جديد المواضيع |
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون العنكبوت:41
وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون
العنكبوت41: بقلم الدكتور: زغـلول النجـار هذا النص القرآني جاء في مطلع النصف الثاني من سورة العنكبوت, وهي سورة مكية, وعدد آياتها(69) بعد البسملة, وقد سميت بهذا الاسم لورود التشبيه فيها للجوء الكفار والمشركين إلي أولياء من دون الله بلجوء العنكبوت إلي بيتها وهو أوهن البيوت علي الاطلاق. وهذا هو المقام الوحيد الذي جاء به ذكر العنكبوت في كتاب الله. ويدور المحور الرئيسي للسورة حول قضية الإيمان بالله, وتكاليف ذلك الإيمان مما قد يتعرض له المؤمنون, بسبب تمسكهم بدين الله ودعوتهم إليه, نتيجة للصراع المحتوم بين الباطل وأهله, والحق وجنده. وتأكيدا لهذه السنة الدنيوية عرضت السورة الكريمة لقصص عدد من أنبياء الله ورسله, ولما لقوه من العقبات في طريق دعوتهم إلي دين الله, كما عرضت لعدد من الشخصيات والأمم الطاغية المتجبرة, وكيف أخذهم الله بذنوبهم, وحقرت من شأن هؤلاء الكافرين والمشركين, وضربت بهم الأمثال, وربطت بين الحق في دين الله, والحق الذي في السماوات والأرض, وأكدت وحدانية الله تعالي, ووحدت بين رسالات السماء, ودعت المؤمنين إلي الثبات علي إيمانهم, أو الهجرة بدينهم في أزمنة الفتن, وعظمت من شأن الجهاد والمجاهدين في سبيل الله, وأكدت سنة الابتلاء, ومسئولية الفرد, وفردية التبعات, ووضحت مصائر كل من المؤمنين, والمنافقين, والكافرين, وختمت بالبشري للمجاهدين وبتثبيت الله( تعالي) لهم. عرض موجز لسورة العنكبوت تبدأ سورة العنكبوت بالحروف المقطعة الثلاثة( ألم) التي تكررت في مطلع ست سور من سور القرآن الكريم. وهذه الفواتح الهجائية التي جاءت في مطلع تسع, وعشرين من سور القرآن الكريم إما أن تكون رمزا إلي كلمات أو معان أو أعداد معينة, أو أن تكون أسماء للسور التي جاءت في مطلعها, أو هي من قبيل التحدي للعرب بالقرآن الكريم وإثبات إعجازه, أو هي من وسائل قرع للأسماع والقلوب كي تنشط وتتنبه لتلقي القرآن الكريم, أو أنها مجرد فواتح تميز أسلوب القرآن الكريم عن غيره من الأساليب, أو أن كل حرف منها عبارة عن كلمة لها معني محدد في كلام العرب, أو أنها من الشهادات المادية الملموسة علي صدق نبوة خاتم الأنبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم) من حيث نطقه بأسماء الحروف, وهو النبي الأمي, والأمي لا يستطيع إلا النطق بأصوات الحروف دون أسمائها, أو فيها كل ذلك, أو هي من الغيب الموكول إلي الله( تعالي) حتي يفتح علي واحد من أبناء المسلمين إلي رأي فيه. وبعد هذا الاستهلال تؤكد السورة أن الابتلاء والفتن للمؤمنين من سنن الله في الأرض كوسيلة من وسائل إعدادهم لتحمل أمانة التبليغ عن الله وعن رسوله( صلي الله عليه وسلم) وفي ذلك يقول ربنا تبارك وتعالي: أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون* ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين* (العنكبوت:3,2) ومن هذه الفتن فتن النفس وشهواتها, وفتن إقبال الدنيا علي أهل الكفر والشرك والمعصية, وفتن الشعور بالغربة وسط عوالم الضياع التي يعيشها إنسان اليوم, وفتن استبطاء نصر الله لعباده الصالحين, وفتن