جديد المواضيع |
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
هو الذي أنزل من السماء مـاء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون
هو الذي أنزل من السماء مـاء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون
بقلم الدكتور: زغـلول النجـار هذه الآية الكريمة جاءت في مقدمات سورة النحل, وهي سورة مكية, وعدد آياتها(128) بعد البسملة, وقد سميت بهذا الاسم لورود الاشارة فيها الي النحل. ويقال إن حشرة النحل قد سميت بهذا الاسم لأن الله( تعالي) قد نحلها القدرة علي إخراج العسل, وميزها بها عن غيرها من الحشرات التي يقدر عدد أنواعها بأكثر من ثلاثة أرباع المليون نوع, يمثل كل نوع منها ببلايين الأفراد. وتبدأ سورة النحل بالتحذير من فجائية الآخرة ومن جريمة الشرك بالله, فيقول ربنا( تبارك وتعالي): أتي أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالي عما يشركون (النحل:1) وفي الآية الكريمة تحد واضح للذين يستعجلون الآخرة إنكارا لها, ومنكرها كافر لأنها من المعلوم من الدين بالضرورة, وتثني الآية بتسبيح الله وتنزيهه( تعالي) عن الشريك والشبيه والمنازع والصاحبة والولد لأن هذه كلها من صفات المخلوقين, والله( سبحانه وتعالي) منزه عن جميع صفات خلقه. وتتتابع الآيات بتأكيد حقيقة الوحي الذي أنزله ربنا( تبارك وتعالي) علي من اصطفي من عباده الصالحين من الأنبياء والمرسلين لتبليغ الخلق بتفرد الله( تعالي) بالألوهية وبضرورة تقوي العباد له( سبحانه), وبإنذارهم من أخطار مخالفة ذلك. واستعرضت سورة النحل العديد من الآيات الكونية الدالة علي طلاقة القدرة الإلهية المبدعة, والشاهدة لله الخالق بالألوهية, والربوبية, والوحدانية فوق جميع خلقه, وبالعلم الشمولي, والحكمة البالغة. وبعد ذلك تعرض الآيات في سورة النحل لبعض مشاهد القيامة. وتنعي علي الذين أشركوا إدعاءهم الكاذب بأن ذلك هو قدر الله عليهم, وتؤكد أن ما علي الرسل إلا البلاغ المبين, وقد بعث الله( تعالي) رسولا في كل أمة من الأمم يدعوهم الي عبادة الله( تعالي) وحده, والي اجتناب الطاغوت فكان من هذه الأمم من هدي الله, ومن حقت عليه الضلالة. وتدعو الآيات عقلاء الأرض الي السير في جنباتها للاعتبار بعواقب المكذبين من الأمم السابقة. وتخاطب الآيات خاتم الأنبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم) في شأن المكذبين بالبعث. وتؤكد أن المؤمنين الذين اضطروا الي الهجرة من ديارهم فرارا من المظالم التي وقعت عليهم من جبابرة الأرض وعتاتها سوف يعوضهم الله( تعالي) في الدنيا, وسوف يضاعف لهم الأجر في الآخرة جزاء صبرهم علي مالقوه دفاعا عن دينهم, وفي سبيل التمسك بعقيدتهم. وتؤكد السورة لخاتم الأنبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم) أن الأنبياء والمرسلين الذين أرسلوا الي الأمم من قبله كانوا رجالا من الإنس اصطفاهم الله( تعالي) لتلقي الوحي كما تلقاه هو( صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين) ليبينوا للناس ما نزل إليهم, ولم يكونوا ملائكة, ولا آلهة, ولا أبناء آلهة كما ادعي المبطلون. وتهدد الآيات الذين فعلوا السيئات بخسف الأرض بهم, او باتيان العذاب لهم من حيث لايشعرون, أو وهم