جديد المواضيع |
|
|
أدوات الموضوع |
#11
|
||||
|
||||
ولن نشرح بقية القصص فهى مكررة فى القرآن الكريم، ولن يعرف تاريخ أمة من قصة واحدة بل من جملة الوحى المفرق على سور كثيرة. وإنما يعنينا هنا أن نتساءل: كم من القرون سلخت هذه الأمم جميعا من تاريخ الحياة؟. إننى بعد التأمل أجد أن الحياة من أيام الطوفان إلى الآن تبلغ ثمانين قرنا.. فكم سلخت الأمم بين آدم ونوح؟ ما أحسبها تزيد عن هذا الأمد!! ولم يحدثنا القرآن بتفصيل عن هذه الأجيال بين آدم ونوح! ومن هنا فأنا أشك فى البحوث الجيولوجية التى تخبرنا أن جمجمة آدمية وجدت ودل فحصها على أن لها عشرات الملايين من السنين!! جمجمة من هذه؟ لعل هناك خلائق أخرى غير الجان سكنت هذه الأرض! أيا ما كان الأمر فهذا بحث لا يهمنا. وقد تدبرت تعليق القرآن الكريم على هلاك الأمم المكذبة فوجدت أن الأمر لم يكن إنذارا، فعصيانا، فعقابا. كلا لقد طال الأمر، وامتدت أجيال، وتوارثت الأقوام النذر كما توارثت التكذيب فحاق بها ما حاق! ترى ذلك فى قوله تعالى " وما أرسلنا في قرية من نبي إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون * ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون ". ومعنى عفوا زادوا، والسيئة والحسنة هنا الأحوال حسنها وسيئها، وليس المراد الطاعات والمعاصى.. والأمم التى أبيدت هى التى حفرت قبرها بيدها، فما وقعت بها شائبة ظلم. "ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون" . وكان على الخلوف أن يتعظوا بمصارع الآباء والأجداد، ولكنهم لم يعتبروا، فهلكوا ص _120 "أولم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون" . وهكذا طوى القدر صفحة العرب العاربة ومن لف لفها. ثم نقل الرسالات إلى الشعبة الثانية من الجنس السامى... إلى بنى إسرائيل قال تعالى: "ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه فظلموا بها فانظر كيف كان عاقبة المفسدين " . وكان أولاد يعقوب - الملقب بإسرائيل - يعيشون عيشة البدو فى صحراء الشام، ثم استدعاهم يوسف فسكنوا مصر، وهناك تناسلوا وزادت أعدادهم. ورفضوا الذوبان فى الشعب المصرى، وانفردوا بعقائدهم وتقاليدهم، ونشب بينهم وبين المصريين خصام شديد، واستذلهم الفراعنة وأنزلوا بهم مآسى موجعة. حتى شاء الله فأنقذهم على يدى موسى بعد مراحل متطاولة قال لهم موسى خلالها: "عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون" . والكلمة ناضحة بما كان يخافه موسى من قومه. وقد كان صادق الحدس فى سوء ظنه بهم. فإنهم بعد نجاتهم من المظالم التى قصمت ظهورهم، بفضل الله وحده، كان أول ما صنعوه النزوع إلى عبادة الأصنام " وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون * إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون " . والغريب أن حنينهم إلى الوثنية سيطر على أفكارهم وأعصابهم فما كاد موسى يذهب لمناجاة ربه حتى اتخذوا من حليهم عجلا جسدا، ليعبدوه من دون الله. وفى هذا الصنيع يقول الله تعالى "إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين " . والحق أن جمهرة كبرى من اليهود كان إيمانها مغشوشا، وكانت شهواتهم تغلب عليهم. وكانوا يحتالون على الله فى التنفيس عنها، فإذا حرم عليهم الصيد يوم السبت، ورأوا السمك كثيرا فى الماء صنعوا وراءه حاجزا يمنعه من الهرب، ثم جاءوا يوم الأحد وأخذوه. ص _121 يتبع...