الأهل والأحباء في زمن اختلال الموازين, واضطراب المقاييس, وانقلاب المعايير, ولايستطيع المؤمن الثبات علي إيمانه إلا بالانتصار علي الشهوات, والاستعلاء علي الدنيا ومافيها, والإيمان بأنها لو تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقي الكافر منه شربة ماء, ومن عوامل ثبات المؤمن: الأنس بمعية الله, والثقة الراسخة في نصره وتأييده وثوابه, والصبر علي الأهل والأحباب. وفي ذلك يقول المصطفي( صلي الله عليه وسلم): أشد الناس بلاء الأنبياء, ثم الصالحون, ثم الأمثل فالأمثل, ويبتلي الرجل علي حسب دينه, فإن كان في دينه صلابة زيد له في البلاء. وذلك لأن النفس الإنسانية تصقلها الشدائد وتطهرها, وتوقظ كوامن الخير فيها, وتأخذ بزمامها إلي مسارات الجد الذي لا هزل فيه, وتصرفها عن كل تافه وحقير في هذه الحياة, وتحفظها من الضياع والضلال في دروبها المتشعبة, وذلك علي مستوي الأفراد والجماعات, فلا يبقي صامدا صابرا في الابتلاءات إلا من زكت نفسه, وشرفت خصاله, وخلصت نواياه وأعماله لله الخالق البارئ المصور وحده( بغير شريك, ولا شبيه, ولامنازع, ولا صاحبة, ولا ولد) فيبقي المؤمن ثابتا علي عهد الله حتي يلقاه( تعالي) وهو راض عنه, وقد أسلم الراية من بعده إلي من يكمل المسيرة من ورائه, حتي لا يحرم أجر ذلك حتي قيام الساعة. أما الذين يفتنون المؤمنين, ويعملون السيئات فلن يفلتوا أبدا من عقاب الله في الدنيا, ولهم في الآخرة عذاب مقيم. ولذلك تقول الآيات: أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون* من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت وهو السميع العليم* ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين*! (العنكبوت:4 ـ6) وتؤكد الآيات أجر الذين آمنوا وعملوا الصالحات, وتوصي الإنسان بوالديه, ثم تقابل مواقف الثابتين في الفتن بمواقف المستخذين فيها, وهو موقف من مواقف النفاق, والله لا يحب المنافقين. وهناك فرق واضح بين تجاوز الفتنة قدرات الاحتمال فيضعف المؤمن ويبقي واثقا من نصر الله, وبين اليأس والقنوط من رحمة الله. ثم تعرض الآيات لونا آخر من الفتن وهو فتنة الإغراء والإغواء التي يقوم بها كثير من الكفار, مع فساد تصورهم للمسئولية, ولكل من التبعة, والجزاء. وتحدد الآيات بجزم ووضوح أن المسئولية والتبعة والجزاء علي قدر القيام بحق هذه المسئولية أو الإهمال فيها. وتستعرض الآيات بعد ذلك قصص نفر من أنبياء الله ورسله, ومواقف أقوامهم منهم, وما نزل من عقاب الله علي تلك الأقوام جماعات وأفرادا, وكان منهم أقوام نوح, وإبراهيم, ولوط, وشعيب, وهود( قوم عاد), وصالح( قوم ثمود), وكان من الأفراد كل من قارون, وفرعون, وهامان, وفي ذلك يقول ربنا( تبارك وتعالي): فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون* (العنكبوت:40). وبعد استعراض مصارع هؤلاء الكفار والمشركين من الطغاة المتجبرين في الأرض, والمفسدين فيها تعود الآيات للتأكيد علي أنه لا سلطان في هذا الوجود لغير الله, ولا ملجأ ولا منجي منه إلا إليه( سبحانه وتعالي), وأن قوي أهل الشر هزيلة, ضعيفة, واهنة, مهما تعاظمت وتجبرت, وأن اللجوء إليها والاحتماء بها كاحتماء العنكبوت ببيتها الهزيل, الواهن, الضعيف, والذي تصفه السورة الكريمة