يتقلبون في الأرض أو علي تخوف منهم وهم حذرون حتي يتفكروا ويتدبروا أن الله رءوف رحيم. وتجزم الآيات أن كل ما يتفيأ ظلاله من خلق الله يسجد لله وهم داخرون, وأن كل ما في السماوات والأرض من ملائكة ودواب يسجد لله وهم لايستكبرون: يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون (النحل:50) وتعاود الآيات النهي عن الشرك بالله, مؤكدة وحدانيته المطلقة فوق جميع خلقه, وأن علي الخلق أن يرهبوا خالقهم, الذي له ما في السماوات والأرض, وله الدين الدائم وحده, وأنه( سبحانه وتعالي) صاحب النعم علي جميع خلقه, وهو كاشف الضر اذا مسهم وجأروا بالشكوي إليه, وإن كان فريق من الناس يعاود الشرك بالله بمجرد كشف الضر عنه, وهؤلاء تتهددهم الآيات بعذاب الآخرة. وتعيب الآيات في سورة النحل علي المشركين التشريع بغير علم, مؤكدة أن الذي يفعل ذلك سوف يسأل عنه, كما تعيب نسبة البنات إختلاقا الي الله, وهو( سبحانه) المنزه عن ذلك, ونسبتهم ما يشتهون لأنفسهم وهم لايملكون ذلك. كما تنعي علي أهل الجاهلية كراهيتهم لخلفة البنات الي حد وأدهن أحياء, مؤكدة أن للذين لايؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلي وهو العزيز الحكيم (النحل:60) وتشير الآيات الي أن الله( تعالي) لو يؤاخذ الناس بظلمهم ما ترك علي ظهر الأرض من دابة, ولكن يؤخرهم الي أجل مسمي, فاذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولايستقدمون. ومن تطاولهم ينسب المشركون الي الله( تعالي) ما يكرهون أن ينسب إليهم, ويتخيلون كذبا أن لهم الحسني في الآخرة, وتجزم الآيات بأن مصيرهم الي النار وأنهم إليها معجلون. ثم توجه الخطاب الي خاتم الأنبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم) بقول الحق تبارك وتعالي: تالله لقد أرسلنا الي أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم فهو وليهم اليوم ولهم عذاب أليمZ وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدي ورحمة لقوم يؤمنون (النحل:64,63) كذلك تنعي الآيات علي الذين يعبدون من دون الله مالايملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا ولايستطيعون, وتوصي بعدم ضرب الأمثال لله( تعالي) لأنه لايشبهه شيء من خلقه, والله يعلم فساد الذين ضربوا هذه الأمثال وهم لايعلمون. وتقارن الآيات بين روعة التوحيد وفلاح الموحدين وبين فساد الشرك والمشركين, مؤكدة أن الغيب المطلق في السماوات والأرض لايعلمه إلا الله, وأن من هذا الغيب أمر الساعة التي لاتأتي إلا بغتة, وأن الله علي كل شئ قدير. ويتكرر توجيه الخطاب إلي رسول الله( صلي الله عليه وسلم) بقول الحق( تبارك وتعالي): فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين*( النحل:82) وتؤكد الآيات أن الكافرين يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها, وتصف مواقفهم يوم القيامة, والأنبياء يشهدون علي أممهم بمن فيهم خاتمهم أجمعين الذي سوف يشهد علي أمته, وعلي الذين كذبوا نبوته, وجحدوا رسالته في زمانه وإلي يوم الدين, وفي ذلك يقول الحق( تبارك وتعالي): ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا علي هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ وهدي ورحمة وبشري للمسلمين*. ( النحل:89). ويقول( عز من قائل): ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسئلن عما كنتم تعملون*. ( النحل:93). ويقول سبحانه وتعالي: من عمل صالحا من ذكر أو أنثي وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون*.