جديد المواضيع |
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
كيف تعود عزة المسلمين إليهم؟ (2)
[ كيف تعود عزة المسلمين إليهم؟ (2) ] الشيخ محمد بن عبد الله الغنيمات لقد جعل الله في قلوب بني آدم محبة وإرادة لمِا يتألهونه ويعبدونه، وذلك هو قوام قلوبهم وصلاح نفوسهم،كما جعل فيهم محبة وإرادة لما يطعمونه وينكحونه، وبذلك تصلح حياتهم ويدوم شملهم، وحاجتهم إلى التأله أعظم من حاجتهم إلى الغذاء فإن الغذاء إذا فُقد يفسد الجسم، وإذا فُقد التأله تفسد النفس، ولن يصلح ابن آدم إلا تألهه لله وحده، وعبادته وحده لا شريك له، وهذا هو الفطرة التي فطر الله الناس عليها كما في الحديث المتفق عليه:«كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه»، وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يخبر به عن الله تعالى أنه قال:«إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنـزل به سلطاناً»[1]. وليس معنى قوله – صلى الله عليه وسلم - «كل مولود يولد على الفطرة» أنه حين ولدته أمه يكون عارفاً بالله موحداً له عاقلاً لذلك، كما يتوهمه بعض الناس، وإنما معناه أن فطرته تقتضي أن يعرف الله ويوحده ويعبده وحده ويتجه إليه دون ما سواه، فإذا حصل له العلم بذلك وجدت معرفته لربه وحبه له على قدر العلم الذي حصل له، إذا لم تغير فطرته، ويلقن ما يحرفه عن ذلك، وقد قال الله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً ﴾ [النحل:78]، فتبين أن المقصود بأنه ولد على الفطرة: الاستعداد لقبول الحق ومحبته، وإلا فكل أحد يعلم أن الطفل ليس عنده معرفة بتوحيد الله تعالى ودينه. وعلى كل يجب على العبد أن يكون عبداً لله لا لغيره، ويجب أن يستعين على ذلك بثلاثة رسل: قائد، وسائق، وحاد يبعث كوامن الرغبة في نفسه. فالقائد هي المحبة لله والتعلق به، وهي مقصودة لذاتها لأنها تلازم العبد في الدنيا والآخرة، والسائق الخوف من عقاب الله وعذابه في الدنيا والآخرة والمقصود منه الزجر والمنع من الخروج عن طريق الله الذي نصبه لعباده يسيرون عليه إليه، وهو مراد لغيره؛ فلذلك يزول إذا دخل العبد الجنة. وأما الحادي فهو الرجاء ينشط النفس ويبعثها على الجد، فهذا الأصل يجب أن يعمل العبد به وأن لا يخرج عنه، فإذا ترسمه كان ممن قال الله فيهم: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾ [يونس: 62-63]، ويستعين على ذلك بكثرة ذكر الله، كما أمر جل وعلا بقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾ [الأحزاب: 41، 42]، ويستعين كذلك بالنظر إلى نعم الله عليه وآلائه، كما أمر الله تعالى بذلك بقوله تعالى: ﴿ فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الأعراف:69]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ﴾ [النحل:53]، فالعبد إذا خلي ونفسه لم يستطع جلب نفع ولا دفع ضر، وقال تعالى: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا ﴾ [النحل:18]، وقال: ﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾ [لقمان:20]، فلا بد من النظر إلى ذلك وتذكره فهو تعالى الذي سخر للإنسان كل ما في السماء والأرض، وفي وقتنا هذا ازدادت نعم الله علينا الظاهرة بما جد من الصناعات والآلات التي أراحت الناس من عناء الكد، ومكابدة الأسفار، وتعب الحرث ومشقة الأعمال. وأما النعم الباطنة وأعظمها الإيمان بالله وما يتبعه فقد كان في صدر هذه الأمة أعظم وأعم، ومن حصل له الإيمان بالله تعالى ورسوله، فذلك أعظم النعم على الإطلاق، فعليه أن يغتبط بذلك وينميه، ويعمل على استقراره في قلبه واستدامته، والرغبة إلى الله بتثبيته عليه إلى يوم يلقاه. والمقصود أن كثرة ذكر الله تعالى وتسبيحه، ومطالعة نعمه تجلب له محبة الله تعالى، وكذلك النظر في وعيد الله والتفكر في القبر وعذابه، والعرض على رب العالمين وحسابه، يبعث على الخوف والانـزجار عن معاصي الله تعالى، كما أن النظر في سعة رحمة الله وكرمه وواسع حلمه يبعث على الرجاء، فعلى المؤمن ألا يكون مغلوباً على أمره، بل يسعى إلى ما يسعده بالطرق الصحيحة المشروعة، وعليه أن يكون نبيهاًَ على حذر من الوقوع في الفتن، فتن الشبهات والشهوات وهذه هي التي أردت أكثر الناس