, وبالجهاد بالنفس والمال في سبيل الله, وبدفع المظالم, وبالبعد عن الفواحش والفتن, وبحماية كل ضعيف في المجتمع من مثل الإناث, والعجزة, واليتامي وغيرهم كثير. وتنبه سورة النساء إلي ضرورة حسن تربية الفرد المسلم, وضرورة مجاهدته من أجل اقامة المجتمع المسلم علي أساس من كتاب الله ـ تعالي ـ, ومن سنة خاتم أنبيائه ورسله ـ صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي أنبياء الله أجمعين ـ, وضرورة المجاهدة من أجل تطهير هذا المجتمع من المخالفات الشرعية, ومن رواسب الجاهلية القديمة والجديدة, حتي تحكمه الضوابط الأخلاقية والسلوكية الصحيحة, والقيم الربانية العالية, والتكاليف الشرعية اللازمة للنهوض بأمانة التبليغ عن الله وعن رسوله حتي يلقي العبد منا ربه( تعالي) وهو راض عنه. وتقرر سورة النساء وحدانية الخالق ـ سبحانه وتعالي ـ( بغير شريك, ولا شبيه, ولا منازع, ولا صاحبة ولا ولد) كما تؤكد وحدة رسالة السماء, والاخوة بين الأنبياء, ووحدة الجنس البشري الذي ينتهي نسبه إلي أبوينا آدم وحواء( عليهما من الله السلام), ولذلك يرتبط كل الناس بوشيجة الرحم وهي وشيجة مقدسة عند رب العالمين لا يتجاوزها إلا معتد أثيم, وعقابه علي الله( تعالي) في الدنيا شديد, وفي الآخرة أشد, ومن هنا تدعو سورة النساء إلي احترام هذه الوشيجة التي يقول فيها ربنا( تبارك وتعالي) في مطلع هذه السورة المباركة: يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا (النساء:1) وانطلاقا من هذا الأمر الإلهي تؤكد السورة الكريمة ضرورة قيام المجتمع الإنساني علي قاعدة الأسرة التي يحاول الغرب اليوم تدميرها, وعلي إحياء الضمير الإنساني الذي قتلته السلوكيات الغربية الجائرة, وعلي ربط المخلوقين بخالقهم عن طريق الدين الصحيح الذي أنزله الله( تعالي) علي فترة من الرسل, وأتمه, وأكمله, وحفظه في رسالته الخاتمة التي بعث بها الرسول الخاتم( صلي الله عليه وسلم), وربط كل الأنظمة والتشريعات التي تحكم حياة الناس: أفرادا, وأسرا, ومجتمعات بهذا الدين الخاتم الذي لا يرتضي ربنا( تبارك وتعالي) من عباده دينا سواه. ويأمر ربنا( تبارك وتعالي) في سورة النساء عباده المؤمنين أن يخلصوا ولاءهم لقيادتهم المؤمنة, الخاضعة بالطاعة التامة لله ولرسوله, ويأمرهم بالجهاد في سبيل الله من أجل مقاومة الظلم والقهر والطغيان, ومن أجل اقامة عدل الله في الأرض, ووعد بأعظم الأجر علي ذلك. كما أمر بالهجرة في سبيل الله وعدم الرضوخ لذل الجبابرة من الحكام الجائرين, ووعد المجاهدين الصادقين الصابرين بالفتح المبين. وتتحدث سورة النساء عن بعض مشاهد الآخرة تحذيرا للغافلين من أهوالها, وتنادي علي أهل الكتاب أن يؤمنوا بما أنزل الله( تعالي) علي خاتم أنبيائه ورسله مصدقا لما معهم, من قبل أن ينزل بهم سخطه أو أن يحل عليهم غضبه وعذابه, أو أن يطردهم من رحمته, وتحذرهم من الشرك بالله فتقول: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افتري إثما عظيما( النساء:48) ويتكرر هذا الحكم في نفس السورة بقوله ـ تعالي ـ: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا (النساء:116) وعرضت سورة النساء لجانب من طغيان اليهود, وتحديهم لخاتم أنبيائه ورسله( صلي الله عليه وسلم) فتقول موجهة الخطاب إليه: يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسي أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البينات فعفونا عن ذلك وآتينا