( النحل:97). وتأمر الآيات بالاستعاذة بالله العظيم من الشيطان الرجيم قبل البدء بتلاوة القرآن الكريم الذي يقول ربنا( تبارك وتعالي) مخاطبا خاتم أنبيائه ورسله: قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدي وبشري للمسلمين*.( النحل:102). وتستنكر الآيات الادعاء الكاذب الذي أشاع به عدد من الكفار والمشركين بأن ما أفاء الله( تعالي) به علي خاتم الأنبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم) من هداية إنما يعلمه إياه بشر, وترد الآيات بأن لسان الذين يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين, مستنكرة عدم الإيمان بآيات الله, وافتراء الكذب عليه, أو الكفر به إلا لمن أكره وقلبه مطمئن بالإيمان, أما من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم, وأنهم في الآخرة هم الخاسرون. وفي المقابل يقول الحق( تبارك وتعالي): ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحـيم*.( النحل:110). وضربت الآيات مثلا بقرية.. كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون*( النحل:112). وتعرض الآيات في أواخر سورة النحل للمحرمات من الطعام, مؤكدة أن التحليل والتحريم من سلطات الله( تعالي) وحده, ولا يتجرأ عليه إلا كاذب, وهؤلاء الذين يكذبون علي الله لا يفلحون لأن متاعهم في الدنيا قليل ولهم في الآخرة عذاب أليم. ومن هؤلاء الذين كذبوا علي الله اليهود الذين خالفوا أوامره فحرم عليهم من الطعام, ما حرم بسبب تماديهم في الشر, وتجاوزهم لحدود الله, مع أن الله( تعالي) غفور رحيم يعفو عن الذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من بعد ذلك ويصلحون أعمالهم. وتصف الآيات نبي الله إبراهيم( عليه السلام) بأنه كان أمة قانتا لله حنيفا, ولم يك من المشركين, وأنه كان شاكرا لأنعم الله فاجتباه الله وهداه إلي صراط مستقيم, وأتاه في الدنيا حسنة وجعله في الآخرة من الصالحين. وأوحي الله( تعالي) إلي رسوله الخاتم( صلي الله عليه وسلم) أن يتبع ملة ابراهيم حنيفا. وتؤكد الآيات أن تعظيم يوم السبت كان مفروضا علي اليهود, فخرج بعضهم عن أوامر الله, وأن الله( تعالي) سوف يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون. وتختتم سورة النحل بأمر من الله( تعالي) إلي كل مسلم من خلال توجيه ذلك الأمر إلي خاتم أنبيائه ورسله( صلي الله عليه وسلم) والذي يقول فيه ربنا( تبارك وتعالي): ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين* وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين* واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون* إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون*.