|
#12
|
||||
|
||||
"واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون" . ويظهر أن العقلاء رفضوا هذا المسلك، ثم انقسموا أينصحون قومهم لعلهم يرعوون أم يتركونهم يأسا منهم لله " فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون " . وقد حكى لنا التاريخ أن الدولة اليهودية سقطت فى يد أعدائها " وقطعناهم في الأرض أمما منهم الصالحون ومنهم دون ذلك... " . وفى الحديث الشريف أن نبينا صلى الله عليه وسلم سئل: " أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث". وشتت الله شمل بنى إسرائيل، ومكن أهل الأرض منهم، وتأذن بأن يبعث عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب.. وظاهر من سيرة اليهود أن فسادهم عن علم، فالأولون من الأمم الهالكة كان الجهل يطغيهم ويطيش بمسالكهم أما اليهود فقد عبثوا بالوحى وتمردوا على حملته " كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون ". وحديثهم عن الله لا أدب فيه ولا توقير، وقد سبق أن قالوا لموسى " فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون". وترادفت وقاحاتهم على هذا النحو فحقت عليهم كلمة ربك، ولذلك بعد أن سرد الوحى قصتهم قال " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين * ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث... ". وهذا السياق يصدق فى كل فرد وكل شعب تأتيه هداية الله فيزهد فيها ويرخص قيمتها.. وقد قامت اليوم دولة لليهود على حساب العرب، والسبب واضح، أن اليهود قاتلوا شرا منهم ! ص _122 قاتلوا العرب والعرب معطلون لحدود الله، مستبيحون لحرماته، تاركون للواء محمد لا يمشى تحته أحد، وسائرون تحت ألوية الغدر والعصيان.. فلا عجب أن ينطبق عليهم ما انطبق على غيرهم مصداق قوله بعد ذلك فى اليهود وكل مارق "ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل...". بعد الحديث عن الأمم التى هلكت لسوء سلوكها نقرأ آيتين جديرتين بالتأمل: الأولى قوله تعالى " من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون". وقوله بعد ذلك "من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون " . ونؤكد أنه ليس فى هاتين الآيتين ولا فى غيرهما مما يشبهما أية أثارة من جبر! إن حرية الإرادة البشرية فوق الجدل وإلا سقط التكليف كله واعتبر الوجود مهزلة!! ونلفت النظر إلى أن هناك ضلالا، وأن هناك إضلالا، ولا يضل الله سبحانه إلا من ضل. !هناك زيغ وهناك إزاغة ولا يزيغ الله سبحانه إلا من زاغ. كما قال فى سورة أخرى " قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا.... ". ويغلب تذييل الآيات بما يثبت الاختيار البشرى ونجد هنا قوله تعالى "... ويذرهم في طغيانهم يعمهون" بعد قوله "من يضلل الله فلا هادي له" إشارة إلى أن هلاكهم وليد طغيانهم. وفى الآية التى سبقتها ".. ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون" إشارة إلى أن مسلكهم هو سبب خسارهم.. وعلى سنة القرآن فى التعبير البلاغى يجئ نظم الآيات فنحن نقول: تأخذ الأفران وقودها من الأخشاب الجافة والأعواد اليابسة. ونقول: يأخذ السقوط أهله من الكسالى والقاعدين. وهذه كلها عبارات مجازية فلا الأفران تأخذ ولا السقوط يأخذ.. وعلى هذا النحو جاء التعبير القرآنى "ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها...." والخ. ص _123 يتبع...
|
#13
|
||||
|
||||
والمراد أن القلوب المحجوبة والعيون المغلقة تقود أصحابها إلى جهنم وعلى كل امرئ يريد النجاة أن يفتح قلبه وعينه وذلك فى مقدوره بيقين.! ولذلك قال جل شأنه " أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة... " ! " أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء... ". وفاقد الفكر والنظر لا يلومن إلا نفسه. وقد نصح الله المسلمين كيما يتجنبوا مصاير الأولين أن يحسنوا علاقاتهم بالله، وأن يدعوه سبحانه بأسمائه الحسنى ويبتعدوا عن الشرك القبيح والظن السيئ " ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها.... ".. ولا شك أن الكمال والمجد والغنى لله وحده، ونحن عند الحيرة ندعو الهادى، وعند الظلمة ندعو النور وعند الحاجة ندعو الغنى، أما المقطوعون عن الله فهم يدعون غيره، أو يجهلون قدره فهم ملحدون فى أسمائه محجوبون عن ذاته!. والخاصة الأولى للأمة الإسلامية صدق توحيدها