موسي سلطانا مبينا* ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدا وقلنا لهم لا تعدوا في السبت واخذنا منهم ميثاقا غليظا* فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق وقولهم علي مريم بهتانا عظيما* وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسي ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا* بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما* وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا* فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا* وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما* (النساء:153 ـ161) وتخاطب السورة الكريمة خاتم الأنبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم) ممتدحة القرآن الكريم بقول ربنا( تبارك وتعالي): لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفي بالله شهيدا*( النساء:166) وتؤكد ذلك بقوله( عز من قائل): يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا*( النساء:174) كما تمتدح رسالة خاتم الأنبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم) بقول ربنا( سبحانه وتعالي): يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيرا لكم وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما* (النساء:170) وتدعو سورة النساء إلي عدم المغالاة في الدين, وتختتم باستكمال الضوابط الشرعية لقضية الميراث والتي بدأت بالآيتين12,11 وختمت بالآية رقم(176). من التشريعات الإسلامية في سورة النساء 1 ـ الأمر بتقوي الله( تعالي) وعبادته بما أمر, ومداومة استغفاره والتوبة اليه, وطاعة أولي الأمر من المسلمين الصالحين, والرجوع إلي حكم الله( تعالي) وحكم النبي والرسول الخاتم( عليه أفضل الصلاة وأزكي التسليم) عند الاختلاف في الرأي, وتأمر بمعاداة الشيطان وبعدم اتخاذه وليا لأن في ذلك الخسران المبين. 2 ـ الأمر بالمحافظة علي المال العام والخاص, وعدم تسليمه للسفهاء, وبالحرص علي مال اليتيم, وعلي حقوق الضعفاء في المجتمع, وعلي أموال الآخرين وحقوقهم والتحذير من مغبة الاعتداء عليها. 3 ـ تأكيد حقوق الزوجات, والأمر بمعاشرتهن بالمعروف, وبإعطائهن كافة حقوقهن, ومن حقوقهن المهر الذي هو عطية خالصة لهن, وليس لأحد الحق في شيء منه إلا أن تطيب نفس الزوجة بالتنازل عنه أو عن شيء منه. ومن حقوقهن أن لهن علي الرجال حق الصون, والرعاية, والقيام بشئونهن بما أعطي الله( تعالي) الرجال من صفات وقدرات تهيئهم لذلك. 4 ـ تحديد المحرمات من النساء, ووضع الضوابط الصحيحة لاستقامة حياة الأسرة, والقوانين المنظمة لها, والنهي عن تمني أي من المسلم أو المسلمة أن يكون في غير جنسه, لأن لكل جنس دورا ملائما لفطرته التي فطره الله( تعالي) عليها, ولاستعداداته التي زوده الله( سبحانه) بها, وبالجنسين معا يكتمل المجتمع, وتستقيم أموره, وتكون استمرارية الجنس البشري إلي ما يشاء الله( تعالي). ولكل فرد نصيب مما اكتسب, وعليه أن يسأل الله العلي القدير من فضله( إن الله كان بكل شيء عليما). 5 ـ الأمر بالإحسان إلي الوالدين, والي ذوي القربي واليتامي, وإلي الجار ذي القربي, والجار الجنب, وإلي الصاحب بالجنب, وابن السبيل, وباحترام العهود والمواثيق, وبأداء الأمانات إلي أهلها, وبرد التحية, والحكم بين الناس بالعدل, وبالهجرة في سبيل الله إذا لزم الأمر. 