( النحل:125 ـ128) من ركائز العقيدة في سورة النحل (1) الإيمان بالله الواحد الأحد خالق كل شئ, ورب كل شئ ومليكه, الذي لامنازع له في سلطانه ولا شريك له في ملكه, ولا شبيه له من خلقه, وبأنه تعالي علي كل شئ قدير, وأن أمره بكن فيكون, وأنه رءوف بعباده, ورحيم بهم, وأنه( سبحانه وتعالي) لا يحب المستكبرين, ويعلم ما نسر وما نعلن. (2) الإيمان بحقيقة الوحي الذي أنزله ربنا( تبارك وتعالي) علي فترة من الأنبياء والمرسلين, اصطفاهم من بين خلقه, وبعثهم إلي مختلف الأمم, في كل الأزمنة والعصور, ثم أكمل وحيه وأتمه وختمه في بعثة خاتم أنبيائه ورسله سيدنا محمد بن عبد الله( صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين). ونظرا لضياع أصول الرسالات السابقة كلها, وتعرض ما بقي من ترجمات منحولة لبعضها إلي قدر هائل من التحريف الذي دفع بأهل الكتاب إلي الشرك بالله, وإلي عدد من الوثنيات القديمة والمعتقدات الباطلة, فقد تعهد ربنا( تبارك وتعالي) بحفظ وحيه الخاتم حفظا كاملا كلمة كلمة وحرفا حرفا إلي يوم الدين بنفس لغة وحيه( اللغة العربية),. (3) الإيمان بأن مهمة كل نبي من أنبياء الله,( سبحانه وتعالي) هي البلاغ عن الله, وترك حرية الاختيار كاملة للناس, ليلقوا جزاءهم في الآخرة علي أساس من هذا الاختيار. (4) الإيمان بحقيقة البعث وحتميته. (5) الإيمان بحقيقة الحساب والجزاء. (6) الإيمان بأن الحاكمية لله( تعالي) وحده, ومن ثم حق التحليل والتحريم. (7) الإيمان بأن الله( سبحانه وتعالي) قد وهب للناس عقولا تدرك, وإرادة حرة تختار وتوجه, وبين لهم طريق الاستقامة الموصل إلي الخير, وطرق الانحراف الموصلة إلي الشر, وترك الخيار كاملا لكل فرد. (8) الإيمان بأن كل شئ في الوجود يسجد لله( تعالي), وأن مختلف الأوثان التي اصطنعها المشركون من الحجر, والشجر, والنجوم, والكواكب وغيرها, كلها مخلوقة وعاجزة عن الخلق, وخاضعة لله بالعبادة. (9) الإيمان بأن لله ما في السماوات وما في الأرض, وأن الدين له وحده دائما. من مكارم الأخلاق في سورة النحل (1) الدعوة إلي أقامة عدل الله في الأرض, والإحسان إلي الخلق, والوفاء بالعهد, وإلي غير ذلك من ضوابط السلوك, وقواعد المعاملات المنطلقة من مخافة الله. (2) الدعوة إلي الإنفاق في سبيل الله.. وإلي إيتاء ذي القربي. (3) الدعوة إلي الهجرة في سبيل الله. (4) التحذير من الوقوع في الفتن, ومن أخطرها فتنة الكفر بعد الإيمان. (5) النهي عن الشرك بالله نهيا قاطعا, وعن الفحشاء والمنكر والبغي. (6) التذكير بنعم الله العديدة علي العباد, ومنها اللجوء إليه( سبحانه وتعالي) في كل شدة فيكشفها. (7) التذكير بأحوال الإنسان ابتداء من مراحل الأجنة, إلي الشباب والفتوة, ثم الشيخوخة والهرم, حتي الاحتضار والموت. ومقارنة ذلك بالانتقال من أحوال الشدة والبلاء إلي النعمة والرخاء وبالعكس. من الآيات الكونية في سورة النحل حفلت سورة النحل بالعديد من الآيات الكونية التي يمكن إيجازها فيما يلي: (1) خلق السماوات والأرض بالحق, وتأكيد أن الله( تعالي) هو خالق كل شيء. (2) خلق الإنسان من نطفة, وعلي الرغم من ذلك فهو كثيرا ما يقابل فضل خالقه بالجحود والنكران. (3) خلق الأنعام( الإبل, والبقر, والضأن, والماعز), وجعل العديد من المنافع فيها للإنسان. (4) خلق الخيل والبغال والحمير, وغير ذلك من وسائل الركوب التي لم تكن معروفة في زمن الوحي, والله يخلق ما لا يعلمه الإنسان. (5) إنزال الماء من السماء للشراب, ولإنبات كل