وعبوديتها " وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون * والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون" 0 إن لله مكرا بالمجرمين قد تذهلهم عنه لذات عاجلة أو انتصارات خادعة أو تقلب فى البلاد مقرون بالسطوة والكبر.. وهذه الأحوال من إملاء الله للمبطلين، ثم يجزهم حبل المنية إلى مصارعهم من حيث لا يعلمون قال تعالى: " وأملي لهم إن كيدي متين" . والمطلوب من أهل الحق إذا لحقتهم البأساء والضراء ألا يضطرب يقينهم ويفتر حماسهم، بل يجب أن يصابروا الليالى الكالحة حتى يدركوا النصر الإلهى وهو آت حتما وإن طالت السنون. ولما كان الإيمان باليوم الآخر امتدادا للإيمان بالله وأسمائه فإن النفس البشرية تتطلع إلى معرفة ميقاته، وتتطلع إلى الساعة المؤذنة به. وقد يسعى البعض إلى رسول الله ـ بصلة خاصة ـ يحاول عن طريقه اكتشاف ذلك المجهول الغائب! ص _124 وقد نزل الوحى رافضا هذه المحاولات وكاشفا أن علم الساعة لله وحده: "يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو... " . والواقع أن استشرافنا لهذه المعرفة قليل الغناء، إنه قد يعنى المعاصرين لقيام الساعة، أما نحن فساعتنا تبدأ من حين الوفاة. عندئذ ننتقل إلى العالم الآخر، ونعرف أن الحياة الدنيا كانت وهما كبيرا..! ومن خصائص الإسلام التوكيد على نبوة محمد وعبوديته إنه ليس إلها ولا شبه إله ولا جزء إله، إنه عبد لله الواحد لا يملك لنفسه ولا لغيره ضرا ولا نفعا.. وكذلك سائر الملائكة والبشر، ومن زعم غير هذا فهو كذوب.. وعادت سورة الأعراف - كما بدأت ـ تتحدث عن آدم، لقد ذكر هنا والمراد ذريته كما ذكرت الذرية أول السورة والمراد آدم نفسه. والسياق هنا عاتب غاضب! إن الله غمر أبناء آدم بأنعمه، فبدل أن يشكروا له أشركوا به! "أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون * ولا يستطيعون لهم نصرا ولا أنفسهم ينصرون" . ثم اتجه الخطاب إلى الدعاة وإمامهم منددا بجمود هؤلاء المشركين وعدم استفادتهم من الوحى النازل لهدايتهم "وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون" . وهذا جمود مستغرب، وعلى سيد الدعاة أن يصمد أمامه مستمسكا بالكتاب الذى نزل عليه قائلا بلسانه وجنانه "إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين " . وهذا الكتاب أجدى من الخوارق الحسية التى ينتظرونها ويطالبون بها "... قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون " . ومهما طال التعنت وزادت المكابرة فعلى الرسول الكريم أن يصبر "خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين " ... ص _125 يتبع...
|
#14
|
||||
|
||||
إن هذه السورة قصّت فى أوائلها كيف نجح الشيطان فى إخراج آدم من الجنة، وبينت أن محاولاته لتضليل بنيه لن تنتهى! لكن الشيطان لا يملك أكثر من الوسوسة. وما دام الإنسان مؤمنا فستنهزم الوساوس وترتد مدحورة " إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون ". لكن الذين حرموا هذا القلب الصاحى يتبعون الشيطان فيقودهم إلى مهالكهم! وخير ما يعصم المرء تشبثه بذكر الله، فإن هذا الذكر يعصمه من الزلل ويستبقيه فى مستوى رفيع. وخير الذكر هو الكتاب الكريم " وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون " . وليس هذا الذكر حركة لسان مع غفلة قلب وشرود ذهن. إن الذكر وعى مكتمل وهو من وظائف العقل قبل كل شئ. ويجب أن يكون موصولا لا متقطعا، ومسيطرا على السر والجهر، وباعثا على الرغبة والرهبة: "واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين" . وبهذا الذكر ينتظم المؤمن العابد مع الكون كله، وهو يسبح بحمد ربه. ****** ص _ 127مأخوذ من كتاب نحْوَ تفسير مَوْضوعيّ. الشيخ محمد الغزالي. |
أدوات الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه للموضوع: سورة الأعراف. | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | الأقسام الرئيسية | مشاركات | المشاركة الاخيرة |
إبدأ صفحة جديدة مع الله | معاوية فهمي | موضوعات عامة | 0 | 2019-12-31 11:27 AM |
هل سمعت بهذا من قبل | معاوية فهمي | موضوعات عامة | 0 | 2019-12-22 11:36 AM |
شرح سورة الجمعة | التوحيد | موضوعات عامة | 0 | 2019-11-23 11:06 PM |
الدروس المستفادة من سورة التوبة | معاوية فهمي | موضوعات عامة | 0 | 2019-11-03 12:16 PM |