6 ـ النهي عن الاختيال والفخر, وعن التباهي والكبر, وعن تزكية النفس, وعن افتراء الكذب علي الله, وعن الجهر بالسوء في القول إلا من ظلم, وعن البخل والدعوة إليه أو الأمر به, وعن بذل المال رئاء الناس, وعن النفاق أو موالاة المنافقين, أو المشاركين أو الكافرين, وعن قبول الاستذلال أو الرضوخ له, وعن تعاطي المسكرات, وعن الاقتراب من الفاحشة أو اشاعتها بين الناس. 7 ـ التقيد بأوامر الله( تعالي) في توزيع الميراث. 8 ـ تفصيل شروط الطهارة. 9 ـ الأمر بتدبر آيات القرآن الكريم. 10 ـ تأكيد مواقيت الصلاة وإقامتها في وقتها, وتشريع صلاة المسافر, وصلاة المقاتل( صلاة الحرب أو صلاة الخوف). 11 ـ النهي عن قتل المؤمن إلا خطأ, وتفصيل أحكام القتل الخطأ, والنهي كذلك عن الوجود في مجالس يستهزأ فيها بآيات الله. 12 ـ الأمر بالقتال في سبيل الله دون خشية من أولياء الشيطان لأن ربنا( تبارك وتعالي) يقول وقوله الحق.... فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا*( النساء:76) وتؤكد الآيات في سور النساء فضل المجاهدين علي القاعدين. من ركائز العقيدة الإسلامية في سورة النساء 1 ـ الإيمان بالله( تعالي) ربا واحدا أحدا., فردا صمدا( بغير شريك, ولا شبيه, ولا منازع, ولا صاحبة, ولا ولد), والإيمان بملائكته, وكتبه, ورسله, واليوم الآخر, واليقين بأنه( تعالي شأنه) رقيب علي عباده, حسيب عليهم, عادل بينهم, لا يظلم مثقال ذرة وأنه( سبحانه) محيط بكل شيء, تواب رحيم, عليم حكيم, غفور, ودود, غني حميد, قدير وكيل, سميع بصير, شاكر كريم إلي غير ذلك مما وصف به ذاته العلية من صفات الكمال والجلال. 2 ـ اليقين بأن الجنة حق وأن النار حق, وإنها إما جنة أبدا, أو نار أبدا. 3 ـ التسليم بأن الله( تعالي) لا يغفر أن يشرك به, ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء. 4 ـ وجوب طاعة الله( سبحانه وتعالي) وطاعة جميع أنبيائه ورسله, وعلي رأسهم خاتمهم أجمعين سيدنا محمد بن عبدالله( صلي الله عليه وسلم). 5 ـ اليقين بأن القرآن الكريم هو كتاب الله المنزل بالحق علي خاتم أنبيائه ورسله( صلي الله عليه وسلم), والمحفوظ بحفظ الله( تعالي) في نفس لغته إلي قيام الساعة. 6 ـ الإيمان بوحدة رسالة السماء, لوحدانية مرسلها, وبالأخوة بين الأنبياء لوحدانية المصدر الذي تلقوا الوحي عنه, واليقين بصدق بعثة الرسول الخاتم( صلي الله عليه وسلم) الذي تكاملت في رسالته كل الرسالات السابقة ولذلك تعهد ربنا( تبارك وتعالي) بحفظها فحفظت لأنه ليس من بعده( صلوات الله وسلامه عليه) من نبي ولا رسول, وقد أوكل حفظ الرسالات السابقة لأصحابها فضيعوها. 7 ـ التسليم بأن الموت حق علي جميع العباد, وبأن متاع الدنيا قليل, وأن الآخرة خير لمن أتقي, وأن الشيطان للإنسان عدو مبين, وأن مخالفته ومعاداته طوق النجاة للصالحين من عباد الله, وأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين, والإيمان الجازم بقول ربنا( تبارك وتعالي):..... ولن يجعل الله للكافرين علي المؤمنين سبيلا* (النساء:141). 8 ـ التصديق بأن الذين حرفوا دينهم, وأن المنافقين في الدرك الأسفل من النار, وأن حكم الله في الكافرين أوضحته سورة النساء بقول ربنا( تبارك وتعالي): إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا* أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا* (النساء:150 ـ151). 