بأنه أوهن البيوت فتقول: مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون*. (العنكبوت:41). ثم تنتقل الآيات بالخطاب إلي رسول الله( صلي الله عليه وسلم) فتقول: اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون* (العنكبوت:45) وتأمر المسلمين بحسن مجادلة أهل الكتاب فتقول: ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلــهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون* (العنكبوت:46) وفي ذلك أبلغ الرد علي بعض المنغلقين علي أفكارهم المريضة الذين شنوا حملة ظالمة علي الإسلام وهم أجهل الناس به. فعبر السنتين الماضيتين ألقي وليام بويكن عشرات المحاضرات هاجم فيها الإسلام والمسلمين بجهل فاضح, وسذاجة بلهاء ذكر فيها جدلا بينه وبين أحد القواد العسكريين الصوماليين المسلمين قال فيه: أنا أعلم أن إلهي أكبر من إلهه, وأعلم أن إلهي إله حقيقي وإلهه وثن. وكرر مرارا ادعاءه الباطل أن عدو أمريكا هو الشيطان وأن هذا العدو لابد وأن يهزم إذا حاربناهم باسم المسيح. وهذا وأمثاله لا يعلم أن الإسلام هو دين التوحيد الخالص لله الواحد الأحد الذي لايشبهه أحد من خلقه, ولاشريك له في ملكه, ولا منازع له في سلطانه, والمنزه عن الصاحبة والولد; ولا يعلم أن السيد المسيح- عبدالله ورسوله- برئ منه ومن بذاءاته, ومن أمثاله وبذاءاتهم. وأن الله( تعالي) سوف يعاقبه وأمثاله علي هذه البذاءات في الدنيا قبل الآخرة, والله( سبحانه وتعالي) لا يرضي من عباده الظلم. وتعاود الآيات في سورة العنكبوت توجيه الخطاب إلي رسول الله( صلي الله عليه وسلم) ردا علي أهل الكتاب في زمانه ومن بعده إلي زماننا وحتي قيام الساعة فتقول: وكذلك أنزلنا إليك الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به ومن هؤلاء من يؤمن به وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون* وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون* بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون* (العنكبوت:47 ـ49). وتستمر الآيات في حوار الكفار والمشركين, وفي تعظيم شأن القرآن الحكيم, وفي التحذير من فجائية عذاب الآخرة, وأن جهنم بنيرانها قريب من الكفار والمشركين والمفسدين, ثم تنتقل الآيات بالخطاب مرة أخري إلي المؤمنين: تدعوهم إلي الهجرة بدينهم إذا ضيق عليهم في بلادهم, فأرض الله واسعة, ويكرمهم الله( سبحانه وتعالي) بنسبتهم إلي ذاته العلية وذلك بندائهم بقوله( عز من قائل): يا عبادي الذين امنوا... مؤكدا لهم أن أقصي ما يمكن أن يتعرض له العبد في هذه الحياة هو الموت, وهو حق علي كل مخلوق; وأن جزاء الصابرين المتوكلين علي ربهم هو الجنة( ونعم أجر العاملين), وأن الله( تعالي) هو الذي... يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له إن الله بكل شئ عليم* ( العنكبوت:62) وأنه من تناقضات المشركين أنهم لا ينكرون أن الله( تعالي) هو الذي خلق السماوات والأرض, وسخر الشمس والقمر, وهو الذي نزل من السماءماء فأحيا به الأرض بعد موتها, وعلي الرغم من ذلك يشركون به, وأن هذه الحياة الدنيا ما هي إلا لهو ولعب... وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون* (العنكبوت:64) وتستمر الآيات في عرض ما وقع فيه المشركون من