من الشجر والزروع, ومن أهمها: الزيتون, والنخيل, والأعناب, ومن كل الثمرات, وقد جعل ربنا في ذلك آية للذين يتفكرون. (6) تسخير الأرض لعمارتها وذلك بـتكويرها, وتدويرها حول محورها أمام الشمس( حتي يتبادل عليها الليل والنهار), وكذلك تسخير كل من الشمس والقمر والنجوم بأمر من الله( تعالي) لاستقامة الحياة في هذا الكون. (7) نشر مختلف صور وألوان كل من الأحياء والجمادات في كوكبنا الأرض. (8) تسخير البحر للإنسان بما فيه من أحياء ذات لحم طري, وهياكل تصلح لصناعة الحلي, وقدرة علي حمل الفلك ذات الأحجام المختلفة التي تجري بمصالح العباد شاقة عباب مائه, وما فوق الماء من هواء. (9) إلقاء الجبال علي الأرض, وجعلها رواسي لها, كي لاتميد ولاتضطرب, وإلا ما كانت الأرض صالحة للعمران, وارتباط تكون الجبال بنبع الأنهار من قممها, ودور حركة الأنهار من منابعها إلي مصابها في تفتيت الصخور, وتكوين التربة, وتركيز العديد من المعادن والصخور النافعة, والثروات الأرضية الأخري, وفي تسوية سطح الأرض وشق الفجاج والسبل فيها. (10) جعل تضاريس الأرض المختلفة علامات للاهتداء بها علي اليابسة في وضح النهار, وجعل النجوم علامات للاهتداء بها في ظلمات البر والبحر. (11) وصف عقاب بعض الأمم السابقة وصفا ينطبق بدقة كبيرة علي ما تحدثه الزلازل في زماننا من قبل أن يدرك أحد من الخلق ميكانيكية حدوث تلك الهزات الأرضية. وتأكيد أن الله( تعالي) قد خسف الأرض بالذين مكروا السيئات في الماضي, وأنه( سبحانه) قادر علي أن يخسفها بهم في الحاضر والمستقبل, وفي ذلك تأكيد أن فهم الإنسان لميكانيكية حدوث مختلف صور الكوارث الأرضية لايخرجها عن كونها جندا من جند الله يسلطها علي من يشاء من عباده عقابا للعاصين, وابتلاء للصالحين, وعبرة للناجين. (12) الإشارة إلي دوران الأرض حول محورها أمام الشمس بمد الظل وقبضه, واعتباره صورة من صور السجود التسخيري لله( تعالي) في خضوع وطاعة تامين. (13) تأكيد الإعجاز في خلق الأنعام, وفي تكوين اللبن في ضروعها من بين فرث ودم, وخروجه لبنا خالصا سائغا للشاربين. (14) جعل ثمار النخيل والأعناب مصدرا للرزق الحسن, وإن أساء بعض الناس استخدامها في صناعة المسكرات. (15) خلق حشرة النحل, ومنح إناثها القدرة علي بناء بيوتها في الجبال, وفي الأشجار, وفيما يعرش لها الناس بهذه الدقة الهندسية البديعة, وإعطائها خصوصية جمع الرحيق وحبوب اللقاح من مختلف الزهور عبر مسافات شاسعة الاتساع دون أن تضل عن بيوتها, وصناعة ذلك الشراب العجيب والمختلف الألوان والمعروف باسم عسل النحل في بطونها جعل الله تعالي الذي فيه شفاء للناس. (16) خلق الأزواج من ذات النفس الواحدة, وخلق البنين والحفدة من الأزواج, في دورة للحياة تنطبق علي كل حي, ومن الأحياء الإنسان الذي قد يتوفي طفلا, أو شابا أو كهلا, ومنهم من يرد إلي أرذل العمر, ومن مظاهره فقدان الذاكرة جزئيا أو كليا. (17) اخراج المواليد من بطون أمهاتهم لايعلمون شيئا, وأن الله( تعالي) قد جعل لهم السمع والأبصار والأفئدة لعلهم يشكرون; والقرآن الكريم يقدم السمع علي البصر دوما, والعلم يثبت سبق حاسة السمع علي حاسة البصر في خلق الأجنة. (18) الإشارة إلي أن الله( تعالي) هو الذي يمسك الطيور مسخرات في