9 ـ اليقين بأن الله( تعالي) قد خلق الناس جميعا.. من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء.., ومحاولة إنكار ذلك أو التطاول عليه إنكار لطلاقة القدرة الإلهية التي لا تحدها حدود, وإنكار لمعلوم من الدين بالضرورة وحكم ذلك معروف عن أهل العلم ومغبته الكفر بالله( والعياذ به سبحانه). من الإشارات الكونية في سورة النساء 1 ـ الإشارة إلي خلق الناس جميعا من نفس واحدة, خلقها الله( تعالي) من طين, وخلق منها زوجها, وبث منهما رجالا كثيرا ونساء, والمكتشفات الحديثة في علوم الوراثة تدعم ذلك وتؤيده. 2 ـ الأمر بتقوي الله( سبحانه وتعالي) في الأرحام لأنها مصانع الخلق, وفي صونها, وحمايتها, وتكريمها صون للانسانية جمعاء ضد العبث المستهتر الذي تحاول الفلسفات الغربية المتهالكة فرضه علي العالم بالقوة اليوم, وكل من علم الأجنة, وعلوم الأمراض تؤكد حكمة أمر الله في ذلك. 3 ـ العلوم المكتسبة في قمة من قممها اليوم تؤكد الحكمة من تشريع المحرمات من النساء. 4 ـ التلميح إلي ضآلة حجم الذرة بضرب المثل بها في الصغر. 5 ـ الاشارة الي حقيقة أن جلد الإنسان إذا أزيل فإنه لا يشعر بالألم, والعلوم المكتسبة تثبت ذلك وتؤكده. 6 ـ التنبؤ بأن الشيطان سوف يسول للانسان محاولة تغيير خلق الله. 7 ـ الإشارة إلي عدد من أمم الأنبياء السابقين, والكشوف الأثرية تؤكد صدق القرآن الكريم في كل ما جاء به في هذا الصدد. وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلي معالجة خاصة بها, ولذلك فسوف أقصر حديثي هنا علي النقطة السادسة من القائمة السابقة, والتي تفيد بأن الشيطان سوف يغوي الإنسان بتغيير خلق الله, وقد حدث ذلك بالفعل مرات عديدة من قبل, كما يحدث اليوم في محاولات الاستنساخ الراهنة. وفي ذلك تقول الآية الكريمة رقم(119) من سورة النساء علي لسان الشيطان: ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا. من الدلالات العلمية للنص القرآني الكريم هذا النص الكريم هو من نصوص الاعجاز التنبئي للقرآن العظيم الذي تنبأ من قبل ألف وأربعمائة سنة بأن الشيطان سوف يزيغ قلوب عدد من بني آدم عن طاعة الله, وسوف يلقي في عقولهم وصدورهم الأماني الباطلة الميسرة لمعصية الله وذلك بمحاولات العبث بخلقه أملا في تغييره. وقد فسر ذلك في القديم بمحاولات خصي بعض بني الإنسان المستعبدين, ومحاولات خصي العديد من الحيوان, أو استخدام الوشم, أو العلامات المختلفة في الوجه, وقد نهي رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ عن الوشم خاصة في الوجه. كذلك فسرت محاولات الشيطان بالايعاز إلي بعض بني الإنسان بتغيير خلق الله بأنها تغيير لدين الله استنادا إلي الحديث الشريف الذي يقول فيه المصطفي ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ: قال الله عز وجل: إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم( أي: صرفتهم عنه), وحرمت عليهم ما أحللت لهم( الإمام مسلم). ولكن أبلغ ما توصف به محاولات الشيطان لإغواء عدد من بني الإنسان علي تغيير خلق الله ـ تعالي ـ هو ما يجري الآن علي الساحة الدولية تحت مسمي الاستنساخCloning)). ما هو المقصود بعملية الاستنساخ؟ الاستنساخ لغة هو التقدم بنسخ الشيء, مثل نقش الخاتم في الشمع, وهو الأمر بالنسخ والإثبات, وهو أيضا المحو والإزالة, يقال:( نسخت) الشمس الظل و(انتسخته), أي: أزالته, و(نسخت) الريح آثار الديار, أي: غيرتها. و(نسخ) الكتاب و(انتسخه) و( استنسخه), أي: عمل منه نسخة مطابقة للأصل. و(النسخة) اسم كل من( المنتسخ) منه و(المنتسخ). و(نسخ) الآية بالآية إزالة حكمها بحكم يتعقبها. و(المناسخة) في الميراث هي أن يموت ورثة بعد ورثة والميراث قائم لم يقسم.