قريش- وجميع المشركين من بعدهم- من تناقضات أفضت بهم إلي الكفر بأنعم الله- ولاتزال- من أجل التمتع الزائل ببعض قشور الحياة الدنيا الفانية, وهم الذين أكرمهم الله( تعالي) بحرم مكة الآمن, ومن حولهم القبائل في اقتتال وتناحر مستمر, ولا يجدون الأمن إلا في ظل هذا البيت الحرام, وبدلا من تعظيمه ملأوا ساحته بالأصنام التي أشركوها في عبادة الله( تعالي). وتختتم السورة الكريمة بقول الحق( تبارك وتعالي): ومن أظلم ممن افتري علي الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه أليس في جهنم مثوي للكافرين* والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين* (العنكبوت:69,68). من الإشارات الكونية في سورة العنكبوت (1) التأكيد أن الله( تعالي) هو الذي يبدئ الخلق ثم يعيده وأن ذلك علي الله يسير, ونحن نري صورة مصغرة لذلك في دورة الحياة والموت التي تتكرر بالتناسل المستمر إلي أن يشاء الله, ودورة تخلق أجرام السماء وإفنائها إلي دخان الكون, وإعادة خلقها منه بإرادة الله( تعالي), ودورة الماء حول الأرض, ودورة الصخور, ودورات تشكل سطح الأرض, ودورات تخلق كل من المادة والطاقة وتبادلهما, وإفنائهما, وإعادة خلق كل منهما إلي غير ذلك من دورات. (2) الإشارة إلي أن السير في الأرض, وتأمل صخورها, ودراسة بقايا الحياة في تلك الصخور هي وسيلة تعرف الإنسان علي تاريخ الأرض, وعلي كيفية بدء الخلق, وهذا ما أثبتته الدراسات في مجال علوم الأرض. (3) تأكيد أن النشأة الآخرة بعد تدمير الكون سوف تسير علي نفس الخطي التي بدأ بها الخلق, وتتبع نفس النظام. (4) تأكيد أن بيت العنكبوت هو أوهن البيوت علي الاطلاق من الناحيتين المادية والمعنوية, وهو ما أثبتته الدراسات المتأخرة في علم دراسة حيوانات الأرض. (5) هذا بالاضافة إلي العديد من الإشارات التاريخية والنفسية التي تقع من الدراسات العلمية في الصميم, ولكنها تخرج عن إطار دراستنا للإشارات الكونية في كتاب الله. وكل حقيقة من هذه الحقائق تحتاج إلي معالجة خاصة بها ولذا فسوف أركز هنا علي قضية وهن بيت العنكبوت التي ضرب الله( تعالي) بها المثل في الآية الحادية والأربعين من سورة العنكبوت, وقبل الدخول إلي ذلك لابد من استعراض سريع لأقوال عدد من المفسرين في شرح دلالة هذه الآية القرآنية الكريمة. من أقوال المفسرين في تفسير قوله( تعالي): مثل الذين اتخذوا من دونه أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون* (العنكبوت:41). * ذكر ابن كثير( رحمه الله) ما مختصره: هذا مثل ضربه الله تعالي للمشركين في اتخاذهم آلهة من دون الله, يرجون نصرهم ورزقهم ويتمسكون بهم في الشدائد, فهم في ذلك كبيت العنكبوت في ضعفه ووهنه, فليس في أيدي هؤلاء من آلهتهم إلا كمن يتمسك ببيت العنكبوت, فإنه لا يجدي عنه شيئا, فلو علموا هذا الحال لما اتخذوا من دون الله أولياء, وهذا بخلاف المسلم المؤمن قلبه لله, وهو مع ذلك يحسن العمل في اتباع الشرع, فإنه متمسك بالعروة الوثقي لا انفصام لها لقوتها وثباتها.... * وجاء في تفسير الجلالين( رحمهما الله) بتحقيق وتعليق الشيخ محمد كنعان( جزاه الله خيرا) ما نصه:( مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء) أصناما يرجون نفعها( كمثل العنكبوت اتخذت