اليوم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أخوف ما أخاف عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم، ومضلات الفتن»[2]. وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال:«حفت النار بالشهوات، وحفت الجنة بالمكاره» وفي رواية البخاري: «حجبت النار بالشهوات وحجبت الجنة بالمكاره»[3] وهذا أبلغ وأشد فإذا كانت الجنة محجوبة بالمكاره، فلا يمكن دخولها إلا بعد ما يتجاوز العبد هذه المكاره ويذوق مرارتها ويعاني مشقتها، وكذلك النار الطريق إليها تدعو إلى سلوكه شهوات الغي، ومشتبهات الهوى والنفوس البهيمية، وهو سهل السلوك، مزين المورد، ولهذا أكثر بني آدم سائر عليه، كما أخبر الله بذلك ورسوله، وكما هو الواقع المشهود، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [سبأ:20]، وفي حديث بعث النار، من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون وواحد إلى الجنة. يعني أنه لا يدخل الجنة من بني آدم إلا من كل ألف واحد فقط. ومع ذلك فإن العبد إذا انقاد لطاعة ربه، ورضي به معبوداً، وقصده بالحب والذل، صارت عبادته غذاء روحه، وقوام حياته، وغلب جانب الروح الإيماني، على جانب الجسم الشهواني، وهذا هو المقصود من الإنسان؛ أن يغلب جانب الروح، فلا يذوق طعم الإيمان وحلاوته إلا بذلك، وإنما يأخذ من حظوظ الجسم ما يكون فيه قوته، وقوته على أعمال العبادة والطاعة، وبذلك يدرك العبد الحياة الحقيقية والسعادة في الدنيا قبل الآخرة، حياة الإيمان بالله والطمأنينة به قال تعالى: ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ﴾ [الأنعام:122]، وهذه حياة الإيمان، ونور الهداية، والعلم بالله تعالى وهي حياة السعداء يجدون لها لذة لا تقاربها ملذات الدنيا، كما كان يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغيره:«إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة»، والله تعالى يحب أن يعبد بالحب والذل والخضوع له، وقد أمر بذلك وأوجبه على عباده، ووعدهم عليه السعادة والنعيم المقيم، فيجب على العبد أن يحب ما يحبه الله تعالى، وأن ينقاد لأمره قابلاً مستسلماً راضياً، وأن يحب ما فيه سعادته وحصوله على النعيم، ثم يترقى من هذا إلى أن تكون عبادة الله تعالى قرة عينه، وغذاء روحه، فتسهل عليه الآلام والأوصاب التي تصيبه في ذلك كما حصل لحارس رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات الرقاع، لما باتوا قام اثنان من الصحابة يحرسان؛ أنصاري ومهاجري، فقام الأنصاري يصلي، ونام المهاجري، فجاء رجل من الكفار فرأى شخصه، فرماه بسهم فأصابه، فانتزعه من جسمه واستمر في صلاته، ثم رماه بآخر فانتزعه من جسمه واستمر في صلاته، ثم رماه بثالث، عند ذلك ركع وسجد وسلم ثم أيقظ صاحبه، فلامه صاحبه، على عدم إعلامه أول ما رماه، فقال: إني كنت أقرأ في سورة كرهت أن أقطعها، فلما تابع علي الرمي أعلمتك، وايم الله لولا خوفي أن أضيع ثغراً أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظه لقطع نفسي قبل أن أقطعها. فلم يمنعه ما أصابه من الجراح والألم عن متابعة القراءة؛ لأن ما لديه من حلاوة مناجاة الله، وتلاوة كلامه ينسيه الألم، ولذلك كان عيشهم طيباً وحياتهم سعيدة مع ما هم فيه من الفقر وقلة ذات اليد، كما في الصحيحين عن أبي موسى قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة، ونحن ستة نفر بيننا بعير نتعقبه، فنقبت أقدمنا، ونقبت قدماي وسقطت أظفاري، وكنا نلف على أرجلنا الخرق، فسميت غزوة ذات الرقاع لما كنا نعصب من الخرق على أرجلنا، وحدث أبو موسى بهذا ثم كره ذاك؛ قال: ما كنت أصنع بأن أذكره، كأنه كره أن يكون شيء من عمله أفشاه[4]. [1] مسلم ج4 ص 2197 – 2198. [2] رواه أحمد بسند صحيح جـ4 ص420. [3] انظر مسلم جـ4 ص1274 وفتح الباري جـ8 ص120. [4] البخاري جـ5 ص145. ************************ |
أدوات الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه للموضوع: كيف تعود عزة المسلمين إليهم؟ (2) | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | الأقسام الرئيسية | مشاركات | المشاركة الاخيرة |
حتى تعود النعمة | معاوية فهمي | موضوعات عامة | 0 | 2019-10-12 03:41 PM |