( وتناسخ) الأزمنة والقرون هو مضي قوم بعد قوم. والقائلون( بالتناسخ) قوم ينكرون البعث علي ما أثبتته الشريعة, ويزعمون أن الأرواح تنتقل إلي الأجسام علي التأبيد, وهو زعم باطل لا أساس له من الصحة. و(الاستنساخ) علميا هو محاولة إيجاد نسخ متشابهة من الخلايا الحية أو الكائنات الحية الكاملة من خلية حية سابقة أو من عدد من الخلايا, أو من كائن حي. وهو نوع من التكاثر تقوم به معظم النباتات والحيوانات البسيطة ويعرف باسم التكاثر الخضري أو الجسدي أو غير الجنسي لأن عملية الإخصاب تتم فيه ذاتيا. وفي بعض هذه الكائنات البسيطة قد تتبادل عمليتا التكاثر غير الجنسي والجنسي بطريقة دورية أو شبه دورية تعرف باسم ظاهرة تبادل الأجيال الجنسية وغير الجنسية. فالنباتات ـ علي سبيل المثال ـ منها نباتات وحيدة المسكن تنتج أزهارا تحمل الأعضاء الذكرية والأنثوية معا, ومنها نباتات ثنائية المسكن يحمل بعض أفرادها الأزهار الذكرية, ويحمل البعض الآخر الأزهار الأنثوية. كذلك تستطيع بعض النباتات والحيوانات إتمام عملية التكاثر بالانشطار أو التبرعم, أو الانقسام, أو بتكوين أنواع غير جنسية, وعلي الرغم من ذلك فقد يمر معظم هذه الكائنات بدورة تكاثر جنسي أيضا. أما الكائنات العليا من عالم الحيوان ـ باستثناء أنواع قليلة من الأسماك والبرمائيات والزواحف ـ فان الخالق ـ سبحانه وتعالي ـ قد هيأها للتكاثر الجنسي فقط, وكذلك الإنسان. فالقاعدة التي وضعها الخالق ـ سبحانه وتعالي ـ لتكاثر الإنسان هي التزاوج, ولذلك جعل الخلايا التناسلية تحمل نصف عدد الصبغيات المحدد لنوع الإنسان حتي إذا التقي الحيمن( النطقة الذكرية) مع البييضة( النطفة الأنثوية) ليكونا النطفة الأمشاج أي المختلطة( اللقيحة=zygote) فإن عدد الصبغيات يكتمل إلي(46) صبغيا في(23) زوجا وهو العدد المحدد لنوع الخلية الحية البشرية. وبذلك يحصل الجنين لكل صفة فيه علي مورثين: أحدهما مستمد من الشيفرة الوراثية للأب وأسلافه, والآخر مستمد من شيفرة الأم وأسلافها, وبذلك يأتي الأبناء علي قدر من التشابه مع الوالدين والاختلاف عنهما, وتعرف هذه الظاهرة في علم الوراثة باسم التنوع مع الوحدةDiversityinunity)). والمورثان المختلفان للصفة الواحدة يكون أحدهما أقوي من الآخر فيسود ويستتر المورث الآخر لتظهر صفاته في أجيال قادمة أو لا تظهر. وعلي الرغم من وضوح الحكم الإلهية العديدة من فرض التكاثر الجنسي علي الإنسان وعلي العديد غيره من الكائنات الراقية إلا أن الشيطان ظل يوسوس للإنسان بإمكانية تطبيق التكاثر غير الجنسي علي ذاته وعلي غيره من المخلوقات الراقية. وبالفعل نجح عدد من العلماء في استنساخ ضفدعة في سنة1952 م. واستعصت الحيوانات اللبونة( الثدييات) علي الاستنساخ حتي أعلن فريق علمي اسكتلندي بقيادة الأستاذ إيان ويلموت(IanWilmut) من معهد روزلين(RoslinInstitute) بمدينة إدنيره ميلاد أول نعجة بعملية استنساخ من خلية عادية نامية, وهي النعجة المسماة باسم دوللي(TheSheepDolly) وذلك في سنة1996 م وتم ذلك بأخذ خلية جسدية بالغة من ضرع إحدي النعاج( أ), ووضعها مع بييضة جنينية نزعت نواتها من نعجة أخري( ب) في مجال كهربي قوي لتحفيز إندماجهما وبذلك تم تكوين بييضة مخصبة أخذت وزرعت في رحم نعجة ثالثة( ج), وبعد إتمام فترة الحمل