جو السماء. (19) الإشارة بلفظة الحر إلي كل من الحر والبرد لأن كلا من الحالين يمثل بدرجة حرارة إما إيجابا وإما سلبا. (20) تحريم أكل الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به,... فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم*( النحل115). وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلي معالجة خاصة بها, ولذلك سوف أقصر حديثي هنا علي النقطة الخامسة فقط من القائمة السابقة, وقبل البدء في ذلك لابد من استعراض سريع لأقوال عدد من المفسرين في شرح دلالة الآية العاشرة من سورة النحل. من أقوال المفسرين في تفسير قوله( تعالي): هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون( النحل10) * ذكر ابن كثير رحمه الله مامختصره: لما ذكر تعالي ما أنعم به عليهم من الأنعام والدواب, شرع في ذكر نعمته عليهم في إنزال المطر من السماء ـ وهو العلو ـ مما لهم فيه بلغة ومتاع لهم ولأنعامهم. فقال:( لكم منه شراب) أي جعله عذبا زلالا يسوغ لكم شرابه, ولم يجعله ملحا أجاجا,( ومنه شجر فيه تسيمون) أي وأخرج لكم منه شجرا ترعون فيه أنعامكم, كما قال ابن عباس:( تسيمون) أي ترعون ومنه الإبل السائمة, والسوم: الرعي. * وجاء في بقية التفاسير كلام مشابه لاأري حاجة إلي تكراره هنا. من الدلالات العلمية للآية الكريمة أولا: في قوله( تعالي): هو الذي أنزل من السماء ماء.... في استهلال هذه الآية الكريمة بالضمير( هو) العائد علي لفظ الجلالة( الله) تأكيد أن الله( تعالي) هو الذي ينزل ماء السماء, وأنه لا سلطان لمخلوق في هذا الأمر الحيوي أبدا, الذي بدونه لاستحالت الحياة علي الأرض. وقد ثبت علميا أن أرضنا هي أغني كواكب المجموعة الشمسية بالماء الذي يغلفها بغلاف محيط يعرف باسم الغلاف المائي للأرض تقدر كميته بنحو1.4 بليون كيلومتر مكعب موزعة كما يلي تقريبا: 1375,000,000 كيلو متر مكعب في البحار والمحيطات(97.5% من مجموع ماء الأرض). 28,000,000 كيلو متر مكعب جليد فوق قطبي الأرض, وفي قمم الجبال(2% من مجموع ماء الأرض). 6.720.000 كيلو متر مكعب ماء مخزون تحت سطح الأرض(0.48% من مجموع ماء الأرض). 280,000 كيلو متر مكعب ماء البحيرات الداخلية والمجاري المائية(0.02% من مجموع ماء الأرض). 140 ألف كيلو متر مكعب رطوبة التربة(0.01% من مجموع ماء الأرض). 14,000 كيلو متر مكعب رطوبة الجو(0.001% من مجموع ماء الأرض). ويغطي الماء نحو71% من مساحة سطح الأرض المقدرة بنحو510 ملايين كيلومتر مربع, بينما يغطي الجليد نحو9% من مساحة سطح الأرض. كذلك ثبت أن كل ماء الأرض قد أخرجه ربنا( تبارك وتعالي) أصلا من داخل الأرض عبر ثورات البراكين, وقد سبق القرآن الكريم بالإشارة إلي هذه الحقيقة, وذلك بقول الحق( تبارك وتعالي): والأرض بعد ذلك دحاها* أخرج منها ماءها ومرعاها( النازعات:31,30) وعندما بدأ بخار الماء الذي يكون أكثر من70% من الغازات والأبخرة المتصاعدة من فوهات البراكين في الارتفاع إلي المستويات العليا من نطاق المناخ وجد أن الله( تعالي) قد هيأ له منطقة يتناقص فيها الضغط مما يؤدي إلي تمدده, وبالتالي إلي تبرده, بالاضافة إلي تناقص درجة الحرارة في قمة هذا النطاق إلي ستين درجة مئوية تحت الصفر فوق خط الاستواء. وعند