بيتا) لنفسها تأوي إليه( وإن أوهن) أضعف( البيوت لبيت العنكبوت) لايدفع عنها حرا ولا بردا, كذلك الأصنام لا تنفع عابديها( لو كانوا يعلمون) ذلك ما عبدوها. وجاء في التعليق بالهامش ما نصه: قوله تعالي( اتخذت) قال في حياة الحيوان الكبري:( العنكبوت) دويبة تنسج في الهواء, وجمعها( عناكب) والذكر( عنكب) وفي هذه الآية إشارة إلي أن الأنثي هي التي تقوم بنسج البيت دون الذكر, وبيتها هذا يضرب مثلا علي الضعف وعدم القوة أو المتانة..... * وذكر صاحب الظلال( رحمه الله رحمة واسعة) ما مختصره:... إنه تصوير عجيب صادق لحقيقة القوي في هذا الوجود. الحقيقة التي يغفل عنها الناس أحيانا, فيسوء تقديرهم لجميع القيم... وعندئذ تخدعهم قوة الحكم والسلطان يحسبونها القوة القادرة التي تعمل في هذه الأرض... وتخدعهم قوة المال... وتخدعهم قوة العلم... وتخدعهم هذه القوي الظاهرة... تخدعهم في أيدي الأفراد وفي أيدي الجماعات وفي أيدي الدول, فيدورون حولها, ويتهافتون عليها, كما يدور الفراش علي المصباح, وكما يتهافت علي النار...!! وينسون القوة الوحيدة التي تخلق سائر القوي الصغيرة.... وينسون أن الالتجاء إلي تلك القوي سواء كانت في أيدي أفراد, أو جماعات, أو.... هو كالتجاء العنكبوت... حشرة ضعيفة رخوة واهنة لا حماية لها من تكوينها الرخو, ولا وقاية لها من بيتها الواهن. وليس هناك إلا حماية الله, وإلا حماه, وإلا ركنه القوي الركين. هذه الحقيقة الضخمة هي التي عني القرآن بتقريرها في نفوس الفئة المؤمنة, فكانت بها أقوي من جميع القوي التي وقفت في طريقها, وداست بها علي كبرياء الجبابرة في الأرض, ودكت بها المعاقل والحصون. لقد استقرت هذه الحقيقة الضخمة في كل نفس, وعمرت كل قلب, واختلطت بالدم, وجرت معه في العروق ولم تعد كلمة تقال باللسان, ولا قضية تحتاج إلي جدل, بل بديهية مستقرة في النفس, ولا يجول غيرها في حس ولا خيال. فقوة الله وحدها هي القوة, وولاية الله وحدها هي الولاية, وما عداها فهو واهن ضئيل هزيل, مهما علا واستطال, ومهما تجبر وطغي, ومهما ملك من وسائل البطش والطغيان والتنكيل. إنها العنكبوت: وما تملك من قوي ليست سوي خيوط العنكبوت:( وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون). وإن أصحاب الدعوات الذين يتعرضون للفتنة والأذي, وللإغراء والإغواء, لجديرون أن يقفوا أمام هذه الحقيقة الضخمة ولا ينسوها لحظة, وهم يواجهون القوي المختلفة: هذه تضر بهم وتحاول أن تسحقهم, وهذه تستهويهم وتحاول أن تشتريهم... وكلها خيوط العنكبوت في حساب الله, وفي حساب العقيدة حين تصح العقيدة, وحين تعرف حقيقة القوي وتحسن التقويم والتقدير. * وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن( رحم الله كاتبه برحمته الواسعة) ما نصه:( مثل الذين اتخذوا من دونه أولياء...) أي مثل هؤلاء في اتخاذهم الأصنام آلهة يعبدونها ويعتمدون عليها, ويرجون نفعها وشفاعتها, كمثل العنكبوت في اتخاذها بيتا واهيا من نسجها لا يغني عنها في حر ولا قر, ولا في مطر ولا أذي. والعنكبوت: دويبة معروفة تنسج نسجا رفيعا مهلهلا في الهواء, وتطلق علي الواحد والجمع, والمذكر والمؤنث, والغالب في استعمالها التأنيث, والواو والتاء زائدتان, كما في طاغوت. وجمعها عناكب وعناكيب. * وذكر أصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم( جزاهم الله خيرا) ما نصه: شأن المبطلين الموالين لغير الله في الضعف والوهن والاعتماد علي غير معتمد كشأن العنكبوت في اتخادها بيتا تحتمي به, وبيتها أوهي البيوت وأبعد عن الصلاحية للاحتماء, ولو كان هؤلاء المبطلون أهل علم وفطنة لما فعلو ذلك. وجاء في تعليق الخبراء بالها مش ما يلي:... بيوت العنكبوت التي تبنيها لسكانها, وللقبض علي فريستها دقيقة الصنع لأنها مكونة من خيوط علي درجة عظيمة من الرقة تفوق رقة الحرير, وهذا مما يجعل نسيجها أضعف بيت يتخذه أي حيوان مأوي له. * وجاء في صفوة التفاسير( جزي الله كاتبه خيرا) كلام مشابه لا أري حاجة إلي تكراره. العنكبوت في منظور العلم العنكبوت حيوان من مفصليات الأقدام(Arthropoda), يصنف في طائفة العنكبيات(ClassArachnida) التي تجمع رتبة العناكب أو العنكبوتيات(OrderAraneida) مع عدد من الرتب الأخري التي تشمل مجموعات العقارب, والفاش, والقراد. والعنكبوت(Spider) ينقسم فيه الجسم إلي مقدمة يلتحم فيها الرأس مع الصدر, ومؤخرة غير مقسمة تشمل البطن. وتحمل المقدمة أربعة أزواج من الأقدام, وزوجين من اللوامس, وزوجا من القرون الكلابية(Chelicerae) علي هيئة الكماشة أو المخالب التي تحتوي علي غدد السم, ويفصل مقدمة الجسم عن مؤخرته خصر نحيل. وللعنكبوت عيون بسيطة يصل عددها إلي الثماني, وقد يكون أقل من ذلك, وهو حيوان مفترس يعيش علي أكل الحشرات, وله جلد سميك مغطي بالشعر, ينسلخ عنه من سبع إلي ثماني مرات حتي يصل إلي اكتمال النضج. وعلماء الحيوان يعرفون اليوم أكثر من ثلاثين ألف نوع من العناكب التي تتباين في أحجامها( بين أقل من الملليمتر والتسعين ملليمترا) وفي أشكالها, وألوانها, ومعظمها يحيا حياة برية, فردية في الغالب إلا في حالات التزاوج وفقس البيض عن الذرية, وتمتد بيئة العناكب من مستوي سطح البحر إلي ارتفاع خمسة آلاف متر, وللعنكبوت ثلاثة أزواج من نتوءات بارزة ومتحركة في أسفل البطن لها ثقوب دقيقة يخرج منها السائل الذي تصنع منه خيوط نسيج البيت الذي يسكنه, ولذلك تعرف باسم المغازل, وهذه المادة السائلة التي تخرج من عدد من الغدد الخاصة إلي خارج جسم العنكبوت عبر مغازل المؤخرة تجف بمجرد تعرضها للجو, وينشأ عن جفافها خيوط متعددة الأنواع والأطوال والشدة, تختلف باختلاف الغدد التي أفرزتها. وقد يمكث العنكبوت في بيته الذي يزاول فيه جميع أنشطته الحياتية, وقد يتخذ له عشا أو مخبأ غير البيت يرتبط به بخيط يعرف باسم خيط المصيدة. ويهرب إلي هذا المخبأ في حالات الخطر. من الدلالات العلمية للنص الكريم أولا: الإشارة إلي العنكبوت بالإفراد: جاء في لسان العرب تحت مادة( عنكب) أن( العنكبوت) دويبة تنسج في الهواء وعلي رأس البئر نسجا رقيقا مهلهلا, مؤنثة, وربما ذكرت في الشعر. ويقال لبيت العنكبوت:( العكدبة). وقال الفراء: العنكبوت أنثي, وقد يذكرها بعض العرب, والجمع( العنكبوتات), و(العناكب), و(العناكيب), وتصغيرها( عنيكب), وهي بلغة اليمن( عكنباه) ويقال لها أيضا( عنكباء), وعنكبوه, وحكي سيبويه( عنكباء) مستشهدا علي زيادة التاء في( عنكبوت), فلا أدري أهو اسم للواحد أم للجمع. وقال ابن الاعرابي:( العنكب) الذكر منها, و(العنكبة) الأنثي. وقيل:( العنكب