جاءت النعجة المستنسخة دوللي شبيهة بالنعجة( أ) صاحبة النواة الجسدية الحاملة للصبغيات. وقد نجحت هذه التجربة بعد فشل حوالي280 محاولة سابقة علي مدي عدة سنوات. وبعد هذه التجربة تم استنساخ مئات من الثدييات من مثل الخراف, الماعز, البقر, الأرانب, القطط, الفئران, الخنازير, وغيرها, إلا أن محاولات استنساخ حيوانات مثل الخيول, القردة, الكلاب, والدجاج قد باءت كلها بالفشل. كذلك لوحظ في حالات نجاح عملية الاستنساخ أن نسبة سقوط الأجنة تفوق بشكل مفزع نظائرها في حالات الحمل بالتزاوج, والغالبية العظمي من الأجنة المستنسخة التي وصلت إلي مرحلة الولادة عانت من تشوهات خلقية عديدة. وكان أبلغ مثال علي ذلك النعجة دوللي ذاتها التي تم إعدامها بعد حوالي ست سنوات من ميلادها لاكتشاف إصابتها بسرطان الرئة, وبمرض روماتيزم المفاصل الذي أصابها بالشلل الكامل وغير ذلك من الأمراض التي جعلتها تبدو أكبر من سنها بكثير. ولذلك اتخذ المسؤولون في معهد روزلين القرار بإعدامها بعد إنجابها ستة من الحملان, وتم ذلك في14 من فبراير سنة2003 م. من أخطار عملية الاستنساخ؟ (1) أن العملية مكلفة جدا, وعواقبها غير مضمونة, وغير مأمونة. (2) أكثر من90% من عمليات الاستنساخ تفشل قبل أن تتم, وأن نسبة النجاح لاتتعدي1% إلي2%. (3) أن النسبة الضئيلة من الحيوانات المستنسخة(1% إلي2%) تعاني من نقص في جهاز المناعة مما يزيد من تعرضها للإصابة بالأمراض بشكل ملحوظ, ومن أخطرها الأورام السرطانية, والتشوهات الخلقية في القلب والكبد وغيرهما من أعضاء الجسم بالإضافة إلي الاضطرابات الجسدية المختلفة, ولذلك فإنها لاتعمر لأنصاف متوسط الأعمار المقدرة لها. (4) لوحظ أن غالبية الحيوانات المستنسخة التي تصل إلي مرحلة الميلاد تصل إلي أحجام أكبر بكثير من متوسط أحجامها, ويموت أغلبها في سن مبكرة جدا, وبصورة مفاجئة ومريبة. (5) لوحظ في أغلب الحيوانات المستنسخة أن هناك عددا من المورثات التي تعمل بطريقة شاذة توحي بنوع من التشويه في الشيفرة الوراثية. (6) لايمكن الحكم في حيوانات التجارب علي اثار الاستنساخ السلبية علي كل من القوي العقلية والجوانب النفسية. (7) تشير جميع التجارب التي تمت لاستنساخ الحيوانات أن العملية لاتزال محاطة بالعديد من حجب الغموض والأسرار التي لم يتم فهمها بعد. وعلي الرغم من كل هذه المخاطر المدمرة فإن الشيطان لايزال ينفث إغراءاته وسمومه في أذهان العديد من بني الإنسان من أجل تحقيق الاستنساخ البشري رغم التحذيرات العديدة, والنداءات العالية من علماء الدين, والاجتماع, والقانون, والطب, والوراثة بضرورة تحريم هذه التجارب التي تحول الانسان ذلك المخلوق المكرم ـ إلي حقل تجارب يفقده ذاته بتغيير خلقة الله فيه, وذلك بدعاوي تحسين النسل, أو إنتاج أطفال حسب مواصفات محددة, أو ليكونوا قطع غيار لغيرهم, أو ليشكلوا جنودا لاتقهر, أو بدعوي الاستغناء النهائي عن نظام الأسرة حيث تستطيع المرأة أن تحمل دون رجل, وكذلك يستطيع الرجل أن يحمل بالاستنساخ في تجويف بطنه دون أنثي, أو بدعوي إنتاج صبغيات بشرية قادرة علي علاج العديد من الأمراض المستعصية من أجل تقليل الشيخوخة أو منعها, وغير ذلك من الخيالات التي يمنيهم بها الشيطان ويضللهم بها, وهذا نذير بهلاك العالم. ولذلك يقرر علماء الشريعة الإسلامية أن إستنساخ البشر محرم شرعا, ولا يجوز بأي حال من الأحوال لأنه يؤدي إلي اختلاط الإنساب, وهدم الأسرة, وزوال العلاقات الإنسانية بين أفراد المجتمع, ومن أهمها علاقات الآباء بالأبناء وعلاقات الأبناء بوالديهم, وعلاقة الأخوة في الأسرة الواحدة وعلاقات المصاهرة بين الأسر المختلفة, وإلا فأين يتربي الطفل المستنسخ في غير محضن الوالدين ورعايتهما وعطفهما وحنانهما..؟ وكيف يعيش, وينمو ويتعلم, ويتزوج وينجب؟ وماهي حقوقه الاجتماعية والقومية والقانونية؟ ولمن يكون ولاؤه وهو لا يعرف له أبا ولا أما, ولا أخا ولا أختا, ولا عما ولا خالا, ولا جدا ولا جدة؟ ولمن تكون الحقوق وعلي من تكون والواجبات في مجتمع منهار مخلخل كمجتمع المستنسخين الذي أنمحت منه صلات الرحم؟ هذه بعض نفثات الشيطان في عقول وقلوب الداعين إلي أستنساخ الإنسان والتي حذر القرآن الكريم منها من قبل أربعة عشر قرنا بالحديث علي لسان الشيطان حيث يقول: ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن أذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله..( النساء119) ثم يقول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ في نفس الآية الكريمة: ... ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا* (النساء:119). ومع إيماننا بأن القرآن الكريم قد حض علي اكتساب العلم النافع حضا, ودعا إلي التأمل في النفس الإنسانية وفي الآفاق من حول الإنسان بإلحاح شديد, وأمر باكتشاف سنن الله في الكون, وتوظيفها في عمارة الحياة علي الأرض, وأن رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ قد أثر عنه قوله الشريف: الحكمة ضالة المؤمن أني وجدها فهو أولي الناس بها. ومع تسليمنا بأن علوم الهندسة الوراثية لها فوائد جمة في موضوع العلاج الجيني, وفي استنساخ أنسجة وأعضاء بشرية تعويضية عن طريق الخلايا الجذعية المأخوذة من المرضي أنفسهم, أو من سقط المواليد الجدد, وفي الكشف عن الأمراض الوراثية وعلاجها أثناء الحمل وبعد الولادة, وفي تطوير وتحسين التقنيات المساعدة علي الإنجاب بالطرق المشروعة, وفي التعرف علي طلاقة القدرة الإلهية المبدعة في خلق الإنسان. مع إيماننا بكل ذلك تبقي الأصوات الهامسة بضرورة الاستنساخ البشري نذير شر علي البشرية جمعاء, ودعما للدعوة الشيطانية التي تبنتها مؤتمرات الأمم المتحدة للسكان, والإيواء, والمرأة, والتي عقدت في السنوات القليلة الماضية وهي دعوة خبيثة تدعو إلي انفلات المرأة, وإلي الآعتراف بالشذوذ الجنسي وإقرار حقوق للشواذ, وإلي تدمير مؤسسة الأسرة, ويأتي معول الهدم الأخير لتلك المؤسسة الأسرية ممثلا في الاقتراح باستنساخ الإنسان, ويأتي التحذير من هذه الهمزات الشيطانية الخبيثة كما عرضتها علي لسان الشيطان الآية(119) من سورة النساء إعجازا تنبئيا سبق به القرآن الكريم احداث هذا الزمن بأكثر من أربعة عشر قرنا, ولا يمكن لعاقل أن يتخيل مصدرا لهذا التنبؤ الدقيق في هذا الزمن السحيق غير الله الخالق, فالحمد لله علي نعمة القرآن, والحمد لله علي نعمة الإسلام, والحمد لله علي بعثة خير الأنام سيدنا محمد بن عبدالله ـ صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
__________________
[gdwl][/gdwl]
|
أدوات الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه للموضوع: ولآمرنهم فليغيرن خلق الله...( النساء:119) | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | الأقسام الرئيسية | مشاركات | المشاركة الاخيرة |
خلق المسلمة مع زوجها | معاوية فهمي | موضوعات عامة | 0 | 2019-10-17 04:32 PM |