انخفاض درجة حرارة الهواء المحمل ببخار الماءوتناقص ضغطه فإن رطوبته النسبية ترتفع نظرا لانخفاض كثافته, وعندما تصل رطوبته النسبية إلي100% فإن ضغطه يساوي ضغط بخار الماء, وتسمي درجة الحرارة تلك باسم درجة حرارة التشبع ببخار الماء أو نقطة الندي. وانخفاض درجة حرارة الهواء المشبع ببخار الماء إلي نقطة الندي أو إلي ما دون ذلك لايتم إلا بارتفاعه إلي مستويات عليا من نطاق الرجع, أو بالتقائه مع موجات هوائية باردة, أو بارتطامه بسلاسل جبلية مرتفعة, ويؤدي ذلك مباشرة إلي تكثف بخار الماء علي هيئة قطيرات متناهية الضآلة في الحجم لايتعدي قطر الواحدة منها عشر الميكرون فتتكون بذلك السحب التي تتجمع عادة علي ارتفاع يتراوح من2 إلي8 كيلومترا فوق مستوي سطح البحر, وإن أمكن تكونها خارج تلك الحدود. ويتطلب سقوط هذه القطيرات المائية من السحب علي هيئة مطر نموها إلي الحجم والكتلة اللذين يسمحان بشدها الي الأرض بفعل الجاذبية, ولايتأتي ذلك إلا بتلقيح السحاب ببعض هباءات الغبارأو الأملاح أو بتكون نويات من البرد أو بللورات من الثلج تعمل كنوي لمزيد من تكثف بخار الماء في السحاب, وإلي نمو قطيرات الماء إلي الحجم والكتلة اللذين يعجز الهواء عن حملهما فتسقط مطرا, يتراوح متوسط حجم قطرات الماء فيه بين عشري الملليمتر ونصف الملليمتر. وبسقوط الماء علي الأرض بدأت له دورة منضبطة حولها تعرف باسم الدورة المائية, وهي تتم بقدر من الاحكام والثبات يشهدان لله الخالق( سبحانه وتعالي) بطلاقة القدرة, وعظيم الصنعة, وإتقان الخلق, فتبخر حرارة الشمس سنويا380 ألف كيلومتر مكعب من ماء الأرض الذي يصعد إلي الجزء السفلي من غلافها الغازي حيث يتكثف ويعود مطرا إلي الأرض, منها320 ألف كيلومتر مكعب يتبخر من أسطح البحار والمحيطات, و60 ألف كيلومتر مكعب يتبخر من اليابسة, ثم يعاود هذا الماء الرجوع إلي الأرض بتوزيع جديد فيسقط284 ألف كيلومتر مكعب علي البحار والمحيطات( بنقص36 ألف كيلومتر مكعب عما تبخر منها) ويسقط96 ألف كيلومتر مكعب علي الياسبة,( بزيادة36 ألف كيلومتر مكعب عما تبخر منها), وهذه الزيادة تفيض مرة أخري إلي البحار والمحيطات ليبقي منسوب الماء فيها ثابتا في الزمن الواحد. وتوزيع الماء علي سطح الأرض, ودورته المعجزة من حولها لعب ـ ولايزال يلعب ـ دورا أساسيا في تهيئة الأرض لاستقبال الحياة, فلولا هذه المساحات المائية الشاسعة لارتفعت حرارة غلافها الغازي إلي أكثر من مائة درجة مئوية بالنهار, وإلي ما دون المائة درجة مئوية تحت الصفر بالليل. وبدورة الماء حول الأرض شقت الفجاج والسبل, والأودية والجداول, ومجاري الأنهار, وتكونت التربة, وتركز العديد من الثروات الأرضية, وبعد ذلك فاضت إلي منخفضات الأرض مكونة البحيرات والبحار والمحيطات, كما تجمد جزء من هذا الماء علي هيئة طبقات الجليد المتجمعة فوق قطبي الأرض, وفي القمم السامقة للجبال, وتسرب بعض هذا الماء عبر منكشفات الصخور المنفذة إلي ما تحت سطح الأرض علي هيئة عدد من التجمعات المائية المختزنة في صخور القشرة الأرضية, ويبقي بعض هذا الماء بالتربة أو بالغلاف الغازي للأرض, علي هيئة قدر من الرطوبة, وكل ذلك من ضرورات الحياة. من ذلك يتضح بجلاء أن الذي أنزل ـ ولايزال ينزل