جنس العنكبوت, وهو يذكر ويؤنث, أعني العنكبوت. قال المبرد: العنكبوت أنثي ويذكر. والغالب أن لفظة( العنكبوت) اسم للواحدة المؤنثة المفردة, والجمع( العناكب). وتسمية السورة الكريمة بصياغة الإفراد( العنكبوت) يشير إلي الحياة الفردية لهذه الدويبة فيما عدا لحظات التزاوج, وأوقات فقس البيض, وذلك في مقابلة كل من سورتي النحل والنمل والتي جاءت التسمية فيها بالجمع للحياة الجماعية لتلك الحشرات. ثانيا: في قوله تعالي:( اتخذت بيتا): في هذا النص القرآني الكريم إشارة واضحة إلي أن الذي يقوم ببناء البيت أساسا هي أنثي العنكبوت, وعلي ذلك فإن مهمة بناء بيت العنكبوت هي مهمة تضطلع بها إناث العناكب التي تحمل في جسدها غدد إفراز المادة الحريرية التي ينسج منها بيت العنكبوت. وإن اشترك الذكر في بعض الأوقات بالمساعدة في عمليات التشييد, أو الترميم, أو التوسعة, فإن العملية تبقي عملية أنثوية محضه, ومن هنا كان الاعجاز العلمي في قول الحق( تبارك وتعالي): اتخذت بيتا. ثالثا: في قوله تعالي:( إن أوهن البيوت لبيت العنكبوت...) هذا النص القرآني المعجز يشير إلي عدد من الحقائق المهمة التي منها: (1) أن بيت العنكبوت هو من الناحية المادية البحتة أضعف بيت علي الاطلاق, لأنه مكون من مجموعة خيوط حريرية غاية في الدقة تتشابك, مع بعضها البعض تاركة مسافات بينية كبيرة في أغلب الأحيان, ولذلك فهي لا تقي حرار شمس, ولا زمهرير برد, ولا تحدث ظلا كافيا, ولا تقي من مطر هاطل, ولا من رياح عاصفة, ولا من أخطار المهاجمين, وذلك علي الرغم من الاعجاز في بنائها, فخيوط بيت العنكبوت حريرية دقيقة جدا, يبلغ سمك الواحدة منها في المتوسط واحدا من المليون من البوصة المربعة, أو جزءا من أربعة آلاف جزء من سمك الشعرة العادية في رأس الإنسان, وهي علي الرغم من دقتها الشديدة أقوي خمس مرات من نظيرها من الصلب, وتتميز بمقاومة للشد أكبر من مثيلتها من الصلب سواء نسبت تلك المقاومة لوحدة الحجوم أو لوحدة الوزن من الخيط المختبر, بل إن الدراسات الحديثة قد أثبتت أن الخيط من حرير عنكبوت من نوع نيفلا(Nephila) وهو من مجموعة الحائك الدوار(Orbweaver) يعد أقوي ثلاث مرات من مثيله المصنوع من المادة المعروفة باسم كيفلار(Kevlar), وهي مادة ذات أساس بترولي تستخدم في صناعة الصديرية الواقية من طلقات الرصاص. لذلك يعد حرير العنكبوت واحدا من أقوي المواد الموجودة علي سطح الأرض لأنه يتحمل شدا يصل إلي42000 كيلو جرام علي السنتيمتر المربع مما يكسبه قابلية هائلة للمطStretching)) وأعطاه قدرة علي الايقاع بالفريسة من الحشرات دون أن يتمزق, خاصة وأن العنكبوت يبني بيته من ضفائر تضم الواحدة منها عددا من هذه الخيوط المضفرة, والمجدولة تجديلا قويا, ولذلك قال ربنا( تبارك وتعالي) أوهن البيوت, ولم يقل أوهن الخيوط, وبقي بيت العنكبوت هو أوهن البيوت وأضعفها علي الإطلاق, علي الرغم من شدة خيوطه. (2) أن بيت العنكبوت من الناحية المعنوية هو أوهن بيت علي الإطلاق لأنه بيت محروم من معاني المودة والرحمة التي يقوم علي أساسها كل بيت سعيد, وذلك لأن الأنثي في بعض أنواع العنكبوت تقضي علي ذكرها بمجرد إتمام عملية الإخصاب وذلك بقتله وافتراس جسده لأنها أكبر حجما وأكثر شراسة منه, وفي بعض الحالات تلتهم