ـ الماء من السماء هو الله( سبحانه وتعالي) ولا سلطان لأحد في ذلك إلا الله. ثانيا ـ في قوله( تعالي):... لكم منه شراب...: يتعذر وجود ماء نقي تماما علي سطح الأرض, غير أن ماء المطر والثلوج المتساقطة معه يعدان من أنقي حالات الماء الطبيعي الذي ما أن يصل إلي سطح الأرض حتي يبدأ في إذابة العديد من أملاح صخورها القابلة للذوبان في الماء, وعلي ذلك فلولا أن ماء المطر وثلوجه يجددان عذوبة ماء الأرض باستمرار ما وجد الإنسان قطرة ماء صالحة للشرب علي سطح الأرض, ولذلك يمن علينا ربنا( تبارك وتعالي) بقوله:... لكم منه شراب... كذلك فإن ماء الأرض يتطهر باستمرار مما يتجمع فيه من ملوثات علي هيئة مواد ذائبة فيه أو عالقة به, وتمتد عملية التطهير المائي تلك من نحو الكيلومتر تحت سطح الأرض إلي ارتفاع يتراوح بين7 كم,17 كم فوق مستوي سطح البحر. ويقدر متوسط تركيز الأملاح في ماء البحار والمحيطات بنحو34.481 جزء في المليون تضم أربعين نوعا من ذرات العناصر المشحونة بالكهرباء( المتأينة) التي يزيد تركيز كل منها علي جزء واحد في المليون, بالاضافة إلي آثار طفيفة جدا من أيونات العناصر الأخري التي يقل تركيزها عن ذلك. ويتراوح تركيز تلك الأملاح السائدة في ماء البحار والمحيطات بين32 ألف جزء في المليون و42 ألف جزء في المليون, وقد يزيد تركيز الأملاح علي ذلك كثيرا في البحار المغلقة وشبه المغلقة, خاصة في المناطق الجافة مثل منطقة المشرق العربي حيث تصل ملوحةماء البحر الميت إلي285 ألف جزء في المليون. والماء يعتبر عذبا إذا كانت ملوحته لاتتعدي الألف جزء في المليون بينما ملوحة ماء المطر لاتكاد تتعدي العشرين جزءا في المليون, والماء يشكل العنصر الأساسي في بناء أجساد جميع الكائنات الحية, وأن جميع الأنشطة الحيوية وتفاعلاتها المتعددة لا تتم في غيبة الماء. ثالثا: في قوله تعالي:..... ومنه شجر فيه تسيمون: من الثابت علميا أن الماء سابق في وجوده علي الأرض لخلق جميع أحيائها, وأن النبات سابق في وجوده لخلق الحيوان, وكلاهما سابق في وجوده لخلق الإنسان. والحكمة من ذلك جلية واضحة, وذلك لأن النبات لعب ـ ولايزال يلعب ـ الدور الرئيسي في إمداد الغلاف الغازي للأرض بالاكسجين, وانه هو المصنع الرباني الذي تتخلق فيه الجزيئات العضوية اللازمة لبناء أجساد كل من النبات والحيوان والإنسان, ومن هنا كان اعتماد كل من الإنسان والحيوان في غذائه أساسا علي النبات. من هنا تتضح روعة الإشارة القرآنية في قول الحق( تبارك وتعالي) هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون( النحل10). فسبحان منزل القرآن علي خاتم أنبيائه ورسله, أنزله بعلمه الشمولي الكامل, وتعهد بحفظه في نفس لغة وحيه( اللغة العربية) حفظا كاملا كلمة كلمة, وحرفا حرفا علي مدي أربعة عشر قرنا, وإلي أن يرث الله الأرض ومن عليها, وبهذا الحفظ بقي القرآن الكريم بإشراقاته النورانية, وأنواره الربانية, وحقيقته الإلهية شاهدا بأنه لايمكن أن يكون صناعة بشرية, بل هو كلام الله الخالق, وشاهدا للنبي الخاتم الذي تلقاه بالنبوة والرسالة فصلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين والحمد لله رب العالمين.
__________________
[gdwl][/gdwl]
|
أدوات الموضوع | |
|
|