الأنثي صغارها دون أدني رحمة, وفي بعض الأنواع تموت الأنثي بعد إتمام إخصاب بيضها الذي عادة ما تحتضنه في كيس من الحرير, وعندما يفقس البيض تخرجSpiderlings)) فتجد نفسها في مكان شديد الازدحام بالأفراد داخل كيس البيض, فيبدأ الإخوة الأشقاء في الاقتتال من أجل الطعام أو من أجل المكان أو من أجلهما معا فيقتل الأخ أخاه وأخته, وتقتل الأخت أختها وأخاها حتي تنتهي المعركة ببقاء عدد قليل من العنيكبات التي تنسلخ من جلدها, وتمزق جدار كيس البيض لتخرج الواحدة تلو الأخري, والواحد تلو الآخر بذكريات تعيسه, لينتشر الجميع في البيئة المحيطة وتبدأ كل أنثي في بناء بيتها, ويهلك في الطريق إلي ذلك من يهلك من هذه العنيكبات. ويكرر من ينجو منها نفس المأساة التي تجعل من بيت العنكبوت أكثر البيوت شراسة ووحشية, وانعداما لأواصر القربي, ومن هنا ضرب الله تعالي به المثل في الوهن والضعف لافتقاره إلي أبسط معاني التراحم بين الزوج وزوجه, والأم وصغارها, والأخ وشقيقه وشقيقته, والأخت وأختها وأخيها..!! رابعا: في قوله تعالي:( لو كانوا يعلمون*): هذه الحقائق لم تكن معروفة لأحد من الخلق في زمن الوحي, ولا لقرون متطاولة من بعده, حيث لم تكتشف إلا بعد دراسات مكثفة في علم سلوك حيوان العنكبوت استغرقت مئاتا من العلماء لعشرات من السنين حتي تبلورت في العقود المتأخرة من القرن العشرين, ولذلك ختم ربنا( تبارك وتعالي) الآية الكريمة بقوله( لو كانوا يعلمون). وعلي ذلك فإن الوصف القرآني لبيت العنكبوت بأنه أوهن البيوت, هذا الوصف الذي أنزل علي نبي أمي( صلي الله عليه وسلم), في أمة كانت غالبيتها الساحقة من الأميين من قبل ألف وأربعمائه سنة يعتبر سبقا علميا لا يمكن لعاقل أن يتصور له مصدرا غير الله الخالق الذي أنزل القرآن الكريم بعلمه علي خاتم أنبيائه ورسله, وحفظه بعهده في نفس لغة وحيه( اللغة العربية) علي مدي أربعة عشر قرنا أو يزيد, وإلي أن يرث الله الأرض ومن عليها حتي يبقي هذا الكتاب العزيز حجة علي الناس كافة إلي يوم الدين, ويبقي ما فيه من الحق شاهدا علي أن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق, وشاهدا كذلك بالنبوة وبالرسالة للنبي الخاتم وللرسول الذي تلقاه( صلي الله عليه وسلم) الخاتمي والذي بلغ الرسالة, وأدي الأمانة, ونصح الأمة, وجاهد في سبيل الله حتي آتاه اليقين...!! فنسأل الله( سبحانه وتعالي) أن يجزيه خير ما جازي به نبيا عن أمته, ورسوله علي حسن أداء رسالته, وأن يؤتيه الوسيلة والفضيلة والدرجة العالية الرفيعة, وأن يبعثه المقام المحمود الذي وعده إن ربي لا يخلف الميعاد, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلي الله وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين.
__________________
[gdwl][/gdwl]
|
أدوات الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه للموضوع: وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون العنكبوت:41 | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | الأقسام الرئيسية | مشاركات | المشاركة الاخيرة |
اشجار وخيول الجنة | معاوية فهمي | موضوعات عامة | 0 | 2020-01-05 05:56 PM |
الوجيز فى الميراث | معاوية فهمي | موضوعات عامة | 0 | 2019-12-14 03:50 PM |